قضايا
سلام جمعه المالكي: الشعب العراقي لا توحده سوى كرة القدم.. فخ مرعب
المدخل لهذا المقال مشهدان حصلا في غضون أسبوع واحد:
* الأول صدور امر مهم من وزير التعليم العالي بمنح التدريسي مبلغ 3 مليون دينار في حال نشر بحث في مجلة ضمن أعلى التصنيفات العالمية فقط (المبلغ يكاد يزيد أحيانا او يقل عن قيمة النشر في كثير منها رغم ان بعضها تنشر مجانا). تلك التفاتة كبيرة رغم ان البحث الرصين يتطلب ضعف هذا المبلغ او اكثر، عن قيمة الأجهزة والمواد المختبرية التي يتحملها الباحث.
* الثاني صدور أمر من رئيس الوزراء بمنح كل لاعب في منتخب "الطوبة" مبلغ 10 الاف دولار (يزيد عن 15 مليون دينار) بسبب فوز في مباراة واحدة. ذلك بلحاظ انها مهنتهم التي يحصلون منها على ملايين وسفرات وعزايم في ملاه وحفلات وووو.... وقبل ذلك صدور امر من نفس الجهة بمنح الفنانين مليارات الدنانير لصندوق التقاعد وغيره.
المشهد الثاني أجده ترسيخا وتماهيا وتأصيلا "قد يكون دون قصد" للفخ الذي زرعته وسائل الاعلام الممنهجة في اذهان شعب تنخر بنيته الاجتماعية سوس الامية والتجهيل بقصد توجيه الأنظار عن كل ما هو مفيد ونافع لبناء الحياة والبنى التحتية من علوم وتكنولوجيا باتجاه العشوائية والاثارة الشعبوية، باتجاهٍ يكون الصراخ والتنابز بالالقاب والصدامات البذيئة والعنفية أساسه استغلالا للنزوع الموجود أصلا في النفس البشرية في الرغبة بالتفوق والإحساس بالافضلية مهما كان مجال التنافس.
أمثلة للمسيرة الممنهجة لتأصيل مثل ذلك الفخ يمكن ان يلاحظها فاقد البصر في التهافت العجيب لكل العناوين القيادية على نشر التهاني والتبريكات على شاشات التلفاز والمواقع الإخبارية مع أي فوز للمنتخب او لنادٍ ولو كان على فريق "طيور الغبشة" بقصد التقرب من المزاج الشعبي. تهانٍ وتبريكات للاعبين لا يكاد احدهم يملك الشهادة الابتدائية بينما أؤكد ان أيا من أولئك المهنئين لا يعرف اسم اثنين او ثلاثة من علماء العراق/أساتذة/مهندسين/أطباء ولا منجزاتهم او افكارهم. أحضان الحكومات والقيادات المتنفذة "وهي كثيرة" مفتوحة على مصراعيها لحمل اللاعبين والفنانين لاقصى الأرض فيما عبارة "على ان لا تتحمل ال...اية نفقات" عن مشاركة الباحث العراقي في أي محفل علمي تتصدر الكتب الرسمية.
كي لا أكون قاسيا بحق القيادات فان الجهل بأسماء وإمكانات وإنجازات العلماء العراقيين بات حالة عامة حيث يحفظ العراقي أسماء راقصات وفاشنستات " وهي وصف منمق لصاحبات مهنة قديمة جدا" تصرّح احداهن انها تسوق الرجال ب50 الف دينار، ومهرجين كحسحس وكنكن وووو بينما لا يكاد الطالب الجامعي يعرف اسم استاذه الذي يدّرسه في الجامعة وان عرف الاسم الأول لا يعرف سواه. لماذا وما السبب؟
تراكمات انهيار المنظومة التعليمية الأساس وانهيار سوق العمل الذي رمى الشباب منذ 2003 والذين باتوا في سن البلوغ اليوم، لغياهب البطالة، مع هجمة إعلامية منظمة تنظيما وتمويلا عاليين بحيث باتت قادرة على تحريك الملايين في مناسبات كثيرة ليست تشرين آخرها، يرافق كل ذلك أداء أسوأ من السيء للمنظومة الحكومية (ان صحّت تسميتها أصلا) ، كل ذلك وأكثر جعل المجتمع والشباب منه خاصة هاضما كبيرا لاي فخ وأخطرها عنوان هذه المقالة وباتت تلك اللعبة التي يفترض بها أن تطور الناحية التنافسية الفكرية والجسدية، الى وسيلة تباعد وتباغض لا تقتصر على أبناء البلد عموما فقط "كما يحصل بين المحافظات" او بين القوميات بل بين أبناء المدينة الواحدة وحتى الطائفة الواحدة. العنف والتخريب باتا سمة ثابتة سواء عند الفوز او الخسارة، ودونكم البرامج التلفزيونية السمجة التي ليس فيها من الادب والذوق قطرة بل يملؤها السباب والتخوين وأنواع البذاءات.
عن أي وحدة وطنية او لم شمل يمكن ان نتحدث مع شعب يلهث خلف صراخات وطبول تصم الاذان عن أي صوت لحكمة او منطق، شعب تشجع حكوماته وقياداته على إقامة مهرجانات العري والسفه لزبائن و"منتسبي/منتسبات" الملاهي تحت عناوين متنوعة يتم خلالها تتويج "صدورهن" بأوسمة ويعزف لاجلهن السلام الجمهوري والنشيد الوطني بينما لا تجد في أي مؤتمر علمي سوى الباحثين الذين ينتظرون دورهم في القاء البحث لكراسٍ فارغة!!!!!
***
أ.د. سلام جمعه المالكي