آراء

محمود محمد علي: التعصب في دائرة المعارف الإسلامية التي يكتبها المستشرقون

شهد القرن العشرين مجموعة كبيرة من المستشرقين الألمان، والفرنسيين، والبريطانيين، والإيطاليين، والدنماركيين، والروسيين،والسويسريين، والمجريين، والسويديين، والبلجيكيين، والأمريكيين، وغيرهم،  حيث بلغ عددهم حوالي أكثر من 55 مستشرق، اهتموا بدراسة تراثنا العربي – الإسلامي من فقه، وتفسير، وعقيدة وفلسفة، وتاريخ وجغرافيا وتاريخ  علوم،  على شكل مواد معجمية مرتبة ترتيبا هجائيا،  بشكل تغلب عليه العجلة، وانعدام الدراية في بعض المواضع، والعجلة في الأحكام، والفصل في القضايا التي لم تكتمل أركانها، ولم تثبت وقائعها؟

ويبدو أن ذلك يرد الى على ثلاث: فهم الإسلام على أنه دين لاهوتي خالص كالمسيحية، بينما الإسلام دين، ومنهج حياة، وإما أنهم تأثروا بوجهه نظر السياسة الاستعمارية فخضعوا لها، وإما أن أدواتهم البيانية، والفكرية قصرت عن فهم الإسلام، وطبيعته الجامعة بين الثابت والمتغير، والتمييز بينهما أيضا والروحي والمادي، والدنيوي والأخروي، وتوازن بينهما كذلك، وأغلب ما تجيء أخطائهم في العجز عن فهم الوحي، والنبوة، والتفرقة بين الألوهية، والنبوة، ولذلك فإن أغلبهم ينسبون القرآن الكريم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يعد الرسول مصلحا اجتماعيا، أو وأحدا من الفلاسفة.

ومن هنا تعد دائرة المعارف الإسلامية Encyclopedia of Islam  كما جاء في الوكبيديا أول موسوعة أكاديمية تُعنَى بكل ما يتّصل بالحضارة الإسلامية، سواءً من الناحية الدينية أو الثقافية أو العلمية أو الأدبية أو السياسية أو الجغرافية على امتداد العصور، بما في ذلك العصر السابق للإسلام. وقد صَدَرت على طبعتين، الأولى بين 1913-1938، والثانية ما بين 1954-2005، وتُصدَر من قبل شركة بريل الهولندية. ظهرت هذه الموسوعة بأكثر من لغة، أمَّا بالنسبة لِلُّغة العربية فقد عُرِّبَتْ بعض أجزائها، ونُقِحَتْ وصدرت في مصر في الستينات من القرن الماضي، وأُعيد طبعها بالشارقة عام 1998. وانطلق مشروعان آخران لدائرة المعارف الإسلامية أحدهما في تركيا، ويسهر على إصدارها مركز وقف الديانة التركي، أمَّا الثاني في إيران حيثُ تصدَّر بعنوان دائرة المعارف الإسلامية الكبرى.

كذلك تعد دائرة المعارف الإسلامية من أهم المراجع الاستشراقية العلمية المعاصرة، والتي يعتمد عليها الكثير من الباحثين، ويستمدون منها المعلومات على مبدا الثقة دون التأكد من صحتها، وهناك العديد من المغالطات المتعلقة بقضايا العقيدة، والفكر الإسلامي بث مضامينها في ثنايا هذه الموسوعة، وهذه المقالة تحاول التنبيه نحو كشف هذه المغالطات، وتحديد قوامها وبيان جهود مفكري وعلماء الإسلام في بيان زيفها، وخطرها، وتحذير الناس من سوء مقاصد هؤلاء المغالطين.

ولذلك تكمن خطورة هذه الموسوعة، في كونها جهد علمي كبير، احتوى على كثير من الآراء  المضللة، التي لم تستوفى قدر اللازم في البحث والتقصي، والمغرضة الكامنة وراء الصدور، ضد الإسلام والمسلمين.

ومع هذا فهي تعد المرجع الأساسي للغرب في الاطلاع على الإسلام وما يتعلق به، بل هي مرجع يعتمد عليه في عيون كثير من الكتاب الإسلاميين، يستقون منها تصوراتهم وأراءهم، فأي مراجعة حصيفة لدائرة المعارف الإسلامية تكشف عن هذا الاتجاه الرامي الى إدخال شبهات حول العقيدة واصولها الإسلامية، كمادة أساسية منه ونجد هذه المحاولات واضحة في جميع فروع التراث ذات الصلة المباشرة مثل: القراءات، وكتابة  القران، وسيرة الرسول، وفي مجال التاريخ، والشريعة الإسلامية، وفي مجال اللغة؛ حيث كان الغرض منها وضع مصدر متكامل للمعلومات عن الإسلام والمسلمين، باللغات الثلاث: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية.

ولم تظهر حاجه المستشرقين الى اصدار هذه الموسوعة فجاه، دون أي تقليب فكر وإدامة نظر، بل سبق ظهورها، متون موادها في عدة مؤتمرات دوليه للحركات الاستشراقية، واستغرق الإعداد لصدارها قرابة عشرين سنه، أو يزيد فلقد شعر المستشرقون في مؤتمراتهم الدولية بالحاجة إلى دائرة معارف لأعلام العرب والإسلام، تجمع شتات دراساتهم عنها فدعوا الى اصدارها عام 1895م، وكلفوا هوتسما من جامعة اوتراخت بإنشائها، ومطبعه ليدن لصدارها، واستعين بمجامع ومؤسسات نشر العلم في أوروبا قاطبه للإنفاق عليها، وقد شارك في تحريرها عدد كبير من المستشرقين.

فأشرف هوتسما على تحرير الدراسات المتعلقة بالإمبراطورية العثمانية، وفارس وآسيا الوسطى والهند الهولندية، ثم حل محله في الإشراف على دائرة المعارف فنسنك عام 1924م.

وقد ذكر بعض الباحثين أن مقصد المستشرقين من إصدار هذه الموسوعة، جمع الأبحاث التي اعدت مسبقا خلال منتدياتهم، وابحاثهم، ومؤتمراتهم في مجلد واحد تعبر عن وجهه نظر الفكر الغربي عن الإسلام ومعتقده، وحضارته.

وتولى تحرير النسخة الألمانية: شاده، وريتشارد هارتمان، وبوبير وتحرير النسخة الفرنسية: رينيه باسمه عميد كلية الآداب في الجزائر فأشرف على جميع الأبحاث المتعلقة بشمال افريقيا (الجزائر، تونس، المغرب، السودان).

وتولى تحرير النسخة الإنجليزية، أرنولد، فأشرف على جميع الدراسات المتعلقة بالبلاد المتصلة ببريطانيا، ما عدا مصر، وعهد بالمقالات المختلفة في كل موضوع من موضوعاتها الى علماء أكفاء، يوقعون على ما يكتبون، وهم مسؤولون عنه.

وهنا يجيء الباحث المصري "أحمد محمد عبد الرحمن حسين" والذي ينتوي التسجيل لدرجة الدكتور من جامعة أسيوط – كلية الآداب – قسم الفلسفة في موضوع بعنوان  "منهج المفكرين المسلمين في الرد على أباطيل غلاة المستشرقين ( قضايا العقيدة في دائرة المعارف الإسلامية، والذي عقدنا سيمنارا لمناقشته أول أمس في خطة التسجيل من خلال إشراف الأستاذ الدكتور عصمت نصار، وأشهد أنني استفدت من هذا السيمنار والذي أفرز لي تلك المقالة من معلومات أخذت معظمها من خطة الباحث هنا في تلك المقالة، حيث أراد أن يكشف لنا أسباب اختيار الموضوع كالتالي :

1- ذيوع الأفكار الخاصة بالعقيدة الإسلامية بين شبيبة الدارسين الأكاديميين وغيرهم من عوام المثقفين، الأمر الذي يستلزم إعمال المنهج الكلامي في الجدل والتثاقف، وهو من صميم رسالة المجددين في علوم العقيدة، وعلم الكلام الجديد.

2- الكشف عن هشاشة الكتابات المتخصصة التي استندت في إثارة قضاياها على متون تلك الموسوعة، دون مراجعة الردود الواردة، أو مقابلة الادعاءات الواردة بالكتابات العلمية المعاصر.

3- إثبات أن علم الكلام من العلوم الإسلامية الأصيلة، التي سوف يظل دوما بمثابة الدرع، والسيف الواقي من الجموح، والشطح، والتشكيك، والتلفيق.

4- كشف الستار عن الدوائر البحثية الصهيو-أمريكية، والماسونية الداعمة لهذا الدرب من دروب نشر المعارف الزائفة في المجتمع الإسلامي... وللحديث بقية...

***

أ. د. محمود محمد علي

كاتب مصر

 

في المثقف اليوم