آراء
عن احتجاجات الشوارع الاوروبية
تغيرت الشوارع الاوروبية بعد العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا وتصاعد قرع طبول حرب يقودها حلف الناتو، وتديرها الولايات المتحدة الامريكية صراحة وبلا التباس. حيث فرضت ادارة الحرب الامريكية على اوروبا المشاركة المباشرة في سياسات الحرب تحت اسم دعم اوكرانيا وتقديم المليارات لآلة الحرب فيها وتشريع ما تسميه بالعقوبات والاجراءات العدوانية ضد روسيا والضغط عليها وعلى من يتعاون معها، مبينة ظهور تحالفين واضحين، متصارعين ومستعدين لمواصلة حرب تتدحرج نحو اخطر انواعها واشدها تهديدا للبشرية. وبالتاكيد تولد تداعيات على مختلف الاصعدة وتنعكس على حياة المواطنين عموما. ولهذا تدافعت موجات من الغضب على هذه السياسات في الشوارع الاوروبية، متنوعة من الاضرابات والتظاهرات المحدودة الى الاحتجاجات الشعبية الواسعة، تقودها النقابات وقوى يسارية في المعارضة للاحزاب الاوروبية الحاكمة، والتي اغلبها من اليمين التقليدي او اليمين الوسط.
وسائل الاعلام بكل انواعها، لا سيما الفضائيات منها، تكشف صورها مباشرة وتعلن عنها كما هي في واقع الشوارع الاوروبية وامتلائها بالمحتجين وشعاراتهم والرايات التي تعبر عنهم والتي تنوعت اشكالها وفئاتها الاجتماعية. واغلبها جاءت رد فعل سياسيا وانعكاسا للازمة الاقتصادية التي ضربت اوروبا بعد تلك المواقف والسياسات التي تزعم محاصرة روسيا والتخلي من صادراتها اليها، لاسيما الطاقة والغذاء..فاثرت عكسيا في الحياة الاقتصادية في الغرب عموما، وتراجعت القدرة الشرائية لدى مواطني البلدان التي اشتركت مع الادارة الامريكية في مواقفها وقراراتها ضد روسيا وحلفائها.
وحتى التظاهرات التي خرجت تحت شعارات السلام في اوكرانيا ووقف الحرب والانحياز لموقف الناتو، والتي تدعمها الحكومات الغربية ومن يؤيدها من الاحزاب والنقابات والبرلمانيين، رفعت شعارات تطالب بزيادة الاجور وتحسين الاوضاع الاقتصادية للعاملين في مؤسسات الدولة واعادة النظر بسياسات دعم الحرب والعقوبات والمقاطعة التي حملت الحكومات قسطا من اضرارها المتفاقمة على حياة المواطنين اليومية.
شاركت اغلب نقابات العمال في أوروبا وقوى اليسار الاوروبي في اوسع الاحتجاجات مدافعة عن حقوق اعضائها في العمل والأجور، وأكثرها في قطاعات حساسة كقطاع الطاقة والموانئ والطيران، وامتدت الى نقابات عمال النقل والمواصلات العامة والعاملين في الصحة والتعليم وغيرها مما حكم الشارع الاوروبي في الحياة اليومية لاغلب العواصم الاوروبية وكشف التفاوت والنزاعات المخفية بين الفئات الراسمالية المتحكمة بالسلطات والقواعد الشعبية المنتجة للخيرات او الداعمة للتطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
عكست ذلك طريقة تعامل الحكومات الاوروبية مع الاحتجاجات السلمية، ومن بينها الحكومتان، الفرنسية والالمانية، مدعيتا مثال الديمقراطية في العالم، حيث مارستا القمع الوحشي للمتظاهرين ومنعهم من التعبير عن سوء حالهم وغلاء معيشتهم وعن آرائهم والمطالبة بحقوقهم، وقد فضحت وسائل الاعلام هذه الممارسات الوحشية وعرت ديمقراطية حكومات الغرب امام العالم.
اثار اعلان تزويد اوكرانيا بانواع اخرى من الاسلحة، كالدبابات والصواريخ والطائرات موجة غضب اضافية، حيث اندلعت احتجاجات في اكثر من مدينة اوروبية، خاصة التي توجد فيها مصانع للاسلحة، مثل مدينة ميونخ، معارضة بشدة نقل الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا، وردد المتظاهرون شعارات مناهضة للحرب وطالبوا بحل دبلوماسي للأزمة والكف عن تصعيد الازمة واستمرار اشعالها.
صب زيت الممارسات الحكومية العنفية ضد المحتجين على الرد عليها بما يقابلها ورفع الصورة الى مواجهات عنف بين قوى امنية مدججة بالسلاح ومدنيين يضطرون الى المقاومة بكل الاساليب المتاحة لهم، من حرق اطارات وغلق شوارع، الى مهاجمة مؤسسات الامن وحرقها واشباه ذلك مما يدفع الى نقل مشاهد عنف ترتفع وتيرتها كل مرة، وتضع المسؤولية من جديد على عاتق الحكومات وقراراتها وتبعيتها لسياسات مفروضة عليها ولا تعكس خيارات شعوبها واراداتها الوطنية. وهو ما يستدعي النظر اليه من زوايا الاسباب الحقيقية لما يجري وما يؤدي الى استمرار الاحتجاجات في الشوارع الاوروبية خصوصا.
***
كاظم الموسوي