آراء

رائد عبيس: جريمة ترحيل التبعية الإيرانية في القرارات البعثية

لم يكن تشكيل الدولة العراقية يوحي بمعالم دولة مستقلة منذ الملكية وحتى اليوم، وبمنأى عن التدخلات الخارجية التركية، والبريطاني، والأمريكية، والايرانية، ودول جوار أخرى، أنعكس ذلك على طبيعة الدساتير، والقوانين، المشرعة التي يفترض ان تمثل هوية الدولة، وسياستها، وسيادتها، في إدارة مواردها، أو في الحفاظ على تركيبتها السكانية والتنوع الأثني فيها.

والعراق يتميز بتنوع بشري كبير من أعراق، وطوائف، وديانات متعدد، قبل أن تتناقص نتيجة عوامل الهجرة، والتهجير القسري، والأزمات، مثل: العراقيين من أصول إيرانية، أو عراقيين من أصول تركية، أو هندية، أو باكستانية، لاسيما من يسكن منهم في المدن ذات المدارس الدينية، مثل: النجف، وكربلاء، والكاظمية، وسامراء. أو المدن ذات الحركة التجارية، مثل: البصرة، بغداد، الموصل. فضلاَ الى الأكراد الفيليين ذات الأصول الإيرانية، والكرد، من دول جوار سوريا، وتركيا، وايران، إضافة الى الأقليات الأثنية الدينية، مثل: اليهودية، والمسيحية، والصابئة، والإيزيديين، والزرادشتيين، والبهائيين.

تعاقبت الأنظمة السياسية في العراق، على تهديد هذا التنوع الهوياتي بطرق مختلفة، تارة: بتشريع القوانين غير الناضجة، وغير المدروسة، أو المدروسة بقصدية ترك مساحة من القراءات والتأويلات مما يتيح للسلطات التنفيذية استغلالها كما تشتهي. وتارة أخرى عبر الاضطرابات السياسية، والانقلابات، والتوترات السياسية التي كانت تعطي مؤشرات غير صحيحة، عن تجربة الحكم في العراق الحديث. مما تسببت بتوترات بين هذه الأقليات الأثنية وبين السلطة بشكل مباشر من جانب، وبين مؤيدي السلطات من جمهور المجتمع من العرب والمسلمين، بكون الدولة القومية العروبية بدأت تتصاعد سلطتها على حسب الآخرين من الأقليات من جانب آخر.

ولعل العامل الخارجي والتدخلات الاقليمية، والدولية، ساعدت في صياغة الهوية الجديدة للدولة العراقية بعد ما يمسى " بالجمهورية الثانية " وصعود حزب البعث الى سدة الحكم. فأخذت الصفة القومية العروبية البعثية، هي الشرط الأول للمواطنة في سياسة حزب البعث الذي افترضت الطاعة والولاء تحت عنوان الطاعة والولاء للدولة كما في قرار 666 لسنة 1980. وعلى أساس هذا الشرط زادت ظاهرة الإزدراء، والنبذ، والعزلة، والأقصاء، اتجاه الأقليات الأخرى، وعزلهم عن المناصب العامة، وحرمانهم من حقوق التوظيف، والعمل، والزواج، حتى وصل الأمر إلى الترحيل القسري والإبعاد عن الموطن، والمساكن، والأولاد، وحقوقهم، وممتلكاتهم.

وبما ان الدولة كسبت صفة سياسية معينة بدأت بالتضخم على حساب التنوع والهويات الأخرى، وبدأت معالم الدولة القومية الديكتاتورية تطغى في سلوكها اتجاه هذه الأثنيات بالبطش، والغطرسة،  والترحيل، والتهجير، والإبعاد القسري داخل العراق وخارجه بحق التبعية الإيرانية و العراقيين من أصول إيرانية، والأكراد الفيليين الشيعة، لاتهامهم بالتبعية، والولاء للجمهورية الإسلامية في إيران. وهم يتعرضون إلى تهديد وجودي بالإعدام، والحبس، والسجن، والاعتقالات التعسفية، ومصادرة الأموال، والممتلكات. إضافة إلى التهديد الثقافي، والإيديولوجي، والعقدي، وهم يتلقون بطريقة إجبارية ثقافة البعث ودعوات الإنتماء إليه، واظهار الولاء، والطاعة. ومن المعروف بإن الطاعة والولاء يأتين طواعيتاً لا إكراها، وهذه الطريقة التي كان يريدها البعث بالإجبار، والتمثيل، والتظاهر بالطاعة، قد أوصلته إلى خسارة سلطته في 2003 حيث لا عراقي خرج للدفاع عن النظام، ولا بادر لنصرته.

شرع مجلس قيادة الثورة سيء الصيت قوانين خاصة بترحيل التبعية الإيرانية، ومشكلة الجنسية والتجنس، معزز بذلك سياسة حزب البعث اتجاه التنوع الأثني في العراق منذ 1964 بقراريه 666 لسنة 1980 و474 لسنة 1981.

وكلا القرارين يعدان جريمة بائنة كان قد ارتكبها مجلس قيادة الثورة والسلطة التنفيذية، ومنافية لما جاء في دستور 1970، ولما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 2- 9 -    13 -13 منه، والعهدين الدوليين للحقوق الخاصة، كما في المادة 1-2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والمادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.

فجريمة الترحيل سيئة الصيت تمثل جريمة ضد الإنسانية بحق التبعية الإيرانية بأصولها الإيرانية بالفعل، أو بالاكتساب، لكثير من العراقيين الذي سجلوا ذلك لظروف خاصة والتي كانت تربطهم مع الإيرانيين، والاكراد الفيليين، وشائج الوئام، والمعاشرة، والمصاهرة، والعمل وغيرها. فكانوا شركاء في بناء البلد وتعزيز قدراته الاقتصادية الذاتية، قبل وجود حزب البعث وتنامي سلطته المستبدة.

فقد ترك قرار الترحيل هذا آثار مدمرة على المجتمع العراقي، ابتداء من اتهام المجتمع التبعي بعدم الولاء للدولة، ونظامها، الى مأساة الترحيل المؤلمة.

***

الدكتور رائد عبيس

..................

الصورة توضح كيفية الترحيل القسري للتبعية الإيرانية

في المثقف اليوم