آراء
عبد السلام فاروق: المرجفون فى المدينة
قرأت مقالاً بعنوان (معرض فرانكفورت للكتاب وأكاذيب الثقافة)..كاتب المقال كان مديراً تنفيذياً لمعرض القاهرة للكتاب ثم تمت إقالته!!
المقال باختصار يتحدث عن معرض فرانكفورت الدولى للكتاب منتقداً استجابة مصر للمشاركة فى المعرض بسبب مقاطعة دول عربية أخرى له؛ على إثر موقف مدير المعرض المناهض للقضية الفلسطينية والمؤيد لإسرائيل..وطبيعى أن مصر تحمل على كاهلها هموم القضية الفلسطينية كدور تاريخى لا يحتمل المزايدة من أحد!
بالطبع لا يمكن لوم وزارة الثقافة على مثل هذا التصرف الدبلوماسي الراقى بالمشاركة فى معرض دولى مهم كمعرض فرانكفورت الذى يعود تاريخ نشأته إلى عام 1949 أى أنه سابق لمعرضنا بنحو عشرين عاماً؛ لمجرد أن أحد أعضاءه له رأى معروف مسبقاً يختلف عن رأينا، حتى لو أعلن هذا الرأى وجهر به قاصداً شراً..وإلا فإننا فى انتظار انسحاب أوروبى جماعى من معرض القاهرة الدولي للكتاب فى مطلع العام القادم ..إذ أن موقف أوروبا كلها كما نعلم مؤيد لإسرائيل لأسباب يعرفها أى مثقف أو مدعى ثقافة.
ثم إن ألمانيا بالذات وإن كانت تجهر بتأييدها لإسرائيل فإن موقفها الحقيقي من اليهود معروف، وهو عكس ما تعلنه. لكن ألمانيا لا تستطيع إعلان كراهيتها لليهود وإلا جوبهت بدعاوى محرقة الهولوكوست، ولفتحت على نفسها بوابة الجحيم من أبواق الإعلام الصهيونى وضغوط النظام الدولى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية قائدة حلف الناتو..إن موقف ألمانيا مفهوم ومعروف مسبقاً للكافة..ومن المعروف كذلك أن مدير المعرض سحب تأييده واعتذر عما قال..لكن كاتب المقال تجاهل هذا الأمر فى مقاله المغرض!
ولو أننا انتقدنا مشاركة مصر فى معرض فرانكفورت الدولى، لكان من باب أولى أن نرفض استقبال مستشار ألمانيا فى مصر منذ أيام مضت لنفس السبب..وإلا فموقفه من القضية الفلسطينية هو ذات الموقف لمثقفى ألمانيا، بل ولمثقفى أوروبا كلها! ومشاركة مصر فى المعرض ليست إلا مشاركة دبلوماسية طبيعية، فنحن لم نطرد السفير الألمانى اعتراضاً على موقف ألمانيا من إسرائيل ولن نفعل.
والحق أن صاحب المقال لم يكتبه غيرة على القضية الفلسطينية، ولا تعبيراً عن رأى عدد من المثقفين كما يزعم..وأقل ما يقال عن دوافعه لكتابة مقاله هذا إنها دوافع ليست فوق مستوى الشبهات، وأن كل ما قاله كان من باب دس السم فى العسل..وتعالوا أشرح لكم لماذا؟
الرجل بحكم عمله السابق يعلم أن إلغاء مشاركة مصر فى المعرض ستكبدها خسائر مالية يذكرها فى مقاله ويؤكد أنها لن تزيد عن نصف مليون جنيه، وأنها قيمة قليلة يمكن التغاضى عنها وبذلها عن طيب خاطر فى سبيل القضية.. فليكن.. لكن حتى لو سلمنا بأن خسارة هذا المبلغ، فى حالة صحته، تصب فى صالح دعمنا للقضية الفلسطينية وأنها ستمنع ، كما يزعم هو ، نزيف الدم الغالي فى غزة وستساهم فى وقف إطلاق النار..فليفسر لنا صاحبنا لماذا تستمر إسرائيل فى تجبرها وقصفها لغزة رغم مقاطعة دول عربية أخرى لهذا المعرض وغيره ؟ وأى مكسب نجنيه من استخدام سلاح المقاطعة إن كان يمكن أن نسميه سلاحاً؟! والسؤال الأهم هنا هو: ماذا فعل المثقفون المصريون داخل مصر لنصرة القضية الفلسطينية؟ تكلموا ، احتدوا، غضبوا، ثاروا ، قاطعوا إسرائيل وحلفائها؟
فلأحدثك عما فعله أمثال هذا الكاتب.. إنهم توجهوا لبعضهم البعض باللوم والعتاب والمخاصمة،وبدلاً من مجابهة إسرائيل وأعوانها ،وجهوا ألسنتهم وأقلامهم لمجابهة بعضهم البعض. ومثل هذا التصرف لا ينم إلا عن جبن ونذالة وخنوع.. ولا يشى أبداً بأية غيرة على قضايانا وأمتنا.
دعونا نفرض أن التصرف الذى اتخذته المؤسسات الثقافية والهيئات الرسمية المصرية كان تصرفاً دون المستوى كما زعم كاتب المقال..ألم يكن من الأفضل له ألا يتمادى فى الخصومة فيضع عنواناً مشيناً كهذا "أكاذيب الثقافة"؟! وماذا عن ترهات وشائعات وأباطيل ومزايدات يقوم بها مدعو الثقافة؟! وماذا لو أن الأمر تمت مناقشته فى أجواء عادية وبعيداً عن شماتة الشامتين فى مثقفين تفرغوا لخصام بعضهم البعض وشتم بعضهم بعضا، بدلاً من مواجهة عدونا المشترك القديم؟!
أقول إننا فى غنى الآن عن مثل هذه المقالات التى نواجه فيها بعضنا بعضاً.. ودعونا من أحاديث المرجفين وترهات محتكرى القومية العربية..إن مشاعر الوطنية والعروبة ليست حكراً على أحد. ولا يمكن التشكيك فى وطنية أحد أو مشاعر القومية والعروبة لأننا لم نؤمر بالتفتيش عن النوايا والقلوب..ولا يمكننا أن نستمع لكل غراب ناعق أو نافخ كير يريد أن يشعل النيران ويثير الشقاق لا بين الأعداء، وإنما بيننا نحن فى الداخل.. مثل هؤلاء ينبغى أن ننبذ دعاواهم المثيرة للشقاق والاختلاف.. وما أحوجنا اليوم للاتحاد والاجتماع على كلمة سواء..
وأخيراً أريد التأكيد على ضرورة الانتباه لمثل هؤلاء المرجفين..أولئك الذين لا هم لهم إلا النقد الهدام من أجل تأجيج الأوضاع وإشعال الفرقة والتأليب على الآخرين من أجل مصالح شخصية ضيقة..وأن نتمثل أمامنا الآية القرآنية الكريمة: (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)..وأقول إن نصر فلسطين لا يأتى أبداً من باب الشقاق والتفرق، بل من باب الوحدة وجمع الصف.
***
د.عبد السلام فاروق