آراء
جمال محمد تقي: فلسفة الارهاب الكوني!
يقول تيري إيجلتون في مقدمة كتابه "الارهاب المقدس" لم يتوقف البشر عن قتل بعضهم بعضا منذ فجر التاريخ، بسبب التنافس على البقاء والحيازة، ومازالوا كذلك، وكان لظهور القوى الآلهية الخارقة في العقائد البشرية، وثنائيات الخير المطلق والشرالمطلق، وبالتالي ثنائية المقدس والمدنس، بمثابة غرس نوعي، او جينالوجي في شرعنة القتل والتعايش معه، والانتحار او التضحية بالحياة، فداء لحياة مطلقة اخرى، لا تستقيم إلا بالآضاحي، وان الترويع او الترهيب من عقاب الآلهة هو اول زراعة واعية لبذور ثقافة التخويف او الترويع الغيبي المتدحرج بميكانزميات التاريخ لشكل مقدس من الارهاب على الارض، جنة للبعض وجحيم للبعض الآخر .
وفي كتاب "الفلسفة في زمن الارهاب : حوارات مع يورغن هابرماس وجاك دريدا " من تأليف الباحثة الامريكية ايطالية الاصل، جيوفانا بورادوري، يصل المتحاوران الى استنتاجات عميقة منها، ان مفهوم الارهاب ملتبس وبحاجة التي تفكيك وتدقيق للتميز بين ارهاب الدول الذي سطع نجمه منذ ايام اليعاقبة وروبسبيير والارهاب الاهلي او المحلي وتتويجه بالارهاب الدولي، وان الارهاب المعاصر هو صراع العولمة مع ذاتها، وبالتالي فهو ليس صرعا بين الحضارات او الاديان، وان العنف المستشري هو تعبير عن الانسداد الذي يفجر الصراخ الدموي كبديل وحيد ضد سياسة الاذان الصماء، ويرى الفيلسوفان ان اوروبا مدعوة لانقاذ ذاتها، بالعمل على تطوير القانون الدولي، ودمقرطته والحرص على احترامه، ورفض الانغلاق القومي، ونبذ نزعة معاداة الاجانب والعمل معا لتحقيق الديمقراطية والتحرر للجميع، كي لا يموت التنوير الذي تدعيه، فالارهاب لا اخلاقي والعولمة لا اخلاقية، واحدهما يستوجب الآخر!
بالأمس إرهاب شيوعي واليوم إرهاب إسلامي وغدا!
مع انتهاء الحرب الباردة انتهت حملات شيطنة الشيوعية وحركات التحرر المستعينة بها وحل مكانها الاسلام ليحمل ما لا يحتمل!
ولأن مفهوم الارهاب المتداول منذ احداث 11 سبتمبر 2001 وحتى الان اكثر إلتباسا وإنتقائية ومطاطية وحمال اوجه، ولا نبالغ اذا قلنا مغالط، لا يسع اي ذي بصيرة، إلا إعادة الخوض في محاولات التأصيل، والتعقب، المنطلق من كون الارهاب ظاهرة اجتماعية سياسية فكرية عنيفة، عنف التوحش الراسمالي بصيغته، النيو ليبرالية، شديدة الارتباط بمستوى وحدة تركز وتمركز السلطة وادواتها والثروة وإستثماراتها كونيا، وانعكاساتها الكارثية على المجتمعات المستهلكة بحكم الامر الواقع، ومن كونه أحد أوجه العنف الفردي والجماعي الملازم تاريخيا للصراع على مصادر العيش والبقاء والتسيد المتعاظم، في عالم كلما ازداد تراكما وتقاربا وتفوقا، كلما ازداد انحدارا !
لقد أُفشلت محاولات الامم المتحدة وعن عمد للتوافق على تعريف جامع مانع لماهية الارهاب وفرزه عن غيره من مظاهر العنف الاخرى، جنائية كانت أم سياسية، داخل حدود الدول وخارجها، وطبيعة الحرب عليه، وشكل علاقتها بالحروب التقليدية ومديات شرعيتها، قانونيا واخلاقيا، ففي عام 1972 ناقشت الجمعية العامة للامم المتحدة لاول مرة موضوعة الارهاب الدولي وتباينت الاراء لدرجة التصادم، ففي الوقت الذي ركزت فيه اغلب الدول على ان ارهاب الدولة يجب ان يكون في مضمار اي تعريف جاد ورصين للارهاب خاصة اثناء الصراعات المباشرة وغير المباشرة او الحروب بالوكالة بين الدول، واعتبار ذلك جرما مشهودا يخالف القانون الدولي، حيث ركزت النقاشات وقتها على الارهاب الامريكي لشعوب الهند الصينية وتحديدا الحرب الامريكية المدمرة على فيتنام، والدور التخريبي للسي اي اية، في كوبا وامريكا اللاتينية وافريقيا الذي يبرمج الانقلابات العسكرية والنزاعات المحلية ويغذيها، كان التركيز الامريكي على عنف الجماعات الصغيرة والافراد من غير المرتبطين رسميا بالدول، وكانت نتيجة حوار الطرشان هذا، عدم التوافق . وفي فترة حكم الرئيس الاربعين للولايات المتحدة الامريكية رولاند ريغان 1981 – 1989 جرى التداول الامريكي لمصطلح الدول الراعية للارهاب، وباتجاه واحد يؤشر "لامبراطورية الشر" الاتحاد السوفيتي، ومن يتمحور معها في مخاض الحرب الباردة، فبعد تفجيرات قوات المارينز في بيروت 1983، اعلن ريغان عن وجود دول ارهابية وراء الهجوم، كإيران وسوريا وليبيا وهي متناغمة مع ارهاب كوبا ونيكاراغوا، واطلق على هذه الدول كونفدرالية الدول الارهابية، وبعد محاولة اغتيال دموية للرئيس الكوري الجنوبي، برعاية كورية شمالية، والتي حصلت اثناء زيارة الرئيس الكوري الجنوبي لبورما، ادانت جميع دول الامم المتحدة العملية، وصوتت اغلبيتها على قرار يطالب بتركيز المجتمع الدولي، على الدور الذي تلعبه الدول، في التمويل والتخطيط لعمليات "الارهاب الدولي"، كان تصويت المندوب الامريكي والكوري الشمالي ضد القرار، والسبب واضح فكوريا الشمالية لا تريد إدانة نفسها، اما امريكا فانها لا تريد سابقة تفتح الابواب امام إدانات متوقعة من الجمعية العامة، لارهابها المتواتر بالاصالة او الوكالة !
اما مهزلة قوائم التصنيف الامريكي للمنظمات والجماعات الارهابية حول العالم فهي انتقائية وازدواجية في معاييرها، لأن أي مجموعة عنيفة مرتبطة بأجندة تتعارض والمصالح الامريكية تصنف كجماعة ارهابية، وبحسب مجلة التاريخ الامريكي الصادرة عام 2011 لاحظت الباحثة بيفرلي غيج كيف حاولت وزارات الخارجية والدفاع والخزانة تجنب تطبيق نفس التصنيف على عملاء امريكا الذين يخوضون حروبها بالوكالة، فعندما كان المجاهدون العرب بقيادة اسامة بن لادن يقاتلون السوفيت في افغانستان وبكل شراسة وعنف، كانوا ابطالا وثوارا، ولا تنطبق عليهم صفة الارهاب برغم ارهابهم لكل مظاهر المجتمع المدني الذي كان قائما، لكنهم وبقدرة قادر اصبحوا ارهابيون خطرون يجب ابادتهم لمجرد استنفاذ تخادمهم، وتصويب بنادقهم ضد الامريكان حتى قبل 11 سبتمبر 2001، اما بخصوص حركة طالبان، فأنها بحسب قائمة وزارة الخارجية الامريكية للجماعات الارهابية الاجنبية، ليست جماعة ارهابية، لكنها مصنفة ارهابية بحسب لائحة وزارة الخزانة ويبدو ان التفسير الوحيد لهذا التناقض البرغماتي الصارخ هو الادراك الامريكي المبكر بعدم القدرة على هزيمة طالبان، وبالتالي حاجة الدبلوماسية الامريكية لنافذة تواصل معها، قد تقلل الخسائر، قبل وبعد الانسحاب !
***
جمال محمد تقي