آراء
عبد الأمير الركابي: الاشتراكية المجتمعية واشتراكية ماركس الطبقية (1-2)

مع القصورية التي لازمت العقل البشري، ومن اهم مظاهرها النكوص ادراكا امام الظاهرة المجتمعية كمعطى بذاته، وهو ما قد استمر ساريا على مدى الطور اليدوي من التاريخ الانتاجي المجتمعي، لم يحدث ان طرقت باب المجتمعية، الا بعد حصول الانقلاب الالي عند مبتدئه، وان بصيغه ابتدائية اوليه، استحقت ان تسبغ عليها صفة الجده، ليغدو علم الاجتماع "اخر العلوم" المتلازم مع الانقلابية الالية تحديدا، والذي حدث ان انقلب فجاه متعديا نحو اكتشاف القانون التاريخي الناظم لوجود وحركة المجتمعات ووجهتها الانقلابية المضمرة الكبرى، مع القرن التاسع عشر ونظرية ماركس و"ماديته التاريخيه" وحتمياتها الناظمة للاليات المجتمعية الاخذه بها نحو المحطة، او المرحلة النهائية التي هي عود على بدء مفترض بلا اثبات، هو "الشيوعيه البدائية" نحو "الشيوعيه العليا".
وكانت الطبقات كمكون رئيسي وخاصية نمطية مجتمعية اوربية، قد اكتشفت في حينه لتصبح قاعدة واساس، باصطراعيتها جرى تعميمها من قبل ماركس مقررا " ان تاريخ المجتمعات ماهو الا تاريخ صراع طبقي"، اسهمت الغلبه الاوربية عالميا بفعل الالة وماوفرته من الاسباب في تعميمها على مستوى المعمورة، في حين لعب الانقلاب الالي الروسي بوسائل ايديلوجه، الدور الاهم على هذا الصعيد، بعد دخول الاضافة العملية اللينينيه بتحويل الطبقة الى "حزب مالعمل"، اي الاستبدادية الشرقية الروسية، محدثة بيد الانتلجنسيا ـ الفئة الجديدة وليدة المتغير البنيوي الناتج عن حضور الالة كعامل تغيير نمطي مجتمعي ـ مع نقله المجتمعية التقليدية اليدوية (الكائن البشري /البيئة)، الى بنية اخرى ثلاثية التفاعلية (كائن بشري/ بيئة/ آلة)، الاخيرة من خارج، وغير طبيعه العنصرين التاريخيين، هيأت الاسباب للتدخل الواعي في البنية والكينونة المجتمعية، وولدت بناء عليه نوعا جديدا من التفاعلية الاصطراعية على هذا الصعيد.
وعلى العموم فان المتغير الاوربي الابتدائي الالي المصنعي، وما قد واكبه من انقلاب " حداثي" غير عادي في الديناميات المجتمعيه على مستوى النموذجيه الكيانيه والدولة، وفي المجالات المعرفية ككل، كان كافيا لان تحظى الانجازات الغربية فوق اليدوية بما لايضاهى من الاعتبار عالميا، خصوصا وان المجتمعات البشرية وقتها كانت ماتزال خارج الفعالية الالية، ماتزال واقعا يدوية، ماوضع النموذجية الغربية بموقع الارفع والمرتجى المستقبلي، فلم يكن ثمة وقتها مايمكن ان يضع التفكرات والنموذجية الغربيه تحت طائلة الفحص غير المتوفرة اسبابه، ماظل يشمل بالاخص المنجزات الفكرية والتصورية الاساسية والكبرى، ومنها الماركسية التي وجدت في التناقض الراسمالي الغربي، واجمالي العالم ماقبل الراسمالي المعرض للهيمنه والاحتلال وفقد السيادة الذاتية بالقوة والاكراه، مادة وسلاحا بوجه الامبريالية الطاغية بالدرجة الاولى.
وليست الماركسية لوحدها من بين ماتحقق على يد الغرب الحديث، كانت تستحق التوقف باعتبارها منجزا آليا اوليا، هو افتتاح لمرحلة وطور تاريخ انتقالي مجتمعي، يقارب الانتقال من طور "الصيد واللقاط" الى " التجمع + انتاج الغذاء" صيغة المجتمعية المعروفة الى اليوم، هذا غير العديد من التوهمات التي ساقها الغرب على عجل في حينه، وسعى لتكريسها كمطلق نهائي قبل اوانه، ساعده في ذلك بما خص النواحي المجتمعية، قصورية الوعي بالمسالة المجتمعية الموروثة والباقية اثارها، برغم بدايات الانتقال الالي قبل التكنولوجي الانتاجي الحالي الراهن، وما منتظر من قفزة تكنولوجية قادمه متوقعه.
ويتمثل اكتشاف ماركس من حيث القاعده البنائية النظرية، لافي الطبقات وصراعها الذي لم يكتشفه هو، انما في توهمية الاكتشاف المجتمعي المفبرك عن "المرحلة الشيوعية" بحيث يفترض مرور المجتمعات البشرية ابتداء بها من دون اي اثبات، لابل وبتجاوز متعد على الحقيقة التبلورية المجتمعية، ماركس ومعه انجلز ماكانا مؤهلين، او في وضع يتيح لهما اصدار مثل هذا الحكم التاريخي المجتمعي القاطع، ويعتبرانه حقيقة، هذا بغض النظر عن اصرارهما على ربط مفهومهما المفتعل للبدئية المجتمعية، ليضعا في رحابه كتابات من نوع ماقد وضعه انجلز عن اصل "العائلة والملكية الخاصة والدولة"، من دون الانتباه الى ان الدولة ليست ظاهرة شامله لعموم المجتمعات، وان هنالك مجتمعات ليست قليله، هي مجتمعات " لادولة"، وجدت في اميركا اللاتينيه، وامريكا قبل الغزو الاستيطاني الغربي الحديث، واستراليا، وبعض افريقا واسيا، وهي بلدان لم تعرف الملكية الخاصة، ولا الطبقات، والاهم بما يخص احدى اهم المواضع التي لعبت دورا اساسيا بدئيا مجتمعيا في ارض مابين النهرين في سومر، انها وجدت كمساواتيه ومشاعية اشتراكية مافوق اشتراكية طبقية، بما انها " اشتراكية مجتمعية"، شاملة وليست جزئية قاعدتها " الطبقة"، احد مكونات المجتمعية.
وليست الاشتراكية المجتمعية، المشار اليها بالحالة المؤقته او المتغيرة جوهرا، فالاشتراكية المجتمعية السومرية الارض سوادية الرافدينيه العراقية، هي نمطية دائمه تظهر استجابه لقانون الدورات والانقطاعات الذي ينتظم كقانون تاريخ هذا الموضع من المعمورة، بالتراوح بين كوراجينا كمثال مبكر هو او ل من نطق في التاريخ البشري /في لوح مكتوب/ بكلمه "حرية / امارجي" وحقوق المستضعفين، وكل حقوق الانسان التي يتبناها البشر اليوم، دالا على نوع مساواتية اشتراكية ممتنعه عن انتاج التمايزات المجتمعية ابتداء، وصولا الى القرمطية ومجمل التعبيرات التي ظهرت في ارض السواد خلال الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، من تشيع انتظاري واسماعيلية وحلاجيه، مع المعتزله واخوان الصفا والخوارج، كسلطة خارج سلطة بغداد التي هي اصلا هروب من الاسفل الى الاعلى،تامينا لاسباب الاستمرار التي لم تكن ممكنه في الكوفة التي هرب منها ومن انتفاضاتها العباسيون، ابتداء الى الرمادي، ومن ثم الى الهاشميات، حين قامت بوجههم وقتها انتفاضة الراوندية.
والشيء نفسه حدث اليوم منذ القرن السادس عشر، حين عادت اللاارضوية الاشتراكية المجتمعية التاريخيه للانبعاث في دورة ثالثة هي الراهنه، تحت شروط اليدوية والبرانيه الشرقية المتعاقبه سلالات واشباه امبراطوريات على عاصمة امبراطورية الدورة الثانيه المنهاره منذ 1258، وصولا الى العثمانيين ومااعقبهم من انقلاب البرانية مع الاحتلال الانكليزي عام 1917 ساعة انتقلت من اليدوية الى الاحتلال الالي، الذي نتجت عنه في ارض السواد "الشيوعية اللاارضوية" في الجنوب، في عاصمة الانبعاث الحديث المنتفجي / الناصرية/ بعد محاولات تاسيسية فاشله، جرت في العاصمه المنهارة، ليقوم في موضع الاشتراكية المجتمعية من الثلاثينات، وحيث الموضع الاكثر تاخرا ويدوية، شيوعية مجتمعية لم تعرف مثلها، لااوربا ولا روسيا والصين على صعيد التغلغل المجتمعي خارج الطبقي، استطاع عام 1959 ان يسير تظاهرة من مليون ونصف المليون في مجتمع بفترض انه " مسلم"، تعداده لايتجاوز السبعه ملايين.
***
عبد الأمير الركابي