آراء
كاظم المقدادي: إعلان حالة طوارئ صحية عالمية..مطلب اَني وملح!
أجرت منظمة الصحة العالمية (WHO) منذ فترة طويلة دراسات عديدة، أكدت ان صحة الانسان وثيقة الإرتباط بصحة النظام البيئي الذي يلبي الكثير من احتياجاتنا الاساسية، فتؤدي زيادة عدد السكان، والتطور الاقتصادي الى حدوث تغييرات سريعة في النظام البيئي العالمي، ويؤثر هذا على صحة البشر.
ونبهت WHO الى إمكانية التغلب على المشكلات البيئية، التي تتسبب بحوالي ربع الامراض والوفيات التي تحدث في عمر مبكر. وجاء في دراسة لها بعنوان "تفادي الامراض من خلال الحرص على بيئة صحية " انه يمكن سنويا انقاذ حياة 4 ملايين إنساناً اذا ما تم تفادي المشكلات الصحية المرتبطة بالمكونات البيئية، كالهواء والماء والتربة والاشعاعات والضجيج والحقول الكهرومغنطيسية والانشاءات والزراعة والسلوكيات الصحية والنظافة.وأوضحت بان عوامل الخطر البيئية تشهد تحولا كبيرا مع التنمية.
تشكل التغيرات المناخية في الوقت الراهن أبرز المشكلات البيئية الساخنة، وتُعدُ تطوراتها المتفاقمة المتسارعة من أكبر التحديات التي تواجه العالم، لا سيما وان تأثيراتها شديدة للغاية على صحة وحياة البشر في أنحاء العالم، حيث يساهم تغيُّر المناخ في تردي جودة الهواء، والمياه، والأمن الغذائي، واماكن العيش والسكن، وفي انتشار الأمراض المعدية. ويُصَعِبُ انخفاض التنوُّع البيولوجي إطعام البشرية بطريقة صحية. وقد تحولت التغيرات المناخية الى سبب رئيسي لنزوح المجتمعات الأكثر عرضة لتداعياتها ، ولنشوء أوضاع مضطربة، وقيام نزاعات، تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر..
إدراكاً لهذه المخاطر، خصص مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، الذي سيفتتح في دبي يوم 30 تشرين الثاني القادم، يوماً خاصاً لـ " الصحة، والتعافي، والإغاثة، والسلام " ضمن برنامجه الحافل. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية تخصيص مثل هذا اليوم، الذي سيكون يوم الثالث من كانون الأول. ومن المقرر ان يتم خلاله تسليط الضوء بالأدلة والقرائن على التداعيات الصحية الوخيمة للتغيرات المناخية، واستكشاف مسارات جديدة، ضمن أجندة المؤتمر الأممي، لمهمات الإغاثة العاجلة للمتضررين، ولمتطلبات التعافي، وغيرها من مهمات دعم المجتمعات الأكثر تضرراً، وتعزيز مرونتها واستقرارها .
وسيتضمن برنامج اليوم، أيضاً،عقد مؤتمر لوزراء الصحة والبيئة والمناخ،من أرجاء العالم، يناقش أزمة المناخ وتداعياتها الصحية، ووضع الحلول والمعالجات لها، لتكون ضمن أجندة الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية.
وبادرت أكثر من 200 مجلة طبية رائدة ومعروفة وواسعة الإنتشار في العالم، مثل: The BMJ، و The Lancet، وJAMA ، والمجلة الطبية الأسترالية، ومجلة شرق أفريقيا الطبية، والمجلة الطبية الوطنية الهندية، ومجلة دبي الطبية، وغيرها، ونشرت في وقت واحد، يوم الأربعاء 25/10/2023، مقال افتتاحي، لخلق زخم قبل إنعقاد (جمعية الصحة العالمية) القادمة في ربيع عام 2024. ودعت فيه قادة العالم والمهنيين من ذوي المهن الطبية والصحية إلى الاعتراف بأن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يمثلان أزمة واحدة لا تتجزأ، ويجب معالجتها معًا للحفاظ على الصحة العامة وتجنب الكوارث.
وكتب المؤلفون إنه من الخطأ الخطير الاستجابة لأزمة المناخ وأزمة الطبيعة كما لو كانا تحديين منفصلين. وحثوا منظمة الصحة العالمية على إعلان هذه الأزمة غير القابلة للتجزئة كحالة طوارئ صحية عالمية.
وأن صحة الإنسان تتضرر بشكل مباشر بسبب أزمة المناخ وأزمة الطبيعة، حيث تتحمل المجتمعات الأكثر فقرا وضعفا العبء الأكبر في كثير من الأحيان.
ويعد ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة وتلوث الهواء وانتشار الأمراض المعدية من بين التهديدات الصحية الرئيسية التي تتفاقم بسبب تغير المناخ. كما أدى تحمض المحيطات إلى تقليل جودة وكمية المأكولات البحرية التي يعتمد عليها مليارات الأشخاص في الغذاء وفي سبل عيشهم .ويؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى تقويض التغذية الجيدة، وتقييد اكتشاف أدوية جديدة مستمدة من وفي حين أجبرت التغيرات في استخدام الأراضي عشرات الآلاف من الأنواع على الاتصال الوثيق، مما أدى إلى زيادة تبادل مسببات الأمراض وظهور أمراض وأوبئة جديدة.
وأكد المؤلفون بان المجتمعات تتمتع بصحة أفضل إذا أتيحت لها إمكانية الوصول إلى مساحات خضراء عالية الجودة تساعد في تصفية تلوث الهواء، وخفض درجات حرارة الهواء والأرض، وتوفير الفرص لممارسة النشاط البدني.
كما أن التواصل مع الطبيعة يقلل أيضًا من التوتر والوحدة والاكتئاب، مع تعزيز التفاعل الاجتماعي، وهي فوائد مهددة بسبب الارتفاع المستمر في التحضر.
ويذكر أنه منذ أن عقد أول مؤتمر عالمي للمناخ في جنيف عام 1979، اتفق علماء من 50 دولة على أن الاتجاهات المقلقة في تغير المناخ تجعل من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لها ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق تحذيرات متكررة، منها في قمة ريو عام 1992، وفي بروتوكول كيوتو لعام 1997، وأخيرا في اتفاق باريس لعام 2015، لكنه لم يتم الوفاء بالإلتزامات الدولية..
ولذا يتوجب أن تعلن WHO أن أزمة المناخ والطبيعة غير قابلة للتجزئة، وهي حالة طوارئ صحية عالمية، وان يتم ذلك قبل أو أثناء انعقاد جمعية الصحة العالمية في اَيار 2024.
وتتطلب معالجة هذه الحالة الطارئة تنسيق عمليات COP28، وكخطوة أولى، يجب على الاتفاقيات المعنية أن تعمل على تحقيق تكامل أفضل بين الخطط المناخية الوطنية ومكافئات التنوع البيولوجي.
ويجب أن يكون العاملون في مجال الصحة مناصرين أقوياء لاستعادة التنوع البيولوجي ومعالجة تغير المناخ لصالح الصحة، في حين يجب على القادة السياسيين أن يدركوا التهديدات الخطيرة التي تهدد الصحة من الأزمة الكوكبية وكذلك الفوائد التي يمكن أن تتدفق على الصحة من معالجة الأزمة. لكن أولا، يجب علينا أن ندرك هذه الأزمة على حقيقتها: "حالة طوارئ صحية عالمية.”
وكتب المدير العام لـ WHO، تيدروس غيبريسوس، ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، الرئيس المعيَّن لـ COP28، سلطان الجابر، والمبعوثة الخاصة للمدير العام لـ WHO المعنية بتغيُّر المناخ والصحة، ڤانيسا كيري، مقالآ مشتركاً، نشرته صحيفة The Telegraph البريطانية،قبل أيام، وجاء فيه:
إن التغيُّر المناخي يعدّ أحد أكبر التهديدات الصحية التي تواجه البشرية. وفي مواجهتها تظل الحاجة العاجلة إلى تنفيذ تدابير التصدي لتغيُّر المناخ هدفاً ملحاً، ولكنه غير محقق.
وأن تغيُّر المناخ يحدث الآن، وآثاره محسوسة في جميع أنحاء العالم. وتشير تقديرات WHO إلى أن حالة وفاة واحدة من كل أربع وفيات يمكن أن تعزى إلى أسباب بيئية يمكن الوقاية منها، وأن تغيُّر المناخ يؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر.ويفرض العديد من التحديات الصحية المعقدة، بدءاً من الظواهر الجوية المتطرفة، وانتهاءً بانتشار الأمراض المعدية وتفاقم الحالات المزمنة. ولا يمكن الوقاية منه باللقاح، أو علاجه بالمضادات الحيوية. لكننا نعلم أننا قادرون على التخفيف من آثاره.
وأن تقليل الانبعاثات في جميع القطاعات يعدّ أمراً بالغ الأهمية لاحتواء تغيُّر المناخ والحفاظ على درجة حرارة الأرض في مستوى 1.5 درجة مئوية. ولتحقيق هذه الغاية، يتعيّن على العالم أن يعمل على إزالة الكربون من أنظمة الطاقة لديه، وخفض الانبعاثات بنسبة 43 في المئة على الأقل على مدى السنوات السبع المقبلة".
ونبه المؤلفون: إذا لم نتحرك، فإن تغيُّر المناخ سيطغى قريباً على النظم الصحية في العالم. وستزداد الظواهر الجوية المتطرفة، في تواترها وشدتها مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. فعلى سبيل المثال، أدت فيضانات العام الماضي في باكستان إلى نزوح 8 ملايين نسمة وتضرر 33 مليون نسمة إجمالآ.
وأضافوا: نحن نعلم أن الأسوأ قادم. وبدون اتخاذ إجراءات جريئة وعاجلة، سيؤدي تغيُّر المناخ إلى نزوح حوالي 216 مليون شخص بحلول عام 2050، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. ويعرّض تغير المناخ حياة الناس وسبل عيشهم للخطر، ويؤدي إلى زيادة في الأمراض المعدية مثل حمى الضنك والكوليرا التي تعرّض الملايين للخطر.
والأهم من ذلك، ستكون الخسائر فادحة إذا لم نتحرك، إذ يؤثر تغيُّر المناخ بالفعل على ما يقرب من نصف سكان العالم. وبحلول عام 2050، في ظل سيناريو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، سيتعرّض عدد مرعب قدره 1.4 مليار شخص للإجهاد الحراري، غالبيتهم لأشد أشكاله خطورة.
وإختتم المؤلون:هذا المستقبل لا يمكن أن يكون واقعنا. ولهذا السبب ندعو الحكومات والأطراف الفاعلة في جميع أنحاء العالم إلى الحضور إلى ((COP28 وتقديم حلول طموحة تقي من النتائج الصحية السلبية، وتساعد المتضررين فعلآ، مشيرين إلى أنه سيطلق في يوم " الصحة، والتعافي، والإغاثة" إعلان بشأن "الصحة والمناخ"، سيجعل الصحة ركيزة لجدول أعمال المناخ وجزءاً أساسياً من إرث COP28، داعين جميع الحكومات إلى التوقيع عليه.
***
د. كاظم المقدادي
أكاديمي متقاعد، عراقي مقيم في السويد