آراء

عامر صالح: بعض من الاسباب النفسية للانتكاسة

البنية النفسية للمجتمع العراقي هي ليست بنية السبعينات والثمانينيات حيث الفرز الطبقي على أشده وما يصاحب ذلك من مصداقية للفكر والممارسة الحزبية، اننا اليوم أمام انهيار للطبقة الوسطى صاحبة القول الفصل في مجمل التغيرات الأجتماعية والأقتصادية إلى جانب انهيار الطبقة العاملة وتردي اوضاعها بما لا يسمح لها الأنخراط في تنظيمات حزب الطبقة العاملة وبالتالي فأن رداءة ظروف العيش والتقهقر إلى سلم الحاجات الأساسية البيولوجية يحجب الوعي ويجعله متمترسا في الأشباعات الأساسية مما يجعله ضحية لمختلف الميول ومغريات اللحظة بعيدا عن فهم آليات الصراع الطبقي مما يشكل غيبوبة مؤقتة لاختيار بدائل الخلاص فالجوع أب الكفار وان الأنتماء الصحيح يحتاج الى حد معقول من إشباع  الحاجات بعيدا عن مغريات اللحظة فالوعي لا يتشكل في لحظة عابرة بل يمر في حالات من الأختمار صوب الخيارات الصحيحة . ليست الفقر هو المحرك لأنتماء الفرد بل الوعي بأسباب الفقر ومسبباته هو من يدفع الفقراء والمسحوقين إلى الأنتماء وفي الحالة العراقية فهناك عمليات غسيل ادمغة لحرف الناس عن فهم الفقر واسبابه واعتباره قدر من قوى غيبية ولا دخل للسياسة فيه !!!.

ان عقود من الحرمان والضحايا والتنكيل والقتل والبؤس والحروب العبثية قبل وبعد سقوط النظام الدكتاتوري في العام 2003 رافقها ونتج عنها انهيار سقف التوقعات والأمنيات بعراق ديمقراطي يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة، انها حقبة عقود من الأحباط والكبت والحرمان في دولة غنية بمواردها التي تغطي ميزانيات دول عدة في العالم الثالث وقد أهدر رصيد أجيال قادمة جراء الفساد وسرقة المال العام.

وقد ألقت ثقافة القدرية بظلالها على وعي الغالبية العظمى من الناس جراء خطابات تشويه العقل الفردي والمجتمعي من خلال اضفاء الشرعية على الأفعال الدنيئة واعتبار ان ما يصيب الناس هو قدر محكوم وليست بفعل فاعل على الأرض.

وقد كانت التأثيرات النفسية للقدرية:

الشعور بالعجز: يمكن أن يؤدي الاعتقاد بأن كل شيء مقدّر إلى شعور بالعجز وعدم القدرة على التأثير في مجرى الحياة، وأن الأفراد لا يمتلكون سيطرة حقيقية على أفعالهم أو مستقبلهم.

تأثير على الدافعية: ربما تؤثر الأفكار حول القدر على الدافعية، حيث قد يُفقد الفرد الدافع للسعي نحو أهدافه إذا اعتقد أن النتائج محددة سلفًا بغض النظر عن جهوده.

الاستسلام والتكيف: يمكن للقدرية أن تؤدي إلى الاستسلام للظروف الصعبة بدلًا من محاولة تغييرها، حيث يرى الفرد أن هذه الظروف جزء من مسار حياته المحدد.

الهروب الى الماضي: في بعض السياقات، قد يُستخدم مفهوم القدر كأداة نفسية للهروب إلى الماضي، حيث يعيش أفراد المجتمع في حنين إلى أوقات سابقة، وهو ما يمكن استغلاله لتجنب مواجهة الواقع.

لقد استطاعت احزاب السلطة عبر زج "المقدس" في السياسة إلى جانب الترهيب واستخدام المال والسلاح إلى إعادة إنتاج القدرية في الوعي الجمعي واعتبار ما يصيب الناس هو قدر محكوم خارج ارادة النطام والسلطات الحاكمة وبالتالي يجب قبوله والتعايش معه في دورات مغلقة غير قابلة على الأختراق.

الأنتماء إلى قوى التغير" بغض النظر عن تقيم أدائها والأخطاء المرتكبة في مسار عملها" ليست ترفا او تسلية ألعاب حزبية بل هو مسؤولية تستدعي من الفرد الواعي لأسباب فقره واضطهاده ان يكون على قدر من المسؤولية في التخلي عن مغريات السلطة ومنافع اللحظة التي تروج لها السلطات الحاكمة. ان الأنتماء إلى اليسار العراقي بمختلف تنوعاته واطيافه هو ببساطة تحمل وزر من المعاناة والتضحيات في مقارعة الظلم والأستبداد وفي تلك الأجواء والبيئة السياسية الصعبة فأن قوى اليسار مطالبة بالمزيد من ممارسة النقد الذاتي لأدائها والكشف عن مواطن الخلل والضعف في ثنايا التنظيم ورسم أهداف واقعية مرحلية قابلة على التنفيذ والحد من الخسائر وإقامة تحالفات مستديمة وليست موسمية قوامها مشتركات في الفكر والسلوك والمنهج.

***

د. عامر صالح

في المثقف اليوم