نصوص أدبية
باقر الموسوي: لا تُصلِح ليلَك
يستيقظُ الشاعرُ
من ليلٍ يتهدّلُ فوقَ كتفيه،
ليلٍ تشيخُ فيه الكلماتُ
قبل أن تبلغَ أفواهَ المعاني.
يتسكّعُ في ظِلِّه،
ويجرجرُ في عزلتِه
تابوتَ حنينه،
يمشي كمن يحملُ
جثّةَ فكرةٍ
تُقاومُ حفرتَها الأخيرة.
أفكارُهُ…
طيورٌ جارحة،
تَحُطّ على جمجمته
وتخمشُ لحمَ صمتِه،
فيَلوذُ — لا إلى الهدوء —
بل إلى شتيمةٍ
تُنقذُ ما تبقّى من روحه.
يستيقظُ
وأنفاسُهُ غضبى،
وصوتُهُ صدى أكواخٍ
تنهارُ عند أوّلِ نداء،
يتنفّسُ كضبيّةٍ مذعورةٍ
هربت من فخٍّ
لم تُخلقِ النجاةُ له.
من يزورُ قبرَ قصائدِه؟
من ينفضُ عن حروفِه
رمادَ السنوات؟
قصائدُهُ حقولٌ
أكلتْها الريح،
وأغصانٌ لم يرثْها أحد.
يستيقظُ بقوامه الهزيل،
يجرّ خلفه سذاجتَهُ العارية،
فهو لم يكُنْ بطلًا
في حكايةِ امرأةٍ
يُزهرُ الليلُ بين يديها،
ولا كان شهوةَ أصابعٍ
تتسلّلُ إلى نهدِ الحبيبة.
إنّه ببساطةٍ…
الـ «لا» التي تتدلّى
من شجرةِ الأسئلة،
الـ «لا» التي تمشي
عكسَ رياحِ الجميع،
الـ «لا» التي
لو نطق بها حجرٌ
لارتجّتِ الأرضُ من تحته.
فيا أيُّها الشاعر…
لا تُصلحْ ما انكسر في ليلك،
ولا تعتذرْ لقصائدٍ
أجهضها الهواءُ قبل الولادة.
اكتبْ كأنّ الظلَّ آخرُ وطنٍ
يستطيعُ أن يحتملك،
وكأنّ الليلَ
يستعيرُ من وجعك
قنديلَه الوحيد.
امضِ…
واتركْ للغيمِ نافذتك،
فلعلّهُ يفهمُ ما لم يفهمه البشر؛
أنّ الشاعرَ
ليس ابنَ المعنى،
بل ابنُ ذلك الفراغ
الذي يصرخُ كلما حاول
أن يصيرَ كلامًا.
***
باقر طه الموسوي






