آراء

توفيق رفيق التونچي: الفاتح من تموز يوم في حياة الشعب العراقي

ذكر شهر تموز في أساطير أبناء الحضارات العراقية القديمة وترتبط في ذاكرتهم في يومين.

 اليوم لأول ذكرى ممات تموز والأخر يوم يبعث حيا من جديد. تموز حسب تلك الأساطير راعي عشقته عشتار، ولكن سعادتهم كانت قصيرة. فبعد ان مات تموز مقتولا غابت عشتار عن سطح الأرض ونزلت الى الجحيم السفلي، غاب الحب وانقرض الحياة على ثرى الرافدين. وحينما عادت مع زوجها تموز الى الأرض مرة أخرى، عادت الحياة الى ارض الرافدين. تموز نجده كذلك في تراث أهلنا من الايزيديين الكورد كذلك.

الفاتح من تموز يوم مشهود في تاريخ أبناء الشعب العراقي بجميع قومياته وعقائده الدينية المختلفة. إذ ان هناك الملايين من العراقيين والعراقيات يحتفلون في هذا اليوم بعيد ميلادهم الافتراضي. سأحاول في مادتي هذه سرد تاريخا مختصرا من تاريخ صفحات دولة العراق الحديث وما جرى من حوادث على رحاها في تلك الفترة. طبعا هذا تاريخ ميلاد وهمي وافتراضي لميلاد الأفراد في العراق.  تم تسجيل نفوسهم ولأول مرة رسميا في تعداد السكاني لعام 1957. كان من نتائجها الاستقرار الاجتماعي وهذا التعداد السكاني يعتبر الأقرب الى الواقع من حيث النتائج ومن افضل واكمل التعدادات السكانية التي اجري في العراق. الا ان هناك انتقادات موجهه لهذا التعداد من حيث اعتبار اللغة المحكية في البيت أساسا لقومية الفرد. ذلك ما أدى الى نتائج غير واقعية بالنسبة للانتماء القومي لأبناء العراق. كان حصر الشعب العراقي في فقط قوميتين ادى الى الغبن بحق القوميات الأخرى في البلاد.

كنت قد كتبت حول الألقاب وعدم وجود اي ارتباط بين اللقب والانتماء القومي. الجدير بالذكر انه بلغ عدد سكان العراق بموجب هذا التعداد تقريبا ستة ملاين والنصف نسمة اما الإن فيعتقد ان نفوس العراق تعدى   35 مليون نسمة ولا يوجد اي تعداد سكاني لتوزيع القوميات. كانت المادة 140 من الدستور العراقي التي لم تتم تطبيقيها للمرور الزمني ينص على إجراء تعداد سكاني لتعين التوزيع القومي في إقليم كوردستان. والمناطق التي لم يتم البت في تبعيتها للإقليم او للحكومة المركزية في بغداد.

 اعتقد جازما بان اختيار هذا اليوم اي الفاتح من تموز تم بعملية حسابية باختيار منتصف العام يوما لميلاد الملايين من العراقيين افتراضيا. كان يوم الأول من كانون الثاني (يناير) يستخدم يوما لميلاد هؤلاء ممن لم يعرف يوم ميلادهم ابان العهد الملكي خاصة مواليد القرى والأرياف. الغريب انا شخصيا لدي دفتر النفوس الملكي وطبعا يوم ميلادي في الاول من يناير وفي دفتر النفوس الجمهوري الأول من تموز (يوليو).4183 الجنسية العراقية

دفتر النفوس أصدرت في نهايات العهد الملكي وفي العهد الجمهوري الصق الشعار الجمهوري الأخضر على التاج الملكي. دفتر النفوس اخذ به كأساس لمنح الجنسية العراقية لاحقا، ولكن بشرط ان يكون الفرد من التبعية العثمانية وليس الإيرانية. كانت التبعية الإيرانية سببا مباشرا لتهجير ملايين من العراقيين منذ بدايات السبعينات مع مجيئ البعث الفاشي للحكم واستمرت بشدة وبطرق مأساوية مع الحرب العراقية الإيرانية ١٩٨٠ الى ١٩٨٨.

الحقيقة ان بين التاريخين الفاتح من كانون الثاني وشهر تموز حوادث هزت العراق جالبا الانقلابات والحروب وسيطرة المغامرين من العسكر على دفة الحكم كما جاء بالشر والعنف أحيانا وازدهرت السجون بزواره من الوطنين العراقيين من سجناء الرأي والعقيدة. كما تم تطوير أساليب التعذيب باستخدام ادوات متطورة وأساليب غير شريفة في التحقيق للوصول الى غاياتهم والحصول على اعتراف الضحية زورا.  واحيانا اخرى عاش العراقيين ولبعض الوقت الهدوء والسلام النسبي.

الدولة العراقية تأسست في اذار عام 1921 وكان قد سبقتها تأسيس الجيش في نفس السنة في 6 كانون الثاني.4184 سقوط الملكية

أما سقوط النظام الملكي في صبيحة ١٤ تموز من عام 1958 بقتل افراد من العائلة المالكة وإعلان الجمهورية فقد ومنذ ذلك اليوم الى سدة الحكم العديد من العسكر من المغامرين. لذلك تتابع الانقلابات العسكرية وسميت ب(الثورة) وتبعه نهاية الحكم الملكي بعد مرور اربع سنوات ونصف جاء انقلاب العسكري الثاتي في الثامن من شباط عام 1963 واعتلاء الفكر القومي السلبي سدة الحكم بعد قتلهم لرجال ثورة تموز 1958. آنذاك اعتلى البعث الاشتراكي على سدة الحكم في شباط 1963 لفترة قصيرة ما يسمى بفترة (المنحرفون).  ومرة اخرى تكرر عودتهم في 17 تموز والانقلاب الداخلي الذي تلاه في 30 تموز

من عام 1968. بعد ازاحة احد رجال الدولة المسالمين عن سدة الحكم واعني الرئيس المرحوم عبد الرحمن عارف الذي حكم العراق بين سنوات (1966 الى 1968).

 الذي نفي بعد الانقلاب ١٧ تموز   الى تركيا عن طريق بريطانيا وتوفى في الاردن. ثم تلى الحياة السياسية في العراق فترة اعوام من الاستقرار النسبي مع بيان 11 اذار عام 1970 الذي قدم تصورا لحل المسالة الكوردية وما يسمى بقانون الحكم الذاتي. تلك الفترة القصيرة انتهت باندلاع الحرب في كوردستان ونهايته مع توقيع اتفاقية الجزائر 1975 مع شاه ايران والتنازل عن الأراضي العراقية على طول الحدود مع ايران وأمور اخرى والتي تكون لاحقا احد أسباب اندلاع الحرب مع ايران وإلغاء الاتفاقية.  تلى ذلك أعوام 1978 الى 2003 سنوات من حروب وماسي ابتداء من حرب كوردستان ومن ثم تلاها يوم 23 ايلول 1980 حرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات وتلالها مباشرة احتلال الكويت وحرب الخليج الثانية الى اليوم الذي جاء احتلال العراق في 19 اذار من عام 2003 وسقوط النظام الفاشي القومي السلبي وسقوط الدكتاتورية (لمن يريد معرفة المزيد حول دكتاتورية النظام عليه العودة الى كراس الحزب خندق واحد ام خندقان). وجاء سقوط النظام بعد 35 عاما من الحروب الداخلية في كوردستان وقصف حلبچة الشهيدة بالغاز وحملة الأنفال السيئة الصيت والمقابر الجماعية وضرب المعارضة الوطنية العراقية والحروب مع الجيران ايران واحتلال الكويت والصراع مع النظام السوري. راح ضحية تلك الحروب والصراعات الجيل القديم من مواليد الفاتح من تموز والبقية معظمهم من ضحايا الحرب من المعوقين جسديا او نفسيا وهؤلاء اللذين نجوا بأنفسهم وباتوا في غيابته المنافي. كما ادى كل ذلك الى دمار البلاد والعباد.

الشعب العراقي اليوم و بجميع أطيافه يترقب الى المستقبل بعيون ملئها الأمل لعالم جديد بعيد عن كل موروث تلك الماسي التي مر بها هذا الشعب العريق خلال قرن من الزمان منذ تأسيسها كدولة مستقلة.

دعنا جميعا نقدم احلى التبريكات لجميع العراقيين من مواليد هذا اليوم،  الأول من تموز، مبارك وسعيد، عليكم جميعا أينما كنتم.

***

  د. توفيق رفيق التونچي  - السويد

 

في المثقف اليوم