آراء
عبد الأمير الركابي: "الصراع الطبقي" وقصورية نظرية ماركس؟!!

عرفت ظاهرة الصراع الطبقي قبل ماركس، الا انه هو من حولها الى محور واساس لنظرية في التحول الاجتماعي، وبقوانين وحتميات ناظمه للعملية التاريخيه، مسقطا الماضي على المستقبل بناء على اجمالي الممكن من النظر المتاح للغرب بعمومه ازاء الانقلابيه الالية ومترتباتها، وماقد تسببت به من تسارعية غير عادية في الديناميات المجتمعية، في حين لم يكن النظر قادرا على الذهاب الى ابعد من التغير في وسيلة الانتاج وعلاقتها بالمجتمعية ونمطيتها، الامر الموروث من الطور المنقضي اليدوي، وقت لم يكن واردا الربط بين وسيلة الانتاج والنوع المجتمعي اي الارضوية كوليدة لليدوية، مايعني لابل يحتم انتظار الانقلاب في النوع المجتمعي بناء على الانقلاب النوعي الحاصل في وسيلة الانتاج.
فاذا كان النوع او النمط "الطبقي" وليد اليدوية، فمن غير المعقول انتظار استمراره مع حضور الاله ونوع فعاليتها، ناهيك عن القوانين التي يمكن تصورها عنها، وصولا لما هي مهياة افتراضا للذهاب اليه، في حين اصبحنا عمليا وواقعا، بصدد مجتمعية اخرى عناصر التفاعلية المحدده لنوعها ليس البيئة واليد البشرية، بل البيئة ومتبقيات فعلها، بالاضافة الى العنصر البشري مع الاله العنصر المختلف طبيعة ونوعا، مع شدة فعاليته الاستثنائية، الامر الذي لايعود واردا معه الحديث عن "الطبقات" وقد غدت ظاهرة ايله للزوال حكما، و" بالحتم".
يوم انبثقت الاله في الموضع الاوربي الطبقي كينونة، والاعلى ديناميات ضمن صنفه الارضوي الموافق للانتاجية اليدوية باكثر ممكناتها فعالية، حدث ذلك "طبقيا" كنهاية طور وفعالية ماعادت قابلة للاستمرار، ومع الاحتدام الاقصى الواقع بسبب عنصر اخر تجاري جاء من خارج المكان، محفزا، وبلوغ المكونات المجتمعية اعلى درجات التصادمية بظل الانسداد الطبقي، لعبت الاسباب التاريخيه وتراكماتها دور ايجاد المنفذ، او المسرب مابعد الطبقي، وهو مااضطلع به المجتمع وليس الطبقة نيابه عن المجتمع، فالطبقة مكون ضمن بنية مجتمعية اوجدت الاله من باب فتح مسرب للاصطراعيه المتعسرة غير القابلة للحل، بين البرجوازية والاقطاع، فكان ان وجد ساعتها عنصر ثالث من خارج الاصطراعية المقفله المسدودة النهايات، والتي كان لابد من ايجاد السبيل لانهاء فعلها وحضورها تحقيقا لمابعدها عن طريق تبدل عنصر الفعالية البنيوية الاساس.
هذا يعني ان ماركس وهو يتحدث عن الطبقات و "اصطراعها"، كان في الحقيقة يعيش لحظة بدايات زوالها وخروجها من الفعالية المجتمعية التاريخيه، حتى وان قال بان "تاريخ المجتمعات ماهو الا تاريخ صراع طبقات"، محاولا اسقاط الماضي المنتهي والمنقلب على الحاضر، وتحديدا على المستقبل، فهو في الحالة المشار اليها، واقع تحت وطاة ماقد سبق، او تحت قوة فعالية واثر الماضي الذي لم يبرح الهيمنه على العقل بعد، فاليدوية تبقى مهيمنه ومسيطرة على العقل ابان الطور الاول، وبالاخص المصنعي من الانقلابيه الالية / التكنولوجية، الامر الذي يستمر شاملا المعمورة، ودالا على قصوريتها ادراكا للحاصل الراهن، في اوربا غربا ومنها ماركس، وعلى مستوى ابعد واشمل، فالانقلابيه الاليه لم تحدث مرهونه للبرجوازية فحسب، وهي اتخذت اشكالا اشد توهميه مثلما حدث لروسيا التي انتقلت الى الاله من دون برجوازية، وتبعتها الصين وبلدان اوربيه اخرى، مدعية التحول المسمى ب "الاشتراكي" بالفذلكة اللينينيه والماوية المغالية في تكريس المنظور اليدوي واسقاطة على مابعده.
الاهم والذي لم يدخل على الاطلاق ميدان المراجعه، هو الحضور الامريكي المفقس خارج رحم التاريخ، وتصدره العملية الالية والانتقال بها من خارج التاريح المجتمعي، وبلا تاريخ يدوي، فالكيانيه الامريكية هي كيانيه آليه صرفة، نتاج وحصيلة ومنتج الاله لوحدها بلا برجوازية ولاصراع طبقي، ليس له اي اساس في هذا الموضع من الكرة الارضية، قام بحكم كينونته الابتدائية بالقفز بالالة من المصنعية الى التكنولوجيا الانتاجية، مع الابقاء على المروية والسردية الاوربية "الطبقية" من قبل كيانيه قامت على امحاء مجتمعية لادولة، من اكثر من ستين مليون كائن بشري، مع ادعائها بانها موضع رسالي، وجد لكي يغير العالم، اي يمحو ماقبله من مجتمعية تاريخيه، فقلب الانتاجية البرجوازية والكيانوية الوطنيه، بالانتاج المعولم واختراق السيادات بما فيها، بل في مقدمها الاوربية.
هذا كله ومايزال ثمه من يمكن ان يتحدث عن الطبقات و ( الدول الامم)، والبرجوازية والبروليتاريا التي لم تعد حاضرة ولاوجود لها، الا بالعودة الى القرن التاسع عشر، والاحتداميه المصنعية التي منحت ماركس يومها، ماقد جعله يتوهم مالا اساس له خارج اللحظة الانتقالية الآنيه.
لم يكن يخطر على بال ماركس ان الالة المصنعية هي صيغة اولية ابتدائية ضمن مسار العنصر الثالث النوعي المباين المختلف، بما هو عامل وعنصر تفاعلية وتحولية انقلابيه مجتمعية كنوع، مابعد يدوية، وبناء عليه لم يكن ليتصور، او كان بامكانه وضمن نطاق مامتاح له من ممكنات ادراكية، احتمالية الانتقال المجتمعي نوعا مابين الارضوية الجسدية الحاجاتيه التي ركز عليها، وبين المجتمعية العقلية باعتبارها غرضية المجتمعية الاساس والاصل، وليس الشيوعيه التي اعتمدها بحكم حدود ادراكه، كهدف محكوم لقانون، وهنا نقع امام قضية جوهرية تخص العقل ومستوى ادراكيته، ومامتاح له من قدرة على الاحاطة ابان الطور اليدوي الاول من التاريخ المجتمعي، وهو ماليس لماركس يد فيه، بما هو شرط موضوعي خارج عن ارادته وارادة الكائن البشري.
اين يحدث وكيف، الانقلاب التحولي المنتظر اللاحق على الانبجاس الالي الاوربي؟ وهل الازدواج المجتمعي "طبقي" حكما وفقط، ام انه منطو على صيغة اخرى اعلى، موافقة لقانون التحولية المجتمعية، تظل غير منظورة وغير مدركة تحت طائلة القصورية العقلية، بانتظار الاحتدامية الاصطراعية المتولدة عن الانقلاب الالي بصيعته الابتدائية، ومايترتب عليه من توهمية عظمى، واهوال تناقضية وحياتيه رهيبه، بحيت تاتي لحظة نقف فيها على عتبه المنظور التحولي اللاارضوي، العائد للكينونه الازدواجية المجتمعية ( ارضوية/ لاارضوية)، ومسارها الاصطراعي التاريخي المديد الى الساعة، وحلول ساعة انبثاقها وانتقال العقل خارج القصورية الكبرى، لتصبح الانقلابيه الالية/ التكنولوجية، انقلابيه مجتمعية تحولية لاارضوية، عقلية متحررة من الجسدية الحاجاتيه.
***
عبد الامير الركابي