نصوص أدبية
نجاة الزباير: لماذا لم ترحلي باكرًا؟
أنا.. لست كما تظنين!..
لماذا لم تفهمي أن الرحيل هو بابي الذي أدخل منه، لأكسر كل تفعيلات القلوب وأوزانها؟
وكيف تبعتِ ظلي، كأنني أهشُّ على غنيمات حبك، بينما أنا لا أملك غير شتاءٍ أروي به قصائدي كلّما أزهر القلب بصمتٍ رهيب؟
لماذا لم ترحلي باكرا؟
كيف انتظرتِ بسذاجة أن يضيء حبي معناك،وما هو سوى غبار لصدى السنين؟
كنتِ وهماً جميلاً، يمرّ على أطراف الذاكرة كنسمةٍ من زمنٍ بعيد، لكنني كنتُ أعرف أن النهاية مكتوبة منذ البداية، وأن اللقاء لم يكن سوى استراحة عابرة بين غيمتين.
هل قلتُ لكِ:
انتظريني.. لأكتبكِ في قلبي بكلماتٍ من نارٍ لا تُمحى؟
أظنّني فعلت، حين كان الوهم يخرج من رحم حرفي ليبني لي مكانًا غير الذي أعرفه الآن.
لماذا لم ترحلي باكرًا؟
وضعتُ حقائبكِ على وجه السراب، وقلتُ بصمت: ستفتح شباكًا كي تراني، وستدرك أن شغفي استعارة، وقصائدي صيف، وعمري خريف أحاول أن أجمع فيه كل الفصول، كي يأخذني المعنى نحو الكون فأتركك.
لماذا لم ترحلي باكرًا؟
وتركتِ كل المسافات تجمعني، أحببت مرات، لكني لم أتنفس صبحا إلا في توهجكِ، فكنتُ أفتش عن غيركِ وأمضي.
زرعت في ضلوعي ذكراكِ، وجعلت من المجاز شراعًا لعلكِ تطلين من نافذة الوقت كي تريني بوضوح، لكنكِ لم ترحلي.
لماذا لم ترحلي باكرًا؟
كي لا أكون مثل أوديسيوس وأفقد مفاتيح البحر، فقد أضحيتُ محاربًا لكل ما هو باقٍ منكِ، هو الجنون نعم؛ لكن الزمان يضيء بأشياء كثيرة، رغم الأوراق المجهولة التي تصطاد عمري، وأعرف أنك تعرفين أسرارها ولا تتكلمين.
فلماذا لم ترحلي باكرًا؟
كي أصرخ أنني أحببتكِ يومًا، وما بقي من ذكريات تلاشت كطير حزين وقف على هشاشة قلبي ونام في ليلة ساحرة.
هل أحببتكِ؟
ربما نعم.. ربما لا. دعيني مع أسئلتي وتوسدي حقيبة السفر.
آه.. نعم.. أخيرًا رحلتِ..
نجاة الزباير






