آراء
علي فضيل العربي: التهافت في مقال الطورانيّة الأردوغانيّة والزلزال
نشرت صحيفة المثقف الغراء في ركن آراء وأفكار مقالا للدكتور عادل رضا، بتاريخ 27 آذار / مارس 2023 م، تحت عنوان "الطورانية الأردوغانية والزلزال" وهذا نص تعقيبي عليه.
باديء دي بدء، لست بصدد الدفاع عن نظام سياسيّ معيّن، ولن أنصّب نفسي محاميا ومدافعا عن الظاهرة السياسيّة (الطورانيّة الأردوغانيّة) كما نعتها د. عادل رضا - لأنني لست تحت جناح شلة أو سلطة، ولا ممن يفكرون بعقلية القطيع صونا لحريتي الثقافية - فهناك العديد من النقاد والمحلّلين السياسيين والأكاديميين، من هم أقدر منّي على ذلك، ويمتلك من الأدوات المقنعة أكثر منّي. بحكم التخصّص أو القرب من سلطة القرار السياسي. لكن، ما جاء في مقال د. عادل رضا من أحكام وأوصاف – وله مطلق الحريّة في ذلك -، يدعوني إلى الوقوف على بعض ما ورد من أطروحات (تهافتيّة) فلسفيّة وفكريّة، حملت جملة من المغالطات، قد تقنع البعض وقد تصدم البعض الآخر، وقد تدفع رهط ثالث إلى الصمت، من باب (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب). وليس هدفي تغيير قناعات الغير - ولو كانت ترقي إلى مستوى (الترّهات) - مهما كان نوعها، فلكلّ كاتب أو مفكّر أو باحث أو مجتهد قناعاته، إن أصاب فيها فله أجران، وإن جانبه الصواب فله أجر واحد. ولكل كاتب زمام حريّته، وكشكول ثقافته وأفكاره وآرائه ورؤاه الفلسفيّة في الحياة.
وأنا أقرأ مقال د. عادل رضا، تساءلت: لماذا أقحم الكاتب موضوع الزلزال الذي ألّم بإخواننا في تركيا وبلاد الشام – وهو ظاهرة جيولوجيّة – في موضوعه، وهو بصدد مناقشة وتحليل ظواهر سياسية وفلسفات فكريّة، لا علاقة لها بالزلازل ولا البراكين ولا الكوارث الطبيعيّة الأخرى؟ بل أكثر من ذلك زكمت أنوفنا رائحة التشفّي، وكأنّ الكاتب لا يعلم (ومن المؤكّد أنّه يعلم) أنّ ضحايا زلزال السادس من فبراير للعام 2023 م هم مسلمون ومؤمنون أتراك وشآم، سنيّون وشيعة، تركمان وأكراد وعرب وعلويّون، ومقيمون، ومن مذاهب وإثنيات شتى، ويشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله، ويصلّون ويصومون ويحجّون ويزكّون، وبالتالي فهم من ملّة الكاتب، إن كان الكاتب على ملّتهم. فلم يفرّق الزلزال المدمّر بين الساكنة، ولم ينتق ضحاياه، ولم يجامل أحدا من الناس، ولم يمت تحت أنقاضه، ولم ينج من دماره إلاّ من طال أجله. جاء على لسان الكاتب قوله: " نحن نقول أنّ هذا الزلزال المدمّر قد حطّم قشرة حقيقة ما كان موجود (والصواب موجودا) منذ ما قبل سقوط الدولة العثمانية " " إننا نقول أن هذا الزلزال قد كسر قشرة ما كان مخفيا وما كان يحدث منذ أكثر من مائة سنة من كراهية طورانية تركية عنصرية ضد مواطنين يعيشون في نفس الدولة العثمانية التي تضم أرض أناضوليا المليئة في التنوعات العرقية والدينية والطوائف المتنوعة كما هو الحال في مجمل هذا الشرق القديم ".
هل أراد الكاتب التلميح، بعدما أحجم عن التصريح، أنّ الزلزال انتقام ربانيّ، وعقوبة إلهيّة نافذة لتركيا الطورانيّة ونظامها الأردوغاني؟ أما كان الأولى أن يقلب الله الأرض ويخرج أثقالها على رؤوس الصهاينة، الذين يقتلون الكبير والصغير في فلسطين بدم بارد؟ أما كان الأولى أن يخسف الله الأرض من تحت أقدام الصليبيين، الذين عاثوا فسادا في العراق وأفغانستان والشام، وقبلهم في الحربين العالميتين، وفي هيروشيما ونكازاكي وإفريقيا وآسيا والقارة الأمريكيّة وأستراليا؟
ونص المقال مليء بالمغالطات الكيديّة. ومعنى هذا أنّ الكاتب قد انطلق من خلفيات إيديولوجيّة وسياسيّة وعقائديّة وقوميّة وتاريخيّة من اجل تحقيق غايات عدّة، مثل: مغالطة الرأي العام العربي والإسلامي. وتشويه النظام السياسي التركي بقادة أردوغان وحزبه.... وتحميل المجتمع التركي أوزار العالم العربي، ونفي كل صفة إيجابيّة، وإلصاق تهمة ضياع فلسطين بالدولة العثمانيّة.
ثم يتعرض الكاتب إلى الجذور التاريخية للزعماء الأتراك (طلعت وأنور وجمال باشا، وأتاتورك) ولمجمل العنصر التركي. في قوله:
" يُشار هنا إلى أنَّ الطورانية نفسها مزعومة إلى حدّ كبير، سواء في عناوينها أم في جذورها، فأبطالها السياسيون منذ نهاية القرن التاسع عشر، مروراً بالثُلاثي "طلعت " و" أنور" و"جمال باشا"، وانتهاء بـ " أتاتورك "، ليسوا أتراكاً، بل تعود أصولهم جميعاً إلى منابِت شتَّى، تؤكِّد أنَّ الطورانية من جذورها إلى أردوغان هي صناعة قوَّة إقليمية، فهم من أصولٍ يهوديةٍ أو كرديةٍ أو غجريةٍ أو مجريةٍ أو ألبانية. ".
إنّ ظاهرة امتزاج الثقافات واختلاط الأجناس البشريّة قديمة، منذ فجر الخليقة، والإنسان يمارس حياة الترحال والانتقال من بيئة إلى أخرى. وشهدت البشريّة رحلات فرديّة وجماعيّة من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق، وفي اتجاهات الأرض كلّها، بحثا عن الماء والكلإ والأمن، قطع الناس الصحاري واجتازوا أغمار البحار والمحيطات والنهار. وقد خلق الله الناس، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا. ولم يفضل الله تعالى الناس بعضهم على بعض لألوانهم أو ألسنتهم أو أنسابهم أو أحسابهم، وإنّما فضّل الصالح منهم والأتقى والنافع لبني جنسه. لقد تجاوز العقل المعاصر هذه النظرة القبليّة الضيّقة، بل لقد انخرط العالم في نظام العولمة الثقافيّة والسياسية والاقتصادية، وانفتحت أبواب الحوار بين الأديان والحضارات في جوّ من الحريّة والديمقراطيّة، بعيدا عن الروح القوميّة العنصريّة. إنّ المتأمل للمجتمع التركي، ولنأخذ مدينة إسطنبول مثالا، يدرك مقدار التعايش السلمي وقيمته بين طوائفه الدينيّة وأحزابه السياسيّة وبين إثنياته المتنوعة، في مناخ ديمقراطي ليبرالي، وفي مزيج من الأصالة والمعاصرة، والتقاليد والعصرنة والتسامح في ظلّ السلم الاجتماعي.
و من المغالطات التاريخيّة التي ساقها الكاتب في مقاله قوله: " أما الجذور التاريخية لمُجْمَلِ العنصر التركي (السلجوقي ثم العُثماني)، فهي لا تقلّ تزويراً عن تزوير التاريخ اليهودي، فالأتراك في أصولهم قبائل بدوية رَعوية لم تعرف تركيا أبداً قبل القرن الثاني عشر، ويشبهون اليهود في ظروف استيطانهم الكولونيالي بتوظيفٍ من قوَّةٍ خارجيةٍ استدعتهم لأغراضٍ عسكريةٍ. فإذا كانت الدولة العباسية قد استدعت الموجة التركية البدوية المُقاتِلة الأولى، وهي الموجة السلجوقية، لمواجهة البويهيين الشيعة، فإن ملك بيزنطة الأرثوذكسي استدعى الموجة العُثمانية (عُثمان بن أرطغرل من قبيلة القايي) لمواجهة فُرسان الصليب المُقدَّس الكاثوليك بعد السقوط الأول لبيزنطة (القسطنطينية) على يد هؤلاء الفُرسان، وتحريرها على يد المسلمين وإعادة الأرثوذكس ".
إنّ تشبيه استيطان العنصر التركي لجغرافيّة الأناضول باليهود في استيطانهم فلسطين ضرب من تزييف التاريخ، ونأي فاضح عن الحقيقة. فشتان بينهما. ثم إنّ امتزاج الاتراك (العجم) بالعنصر العربي في العصر العباسي، لم يكن لأغراض عسكريّة البتّة. وإنّما كانت أسبابه دينيّة، عندما اتّسعت الفتوح الإسلاميّة خارج جزيرة العرب، ودخل الناس في دين الله أفواجا. وكانت النتيجة ظهور مجتمع إسلاميّ عباسي ذهبيّ. انصهرت في بوتقته الأجناس والثقافات المختلفة، وأشرقت على أوربا والعالم شمس حضارة لا مثيل لها، بينا كانت أوربا وغيرها من الشعوب في قارات العالم الأخرى تعيش في ظلمات الجهل والتخلّف. ولو أفول الحضارة الإسلاميّة في القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، لكانت حالة البشريّة على غير هذا التردّي الأخلاقي والصراع السياسي والاقتصادي. ألم يخرج العرب إلى العالم من بيئة بدويّة قاسيّة، تحكمها العصبيّة القبليّة، وتديرها قوانين أخلاقيّة واجتماعيّة جائرة؟ فما الذي ينقص من المجتمع التركي، إذا كانت قبائله بدويّة، رعويّة، سكنت بلاد الأناضول قبل القرن الثاني عشر، قبل القرن العشرين؟ اليست المجتمعات العربيّة في المشرق والمغرب، (في مصر والشام والعراق وشمال إفريقيا) وليدة هجرات لقبائل عربيّة، يمنيّة، كهجرة قبيلة بني هلال العربية الهوازنية القيسية المضرية العدنانية، من الجزيرة العربية إلى الشام ثم صعيد مصر ومنه انتقلت إلى باقي شمال إفريقيا، في القرن الخامس الهجري ن الحادي عشر الميلادي. ومازالت الهجرة البشريّة مستمرة من البوادي والأرياف إلى المدن والحواضر، ومن قارة إلى أخرى، ومن الجنوب إلى الشمال إلى يوم الدين. .
وقوله أيضا: " إن العقلية التركية الطورانية العنصرية الكارهة للأرمن واليونانيين والعلويين والعرب والأكراد والتي حكمت وأدت بالدولة العثمانية الى الزوال والنهاية والتفكيك، ان هذه العقلية لا زالت موجودة ومستمرة في الوجود والتواجد والاستمرارية مع الحالة الأردوغانية للإسلام " الأمريكي" التابع لحلف الناتو وهو نفس الإسلام "الأمريكي" للأخوان المسلمين الذي كان أيضا ضد الحالة النهضوية العربية المضادة للاستعباد الغربي ".
لا أدري من أين استخلص الكاتب هذه " البديهيات " و" المسلّمات "؟ وكيف توصّل إلى هذه الكشوفات "العقليّة "، ومن الذي أوحى له بها؟ فالمجتمع التركي المعاصر، بكل طوائفه الدينيّة والسياسيّة والإيديولوجية مثال للتعايش السلمي، والاندماج الديمغرافي، والنشاط السياسي الديمقراطي، منذ أن تخلّص من حكم الطغمة العسكريّة، التي استمرّت عقودا من الاستبداد والعسكرة. وقد شهد المجتمع التركي، بعد عودته إلى الحكم المدني طفرة اقتصاديّة عظيمة، جعلت الغرب الأوروبي (الاتحاد الأووربي) يتوجس خيفة من تركيا الناهضة في شتى الميادين الاقتصاديّة والعلميّة.
أما فيما يخص الإسلام، فهو دين واحد، لا يتجزأ، مهما حاول دعاة الفتن والتشرذم تقسيمه إلى أنواع، ولا وجود لإسلام عربي وآخر تركي وآخر أمريكي وآخر أروبي وآخر إخواني، إلاّ في أذهان ذوي القلوب المريضة. ولم يكن الإخوان المسلمون ولا الإخوان النصارى أبدا حجر عثرة في طريق النهضة العربيّة في المشرق والمغرب. لقد أجهضتها العقليّة العربيّة العميلة للغرب والعقليّة العربيّة العسكريّة، المسلمة والنصرانيّة، الحريصة على عرش السلطة. وبالعودة إلى التاريخ العربي منذ قرنين، يدرك كيف أنشأ الغرب بعض الدول، سعيا منه إلى تقسيم البلاد العربيّة وتقزيمها وإضعاف وحدتها، وبالتواطؤ العلني مع العملاء المتعطّشين إلى السلطة والتسلّط على الرعيّة. ألم تكن الشام والعراق أمّة واحدة؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن جزيرة العرب (نجد والحجاز) أمّة واحدة وموحدة؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن دول المغرب العربي، مغربا واحدا كبيرا؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن مصر والسو دان والصومال أمّة واحدة.؟ فمن الذي فرّقها؟
" وهذه العقلية أساسا مضادة للحالة الإسلامية الجامعة للقوميات والأديان والتي قدمت حالة حضارية رائعة في التعايش منذ بداية حركة الإسلام المقدس الرسالة الجامعة والخاتمة لكل الرسالات السماوية حيث انتجت هذه الحالة الإسلامية تجميع وحالة من التعايش الرائع بين كل القوميات ضمن دول وامبراطوريات إسلامية لديها سلبياتها وعيوبها وايجابياتها وتفاصيلها الكثيرة ولكل بالخط العام هذه الحالة الإسلامية قد صنعت وخلقت نموذج جامع وشامل يحترم كل من يعيش على ارض الإسلام على العكس مما تريده وتسعى اليه الحالة الطورانية التركية العنصرية ".
ولو كان كاتب المقال منصفا ومحلّلا عادلا وملتزما بقواعد الموضوعيّة التي يتطلّبها البحث الأكاديمي، لما أنكر الإنجازات التاريخيّة والحضارية العثمانيّة في شمال إفريقيا وأوربا الشرقية والجنوبيّة وآسيا. في وقت كانت فيه البلاد العربيّة عرضة للأطماع الصليبيّة في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي.
و لو كان الكاتب صادقا في ادّعاءاته، لصدقناه. فقد اتّهم العقليّة التركيّة، بأنّها عنصريّة واستعلائية شوفينية ومضادة للحالة الإسلاميّة والتعايش السلمي بين القوميات. ولا أدري هل كاتب المقال د. عادل رضا يعايش العصر الحاضر أم لا؟ وهل غابت عن بصره وبصيرته ما يجري في تركيا المعاصرة، بقيادة أحزابها الوطنيّة، ورجالاتها المخلصين لتاريخها المجيد، من تقدّم وازدهار وانعتاق من دائرة التخلّف؟ ولكنّ قد تُغيّب الحقائق في خضّم الكيديّة والتعصّب الإيديولوجي.
كما حكم الكاتب د. عادل رضا (وليته كان عادلا) على الأمّة التركيّة بأنّها من سلالة واحدة، أي أنها أقلّ من مرتبة (شعب)، وبعبارة أخرى هي قبيلة أو عشيرة ونسب واحد. أي أنّها لا ينطبق عليها صفة (أمّة)، وهنا وقع الكاتب في تناقض صارخ، عندما وصفها الكاتب بـ (الأمّة)، وهو حكم جائر ينافي الواقع تماما، ولا أساس له من الصحة. إنّ أقّل الشعوب نسمة لا تحوي نسبا واحدا فقط. فما بالنا بالأمة التركيّة، سليلة الدولة العثمانيّة، التي نفوذها شرقا وغربا وشمالا، وحكمت شعوبا وقبائل من العرب والعجم. ولو تمعّن الكاتب في حكمه الذي أصدره بايعاز أيديولوجي حقود، لوجده حكما مبنيّا على أوهام كيديّة.
جاء في المقال قول الكاتب:
" " الأمة التركية لا تتشكل بخلط الأجناس المختلفة. كما هو الحال في بعض الدول اليوم، الأمة التركية هي من سلالة واحدة. وهذا النسب هو النسب التركي... القومية التركية فكرة عظيمة واضحة الأفكار والحدود كمثل وطني للنسب التركي العظيم. الطورانية والقومية التركية هما مبدأين أساسيان لهذه الفكرة العظيمة "
" كما دافع رهاء أغوز توركان عن التفوق العرقي واستخدم شعار "العرق التركي فوق كل عرق ".
ثم عرّج الكاتب على علاقة تركيا بالغرب، وبالتحديد أمريكا والكيان الصهيوني قائلا:
" اذن خدم الاستعباد الغربي لا زالوا في الصورة وتحت الضوء وفي خط الممارسة والتطبيق على ارض الواقع ك " عقلية" وك "ذهنية" وك "قناعة" وك "ممارسة على أرض الواقع "
" إن الحالة الإسلامية الأميركية للطورانية التركية العنصرية الاردوغانية إذا صح التعبير، ليست فقط تتحالف مع الصهاينة عسكريا وامنيا وتجاريا وتنسق مع الصهاينة امنيا ومخابراتيا وهي أساسا لسواد وجهها هم اول من اعترف بهذا الكيان العنصري السرطاني الذي أقامه كل ما هو شر في العالم على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة."
لقد نسي د. عادل رضا أو تناسى، أنّ علاقات أمريكا بالعرب (خاصة عرب الشرق الأوسط والخليج) أقوى من علاقاتها بتركيا. وأنّ الجامعة العربيّة قد اعترفت بالكيان الصهيوني، على مبدإ الأرض مقابل السلام، ولم تحقق مؤتمرات مدريد (1991 م و2011 م) واتفاقيات كامب ديفيد (17 سبتمبر 1977 م) واتفاقيات أوسلو (13 سبتمبر 1993 م) واتفاقيات إبراهيم (15 سبتمبر 2020 م)، شيئا للقضيّة الفلسطينيّة ما عدا ترسيخ الانقسام بين الإخوة في رام الله وغزّة. وهرولت دول عربيّة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتبادلت القناصلة والسفراء والزيارات والأنشطة الاقتصاديّة والسياحية والفنيّة بينها، لتجسيد الفكرة الصهيونيّة، " المزاوجة بين العقل الصهيوني والمال العربي." فلماذا غفل أو تغافل الكاتب عن هذه الحقائق المرّة؟ أيهما أخطر على الأمّة العربية، العلاقات التركية الصهيونيّة أم العلاقات العربيّة الصهيونيّة والتعاون الأمني بين الصهاينة والسلطة الفلسطينيّة في رام الله؟ إنّ السلطة الفلسطينيّة وبعض الدول العربيّة قد اعترفت سرّا أو علنا بالكيان الصهيوني كشريك سياسي واقتصادي في الشرق الأوسط الجديد. هل حرام على تركيا، التي اتهمها الكاتب بأنّها عنصريّة وكارهة للعرب، حيث قال: " إن العقلية التركية الطورانية العنصرية الكارهة للأرمن واليونانيين والعلويين والعرب والأكراد." وحلال على العرب، أصحاب البيت والقضيّة؟
و قد حاول الكاتب، د. عادل رضا أن ينفي التصادم القائم، منذ ظهور الفكر القومي بعد (سايكس بيكو)، بين القوميّة العربيّة والفكر الإسلامي. وتصادم منطقيّ بين تيار ضيّق الأفق مبنيّ على الفلسفة الإثنيّة وفكر إسلامي إنسانيّ رحب قائم على دعائم الحريّة الدينيّة والأخوّة الإنسانيّة، دون النظر إلى العناصر الإثنيّة. يقول الكاتب في معرض حديثه عن القوميّة وعلاقتها بالفكر الإسلامي:
" إنّ القوميّة قد تلتقي بالفكر الإسلامي في بعض مواقعه وحركته وقضاياه وأهدافه المرحليّة ووسائله. لذلك، لا نعتقد أنّ هناك حتميّة للتّصادم بينهما، ولكن، من حيث طبيعة حركيّة الفكر الإسلامي وحركيّة الفكر القومي، من الممكن أن يكون هناك تصادم بينهما، عندما يريد الفكر القوميّ أن يؤكّد ذاته في الموقع نفسه الذي يريد الفكر الإسلاميّ أن يؤكّد ذاته."
و يضيف قائلا:
" القوميّة العربية عندما نخرجها من الخصوصية الإيديولوجية التي يفرضها الفكر القومي، فهي حالة إنسانية تمثّل أمّة من الناس، يُطلق عليهم اسم العرب، يلتقون في اللغة والأرض وبعض الخصائص الاجتماعية والتاريخية التي تجعل منهم مجموعة من البشر ذات خصائص مشتركة، مع وجود تمايز في تفاصيل هذه الخصائص بين موقع في الأمّة وموقع آخر، وبذلك ستكون القوميّة العربيّة هي خصوصيّة إنسانيّة تلتقي مع خصوصيات إنسانية أخرى، كالقومية الفارسية والتركية أو أيّ قومية أخرى، وهي لا تتنافى مع الإسلام، بل تمثل أحد الأطر الذي يتحرك فيها لتنفتح على نظامه ونهجه وتفكيره "
" ونتصوّر أن الإسلام استطاع أن يوسّع أفق العروبة، باعتبار أنه استطاع أن يعرّب مساحات كبيرة من الناس ومن العالم، عندما انفتحت على الإسلام، فانفتحت على لغته وعلى تاريخه وعلى رموزه وشخصيّاته وما إلى ذلك، بحيث أصبح الإنسان المسلم في كلّ بلد في العالم، يرى في التاريخ العربي تاريخه، ويرى في الشخصيات العربية شخصيّته بشكل أو بآخر، مما لا تملكه أيّ قومية أخرى، إلا بمقدار ما أعطت الإسلام من علمها وثقافتها وخصوصياتها في مرحلة ثانية أو ثالثة أو رابعة من التاريخ الإسلامي "
أمعن الكاتب في مغالطة القاريء، وهو يسوّق لفكرة " القوميّة العربيّة "، كما أرادها الغرب، وأرادتها بريطانيا، من خلال الترويج لفكرة " الجامعة العربيّة "، القائمة على القوميّة العربيّة (اللغة والعرق والثقافة والجغرافيا والهويّة)، كي لا يتحقّق مشروع " الجامعة الإسلاميّة " المؤسسة على الهويّة الدينيّة فقط. والحقيقة، التي لا يمكن أن ينكرها عاقل، أنّ فكرة الجامعة العربيّة، هي فكرة صنعت في المخابر الغربيّة الإستعماريّة، بغرض تقسيم الأمة الإسلاميّة، وتجزيء الإسلام الواحد إلى أنماط إسلاميّة ومذاهب متعدّدة ؛ إسلام سنّي، إسلام شيعي، إسلام إباضي، إسلام عربي، إسلام أعجمي وآخر غربي وآخر شرقي بعد اشتداد نضال الحركات التحرّرية العربيّة، وتحقيقها للاستقلال بقوة الحديد والنار. كل ذلك للحيلولة دون تحقيق الوحدة الإسلاميّة على الواقع. وبقاء تلك الوحدة المنشودة كشعار، لا يغني من فقر ولا يسمن من جوع.
إنّ فلسفة القوميّة العربيّة قائمة على الإقصاء والعنصريّة والتناقض الصارخ. لأنّها – ببساطة – لم تراع التنوّع الإثني (السلف، اللغة، المجتمع، الثقافة) في المجتمعات العربيّة. وعملت على إقصاء ما يسمّى (الأقليّات الإثنيّة) من الحياة السياسية على وجه الخصوص، ومحاصرتها ثقافيّا. بل إن بعض البلدان العربيّة لم تطبّق مبدأ المساواة الاجتماعيّة بين مواطنيها، الأصليين والمجنّسين، وبين الأغلبيّة الغالبة والأقليّة المغلوبة. وبنت فكرة المواطنة على التمييز العرقي والمذهبي الديني. بل هناك من المواطنين في بعض البلاد العربيّة من يعيش على هامش المجتمع، دون وثائق إداريّة، كالجنسيّة والهويّة الشخصيّة، ودون حقوق سياسيّة واجتماعيّة. وأنا على يقين بأنّ الكاتب على علم بذلك.
" لقد ذكرنا أنّ هناك أكثر من رابط، باعتبار أنّ لغة العرب هي لغة الإسلام في كتابه المقدَّس وفي سنّته الشريفة، وكذلك تاريخ العرب هو تاريخ الإسلام، كما أنّ تاريخ الإسلام هو تاريخ العرب، وهكذا نجد أنّ حركيّة العرب في فترة طويلة من التّاريخ وحتى يومنا هذا، ترتبط سلباً أو إيجاباً بحركة الإسلام، باعتبار أنّ أغلب العرب مسلمون.
ولذلك، فإننا لا نستطيع أن نفصل بين العروبة والإسلام في ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما كخطين يلتقيان في أكثر من موقع."
و يقول كاتب المقال، د. رضا عادل أيضا، وهو يكيل التهم الباطلة لحزب العدالة المعتدل والحديث:
" يدعون: بأن حزب العدالة قدم نموذجا لإسلام حداثوية معتدل، وفي موضع آخر يستشهدون بمقولة الرجل الثاني في الـحزب عبد الله غول (نحن لسنا إسلاميين وحركتنا ليست دينية نحن حزب أوروبي محافظ وحديث) فأين هو الربط المنطقي بين أفكارهم في هذه الادعاءات، فحين يستحسنون الإسلام المعتدل بديلا عن الإسلام المتشدد يصنفون حزب العدالة كحزب ديني معتدل، وحين يفضلون العلمانية على الايديولوجيا الدينية، فإنهم يرفعون الصبغة الإسلامية عن حزب العدالة، وهذا فقاعة ديماغوجية انتقائية مقيتة تشوش رأي المتلقي، في محاولة للتسويق لهذا الحزب بأي شكل كان، فلم يستقروا على رأي حوله، إن كان حزب مشرقي إسلامي، أم حزب أوروبي حديث، هذا لأنهم لا يملكون الإجابة، أو لأنهم لا يريدون التصريح بحقيقة هذا الحزب، فمن المعروف أن نظام الجمهورية التركية قائم من أساسه على الايديولوجيا الطورانية – الاتاتوركية، التي لا تسمح بقيام أي تنظيم سياسي، ما لم تتضمن وثائقه وأديباته التزاما بأطروحات هذه الإيديولوجية، وفي هذا المجال فان تركيا بهويتها الأسيوية الشرقية الإسلامية، أو بهويتها الأوروبية، حطمت الرقم القياسي بين الدول في حظر وإلغاء الأحزاب ". ولو سألنا د. عادل رضا عن حال الأحزاب في البلاد العربيّة جمعاء، وعن موقعها في الحياة السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة، لما استطاع أن يخرج لنا حزبا واحدا من بين مئات الأحزاب الوطنيّة والإسلاميّة والشيوعيّة والثوريّة، قدّم خدمة جليلة للمواطن العربي. فكلّها – دون استثناء – تخوض حرب المصالح والمنافع والريّع. بل إنّ تلك الأحزاب التي تستيقظ من سباتها في المواعيد الانتخابيّة فقط، صارت عبئا على الاوطان والمواطنين، وأصبحت تهدّد روح المواطنة. فإذا كانت أمريكا الإمبرياليّة بعدد سكانها الضخم (قرابة 335 مليون نسمة حسب إحصائيات 2022 م) يتنافس فيها حزبان سياسيان ؛ جمهوري وديمقراطي)، فإن بلدا مثل لبنان (عدد سكانه 6. 747. 787 نسمة حسب إحصائيات 2023 م) يضم عشرات الأحزاب، وقد عجزت عن تحقيق الإجماع في اختيار رئيس للبلد. وليس لبنان فقط، فإنّ معظم البلدان العربية – ما عدا بلدان الخليج العربي – تنسحب عليها ظاهرة الحزبيّة الريعيّة.
ويقول الكاتب في معرض حديثه عن التجربة التركيّة:
"إن الموضوعية تقتضي كثيرا من التحفظ أثناء الحديث عن نجاح التجربة التركية، وإذا كان البعض يدعي أن حزب العدالة حكومة ديمقراطيين مسلمين بعيدة عن نوستالجيا وأحلام الشوفينية، فليقدموا لنا المعايير الصحيحة التي يقيسون بها علمانية وديمقراطية نظام الجمهورية التركية، هل هي نموذج الدولة العرقية العنصرية التي تمارس التمييز بين مواطنيها على الهوية القومية، هل هي دولة العرق الأوحد، أم هي دولة المواطنة والعدل والمساواة واحترام التنوع القومي والديني والثقافي."
"هذه هي تركيا التي نعرفها النموذج المشبع بالأطماع التوسعية والنزعة العسكريتارية والايدولوجيا السوفيتية، النموذج المعاصر للدولة العنصرية الاستعمارية، التي تحتل الأراضي الكردية نصف جزيرة قبرص، ولواء الاسكندرون، وتتحين الفرص للانقضاض على ولاية الموصل، وتعتمد على تحالفاتها الاستراتيجية مع الناتو وإسرائيل، لتمارس الغطرسة على دول وشعوب المنطقة، فإذا كانت بعض دولها قد وقعت في مطب الراديكالية الإسلامية، فان تركيا غارقة في مطب الراديكالية القومية، كجسم طفيلي، يعيش على صراع المتناقضات بين الشرق والغرب"
ان هذه الحالة عدوة للأسلام المحمدي الأصيل وهي أيضا عدوة لمواطنيها العرب والأرمن والاكراد والعلويون الذين يعيشون على أرض الاناضول في ظل حكم الجمهورية التركية.
وكأنّي بالكاتب د. رضا عادل، قد شهر سيف الحجاج في وجه كل ما هو تركيّ، نجح أم فشل، أكان إيجابيا أم سلبيا. والمنطق يقتضي أن نعترف بأنّ التجارب السياسية أو الاقتصاديّة أو الاجتماعيّة في أيّ بلد تحتمل الصواب والخطأ، والنجاح والفشل. فإذا كانت التجربة التركيّة – حسب رأي د. عادل رضا – فاشلة ومشبعة بالأطماع التوسّعيّة والنزعة العنصرية والعسكريّة والإيديولوجيّة السوفيتية و(عدوّة للإسلام المحمدي الأصيل) وللعرب والأرمن والأكراد والعلويين. فما هو النموذج العربي الناجح؟ ليدلنا الكاتب على تجربة عربيّة ناجحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولو قارنا بين حالة العرب (الغرقى في الفوضى الخلاقة لرباعهم)، وحالة تركيا المعاصرة، في مجال التنميّة ونسبة النمو لأذهلنا الفرق الشاسع بينهما. ولولا ثروة النفط والغاز وعائداتهما المالية الضخمة، لما كان للعرب ذكر في المحافل الدوليّة.
ويضيف الكاتب، حسب مصادره الخاصة، كما زعم:
" تقول مصادري الخاصة من داخل تركيا وأيضا من خلال شبكة علاقاتي مع الاتراك المقيمين في أوروبا ان هناك تقسيم ديني في التعامل مع الهيئات الاغاثية العاملة في قرى العلويون والاكراد الذين تم تدمير قراهم وبلدانهم وكان هناك تأخير متعمد بما يختص بالمساعدات، وأيضا كان هناك تأخير متعمد وأوامر بالجيش للتأخر بمساعدة الضحايا والمحتاجين في المناطق العلوية والكردية من الجمهورية التركية.
"أصبحت AFAD وهي المنظمة التركية لطوارئ الكوارث وهي المنظمة المختصة بالتحضير لمنع والتحضير للكوارث وتقليل الاضرار في حال حدوثها وهي أيضا المسئولية عن تقليل الاضرار الناجمة لما بعد حدوث الكوارث وترتيب الاستجابات المطلوبة من الدولة ومؤسساتها بجميع المؤسسات الحكومية المعنية، ان هذه المنظمة المهمة اصبحت مزرعة أقارب الأشخاص المنتمين لحزب العدالة والتنمية الاردوغاني ومن غير حملة الاختصاص المطلوب بل ان هناك اعداد كبيرة من أئمة المساجد فيها؟!
"بعد الزلازل التي ضربت كهرمان مرعش، لم تساعد جهود البحث والإنقاذ في المنطقة.
واتضح أن أقارب المقربين من الحكومة كانوا مديري إدارة الكوارث والطوارئ التي تعرضت لانتقادات بسبب وصولها إلى حطام الطائرة متأخرًا وعدم التنسيق أثناء كارثة
كما تم الكشف عن أن الأشخاص الذين ليس لديهم تدريب وخبرة، والبحث والإنقاذ في إدارة الكوارث والطوارئ، عملوا كمدير إقليمي. يوجد العديد من الأئمة بين مديري المحافظات في إدارة الكوارث والطوارئ."
"ان هؤلاء متخصصين في الدين وأساسا هم ضمن تعليم ديني متوسط وليسوا أصحاب اختصاص في الإغاثة او الجيولوجيا او إدارة الكوارث وهذه كلها تخصصات علمية اكاديمية تطبيقية، وهذه أحد اهم المشاكل التي تعيشها المنظومة الحاكمة الطورانية الاردوغانية والتي تتحرك لضمان الولاء على حساب أصحاب الاختصاص والتكنوقراط أصحاب الشهادات وهذا ما تم كشفه وأدى الى مضاعفة الكارثة للزلال أكثر وأكثر على الناس الأبرياء"
هكذا بنى كاتب المقال معلوماته (الخاصة) حول الجهود الإغاثيّة بعد الزلزال على القيل والقال، وعلى ما رواه له بعض أصدقائه الأتراك المقيمين في أوربا. ولم يخبرنا الكاتب عن إيديولوجيات وتوجّهات أولئك الأصدقاء. هل هم من الموالاة أم من المعارضة؟ هل هم أتراك أم أكراد أم علويين أم شيعة أم سنّة أم علمانيين أم إخوانيين أم شيوعيين أم مسلمين أتراك أم يهود أتراك أم نصارى أتراك؟ وهل وقفوا بأنفسهم على عمليات الإغاثة أم قيل لهم ذلك؟ أم استقوا معلوماتهم تلك من مواقع التواصل الاجتماعي؟
والحقيقة، إنّ ما نقلته وكالات الأنباء العالميّة، وخاصة قناة الجزيرة القطريّة، عكس حجم الكارثة الإنسانيّة، التي تعجز عن الإحاطة بها أعتى الدول في العالم. وهذا ما جعل عمليات الإغاثة والإنقاذ شابها نقائص شتّى في تركيا وشمال سوريا. أمّا مسألة التمييز بين ضحايا الكارثة، ففيها نظر، ولم ترها سوى المعارضة الحاقدة والعملاء القاعدين في شرفات الفنادق الفخمة، يرتشفون قهوة الصباح وشاي المساء..
" العلمانية التركية المزعومة، فهي إيديولوجية عنصرية تم استزراعها عنوة بقرار سلطوي فردي في بيئة حضارية متخلفة، ومخالفة لمنشئها الأوروبي، ثقافة وفكرا ودينا، فلم تكن وليدة الرغبة في دولة مدنية – ديمقراطية، ولم تكن من بنات أفكار الفلاسفة، بل اتخذها الجنرال أتاتورك، ذريعة للتملص من استحقاقات معاهدة سيڤر 1920، بخصوص منح شعوب السلطنة حق تقرير المصير، تماشيا مع مبادئ ولسون الأربعة عشر، فالرجل بنزعته السوفيتية العنصرية كان من غلاة القوميين الأتراك الطورانيين، ممن يمجدون العرق التركي ويضعونه فوق بقية الأعراق "
و يختم د. رضا عادل مقاله بقوله:
" وما حدث في زلزال تركيا المنكوبة ليكن هزة للعقل العربي والضمير لكي نعود للتحرك في خط صناعة السعادة للفرد والنهضة للمجتمع كما كنا، اما الواقع العنصري الاتاتوركي الطوراني السائر في خط خدمة الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي فماذا سيكون مصيره لاحقا، فأن هذا أيضا سيكون ضمن ماذا سيترتب على صراع الأقطاب الدوليين؟ وهذا هو جواب المستقبل القريب "
و خلاصة القول، إنّ الكتابة في الشؤون العربيّة والإسلاميّة، كانت تقتضي من الكاتب د. رضا عادل أن بتّسم بالعدالة ويلتزم بالموضوعيّة، ويبتعد عن الفلسفة الكيديّة، التلفيقيّة. إنّ معارضة د. عادل رضا للنظام السياسي والإيديولوجي التركي الحالي، أو كما سمّاه " النظام الأردوغاني " - الذي أعاد مسجد أيا صوفيا بعد أن حوّله كمال أتاتورك 1934 م إلى متحف عالمي باقتراح من الأمريكي توماس ويتيمور- أمر يخصه، وهو حرّ كل الحريّة في إبداء آرائه، والإفصاح عن قناعاته السياسية وفلسفته الإيديولوجيّة، لكن لا يبيح له تشويه الحقائق التاريخيّة والحقائق المعيشة. وخداع القاريء. لأنّ مخاطبة عقل القاريء تخضع لمعايير الصدق والحق والموضوعيّة والمسؤوليّة.
لقد يئس (الاستعمار الجديد) من العودة – من جديد – إلى غزو البلاد العربية والإسلاميّة واحتلالها، والسيطرة على خيراتها وثرواتها والحيلولة دون تقدّمها وبعث نهضتها وبناء اقتصادياتها، فلجأ – بأساليب خبيثة – إلى إثارة الفتن الإثنيّة، والنبش في التاريخ القديم، وتحريك النوايا الخبيثة لما أطلق عليه بـ (الأقليّات) العرقيّة (الأكراد في الشام وتركيا والعراق، البربر في المغرب العربي، الأقباط في مصر، التوارق في دول الساحل..)، تحت مظلّة الدفاع عن حقوق الإنسان، بأيادي منظمات حقوق الإنسان المشبوهة - التي عَمِيت عن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين والبوسنيين والروهينغا والإيغور – متبّعة سياسة (فرّق تسد). وهاهو نظام العولمة السياسية والاقتصاديّة والثقافيّة، الذي بشّرت بها الليبراليّة الأمريكيّة والأوروبيّة، يسعى إلى تفتيت مجتمعات الجنوب – في الوقت الذي يسعى إلى الوحدة في الشمال – وذلك بإيقاظ موجات من (الفوضى الخلاّقة). لتحطيم الدولة الوطنيّة، وتنصيب أنظمة عميلة للغرب. وانطلاقا من المعطيات السالفة الذكر، وغيرها، وجب على المفكّرين الباحثين العرب والمسلمين التزام الحذر الشديد من الدعوات المسمومة، والمدسوسة في أكواب العسل، والتي غايتها الآجلة والعاجلة، بث روح الكراهيّة والبغضاء والتنازع بين مكوّنات المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، وتشجيع النظريّة العرقيّة، وإضعاف الوازع الديني (إنّما المؤمنون إخوة) { 10/ الحجرات }. وتفتيت الأمة الواحدة إلى شعوب وقبائل متناحرة. لتيسير غزوها من جديد. إنّ الفلسفة (الطورانيّة) التركيّة، لا تتعارض مع الإسلام، مثلها كمثل القوميّة العربيّة التي لا تتعارض أيضا مع الإسلام. لأنّها – حسب رأي الكاتب – تلتقي بالفكر الإسلامي في أكثر من موقع. فإذا كان العرب يفتخرون بقوميتهم، فلماذا لا يفتخر الأتراك بقوميتهم؟ أحلال على وحرام على الأتراك؟ إنّ الدعوة إلى الفلسفة الطورانيّة كالدعوة إلى الفلسفة العروبيّة، لا اختلاف بينهما. ولكلّ أمّة الحق في بناء نفسها كيفما شاءت، ما دامت لا تهدّد السلم العالمي وآليات التعاون الإنساني.
ومهما تكن خلافاتنا البينيّة وتعدّد مشارب أفكارنا واختلاف رؤانا، فإنّ هدفنا قول الحق ولا شيء غير الحق. والابتعاد عن بث روح الكراهيّة بين الأمم والشعوب والجماعات البشريّة، وبالمقابل، الدعوة إلى الحوار والمحبة والسلام والتكافل الإنساني، وعن اختلفت الملل الدينيّة والمذاهب السياسية والقناعات الإيديولوجيات.
***
بقلم: الأستاذ علي فضيل العربي – روائي وناقد جزائري
..........................
للاطلاع
الطورانية الأردوغانية والزلزال / بقلم: د. علي رضا
https://www.almothaqaf.com/opinions/968181