قضايا
شاكر عبد موسى: المرجعيات الثلاث في العراق وطروحات الفقه المقدس
المقدمة: يعد العراق من البلدان التي تتميز بتعدد ثقافاتها وتشابك مكوناتها السياسية والدينية والعشائرية، وتعود هذه المكونات إلى عدة قرون من التاريخ، إذ تمتزج فيها القوى السياسية والدينية والاجتماعية لتشكل صورة معقدة للغاية، وتلعب المرجعيات الثلاث دورًا رئيسيًا في تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية في العراق، وتتأثر بدورها بتفاعلات داخلية وخارجية متعددة.
وتعتبر المرجعيات الثلاث في العراق، أي السياسية والدينية والعشائرية، من العوامل الأساسية التي تؤثر على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، فهذه المرجعيات تمتلك تأثيرًا كبيرًا في صنع القرارات السياسية وتنظيم المجتمعات والعلاقات الاجتماعية في العراق.
هدف البحث:
يهدف هذا البحث إلى دراسة تاريخ المرجعيات الثلاث في العراق، بدءًا من نشأتها وتطورها وحتى أيامنا هذه، ولو بشكل مختصر، مع التركيز على أثرها في الشأن السياسي والاجتماعي في البلاد.
كما تهدف هذه الورقة إلى دراسة تلك المرجعيات المؤثرة، وتحليل دور كل منها وتأثيرها على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، مع ذكر استخدام المصادر لتقديم دلائل تدعم الأفكار المطروحة ولتوجيه القارئ نحو دراسات أخرى متعلقة بهذا الموضوع المعقد.
الجزء الأول: المرجعيات السياسية
من المعروف للجميع أن سياسة العراق الحالية تجري في إطار جمهورية برلمانية ديمقراطية فيدرالية ممثلة لكافة قوميات وديانات وطوائف العراق من خلال نظام التعددية الحزبية، أذ تمارس السلطة التنفيذية من قبل رئيس الوزراء لمجلس الوزراء (الشيعي) بصفته رئيس الحكومة، فضلا عن رئيس جمهورية العراق (كردي)، وتناط السلطة التشريعية في مجلس النواب العراقي، ورئيسه (سني).
إذ تلعب المرجعيات السياسية دورًا هامًا في الحياة السياسية في العراق، فهذه المرجعيات تتمثل في الأحزاب السياسية والتي تسعى للحصول على السلطة وتشكيل الحكومة الاتحادية من خلال الانتخابات البرلمانية التي تجري كل أربع سنوات.
ويشهد العراق منذ سقوط نظام (صدام حسين المجيد 1937- 2006) في أبريل، نيسان/عام 2003 تشكيلًا متعددًا للأحزاب السياسية وتنافسًا شديدًا بينهم، ومن أبرز المرجعيات السياسية في العراق يمكن ذكر كتلة العراقية والتيار الصدري سابقاً، والإطار التنسيقي، تحالف تقدم، تحالف عزم، حركة امتداد، التحالف الكردي (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) حالياً.
وهناك مجالس المحافظات في العراق التي تعد بمثابة السلطة التشريعية والرقابية في كل محافظة، ولهذه المجالس المنتخبة الحق في إصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات.
وتمتد الدورة الانتخابية لمجالس المحافظات العراقية لمدة أربع سنوات تبدأ مع أول جلسة لها، وفقا لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصادر عام /2008.
ويتكون مجلس المحافظة الواحد من عشرة أعضاء، يضاف إليه مقعد واحد لكل مائتي ألف نسمة لما زاد على مليون نسمة، وفقا لآخر إحصائية سكانية تم وضع من خلالها سجل الناخبين، على ألا يزيد إجمالي الأعضاء على35عضواً.
كما أن هناك فروعا أخرى تسمى (مجالس الأقضية) التابعة لكل محافظة، إذ تجرى انتخابات مجالس الأقضية في مرحلة ثانية خلال ستة أشهر من تاريخ إجراء انتخابات مجالس المحافظات.
الجزء الثاني: المرجعيات الدينية
-1 المرجعية الدينية الشيعية:
مصطلح يطلق على القيادة الدينية عند الشيعة الجعفرية - الإمامية / الاثنا عشرية في زمن غيبة الإمام الثاني عشر(المهدي المنتظر)، والمرجع هو عالم مجتهد يتولى أمور المؤمنين ويتصدى لرعاية مصالحهم الدينية والدنيوية كالقضاء وإقامة الحدود وغيرها نيابة عن الإمام المعصوم في زمن الغيبة الكبرى، ولا يتصدى لهذا المقام إلا من قضى عمره في خدمة العلم حتى نال المراتب العالية منه، وقطع شوطا طويلا في الساحات المعرفية المختلفة.
يعتقد الشيعة أن المرجعية في عصر الغيبة الكبرى تكون للفقهاء ولا يجوز لأحد غيرهم تولي ذلك.. بمعني أن على الشيعة مراجعة الفقهاء في المسائل الدينية والقضاء وإقامة الحدود وغير ذلك.
وعوداً على حالة التغيير بعد عام / 2003م، وما فرضه الظروف على المرجعية الدينية من مسؤوليات كبيرة، منها مراقبة العملية السياسية والعمل على رعاية النسيج العراقي، وهذا تطلب توازناً كبيراً في النظر إلى ذلك، إذ ان المسؤولية تحولت إلى قضية قلق من ردات الفعل الانتقامية، والحذر من استغلال صمت وصبر الأكثرية، فتحملت المرجعية ثقل المسؤولية وبدأت بتوجيه التوصيات المستمرة لرعاية العملية الديمقراطية التي ترعى جميع المكونات، بدءاً من إقامة دولة مدنية تُّحفظ فيها الحقوق من خلال الصندوق الانتخابي إلى عملية المحافظة على القرار المشترك وعدم تهميش الأخرين .
وعندما سُئل سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني عن شكل نظام الحكم أجاب: (النظام الذي يعتمد مبدأ الشورى والتعددية واحترام حقوق جميع المواطنين)، وأجاب في مورد اخر: (شكل العراق الجديد يحدده الشعب العراقي بجميع قومياته ومذاهبه والية ذلك هي الانتخابات الحرة المباشرة) .
2- المرجعية الدينية السنية:
لم تكن هي المرة الأولى التي يتم فيها محاولة إنشاء مرجعية دينية سنية في العراق، كانت أحدث تلك المحاولات في عشرينيات القرن العشرين، حينما حاول الإنكليز جمع أتباع السنة في العراق تحت قيادة (عبد الرحمن النقيب1841- 1927) رئيس المجلس التّأسيسيّ الملكيّ العراقيّ ورئيس أوّل حكومة عراقيّة في العصر الحديث ونقيب أشراف بغداد.
تواصلت تلك المحاولات في الفترات السياسية التالية، أذ استمرت الجهات الحاكمة في البحث عن شخص قريب منها لتكليفه بهذه المهمة، قد يكون السبب وراء ذلك هو أن هذه الفئة غير مهتمة بمسألة السلطة الدينية، أذ يعتبرون النصوص الدينية المنزلة والسنة النبوية كافية لفهم تعاليم الدين الإسلامي .
بالإضافة إلى ذلك، لم يكن لإنشاء مرجعية دينية لأهل السنة من قبل السلطات موافقة الغالبية العامة، نظرًا لعدم وجود حاجز نفسي أو شرعي بينهم وبين السلطات الحاكمة، وكانوا يرون أن الدولة العراقية ليست دولة دينية، وبالتالي فإن السلطات غير مرتبطة بهذه الفئة أو تلك.
على العكس من الشيعة الذين منعوا حكم مرجعيتهم الدينية من المشاركة في السلطة، إلا إذا تولوا الحكم ووجدوا قائداً شيعياُ.. لذا، كان موقف جمهورهم وعلمائهم معارضًا تمامًا لأي رجل دين يقترب من السلطة، حتى لو كان مدعومًا من السلطة نفسها، فهم يستبعدونه ويحاربونه ويطيحون به دينيًا واجتماعيًا، بالإضافة إلى أن اختيار مرجعيتهم الدينية يتم وفقًا لضوابط محددة.
بعد العام / 2003، حدث تغير كبير في الوضع السياسي في العراق، سواء لأتباع السنة أو الشيعة، لقد ظهر العنصر الطائفي بشكل حاسم في الحياة السياسية والاجتماعية، إذا كان لديك مرجعية دينية، فأنت مهم، رغم أن زعامات القبائل أصبحت معروفة لدى السنة أكثر من أي وقت مضى، وحاولت دمج العمل السياسي مع الزعامة القبلية.
إلا أن العمل السياسي في العراق بعد هذه الفترة أصبح مطلوبًا أن يكون معتمدًا من الناحية الدينية، لكي يحصل على قبول من الجانب الآخر، نظرًا لتعدد المجتمعات والمكونات الموجودة، وليس وجود مجتمع واحد.
مع استمرار الفشل في تشكيل سلطة دينية للسنة بنفس طريقة الشيعة الدينية، أصبحت هناك العديد من الهيئات والشخصيات السنية التي تدعي أنها السلطة الدينية، مثل (المجمع الفقهي العراقي) و(دار الإفتاء لأهل السنة والجماعة)، و(جماعة علماء العراق)، و(دار الإفتاء في العراق) .
أختار البعض من هؤلاء أن يكونوا تابعين لرئيس الوزراء العراقي الأسبق، مثل (الشيخ مهدي الصميدعي) و(خالد الملا)، اللذين لم تكن لديهم أي مشكلة في تأييد العملية السياسية ودعم كل خطوة تؤدي الى الوحدة الوطنية وللم الشمل العراقي، ويعتقد أن (عبد اللطيف هميم)، الذي تم منحه هذا المنصب سابقًا، قد حاز على استحسان السلطات والثناء عليها، كذلك عبد الغفار العباسي السلفي المعتدل والذي تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، وأخيرا مشعان الخزرجي.
وتشكل تلك المرجعيات الدينية جزءًا هامًا من الهوية والتشكيل السياسي في العراق، فالعراق يعتبر مرجعية كبيرة للطائفة الشيعية الجعفرية، تعمل على توجيه المؤمنين وحماية حقوقهم، كما يتواجد في العراق أيضًا مرجعيات دينية سنية تمثل طائفة الإسلام السني، وتقوم بممارسة الأنشطة الدينية والقانونية وتلعب دورًا هامًا في توجيه المجتمع السني في العراق.
3- المرجعيات الدينية الأخرى:
تحتل المسيحية المرتبة الثانية في العراق بعد الإسلام من حيث عدد معتنقيها، وتليها ديانات أخرى مثل الصابئة والشبك واليزيدية والكاكائية والبهائية والشيخية والزرادشتية، ووفقًا للدستور العراقي، تعتبر المسيحية دينًا معترفًا به وهناك 14 طائفة مسيحية معترف بها ويسمح لها بممارسة شعائرها في العراق.
ويعبر المسيحيون العراقيون هم أقدم طائفة مسيحية في العالم، وغالبيتهم من الآشوريين الشرقيين الناطقين باللغة الآرامية، وهناك أيضًا أعداد صغيرة من المسيحيين الأرمن والتركمان والأكراد والعرب، يعيش هؤلاء اليوم بشكل رئيسي في المدن والمناطق الآشورية مثل بغداد والموصل والبصرة وأربيل ودهوك ودهوك وزاخو وكركوك وسهل نينوى في الشمال.
ويتلخص عمل تلك المرجعيات بالاتي:
- تعزيز الحوار والتفاهم: المرجعيات الدينية تقوم بتعزيز الحوار والتفاهم المعرفي والثقافي بينها، من خلال تنظيم المنتديات الحوارية والندوات التي تجمع بين الأئمة والعلماء من مختلف المرجعيات الدينية لمناقشة القضايا المشتركة وبناء الثقة وتعزيز التعاون المشترك.
- التصدي للتطرف: يجب على المرجعيات الدينية أن تبتعد عن التأثير السياسي والمساهمة في نشر الفكر المتطرف والتطرف الديني، ويُفضل أن يلتزم المرجعيات بتوجيهات الدين الحنيف والتعاليم الوسطية التي تدعو للسلام والتسامح وتجنب العنف الديني، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تدريب المشايخ والعلماء على القضايا المصيرية ومواكبة المستجدات العالمية.
- نشر ثقافة الوسطية والتسامح: يجب على المرجعيات الدينية أن تعزز ثقافة الوسطية والتسامح ونشرها بين الناس، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق توفير الخطب والمحاضرات التوعوية والتثقيفية التي تعزز التلاحم والوحدة والتآخي .
الجزء الثالث: المرجعيات العشائرية
واجه المجتمع العراقي تراكمات من التراث التقليدي تتنوع في أشكالها ما بين الأسرية والقبلية والعشائرية والطائفية والعرقية، وقد أثرت هذه التراكمات في أنماط الحياة والسلوك المجتمعي في البلاد على مدار سنوات عديدة على الرغم من جهود المجتمع المدني والثقافي في تحويل تمسك الشعب بفكرة الدولة بدلاً من الانتماء العشائري خلال مئة عام من تاريخ العراق الحديث.
واقع القبائل التي أصبحت بديلاً عن الدولة هو نتاج تحكم قوى غير مؤسسية في البلاد، وقد تشكل ظاهرة يصفها الباحث العراقي الدكتور (سلمان رشيد محمد لهلالي) بـ "ظاهرة التمركز الإثني والمذهبي والقبلي" والتي تتمثل في امتلاك الأشخاص الميل لتفضيل جماعتهم على باقي الجماعات دون سبب منطقي أو موضوعي، وبمعنى آخر، فإن الأفراد ينظرون باستعلاء ودونية إلى الجماعات والقبائل التي تتناقض معهم، معتبرين قيمها وتاريخها ورموزها وأنماط حياتها نمطًا من البدائية والتخلف والسذاجة.
في العراق، تعتبر القبائل وتفرعاتها العشائرية من أهم القوى التقليدية التي تعيق مشروع تحديث الدولة، أذ تحاول الطبقة الحاكمة المكونة من المثقفين والمفكرين التنويريين، والسياسيين المثقفين، والحركات الفكرية، وقوى المجتمع المدني، والأحزاب، فرض نموذج حديث للدولة.
ويوافق العديد من الباحثين العراقيين، بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية والعشائرية، على أن الطبقات الحاكمة في بداية تأسيس النظام الملكي وحتى العهد الجمهوري الأول (1921 -1963) تجاوزت خصوصية المجتمع العراقي وتحكمه، الذي كان يعتمد على القيم العشائرية والنسبية والمناطقية.
فقد سعت هذه الطبقات إلى تحديث الدولة وتمكينها على أساس التنظيم المؤسسي، على غرار المجتمعات الغربية التي لا تولي اهتمامًا للعشيرة والقبيلة، وبذلك، فإنها تحقق تمثيل حكومي أو تبدأ بالمشاركة في الحكم.
ويشير البعض إلى تجربة (مجلس الأعيان) في العهد الملكي السابق(1921-1958)، أذ تم إنشاء هيئة تمثيلية رمزية للمجتمع العشائري بناءً على طلب من البريطانيين الذين كانت لديهم وكيل سام على السلطة الملكية.
وحتى ثورة يوليو (تموز) 1958، وهي المرحلة التي شهدت نشأة العراق الحديث وانتقال السلطة من العثمانيين إلى العراقيين بدعم من بريطانيا، واكتشاف ثروات النفط، ونمو الدولة وتطور مؤسساتها.، ثم تلاها الفترة الجمهورية التي شهدت تصاعد الصراع على السلطة وظهور ظاهرة الانقلابات العسكرية والاغتيالات التي شاركت فيها الأحزاب القومية والعشائر على حد سواء.
أن العشائرية كانت مسيطرة على المجتمع العراقي في بداية القرن العشرين، أذ كان أكثر من 70 في المئة من السكان هم أبناء الريف وعشائرهم، بينما كانت نسبة سكان المدن لا تتجاوز بين20 و25 في المئة، ولا توجد فئة واحدة لأداره الدولة أو حزب واحد أو قائد ضرورة من أبناء المدن في ذلك الوقت.. وقد ظهر ذلك لأحقاً حينما سيطر أبن قرية العوجة / صدام حسين على دفة الحكم في بغداد مع أبناء عمومته عام/ 1980، وازاح رفاقه من الساحة السياسية، فأصبح العراق تديره القرية مرة أخرى .
وقبل ذلك كانت الجالية اليهودية أكبر جالية في بغداد مقارنة بالشيعة والسنة والمسيحيين. وقد كانت المدينة في عهد الدولة العثمانية تحتمي بالدولة وتحميها من سطوة العشائر المتنفذة، ولكن مع وصول البريطانيين، تحول دور المدينة إلى قاعدة رئيسية للحكومة البريطانية، وكان العديد من أبناء المدن هم الذين يشغلون المناصب الحكومية في بغداد والحكومة المؤقتة، بينما لم تكن للعشائر دور كبير في ذلك الوقت.
الجزء الرابع: الفقه المقدس
يتوجب علينا أن نفهم أزمة الفقه المقدس الموروث والتفسير الذي أصبح يشكل عبئًا علينا، وكذلك على العالم الإسلامي بأكمله، لأن البعض منه أصبح غير مناسب لثقافتنا وظروفنا الحالية.
وتبدأ أزمة الفقه الإسلامي من خلل في المنهج، أذ ارتكب بعض الفقهاء خطأً عندما فهموا السنة النبوية على أنها مجرد حديث نبوي فقط، ففتحوا لنا الباب لنسلك فيه وأعطونا مفتاح الاجتهاد لكي نتحرك ضمن حدود وزمان بدايات الدعوة الإسلامية، بعيداً عن الظروف الموضوعية التي نعيشها.
ومن المعروف أن التشريع الإسلامي هو تشريع مدني إنساني ضمن حدود الله، وأعطانا الله هذه الحدود لنعمل ضمنها، إذا أردنا الخروج من هذه المشكلة، يجب أن نتفاعل بشكل جديد مع طروحات القرآن والسنة النبوية باستخدام معرفتنا الحالية.
ويجب أن نفهم بأنفسنا ولا نحتاج إلى أشخاص يفهمون عنا، وأي محاولة لتطبيق الفقه وأحكام الشريعة على أساس أن الإسلام هو مجرد موروث من كتب الفقه والتفسير وأن حدود الله تشريع ثابت، فإن هذا الاعتقاد فوضى وخداع وضياع للوقت والجهد.
وهذا الاعتقاد يعطي الانطباع أن الإسلام لا يناسب كل زمان ومكان، والاستمرار في هذا الاعتقاد سيؤدي إلى ضياع الأشخاص الذين يتبنونه على المدى القريب أو البعيد، لأن الحياة لا تنتظر أحد ولا تتعاطف مع أحد.
الإسلام هو دين عالمي يناسب كل زمان ومكان بغض النظر عن آراء الناس وجهلهم، إنه يصلح بمفهومه الحقيقي وليس بمفهومهم الخاطئ. "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" وأن أكثر الفقهاء لا يفهمون، وأغلب رجال الدين لا يدركون.
وبعد عصور تجنب الفقهاء ذكر كل ما تعلق بذاك الوقت تجنباً للفتنة بين المسلمين فسقطت حقبة نفسية بأكملها في ضمير التاريخ تاركة حزناً عظيماً مبهم القسمات لا يحتمل أحد التفكير بفتح الباب له خوف الغرق.
وبعد زمن مضى، تجنب العلماء ذكر كل ما يتعلق بتلك الحقبة، حتى لا تحدث فتنة بين المسلمين، تقطعت نفسية تلك الفترة من ذاكرة التاريخ، وتركت حزناً كبيراً وغامض الأطوار لا يمكن أن يتحمل أحد فتح النقاش فيه خوفاً من الغرق في المشاكل.
وكانت هناك تحفظات في التحدث بين الناس عن علي والحسين وآل البيت الأطهار، حتى يتجنبوا اتهام الناس بالتشيع، أو اتهامات بإثارة الانقسام والفتنة وغير ذلك من الجوانب، ولنكن أذكياءً ونترك القرن الرابع والخامس الهجريين وشأنهما ونعيش الآن في سلام دائم آمنين .
وكما قال المفكر الروسي (لينين 1870- 1924 م) قولته المشهورة: "المثقفون هم أكثر الناس قدرة على الخيانة، لأنهم أكثر قدرة على تبريرها".
الجزء الخامس: الاستنتاجات
تعتبر المرجعيات الثلاث /السياسية والدينية والعشائرية / أحد العوامل المؤثرة في حياة المجتمع العراقي، فالعراق يتمتع بتنوع ثقافي وديني وعرقي، وتاريخه مليء بالصراعات والانقسامات السياسية التي أثرت على تشكيل الهوية العراقية والقوى الحاكمة في البلاد.
وفهم دور المرجعيات الثلاث في الحياة السياسية العراقية يساهم في فهم ديناميكية القوى وأطراف النزاعات في البلاد، وتُعتبر المرجعيات الدينية في العراق واحدة من أهم القوى التي تؤثر في السياسة العراقية والقرارات الحكومية.
فهناك حاجة لاستخلاص استنتاجات مطلوبة من هذه المرجعيات بغية تعزيز الوحدة والاستقرار في العراق، وتعتبر هي عناصر أساسية في بناء وتشكيل الهوية العراقية، وتمثل مكونات مترابطة ومتلازمة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للعراق.
والدين الاسلامي ليس ديناً وراثياً تتناوبه قبيلة قريش الإسلامية عائلة بعد عائلة الى يوم الدين كما جرى أرض الواقع من (عام 11 هـ تاريخ أستلام الخليفة أبو بكر الصديق- رض - الحكم / حتى عام 656 هـ تاريخ سقوط الخلافة العباسية في بغداد) .
ولو افترضنا أن هولاكو لم يزحف على بغداد وصالح الخليفة العباسي المستعصم بالله (640-656هـ) هـ لأستمر حكم بني العباس الى عصرنا الحاضر، ولشاهدنا من خلال القنوات الفضائية الخليفة العباسي يتجول في مولات بغداد وخرسان ومرو وبيده موبايل i.ph 15.
والنقطة المهمة التي يجب أن نشير لها، هو ان الآيات القرآنية "ثابتة المحتوى ومتغيرة في تأويلها مع الزمن عبر الاجيال"، ولذلك ان الرسول الأكرم محمد (ص) لم يؤوله لأنه لا يعلم ما في الغيب، قال "ما يعلم تأويله الاّ الله"، وان النقطة الاخرى يجب ان نميّز بين الانتاج البشري وآيات رسالة السماء، اي بين الانتاج الفقهي والآيات القرآنية.
اذاً المشكلة في هؤلاء الذين يسمون انفسهم رجال دين هم الذين يرفضون كل شيء علمي وعقلي يتطابق مع رسالة السماء.
انهم يعتمدون على "النقل" بدلاً عن "العقل" ولذلك نحن نراوح في مكاننا وسنبقى على هذا المنوال الى يوم الدين إلاّ اذا حدثت معجزة.!! .
والمعجزة التي ينتظرها المسلمون هي ظهور (المخلص) القادم من السماء أي ظهور الإمام المنتظر الذي يملْ الأرض عدلا وقسطا بعد أن ملئت ظلماً وجورا.. كما يثقف عليها الكثيرون .
وكما قال الباحث والمفكر العراقي الأستاذ (ماجد الغرباوي 1954) في كتابه (مدارات عقائدية ساخنة) .. (إن انتظار الأنسان لمن يخلصه تعبيرأخرعن عجزه وضعفه، وتكاد القناعة بالمخلص لدى بعض الناس أقوى من أي قناعة أخرى).
أن المذاهب الإسلامية قبل عصر (الإمام جعفر الصادق) وبعده كانت أكثر من مائة وخمسين مذهباُ سنياً يقابله نفس العدد أو يزيد شيعياً، ولكنها أضمحلت وتقلصت الى ما هو عليه نتيجة ضغط الحكام وأهوائهم ومصالح الدولة الحاكمة، حتى أصبح عدد مذاهب المسلمين الموجودة في الوقت الحالي والتي لها انتشار واسع في المجتمع الإسلامي سبعة مذاهب كبرى فقط، منها خمسة مذاهب سنية واثنتان شيعية، وسوف نقوم باستعراض أسماء هذه المذاهب على النحو الاتي:
المذهب المالكي: وسمي بهذا الاسم نسبة الى مالك بن انس.
المذهب الحنفي: نسبة إلى ابو حنيفة النعمان.
المذهب الشافعي: نسبة إلى محمد بن إدريس الشافعي.
المذهب الحنبلي: نسبة لأحمد بن حنبل.
المذهب الظاهري: نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي.
المذهب الجعفري: نسبة الى الإمام جعفر الصادق.
المذهب الزيدي: نسبة الى زيد بن علي .
وأنا أتساءل متى تتوحد هذه المذاهب وتندمج مع بعضها البعض، لتكون مذهب أسلامي واحد أساسه القرآن والسنة النبوية المعتبرة والذكاء الاصطناعي، بعيداً عن طروحات الموتى/ الترمذي وأبن ماجه والبخاري ومسلم والكليني والصدوق والطوسي والمفيد وغيرهم من منظري ومحدثي الدين.
حتى نتخلص من شرور أفكار المؤرخ البريطاني، صاحب - نظرية تفتيت العالم العربي والإسلامي - (برنارد لويس 1916- 2018) القائل: (إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضرهم....ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية).
***
شاكر عبد موسى/ العراق
...........................
المصادر
- كتاب/ مدارات عقائدية ساخنة.. حوار في منحنيات الأسطرة واللامعقول الديني / ماجد الغرباوي وطارق الكناني/ أصدار: مؤسسة المثقف العربي، سدني- أستراليا / نشر وتوزيع دار أمل الجديدة، دمشق- سوريا، الطبعة الثانية.
- ابن القيم الجوزيّة – كتاب/ الطرق الحكميّة في السياسة الشرعيّة – تحقيق محمد جميل غازي- مكتبة المدني – 1977- ص 17.
- د. عدنان عويّد، كاتب وباحث من سوريّة/ الإرهاصات الأولية للمشروع السياسي في الخلافة الإسلاميّة/ صحيفة المثقف الصادرة في سدني/ أستراليا 27 نيسان 2023. https://www.almothaqaf.com/inde.
- صحيفة القدس العربي/ تشكيل مرجعية للسنة في العراق.. محاولات فاشلة/ د. مثنى عبد الله، 18 يوليو، تموز/
2016. https://www.alquds.co.uk/writers/%D9%85.
- موقع ويكي شيعة/ المرجعية الدينية
/https://ar.wikishia.net/view/.
Independent*عربية/ قصة نفوز العشائر ونظام الحكم في العراق/ صباح ناهي/ 6 مارس، أذار/ 2023.
https://www.independentarabia.com/.
- موقع الحرة/ قبل أسبوع من الانتخابات .. ماذا تعرف عن مجالس المحافظات في العراق/ 12 ديسمبر كانون الأول/ 2023.
https://www.alhurra.com/iraq/2023/12/12.
- موقع الحوار المتمدن/ الطقوس الحسينية والهوية الشيعية في العراق/ د. سلمان رشيد محمد الهلالي/ العدد 7027، 22 أيلول/ 2021.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?a.