آراء
رائد جبار كاظم: المواطن العراقي عالق في فخ الديمقراطية
تعرّف الديمقراطية على أنها حكم الشعب، وهو صاحب القرار السياسي في تحقيق المصير، من خلال ممثلين عنه يحملون صوته وهمومه، ولكن للأسف هنا تكمن المصيدة، فهي بمثابة لعبة سياسية يعمل عليها الساسة، أنحرفت عن مسارها الصحيح، فالديمقراطية في بلدنا (فخ) كبير يقع فيه المواطن، والديمقراطية في العراق نوع جديد من أنواع الديمقراطيات التي أفرزتها الساحة السياسية الجديدة، وكنا نستبشر بها خيراً، لكنها للاسف كانت تجربة سياسية مرة، تم فصالها على مقاسات عراقية خاصة لا تنتمي لغيرها من التجارب، ففي ظل الديمقراطيات السياسية العالمية يقوم الشعب بمحاسبة السلطات الثلاث اذا أخلت في العمل السياسي أو أفسدت في قراراتها وبرامجها السياسية، ولكن ذلك لا ينطبق على التجربة الديمقراطية في العراق، فالمواطن ليس له من الحق سوى صندوق الاقتراع، الترشيح أو الانتخاب، حين يضع المواطن ثقته بالمرشح وينتخبه الى هنا ينتهي دور المواطن سياسياً، وهذا هو الحق الوحيد الممنوح له، وهو الفخ الأكبر الذي يقع فيه المواطن مرة أخرى، ولكنه بعد ذلك يقع فريسة الشيطنة السياسية، حيث تعمل الاحزاب والتيارات السياسية على هندسة وضعها السياسي وفق تكتلات سياسية أكبر، تعمل على تشكيل الحكومة، وتعمل تلك الكتل وفق مصالحها الشخصية، وليست مصلحة الشعب العامة والمصلحة الوطنية، فذلك الأمر مفقود تماماً، منذ تشكلت الديمقراطية في العراق الجديد، وفي كل فترة انتخابات تجرى في البلد تحشّد القوى السياسية كل قوتها وماكنتها الاعلامية والطائفية والعشائرية والمالية، لأستنفار همم المواطنين للذهاب الى صناديق الاقتراع، ويتحمس المواطنون ويلبون النداء، مدفوعين بشتى الأهداف والهتافات، وحين يتم مقاطعة الانتخابات من قبل شريحة ما من أفراد المجتمع، لتحارب الفساد السياسي السائد في البلد، فتتوجه حينها اصابع الاتهام نحوهم من قبل المنتفعين والمتنفذين، بوصفهم معرقلين للعملية السياسية ، ولكن والحق يقال أن العملية السياسية الديمقراطية في العراق منذ نشأتها تسير وفق مقاسات الساسة وليس وفق مقاسات الشعب الذي تقع عليه مسؤولية تقرير المصير، وحتى النواب الذين يتم انتخابهم ويضع المواطن ثقته فيهم يصاب باللوثة السياسية ويلتحق بالركب السياسي السارق لأصوات الشعب، ويذوب في الجوقة السياسية الكبرى التي بيدها صناعة القرار السياسي الشخصي، والتي تنسى المهمة السياسية الكبرى التي تقع على عاتقها في بناء البلد والحفاظ على ثرواته وممتلكاته وتوزيعها بصورة عادلة بين ابناء الشعب وتحقيق الحرية والكرامة الانسانية، فهذه كلها تغدوا شعارات سياسية فارغة صدّعت رؤوسنا طوال تلك السنوات. والطامة الكبرى التي نعيشها بعد مرور أكثر من عقدين على التجربة السياسية في العراق ما بعد التغيير، هي أن السياسيين المتنفذين من الاحزاب الحاكمة، بمختلف تنوعاتهم وتشكلاتهم، الدينية والقومية والحزبية، عرفوا اللعبة وصاروا اليوم تجار سياسة (أسطوات)، بيدهم رأس المال السياسي والاقتصادي للبلد، يديروه ويحركوه ويتلاعبون به كيفما يشاؤون، كلاعب الورق حين يوزع أوراق اللعب على المقامرين، ولكن الأمر لا يدوم، ودوام الحال من المحال، وحركة التاريخ وقوانينه صارمة وحادة وجادة لا يقف أمامها أحد، وليعرف الجميع ذلك، مهما حكموا أو تزعموا، فلكل شيء خاتمة، ونخشى أن تكون خاتمة اللعبة ونهايتها السقوط، إن لم يتم تدارك الأمر ومعالجته سياسياً وبصورة بنيوية، بحكمة وعقل وروية، وهذا ما يخبرنا به الواقع والتاريخ والسياسة.
***
ا. د. رائد جبار كاظم






