آراء
كاظم المقدادي: الجرائم الإسرائيلة بحق الفلسطينيين أمام المحكمة الجنائية الدولية
كسرت حكومة جمهورية جنوب أفريقيا الصمت الحكومي الدولي والموقف المخجل للحكام العرب تجاه الجرائم النكراء لحكومة الصهيوني الفاشي نتنياهو،المدعومة عسكرياً ومالياً ودبلوماسياً من قبل الإدارة الأمريكية والإتحاد الأوربي، وبادرت مشكورة الى تقديم دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، متهمة إياها بإرتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وطالبتها بإصدار أمر عاجل يعلن أن إسرائيل تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، في حملتها على سكان غزة. وإتخاذ تدابير عاجلة مؤقتة من أجل حماية المدنيين من أي ضرر إضافي جسيم وغير قابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
وقد أقامت جنوب أفريقيا الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بإعتبارها هي المكلفة بالتحقيق في قضايا جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان ، ومحاكمة مرتكبيها أو من أمر بها أو شارك فيها أو حرض عليها. والمحكمة واحدة من الأجهزة القضائية الرئيسية الستة للأمم المتحدة.
وتألفت لائحة الأتهام من 84 صفحة،أعدها خبراء دوليون في الإبادة الجماعية، وبالإستناد الى إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة الجماعية النافذة، ويتمثل جوهر الإتهام بإرتكاب إسرائيل عمداً أفعال الإبادة الجماعية ضد سكان غزة.وتضمنت اللائحة عدة محاور،في مقدمتها حجم القتل العمد والتدمير.
وأكدت صحيفة "الغارديان" بان الدعوى القضائية لجنوب أفريقيا مبنية على أدلة قوية وموضوعية تدين إسرائيل بإرتكابها للأبادة الجماعية في غزة.
وقد أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها ستعقد جلستي استماع علنيتين يومي الخميس والجمعة القادمين(11 و12 كانون الثاني الجاري) في مقرها في لاهاي، بخصوص الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في 29/12/ 2023، المتعلقة بالوضع في غزة. وأوضحت بان يوم الخميس سيكرس للإستماع الى مرافعة جنوب أفريقيا الشفهية. فيما ستقدم إسرائيل مرافعتها الشفهية يوم الجمعة..
الأبادة الجماعية والأمم المتحدة
قانونياً، تُعرفُ الإبادة (Extermination) بأنها القتل المتعمد الجماعي لمجموعة كاملة من الناس، وهي تعتبر من ضمن الجرائم ضد الإنسانية. أما الإبادة الجماعية ( Genocides)، فتُعرفُ بأنها الفظاعات التي ترتكب أثناء الحرب أو العدوان، على أساس عرقي أو ديني أو سياسي.
وقد عرفتها المادة الثانية من "اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية"(1948) وكذلك "نظام روما الأساسي"(1998) المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، بأنها(الإبادة الجماعية) أي فعل "يرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة على أسس قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية".وتشمل هذه الأفعال- بحسب التعريف المذكور: قتل البشر(الجماعة)، وإلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأفراد الجماعة، وإلحاق الأضرار بظروفهم المعيشية بشكل متعمد بهدف الإبادة الفعلية،كلياً أو جزئياً. ومنع الولادات في هذه الفئة السكانية، والإبعاد القسري للأطفال.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد أعلنت بقرارها 96 (د – 1) المؤرخ في 11/12/ 1946، أن الإبادة الجماعية هي إنكار لحق وجود مجموعات بشرية بأكملها، لأن القتل هو إنكار حق الفرد في العيش. وإن هذا الحرمان من حق الوجود يصدم ضمير البشرية، ويتعارض مع القانون الأخلاقي وروح الأمم المتحدة وأهدافها. لذلك، تؤكد الجمعية العامة على أن الإبادة الجماعية هي جريمة بموجب القانون الدولي، سواء ارتكبت لأسباب دينية أو عنصرية أو سياسية أو لأي سبب آخر.وهي جريمة تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها، ويدينها العالم المتمدن.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الإبادة الجماعية قد ألحقت، في جميع عصور التاريخ، خسائر جسيمة بالإنسانية،ون تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب تعاوناً دولياً.ومن هذا المنطلق إعتمدت الجمعية العامة "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" في 9/12/ 1948، والتي دخلت حيز التنفيذ في 12/ 1/ 1951.
وأوضح جاك نوسان بورتر، عالم اجتماع أمريكي أوكراني (1982) : ان الإبادة الجماعية هي التدمير المتعمد، كليًا أو جزئيًا، من قبل الحكومة أو عملائها، لأقلية عرقية أو جنسية أو دينية أو قبلية أو سياسية. ولا يشمل التعريف القتل الجماعي، فحسب، بل ويشمل أيضاً المجاعة والترحيل القسري والإخضاع السياسي والاقتصادي والبيولوجي. وتنطوي الإبادة الجماعية على ثلاثة عناصر رئيسية: الإيديولوجيا والتكنولوجيا والبيروقراطية / التنظيم.
وأكدت فاليري غابارد، خبيرة القانون الدولي في لاهاي: في السياق القانوني، فإن التعريف دقيق للغاية وغير فضفاض.وأوضحت بان تحديد الإبادة الجماعية لا يتعلق بالأرقام، وإنما المعيار الأكثر أهمية هو نية الإبادة الجسدية لمجموعة ما..
من جرائم إسرائيل
شهد التأريخ الحديث إرتكاب دولة الاحتلال الإسرائيلي،منذ قيامها في 15/5/ 1948، وحتى اليوم، لعدد كبير من الجرائم البشعة والمجازر الدموية بحق الشعب الفلسطيني، أغلبها ينطبق عليه تعريف الإبادة الجماعية، حيث عملت العصابات الصهيونية على إبادة وتقتيل وتهجير قرى وبلدات فلسطينية كاملة، وأحلت محلها تجمعات لمستوطنين يهود جلبتهم من أنحاء العالم.
من أبرز الأمثلة على جرائم الإبادة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ما وقع في حرب 1948 وحرب 1967، ومذابح صبرا وشاتيلا ودير ياسين والطنطورة وخان يونس وكفر قاسم والحرم الإبراهيمي ومخيم جنين.
وأمعنت في الإبادة الجماعية للفلسطينيين في سلسلة من الجرائم التي ارتكبتها في قطاع غزة في سنوات 2008 و2009 و2012 و2014 و2021،. والمعروف ان كل تلك الجرائم مرت دون عقاب..
وفي تشرين الأول 2023 شن الجيش الإسرائيلي حرباً همجية على قطاع غزة، مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وقتل خلالها حتى اليوم أكثر من 24 ألف فلسطينياً، يشكل الأطفال والنساء الثلثين، وأصاب اكثر من 62 ألف اَخرين. وارتكب مئات المجازر في الأحياء السكنية وفي المدارس وحتى في المستشفيات.
وقد أعلن المرصد الأورومتوسطي أن نحو 4% من إجمالي سكان قطاع غزة(أكثر من مليونين) باتوا في عداد القتلى أو المفقودين أو الجرحى، جراء القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على القطاع.،وان كثر من 1.9 مليون فلسطيني نزحوا من مناطق سكنهم في القطاع دون توفر أي ملجأ آمن لهم.
وبشأن الأطفال،أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن أكثر من مليون و 100 ألف طفلآ في غزة يواجهون تهديدا ثلاثيا قاتلا يتمثل في زيادة تفشي الأمراض وسوء التغذية وتصاعد الأعمال القتالية. وأضافت أن آلاف الأطفال في غزة لقوا مصرعهم بالفعل، فيما تتدهور بشكل سريع الظروف المعيشية للأطفال الآخرين، مع انتشار حالات الإصابة بالإسهال والهزال، بما يزيد مخاطر وفاة مزيد من الأطفال.
وتشعر اليونيسف بالقلق بشكل خاص بشأن تغذية أكثر من 155 ألف امرأة حامل وأم مرضعة وما يزيد عن 135 ألف طفل دون سن الثانية، نظر لاحتياجاتهم الغذائية الخاصة وضعفهم.
وحذر منسق الشؤون الانسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث من أن قطاع غزة لم يعد مكانا صالحا للعيش، بعد أن دمره القصف الإسرائيلي الكثيف. وقال: بعد ثلاثة أشهر من القصف باتت غزة مكانًا للموت واليأس، ويواجه سكانها تهديدات يومية على مرأى من العالم.
وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، من أمام معبر رفح، أن "العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين يرقى إلى جريمة حرب، مثله مثل الإخلاء القسري غير القانوني للمدنيين.
وكانت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، رانشيسكا ألبانيز، قد حذّرت من تحوّل الصراع في غزة إلى "إبادة جماعية".
وفي 28/ 10/ 2023، قدم كريغ مخبير، مدير مكتب نيويورك لمفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان (HCDH) استقالته،ووصف ما يحدث في قطاع غزة وما يقوم به الجيش الاسرائيلي هناك: ‘مرة أخرى تحدث أمام أعيننا إبادة جماعية ومنظمتنا لا تستطيع ايقافها .
وفي 16/11/ 2023 دعا 36 خبيراً في الأمم المتحدة المجتمع الدولي الى منع الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ووصفوا تصرفات إسرائيل منذ 7/10/2023، بأنها إبادة جماعية قيد الإعداد.
إستنفار إسرائيلي
رداً على الدعوى القضايا لجنوب أفريقيا ضد جرائمها، وخوفاً من تداعياتها،أعلنت حكومة المجرم نتنياهو حالة الإستنفار لمواجهة إدانتها بجريمة الإبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية.ووضعت خطة طارئة لأحباط الدعوى، بضمنها تعيين 4 محامين خبراء، من بينهم خبير النزاعات الأقليمية البريطاني مالكولم شو. وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تعليمات عاجلة لسفاراتها طلبت منهم حشد ضغط دولي على الدبلوماسيين والسياسيين في البلدان المضيفة لهم لإصدار بيانات ضد "ملف جنوب أفريقيا".وجاء في التعليمات المسربة: ليكن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل هو أن ترفض المحكمة طلب إصدار أمر قضائي، والامتناع عن تحديد ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، والترويج بأن الجيش الإسرائيلي يعمل في القطاع وفقا للقانون الدولي(كذا !!!)..
من جهته،اعتبر البيت الأبيض أنّ الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل وتتهمها بارتكاب إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزة: "لا أساس لها"، وأنه "لا يرى أي أعمال إبادة جماعية في غزة".وقال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إنّ "هذه الدعوى لا تستند إلى أيّ حقائق".وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في مؤتمر صحافي اعتيادي: "هذه مزاعم يجب التحقق منها بعناية... نحن لا نرى أي أعمال تشكل إبادة جماعية"...
هكذا، وبكل إستهتار، تتجاهل إدارة الرئيس المختل عقلياً بايدن جرائم الإبادة الجماعية التي إرتكبتها وترتكبها ربيبتها إسرائيل عبر مئات المجازر الدموية بحق الفلسطينيين، والتي شاهدها ملايين الناس في أرجاء العالم، وأدانوها.
***
د. كاظم المقدادي