آراء
محمود محمد علي: الجندي المصري الذي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين.. مناضل أم إرهابي؟
تصدر اسم الجندي المصري محمد صلاح إبراهيم منفذ "الهجوم الحدودي" مع إسرائيل حديث رواد منصات التواصل الاجتماعي، بعد كشف عدد من وسائل إعلام إسرائيلية ومصرية بعض التفاصيل عن هويته، حيث قالت هيئة البث الإسرائيلية إن مصر تسلمت جثمان محمد صلاح إبراهيم، الجندي من حرس الحدود الذي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وقتل في اشتباك بعد عبوره الحدود بين مصر وإسرائيل، ونشرت هيئة البث الإسرائيلية صورة للجندي المصري، وقالت إنه يخدم في قوات حرس الحدود المصرية وينحدر من منطقة عين شمس في محافظة القاهرة.
قالت وسائل إعلام مصرية إن الجندي المصري محمد صلاح تم دفن جثمانه في قرية العمار بمحافظة القليوبية، وسط إجراءات أمنية "مشددة"، لمنع تنظيم جنازة له واقتصار الدفن على عدد قليل من أفراد عائلته، وقد دفن وكأنه عريس، جسده إلى التراب، وحفل زفافه في الواقع الافتراضي بين العرب. هذا الجندي المصري منفذ عملية الحدود التي أردّ فيها ثلاثة جنود إسرائيليين وأصاب اثنين، نال من التفاعل بين العرب ما يجعل إسرائيل مرتعدة الفرائس، ليس من العملية والاختراق الأمني بقدر خوفها من عقلية تنفيذ العملية والتفاعل العربي الكبير ما فعله الجندي.
فما كانت تخشاه في فلسطين وتسميه عملية الذئاب المنفردة.. يبدو أنه كابوس يطاردها اليوم على حدودها مع مصر، لأن الجندي محمد صلاح إبراهيم ذو الثالثة والعشرين عاما كان يخدم عسكريا في منطقة سيناء وهو من أبناء عين شمس، وبحسب ما عرف عنه من محيطه لا توجد له انتماءات متشددة ويتمتع بالهدوء والسيرة الطبية،ورغم تقديم مصر العملية على أنها جراء خروج عملية مطاردة تجار مخدرات عن السيطرة.
ووفق المعلومات المنشورة على نت العربية كان الجندي القتيل يقيم مع أسرته المكونة من والدته وشقيقين في شقة بمنطقة عين شمس شرق القاهرة، ويعمل "فني ألوميتال" ونجارا للإنفاق على أسرته بعد وفاة والده في حادث سير، كما تبين أنه لم يكمل تعليمه واكتفى بالحصول على الشهادة الإعدادية.
إلا أن إسرائيل التي استعجلت الأحكام أيضا قبل التحقيقات مالت في تصريحاتها الرسمية لاعتبار العملية تخريبية، ما يعني بأنها مخطط لها من الجندي الذي إن كان نفذ عمليته من تلقاء نفسه، لكنه كان ذاهبا ليقتل الجنود الإسرائيليين وفق مخطط محكم ومع سبق الإصرار والترصد.
إذ اعتمدت إسرائيل على ما وجد في حقيبة الجندي من سكاكين كوماندوز وذخيرة إلى جانب نسخة من المصحف الشريف قيل أن يتم تداول آخر ما كتبه الجندي المصري على حسابه في فيسبوك " اللهم كما أصحلت الصالحين أصلحني واجعلني منهم.
وبعيدا عن الإعلانات الرسمية المصرية الإسرائيلية حول التحقيق المشترك في الحادثة، ربما سيكون من المفيد أكثر تقديم قراءة تحليلية لما تناولته التقارير الإعلامية العبرية حول التخوف الكبير داخل الدوائر الأمنية الإسرائيلية من أن يكون منفذ عملية الحدود المصرية تفذ العملية من تلقاء.
ولمن لا يعرف معني هذا فإنه يعني ربما فاتحة عمليات ذئاب منفردة قد تضرب إسرائيل ولكن هذه المرة من جهة مصر، ورغم أن عملية محمد صلاح إبراهيم ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتا عمليتان قبل عشرات السنين للجنديان سليمان خاطر وأيمن حسن، واليوم يتكرر ما فعله الجندي محمد صلاح إبراهيم، لكن في ظروف أخطر وأدق وأكثر حساسية، ولا أدل على هذا من تزامن استمرار الإعلام الإسرائيلي مع كشف المعلومات تباعا ولحظة بلحظة.
بينما يبدو الإعلام المصري الذي ينقل البيانات الرسمية حذرا جدا وهادئا في محاولة لعدم تبني فكرة تعمد الجندي محمد صلاح إبراهيم للعملية وتحوله لذئب منفرد، ليأخذ الإعلام الرسمي خطوة عن المزاج الشعبي على مواقع التواصل التي ضجت بخبر عملية الجندي محمد صلاح إبراهيم مع وصفه بالبطل من خلال أصول عدة، وهو ما سيزيد الرعب في إسرائيل، مع مخاوف انتشار عقلية الذئاب المنفردة وأكثر.
وهي الذهنية التي يضرب بها فلسطينيون إسرائيل بين الفينة والفينة، حيث لا تسبق أية تحذيرات استخباراتية – إسرائيلية العملية الفلسطينية داخل العمق الإسرائيلي، حتى أحدثت صدمة على جميع المستويات الرسمية داخل، لأن منفذي العمليات يشنون هجماتهم بشكل فردي دون أن يتبناهم فصيل، ودائما يسبقون الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إذ لا زالت إسرائيل تتذكر جيدا أولى العمليات المنفردة في بئر السبع ما أدى إلى مقتل أربعة عشر إسرائيليا في مارس 2022، لتليها سلسة عمليات منفردة هزت تل أبيب.
كذلك يُذكر أن مصر كانت أوّل دولة عربيّة وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وغالبا ما تكون الحدود بين البلدين هادئة، لكنّها شهدت محاولات متكرّرة لتهريب مخدّرات، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بالذخيرة الحيّة في السنوات الأخيرة بين المهربين والجنود الإسرائيليين المتمركزين على طول الحدود، غير أنه عام 2012، تبنّت مجموعة "أنصار بيت المقدس" هجوما على الحدود المصريّة الإسرائيليّة، أدى إلى مقتل جندي إسرائيلي.
واليوم ربما انتقلت إلى مصر عقلية الذئاب المنفردة، لتزيد الأرق والرعب بين صناع القرار في تل أبيب، ويتركون هذه الأجهزة تتلمس طريقها في الظلام في ظل سؤال رئيس مطروح باتت مهمة جهاز الموساد الأولى الإجابة عنه: هل الجندي محمد صلاح إبراهيم تصرف من تلقاء نفسه؟، أو أنه جزء أنه جزء من تنظيم مسلح ؟
فإن كان من تنظيم مسلح فتلك مصيبة، وإن كان قد تصرف من تلقاء نفسه، فالمصيبة أعظم، لأنه قد يكون باكورة عودة هجمات ينفذها أشخاص، وهنا ربما جنود مصريون بشكل منفرد، دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما.
ورغم أن الدافع قد يكون عقائديا، اجتماعيا، أو سياسيا إلا أن عدم ارتباط منفذ العملية بتنظيم يمكن مراقبته واختراقه وتدميره، يعني أن المنفذ سيكون غالبا شخصا عاديا لا يثير الريبة في تحركاته وسلوكه، وفي الحالة المصرية يبدو الأمر أعقد، لأنه قد يكون جنديا له القدرة على الوصول لهدفه على الحدود.
وبالتالي يمثل أي هجوم من ذئب منفرد خطرا أكبر من التنظيمات، لأن هذا التكتيك الجديد لا يمكن التنبؤ بحدوثه، حتى من أقوى الأجهزة الأمنية كفاءة فنيا وبشريا، ورغم ما يكرره المسئولون في مصر أو إسرائيل، أن هذه ربما تكون حالة استثنائية لا تمثل التعاون الأمني والعمل المشترك بين مصر أو إسرائيل في حفظ الأمن على الحدود، إلا أن ما ينتظر هذه الحدود سيكون أكبر بكثير مما يتخيله الطرفان، في حال ثبت أن عقلية الذئاب المنفردة عادت إلى مصريين على الحدود.
***
أ. د. محمود محمد علي
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط
......................
المراجع
1- قناة استيب نيوز: الجندي المصري.. هل يفتح أبواب "الذئاب المنفردة" من حدود مصر على إسرائيل،: يوتيوب.
2-العربية نت: وسط حضور محدود.. دفن جثمان الجندي المصري بمسقط رأسه..