نصوص أدبية
سعد غلام: سِفْرُ السِّدْرَةِ
(محو وصحو)
السِّفْرُ الأوّل: (نَفَسُ البَدءِ)
تَنَفَّسَ حَلْمُ السَّمَاءِ العَلِيِّ
فَفَاضَتْ شُهُودٌ تُنِيرُ العَدَمْ
*
وَهَبَّ الغَمَامُ يُفَتِّتُ صَمْتِي
وَيَبْنِي لِرُوحِي طَرِيقَ السَّنَا
*
وَنَادَى النَّهَارُ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ
لِيَكْشِفَ بَابًا يُجَلِّي الخَفَا
**
السِّفْرُ الثَّانِي: (مِعْرَاجُ الغَيْم)
اِرَكْبْ جَنَاحَ الغِيَابِ المُنِيرِ
وَجُزِ الضِّيءَ حَتَّى يَفِيضَ الأَبَدْ
*
وَسِرْ فِي دُرُوبٍ تُنَادِي بِنُورٍ
يُقَلِّبُ فِي القَلْبِ شَكْلَ الزَّمَنْ
*
فَفِي كُلِّ نَبْضٍ مِنَ اللَّيْلِ سِرٌّ
وَفِي كُلِّ سِرٍّ فَتَحْنَا السُّدَا
**
السِّفْرُ الثَّالِث: (مَحْوُ الشَّمُوس)
اِمْحُو الشَّمُوسَ الَّتِي حَاصَرَتْنَا
فَمَحْوُ السَّنَا أَوَّلُ الاِشْتِعَالْ
*
وَدَعْ فَوْقَ صَدْرِكَ نُورًا يُنِيرُ
وَيَكْسِرُ بَابًا يَخَافُ الجَلاءْ
*
لِكَيْ يَتَجَلَّى لَكَ السِّرُّ حِينًا
وَيَفْتَحَ فِيكَ طَرِيقَ الفَنَا
**
السِّفْرُ الرَّابِع: (صَدَى البُخُور)
لَجَّ البَخُورُ، فَصَاغَ انْثِيَالًا
يُذِيبُ الظِّلالَ وَيَرْفَعُ نَبْضْ
*
وَعَادَ الصَّدَى مِنْ كُوَى الرُّوحِ،
يُنَادِي دَمَاعَاتِ سِرٍّ قَدَمْ
*
فَيَنْهَدُ فِيكَ زَمَانٌ قَدِيمٌ
يُفَتِّتُ صَمْتًا وَيَبْنِي صَدَى
**
السِّفْرُ الخَامِس: (خَلْعُ العُيُون)
اِنْزِعْ عُيُونَكَ إِنْ ضَيَّعَتْكَ،
فَفَوْقَ البَصَائِرِ يُولَدُ ضَوْءْ
*
وَدَعْ رُوحَكَ الوَحْدَ تُوغِلُ سِرًّا
وَتَحْمِلُ فِي الدَّرْبِ نَبْرَ الشُّهُودْ
*
لِتُبْصِرَ فِي الظُّلْمَةِ الوَجْهَ حِينًا
وَيَخْفُقَ فِيكَ ضِيَاءٌ نَقِيّْ
**
السِّفْرُ السَّادِس: (المِيضَأَة)
مِيضَأَةُ القَلْبِ تَجْلُو صَبَاحًا
يُسَاقِي جِرَاحًا نَمَتْ فِي الضُّلُوعْ
*
وَيَرْفَعُ فِيكَ دُخُولَ البَيَانِ
لِيَهْدِي لِرُوحِكَ مَدَّ الرُّؤَى
*
فَيَنْفَجِرُ السِّرُّ فِي لَوْنِ نَفْسٍ
تُرَاوِدُ نُورًا وَتَخْتَزِنُ الرُّوحْ
**
السِّفْرُ السَّابِع: (نَامُوسُ العِشْق)
فَعِشْقُ البِدَا نَامُوسٌ عَتِيقٌ
يُفَكُّ الطَّلَاسِمَ عَنْ بَابِهَا
*
وَيُمْهِلُ نَفْسَكَ حَتَّى تُصَلِّي
بِسِرٍّ يُقِيمُكَ فَوْقَ الزَّمَنْ
*
فَيَخْفُقُ فِيكَ وِصَالٌ يُنَادِي
وَيَسْكُنُ فِيكَ نَدَى الاِشْتِيَاقْ
**
السِّفْرُ الثَّامِن: (الغَيْبُ وَالوَصْل)
فَفِي الوَصْلِ غَيْبٌ، وَفِي الغَيْبِ وَصْلٌ،
وَفِي الحُضُورِ يُقِيمُ السَّنَا
*
وَفِي السَّهْوِ خَمْرَةُ نُورٍ تُضِيءُ
جَوَانِبَ قَلْبٍ يُفَتِّتُ لَيْلْ
*
فَيَغْدُو الطَّرِيقُ بُخُورًا رَخِيصًا
وَيَغْسِلُ صَوْتًا تَخَلَّفَ فِينَا
**
السِّفْرُ التَّاسِع: (سُكْرُ السَّالِك)
يُسَافِرُ فِيكَ دَمٌ مُنْسَرِي
يُنَقِّي طُرُوقَكَ مِنْ كَدَرِكْ
*
وَيَعْبُرُ مِنْ بَابِ نُورٍ خَفِيٍّ
لِيَهْدِي خُطَاكَ لِدَرْبِ الفَنَا
*
فَتَنْهَضُ فِيكَ أَسَارِيرُ وَحْيٍ
تُفَلِّقُ صَوْتًا وَتَبْنِي سَبِيلْ
**
السِّفْرُ العَاشِر: (خَاتِمَةُ النُّور)
فَسِرْ فِي دُرُوبِ اليَقِينِ الوَثِيقْ
فَلَا شَيْءَ يَهْدِمُ نَبْضَ الهُدَى
*
فَكُلُّ الطَّرِيقِ وُصُولٌ إِلَى
وُصُولٍ، وَكُلُّ الوُصُولِ سَنَا
*
وَفَوْقَ الفَنَاءِ يَقُومُ جَمَالٌ
يُؤَسِّسُ فِينَا حَقِيقَةَ نُورْ
*
الكودا
هذا السِّفرُ ليس قصيدة،
بل عودةٌ طويلةٌ إلى أولِ الضوء،
إلى اللحظة التي ينسحب فيها العالم
ويبقى وجهٌ واحد…
وجهٌ بلا شكل،
ولا زمن،
ولا ظلّ.
وما النورُ يا صاحبي
إلا أن تعودَ شيئًا
لم يمسّه أحدٌ
منذ خُلِق الوجود.
قالَ: غرابُ السدرةِ،
اركبْ جفنَ الغيمِ الأسمرِ
امحُ الشمسَ،
لَجَّ أقنومَ بخورِ قُمْقُمكَ
:تفتحُ أمامكَ الحضرةَ
فاِنزعْ عينيكَ،
واخْلَعْ حلمَكَ
مشكاةَ عشقكَ،
قلبُكَ
***
د. سعد غلام






