آراء

رشيد الخيّون: لينا العدنية وبان البصرية... كواذب الانتحار!

قُتلت طالبة الثانوية العامة العدنيّة لينا مصطفى عبد الخالق، ابنة وزير العدل ورئيس المحكمة العليا بعدن، قبل الوحدة اليمنيّة (1990)، ومسؤول منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بصنعاء بعد الوحدة. قُتلت، بعد ثلاث وثلاثين سنة، الطبيبة النفسية البصريّة بان زياد طارق بالبصرة. اضطربت عدن في فجر التاسع والعشرين مِن كانون الثاني/ يناير 1992. النساء العدنيات نزلن إلى الشوارع متظاهرات احتجاجاً على الجريمة، وفي الرابع من آب/ أغسطس 2025 اضطربت البَصرة، بنزول التظاهرات الجامحة التي همّت العراق وخارجه، احتجاجاً على الجريمة، والبصريات تقدّمنَ الاحتجاج، وبرامج الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، واتهمن بأقذر الاتّهام. كان الجامع بين الجريمتين أنهما مِن كواذب الانتحار، وأقول كواذب لأنّ القتل كان مؤكداً؛ فالمحاكم في اليمن تديرها السياسة، وعضو هيئة الرئاسة والقيادي في الإخوان المسلمين، عبد المجيد الزنداني (2024)، كان متورّطاً، فلينا عبد الخالق قُتلت برصاصة مسدّس ابنته، هاربةً مِن داره، بعدما تركت أهلها بإغراء الجماعات الإسلاميّة، وتنقبت نقابها، ثم تراجعت، وهربت مِن زواج دُبّر لها بأحد مشايخهم، وأرادوا إتمام العقد عبر التلفون مع والدها دون الإفصاح عن اسم "الشيخ" الذي سيتزوّج لينا الجميلة. سمعتُ من والدها في مجلس ضمّنا في إدارة صحيفة "صوت العُمال"، التي أُحرقت عند اجتياح قوات علي عبد الله صالح ومشايخ الإخوان المسلمين لعدن (صيف 1994): - أعرف الأب حقّ المعرفة وكانت هي إحدى طالباتنا في ثانوية الجلاء بعدن - أن الرصاصة اخترقت جسدها مِن جهة الظهر، وخفاها متباعدان خلفها، ما يعطي تصوّراً أنها كانت هاربة وهناك من يطاردها. هكذا تكلم الأب. فكيف يطلق المنتحر الرصاص على نفسه مِن الخلف، وخفّاه (نعلاه) خلفه. كانت صحيفة "صوت العمال" في عدن تنشر أخبار الجريمة، وسمعتُ من والدها أن جماعة الزنداني طلبوا حلّ الموضوع بالمراضاة، لكنه رفض، وظلت ابنته شهوراً في ثلاجة الموتى رافضاً دفنها، حتّى يُقاد القاتل بها، لكنَّ العدل كان بيد القاتل نفسه. في المقابل ظهر للعيان أنَّ الطَّبيبة بان تشوّه جسدها، وشُقّ عضدها بسكين، وظهرت على وجهها الكدمات، وخُطّ على باب غرفتها، عبارة "أريد الله" بدمها، على أنها انتحرت وكتبت العبارة بريشتها. أقول: كيف لمن ينتحر تشويه جسده، وينهض، وهو ينزف، ويكتب عبارة "أريد الله" وبدمه؛ لكن الأصل، كان الانتحار المزعوم مرتبطاً بموقف الطبيبة من التقرير الطبّي الذي يخصّ أحد القتلة، وقد رفضت التوقيع على تشخيصه بالمختل عقلياً، وكان القاتل يخصّ حيتان السياسة الشوهاء. غير أنّ العدالة، مثلما كانت في اليمن فهي في العراق مسيّسة، أخذت بتقرير مزيّف، ولم تترك للتحقيق فترة كافية، فإن كانت لينا العدنيّة تأجّل إنزال الستارة على قتلها لإصرار والدها، ولم تُدفن إلا بعد شهور، فبان البصريّة عجّل القضاء بدفنها، والمبدأ: "دفن القتيل إكراماً للقاتل". أعلن اليمن عن الديموقراطية بأحط صورها، فعندما سُئل البصير عبد الله البردوني (تـ: 1999) عنها أجاب: "الغيبة حرام"؛ وراح دم لينا مهدوراً في ظلها، فالديموقراطية نفسها تعمّ العراق اليوم، وأعضاء في البرلمان حسموا أمر بان البصريّة على أنها انتحرت، بعد نصف ساعة مِن موتها، وسمعت المسؤولين المتحالفين مستبشرين بقرار القضاء: تسجيل الجريمة باسم القتيلة نفسها، ودُفنت بان، وسر التقرير الذي رفضت تمريره، والقاضي بجنون قاتل أكاديمية مِن زميلاته. قُتل كثيرون في سجون الدكتاتوريات، وأُعلن عن انتحارهم، لكنَّ أولئك لم يدّعوا الديموقراطية، ذلك المبدأ العظيم، وقد شوّهته دماء لينا في اليمن وبان في العراق، مع فارق زمني هو عُمر الطبيبة بان زياد (1991-2025). كان الادعاء بانتحار الشابة الطالبة الواعدة الوادعة، قبل التغرير بها مِن قِبل حزب وتنظيم الزنداني، فضيحة كبرى في السياسة، بعد قرار القضاء إقفال القضيّة، والبقاء على الزنداني يقود الجموع إلى حتفها، مبشراً بالخلافة الإسلاميّة. في المقابل كان ادعاء انتحار بان البصريّة مثلبة كبرى في السياسة والقضاء العراقيين، في زمن "الديموقراطية"، ففيه تُعقد الصفقات، وتُستر عظائم الفساد، الفساد حتى بمفردة "الله"، فالذي خط العبارة "أريد الله" بدم بان، أقحم الله في جريمته، حتّى جعله وسيلة في فساده، الشبيه بفساد الزنداني بالدين، وبدماء الشابتين زاد تلوّث العدالة في بلديهما.

***

د. رشيد الخيّون

في المثقف اليوم