آراء

عبد الجبار العبيدي: الدين ليس سياسةً.. والسياسة ليست ديناً

الدين ليس سياسةً.. والسياسة ليست ديناً. القرآن الكريم أول من اشار الى هذا التوجه في المجتمع باعتبار اعتماد نص الشورى في الحكم بين الناس، لكنهم هم أول من أهمل تطبيق النص حين اعتبر المعترضين من أهل الشورى زنادقة مرتدين عن الدين، من واجب المسلمين اجتثاثهم باسم حركة الردة في بداية الخلافة ونهايتها باسم الخوارج المطالبين بالتحكيم. من وجهة نظري كباحث تاريخي أعتقد ان هذا مخالف للنص القرآني جملة وتفصيلاً. كل هذا حدث من اجل السلطة لا الدين.

ومن هنا بدأ النقض لقوانين الاسلام.

حمورابي البابلي اول من دون القوانين.. في قانونه المكون من 282 مادة قانونية ملزمة.. والبابليون أول من ألتزم بتطبيق القوانين. ومن خالف التطبيق تعرض لمحاكمة القانون وليس لقتله. هنا البابليون طبقوا النص افضل من المسلمين.

الاسلام لم يكن بدعة عربية، بل جاء بنص واضح متين لضمان حقوق الناس في العدالة بينهم.. نص لم يذكر حتى في القوانين الحضارية السابقة.. وهو "أعدلوا ولو كان ذا قربى" "وهذا صراطي مستقيما فلا تتبعوا السبل فتفرق بكم.. الانعام 151-153. لكنهم اول من اهملوه دون التزام وتطبيق.

لذا من مسودات كتابة القيم وتطبيقها الناقص عند الخلافة الاولى بدأ أصول الضعف عند المسلمين.. الذي أدى بهم الى تحويل مسار الحقوق للخطأ باختراع كلمة الردة في الاسلام والتي لا وجود لها في القران.. "حين قالوا من أرتد عن دينه فاقتتلوه".. بينما القرآن يقول: "من شاء منكم فليؤمن، ومن شاء فليكفر، انا أعتدنا للظالمين نارا ولم يقل للكافرين. الكهف آية 29.

من هنا نشأت عوامل تقهقر الأمة وسر ضعفها، من قادتها وو عاظهم الذين برروا لها الاستسلام للطغيان والتفتيت، مستندين الى نظرية الجبر وسلب الاختيار، والقبول برأي الفاسد في تفسير فقه الأحكام الملزمة للتطبيق. هنا بنيت شخصية الامة على الضعف بالقوة.. فامراضنا الحالية هي وليدة الماضي الخاطىء المغلف بالمقدس من اجل حقوق السلطة لا المواطن ولا حتى الدين.. علما ان لا مقدس سوى الله.

وحين تركزت هذه المبادىء الجائرة، والأصول المصطنعة في وجدان الأمة أصبح من السهل مقاومة الفئات الاخرى الخارجة على السلطان وتصفيتها باالقوة، والمعارضة للخروج على النص كمافي تصفية ثوار تشرين.. لذا من هنا بدأت تنهزم ثورات العدالة المدعوم بالفقه الزائف امام قوة الدولة. حتى الفكر الجائر القديم اصبح اليوم لا يلائم منهج البحث المعاصر لضمان موضوعية النص في التطبيق.

ليس لأمة ان تتحرك وتنهض بدون قضية محركة، وقيم معينة لتنتقل من الخرافة الى العقل.. نحن نحتاج الى اساتذة جامعيين من ذوي الكفاءة والمقدرة والوطنية المتوغلة في قراءة وتطبيق النصوص لدراسة ظاهرة الانتقال.. هؤلاء الافذاذ هم الذين عليهم واجب معرفة سر الازمة والضعف والتردد لوضع الحلول. فهل يشكل العامل التاريخي احد عوامل الضعف والقوة اعتقد... نعم.

 لذا لابد من دراسة المعتقدات والرموز الدينية واقامة الشعائر وفق نظريات الافكار(الآيدلوجيا) العلم الذي يعالج تقويم الافكار وما يتصل بالقيم الانسانية والمعتقدات الفكرية والتقدم.. لا اراء مشايخ الدين الميتة وغيرها لتدارك الخطأ. وخاصة الخلافات المجتمعية والدينية والمذهبية المبتكرة خطئاً من الفقهاء لتفادي الصراعات الدموية المستمرة لاتفه الاسباب.

ولمعالجة تزوير الحقائق بدعوى وحدة الكلمة التي فرضوها علينا في غفلة الزمن. لذا فالقضية ليست تقليدا للجديد.. بل ابداع وخلق ثقة جديدة في النفوس لمجابهة المستحيل في حل المشكلات. بعيدا عن المداهنة واللين وشعرة معاوية لابعاد نظرية سلوكية الحاكم في التطبيق والغاء خطوط التبرير والارجاء وضياع الحق بالتقادم.

من هنا لابد من التعامل مع الواقع والوقائع والخضوع لها بدافع الدين لان بانتهاء عهد الخلافة الاسلامية الفاشلة اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسسلوك السياسي بل، القدوة والعلم والصلاح هي التي تؤدي الى قيام القانون والغاء الشرعية التي انتهى دورها اليوم ليحل محلها القانون في حقوق المرآة والمواريث. فلامدينة مقدسة ولا امام مقدس ولامقدس في الدين سوى الله ولاغير.

بعد ان ركزت مؤسسة الدين الفاشلة باذهان الناس ان الحاكم الظالم افضل من انعدامه.. سقطت شرعية الحقوق للمواطنين. وبدأ عصر جديد هو عصر السلطة لا الدين. فكان ظهور تيار الارجاء الانتهازي نموذجا لتأسيس خط الضعف وضياع الحق بالتقادم متناسين ان طريق العدل والمبادىء هو وحده يضمن للمجتمع أستعادة التوازن والثقة حتى لو ادى الى تضحيات جسام وهذا ما رأيناه في ثورة تشرين19 التي نادت( نريد وطناً)..

والخطوة التي تلتها هي ظهور الكتلة الساكتة لاستقرار الحكم العضوض الذي اعلنته الدولة الاموية فتوقف الاجتهاد واصبح الفكر والتجديد في دائرة الانغلاق. مستندين الى آيات قرآنية فسروها على هواهم مثل: وما تشاؤون الا ان يشاء اللهم متناسين قول الحق: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. ولا أكراه في الدين.. واخرى كثيرة.

الذي زاد من تفاقم الحالة الباطلة وفقدان الحقوق والتوجه الديني الصحيح عند المسلمين، هو ظهور نماذج من فكر الطاعة للحاكم من امثال الماوردي (ت450 للهجرة) باختراع جماعة اهل الحل والعقد دون معايير ويجري اختيارهم بطريقة غامضة على طريقة مجالس النواب العربية اليوم.

وظهور الفقيه الغزالي (المولود في 450 للهجرة) في قوله ان على الفقيه ان يعترف بالسلطة، لأن البديل هو الفوضى (الضرورات تبيح المحضورات ) وكأن اراد ان يقول ان الغاية تبرر الوسيلة). فأستقر الظلم والباطل دون اعتراض ولازال. خوفا من ان الديمقراطية الحقة تهدد عروش الطغيان.

وقد أكد الفقيه ابن تيمية (ت728 للهجرة) في كتابه السياسة الشرعية ان فصل الدين عن الدولة سيعني الفوضى وهذا يعني اتباع الحاكم حتى لو كان فاسقاً. ثم جاء الطرطوشي وابن الازرق وكاظم اليزدي النجفي الذي برر الاحتلال البريطاني للعراق كلهم على هذه الشاكلة التي ثبتت حكم الباطل في الدولة وحولت الاسلام الى خادم للسلطة لا هم خدمة للإسلام.

ومهما يكن الانطباع الذي يحاول ان يتركه الاخر ان الضعف اصبح هو الغالب في عقول الناس بالمقدس الذي لا يخترق. فكيف لأمة ان تخترق الصعاب والسيف مسلط على الرؤوس حتى اصبح المذهب مخالف للأخر، والسيف جزءً من رايتها الرسمية اليوم.

فعن اي دين يتحدثون.. ؟

***

د. عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم