آراء
عبد الأمير الركابي: علم الثورات اللاارضوية الكبرى (5)

يتغير مبدأ "محو الذاتيه التارخيه" من الباس الموضع المعروف بالعراق، بما يعرف " الدولة البرانيه الحديثة"، يوم كانت الكيانيه و(الامه / الدولة) الاوربية هي السائدة، الى سحق الدولة مع مفهوم "الوطنيه الزائفة" التي كانت قد قامت بعد العشرينات كقوة تحررية بالمفهوم السائر عن التحرر، ليدخل العراق من بداية الثمانينات الى اليوم مسلسل افنائية لايتوقف، يبدا بالحرب الاطول بين دولتين بعد الحرب العالمية الثانيه مع ايران 1980/ 1988 لينفتح باب الحروب بلا توقف وصولا لانهاء ركائز مايعرف ب "الدولة"، في حين تكرس سلطات موزعه على متبقيات حثالية فرعية، تجري رعاية حضورها واستمرار غلبتها بالضد من ايه احتمالية "وطنيه"، هي بالاصل لاوجود لها، مثلتها تيارات مستعارة ايديلوجية لاعلاقة لها بالكينونة او البنية المجتمعية التاريخيه، هذا في حين صار العراق على مشارف التحول من عراق مابين النهرين، الى عراق مابعد النهرين بسبب سياسة تركيا المائية، لتتحول البلاد الى الى الريعية النفطية بلا دولة، بعد الطور الريعي الاول مابين 1968/ 2002.
ولاياتي انتهاج الصيغة الافنائية بالقوة الواقعه الان، خارج التغير الحاصل على مستوى النظام الغالب راسماليا وتوهميا غربيا، بعد الانتقال الى العولمه، ومابعد الدولة والسيادة الوطنيه، لصالح الشركات متعددة الجنسية، وفعالية الكيانيه الامريكية المفقسة خارج رحم التاريخ، وبلا تاريخ مجتمعي او طبقات راسخه متشكله تحت طائلة الطور اليدوي صانع المجتمعات الارضوية.
وهنا تنشأ ايهاميه غامرة، وفقدان للرؤية تظل تتردد بموجبها المحفوظات الاوربية الاولى بتوهمياتها عن الراسمالية والبرجوازية، بينما العالم ينتقل الى قيادة تشكل بلا تاريخ، العنصر الاساس في كينونته الاله وتفاعله معها، بحكم كينونته، بما افضى لنتقلها من الطور "المصنعي" الى التكنولوجي الانتاجي، واشتراطاته التي اودت بالمعسكر الروسي، ليصبح القائم والمتحكم اليوم مجتمعا بلا تاريخ مجتمعي، ووسيلة انتاج اخرى غير المصنعية، انتاجية اخرى مختلفة لكيانيه تقوم على "التوهميه الرسالية" النافية لماقبلها من انماط مجتمعية، وهو ماقد واكب عملية صعودها بعدما قامت بافناء مجتمع من اكثر من ستين مليون كائن بشري، ونمطية دولة "لادولة"، انتاجيتها تلغي الكيانوية والدولة ومفهومها كمجتمع وكيانيه " فكرة" لاتقبل الكيانيه، صارت تجد اليوم في اصل التعبيرية النبوية الابراهيمه، ومجال شرق متوسطي قاعدته دول الابار بدل دول الانهار التي انتجت الابتداء المجتمعي والتعبيرية الابراهيمه لمجتمعية اللاارضوية، وهنا تنحط الرؤية العالمية اليوم، بينما المركز اللامجتمعي يقترب من الذهاب خطوة خارجه عن ارادته، نحو طور تكنولوجي ورؤيوي آخر.
فالاسباب التي تفصل بين وسيلة الانتاج وسبل التنظيم المجتمعي الموروثة من الطور اليدوي، ومنها الكيانات والدول، لم تعد بعيده عن مامن شانه ايقاع اجمالي المجتمعية البشرية تحت طائلة الفوضى وفقدان وسائل السيطرة وتسيير الشؤون الحياتيه العامه، بما يجعل من الانقلابية التحولية اللاارضوية وتعبيريتها الثانيه مابعد الابراهيمه النبوية الحدسية، ضرورة غامرة دونها احتمالية الفناء، وكما العالم كله يعيش منذ فترة ليست بالقصيرة، تحت طائلة القصورية العقلية الادراكية بازاء مسارات الاله وماينتج عنها، فان بلدا مثل العراق عاد منذ عام 1980 ليعيش نوعا اخر مستجدا من حالة "العيش على حافة الفناء"، بلا رؤية ولاقدرة على تبين ماهو فيه، ومايمكن ان يحصل بين جنباته، حتى وان بليت وانهارات الايديلوجيات المستعارة، ومايعرف بالحركة الوطنيه الويرلندية الليبرالية والقومية والماركسية على زيفها، ولم يعد لها اي حضور او فعالية تذكر، هذا عدا متبقيات التعبيرية اللاارضوية الاولى الابراهيمه التي اعلنت هي بذاتها "ختامها" الذي يظل يفسر كاجترار لازم.
هذا علما بان الاشارات لم تتوقف، وبعد الثورتين اللاارضويتين ثورة 1920 وثورة تموز 1958 ،تفجرت عام 2019 في الاول من تشرين، الثورة الثالثة اللاارضوية ضد اشتراطات سحق الكيانيه والدولة، فجاءت هي الاخرى بلا نطقية، وعلى مشارف النطقية العظمى المنتظرة من هنا فصاعدا، استجابه لدينامياتها التاريخيه غير المماط عنها اللثام، ولا المدركه باعتبارها وثبة كونية انقلابيه شاملة للمعمورة، وانتقالا من الكوكب الارضي والكون المرئي، خارج الجسدية ومتبقاتها، وهو ماقد صار من الان فصاعدا قيد التحقق اشتراطات وتراكمات، ومستلزمات مادية متمثله في "التكنولوجيا العليا" العقلية، الموشكه على ختم تاريخ التحورية الالية.
***
عبد الأمير الركابي
......................
(1) فبعد سقوط روما "راح الوثنيون وكانوا مايزالون هم الاغلبية يعزون اسباب انهيار روما والانحلال العام الذي اصاب الامبراطورية الرومانيه الى انتشار الديانة المسيحية. لهذا انتدب اوغسطين للدفاع عن المسيحية ضد هذا الاتهام، فانشأ يكتب كتابه الاساسي المشهور "مدينة الله" ابتداء من سنة 415 او بداية سنة 416 م وفرغ من كتابة المقالات العشر الاولى منه في ذلك الوقت، لكنه احس بان كتابه هذا بحاجة الى تكمله تتولى بيان ماوقع في تاريخ العالم قبل ذلك الوقت من مصائب وكوارث لاشان للمسيحية بها. لانها سبقت ظهورها، فعهد اوغسطين بهذه المهمة الى اوروسيوس"/ تاريخ العالم، اوريسيوس / الترجمه العربيه القديمه حققها وقدم لها د عبدالرحمن بدوي/ ص 6/هذا وكتاب اوريسيوس اصلا معنون ب " التواريخ ضد الوثنيين"/ المؤسسة العربيه للدراسات والنشر.
(2) ياخذنا / غوساف لوبون/ الى تفصيلات الثورات المذهله نفسيا وايمانيا في كتابه /روح الثورات والثورة الفرنسية/ المطبعه العصرية.
(3) يمكن ان تترجم الهوسة المذكورة والصادرة عفوا وبعمق من باب المفاضلة بين الوسيلة الالية المستحدثة، والوسيله القتالية اليدوية بحسب نوع المجتمعية التي تستعملهما.
(4) عن الاسباب التي دفعت لبناء بغداد وهرب العباسيين من الكوفه وترددهم بين الرمادي، والهاشميات، والانتفاضات التي ظلت تلاحقهم واخرها انتفاضة الراونديه قبل استقرار رايهم على بغداد/ تراجع مادة " بغداد"/بقلم أشترك، السيد عبدالرزاق الحسني، عبدالعزيز الدوري/ كتب دائرة المعارف الاسلاميه/ دار الكتاب اللبناني/ مكتبة المدرسه/ صص 2