آراء

محمد الربيعي: الهبة الديموغرافية.. هل سنحصد ثمارها أم سنغرق في البطالة؟

في اعلانه عن النتائج الاولية للتعداد العام للسكان ذكر السيد رئيس الوزراء ان (النتائج تكشف عن دخول العراق مرحلة الهبة الديموغرافية بوصول نسبة السكان في سن العمل الى 60%). ما الذي تخبئه لنا هذه النتيجة؟ هل ستكون نقطة تحول نحو مستقبل مزدهر، ام انها ستزيد من تعقيد المشاكل التي يواجهها العراق؟

الهبة الديموغرافية هي فترة زمنية يمر بها مجتمع ما، تتميز بارتفاع حاد في نسبة السكان القادرين على العمل مقارنة بنسبة الاطفال والمسنين. تعتبر هذه الفترة فرصة ذهبية للنمو الاقتصادي والاجتماعي، وذلك لزيادة القوى العاملة المتاحة للانتاج، وانخفاض الاعتماد على المعالين، مما يزيد من الموارد المتاحة للاستثمار والتنمية. ويحمل بلوغ 60% من افراد المجتمع سن العمل اهمية بالغة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فزيادة عدد الافراد القادرين على العمل والانتاج تدفع عجلة الاقتصاد الى الامام من خلال رفع الانتاجية. كما ان ارتفاع الدخول الناتج عن زيادة القوى العاملة يزيد من الطلب على السلع والخدمات، مما يخلق فرصا اكبر للاستثمار. بالاضافة الى ذلك، تمثل هذه الفترة فرصة ذهبية لتحقيق اهداف التنمية المستدامة، حيث يمكن استغلال الطاقة الانتاجية المتزايدة للقضاء على الفقر وتحسين مستوى التعليم والصحة.

لكن ماذا يعني ذلك للعراق؟ هل هذه الزيادة السكانية في سن العمل نعمة ام نقمة؟ تحمل الهبة الديموغرافية للعراق تحديات جسام وفرصا ضائعة، فبينما يمثل تدفق الشباب الى سوق العمل قوة عاملة ضخمة في دول الرفاهية، الا انه في العراق بغياب التخطيط الاستراتيجي والفرص الحقيقية وانتشار الفساد يحوله الى قنبلة موقوتة. فبدلا من ان يكونوا محركا للنمو الاقتصادي، يصبحون عبئا على الدولة اذا لم يتم توفير فرص عمل حقيقية تلائم قدراتهم.

فهل سيستغل العراق هذه الفرصة التاريخية لبناء اقتصاد مزدهر، ام سيدخل في دوامة من البطالة والفقر واستمرار الازمات الاقتصادية؟ الاجابة تكمن في مدى قدرة الحكومة على توفير البنية التحتية اللازمة، والاستثمار في التعليم والتدريب للشباب والقوى العاملة، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار. فاذا استمرت الدولة في الاعتماد على الوظائف الحكومية كحل وحيد، فان الهبة الديموغرافية لن تؤدي الا الى تفاقم المشكلات الاقتصادية وزيادة الاعتماد على الدولة وتأجيج السخط الاجتماعي.

ان العراق اليوم يقف عند مفترق طرق، اما ان يستثمر في شبابه ويحولهم الى قوة انتاجية، او ان يدفعهم الى الهامش ويضيع طاقاتهم. واما ان يتم القضاء على الفساد والمفسدين، او تظل الهبة الديموغرافية فرصة ضائعة الخيار، يعود ذلك الى صناع القرار، فهل سيختارون بناء مستقبل مشرق لشعبهم، ام سيتركونهم يعانون من الخدمات السيئة والبنية التحتية المتردية، وتستمر البلاد في التدهور الاقتصادي والاجتماعي؟

***

ا. د. محمد الربيعي

بروفسور ومستشار علمي

في المثقف اليوم