نصوص أدبية

سعد غلام: مِرْآةُ القَندِيلِ

من الغيابِ إلى دهشةِ العرشِ

(يَا ابْنَ مَزونَةَ، أَيُّ فَجْرٍ قَادَنِي

حَتَّى نَسِيتُ خَرِيطَتِي، وَسَرَتْ يَدَايَ)

[السِّفْر الأوّل: القلبُ الغريق]

*

المَوْجَةُ عَاتيَةٌ،

اِعْتَصَرَتْ قَلْبي،

غَسَلَتْ نَبْضَهُ،

عَلَّقَهُ الذُّهُولُ شِرَاعًا...

أَشْهَدُ لِيَباسٍ

كَشَفَ عَوْرَةَ فُرْشاةِ العُمْرِ.

بُهَاقُ صُورَتي لَفَحَتْها سُمْرَةُ المَعْرِفةِ،

قَضْمَةٌ قَادَتْني لِسَحيقِ القَصْرِ،

شَقَاءُ النَّفْسِ،

شَهْقةُ لَذَّةٍ،

قِناعُ الصَّمْتِ...

"وقالَ العَرّافُ:

هٰذا الفتى مَرْزوقٌ،

لكنَّهُ لَنْ يَسْعَدا،

محفوظٌ بسِرٍّ رَبّانِيٍّ،

لكنَّهُ

سَيُصْحِبُهُ الشَّقَاءُ

كَوَسْمٍ لا يَزُولُ..."

[كمْ وُرِّثتَ من المَنافي؟

مذْ خُطَّتِ النقوشُ على جُدرانِ وِلادتِك،

والماءُ غَرْبٌ،

والصلاةُ بَرْدٌ،

والسماءُ بلا جَناحينِ ولا طَلَلٍ…]

*

أُرْخِيتُ نَجْمِي فِي الدُّجَى، وَتَمَايَلَتْ

خُطُوَاتُ نَفْسِي فَوْقَ صَهْوَةِ غُرْبَتِي.

{2}

(مَا بَيْنَ زُبَيْدٍ وَسَلُوقَةَ غُصَّتِي،

وعَلَى يَدَيَّ تَمَزَّقَتْ سُبُلُ المَعَانِي)

*

[هلْ كانتْ وطنًا؟

أم خَيمةً للغيم؟

أم نَبيًّا ضَلَّ فِي لُغَةِ السراب؟

وحْدَهَا سَلُوقَةُ تُطفئُ فَزَعَ المدى،

تُربِّي الأسماءَ فِي كِنَانَةِ الشكِّ،

ثُم تُلقِّنُهَا النِّسْيَانَ، اسْمًا بَعْدَ اسْمٍ.]

*

"فَلَنْ يُفَارِقَ جُرْحُ الرُّوحِ مَنْ لَا يَكْرَهْ…

سَيَبْقَى وَحِيدًا طُولَ عُمْرِهِ،

لِأَنَّهُ لَا يَنْسَى."

ضَاعَتْ خَرَائِطُنَا، وَكُنَّا نَكْتُبُ الـ

مَجْهُولَ فِي أَسْفَارِ رَمْلِ الْمَأْتَمِ.

وَالْقَنْدِيلُ يَنْقُشُ فَوْقَ جِدَارِ نَفْسِي

أَنَّا سَنَرْجِعُ… لَوْ بِوَهْمِ الْعَاشِقِ!

{3}

(أَرْنُو إِلَى ظِلِّي… وَأَرْجُو صُورَتِي،

لَكِنَّنِي… فِي دَاخِلِي… كُنْتُ الْغَرِيبَا)

*

[وَكُنْتَ تَقُولُ: هَذَا الضَّبَابُ وَطَنٌ،

أَوْ: هَذِهِ السُّحُبُ الَّتِي لَا تَهْطِلُ إِلَّا شُبْهَ نَارٍ…

قُرَيَا؟

لِي مِنْهَا ظِلٌّ وَاحِدٌ فِي كُلِّ فَجٍّ،

وَلَكِنْ لَا رَبِيعَ لِي.]

*

"احْتَجَزَ الْبَرْقَ فِي الظَّلَامِ،

وَأَهْدَرَ ضَوْءَ الصُّبْحِ

عِنْدَ عَتَبَاتِ الْحُلْمِ."

فَتَحَتْ نُفُوذَ الْغَيْمِ فِكْرَتُنَا، وَمَا

خَرَجَتْ سِوَى الْأَشْوَاقِ مِنْ جُبِّ الدُّجَى.

{4}

(قَصْرُ طَيْبَةَ فِي جُفُونِي رُقْعَةٌ،

وَالْمَاءُ يُهْمِسُ فِي الرِّمَالِ: هُنَا الْمَآبُ)

[السِّفْر الثاني: الْحُبُّ وَالْغِيَابُ وَالْمُسْتَحِيل]

*

بَعِيدًا عَنِ الشَّاطِئِ،

الْوَحِيدُ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْنِي هُوَ اللَّهُ.

الْحُبُّ…

الْأُنْثَى الْمُجَرَّدَةُ مِنْ مَفَاتِنِهَا،

الصَّدَى يُنَازِعُ صَوْتِي آنَئِذٍ…

أَحْلَامُ ضُحَى الشُّمُوعِ نَفَقَتْ بُكَاءً.

أَيَّتُهَا الْجَزِيرَةُ الْمَنْشُودَةُ…

أَعْلَمُ أَنَّكِ لَنْ تَكُونِي حَقِيقَةً،

لَكِنَّهُ الطَّبْعُ: الِاحْتِفَاظُ بِالْوَرْدَةِ طَيَّ دَفْتَرِ ذَاكِرَتِي…

لَمْ أَكُنْ مَعْنِيًّا بِالْعِطْرِ،

أَتَوَقَّعُ الشُّحُوبَ…

هِيَ مَا اقْتَرَفْتُهُ خَطِيئَةً أَعْتَزُّ بِهَا.

"عُشْبَةُ النِّسْيَانِ تَاهَتْ،

وَعَقِيقُ الصَّغِينَةِ عِنْدِي…

مِنْهُ أَرْتِيكَارِيَا!

فَكَيْفَ النِّسْيَانُ؟ وَأَيْنَ مَخَارِجُهُ؟

وَأَنَا؟ أَنَا لَسْتُ النِّسْيَانَ."

*

[أَعْرِفُ أَنَّكَ - مِثْلِي -

تَحْفُرُ صَوْتَكَ فِي جُدُرَانِ قَصْرِ طَيْبَةَ،

وَتَمْسَحُ مِلْحَكَ عَنْ رُخَامِ مَغَارَةٍ فِي صِقِلِّيَّةَ،

وَتَنْقُشُ وَجْهَكَ فِي زُرْقَةِ عَيْنِ امْرَأَةٍ تُسَمِّيهَا الْمَنْفَى…]

*

مَنْ فِي التَّنَاصِيفِ اغْتَسَلْنَا طِينَهُ،

لَمْ يَسْتَطِبْ خَمْرَ الْمَعَانِي وَافْتَرَى.

{5}

(صِقِلِّيَّةُ نَادَتْ بِرِيحٍ تَائِهٍ،

وَرَمَتْ عَلَى سَفَرِي مَلامِحَ ضَيْعَتِي)

*

[لَيْسَ فِيكَ مَكَانٌ وَاحِدٌ،

بَلْ كُلُّ مَا نُفِيَ فِيكَ… صَارَ مَقَامًا.

سَاحِلُ ظُفَارٍ،

أَدْغَالُ غَامْبِيَا،

ضَوْءُ بَرْكَةِ الْحَسْوِ حِينَ تَفُتُّ جُثَّتَكَ الْقَدِيمَةَ…

إِذْ تَنَامُ، وَيَغُوصُ الدُّودُ فِيكَ.

فِي فَلْكِنَا نَحْنُ النُّجُومُ، وَوَعْدُنَا

فَوْقَ الرِّمَالِ… وَمُهْرُنَا: أَسْرَارُنَا.

وَالْمَنْفَى امْرَأَةٌ تَبِيعُ أَصَابِعِي،

وَتُعِيدُنِي لُغَتِي… لِأَمْحُوَ مَا بَقِيَ.

"دَلَعَ لِسَانَ طَيْفِهَا،

تَغَنَّجَ عِطْرُهَا،

ذَاكَ الَّذِي يَسْكُنُ فِي أَحْنَاءِ نَفْسِي..."

*

[هٰذَا جِدَارُكَ!

يَا ابْنَ غُبَارِ الْقَوَافِلِ…

مَا كَتَبْتَ عَلَى الْحَجَرِ؟

*

(اسْمِي نَسِيءٌ فِي الدَّفَاتِرِ…

كُلُّ هُوِيَّاتِي رَمَادٌ…)]

{6}

(ظُفَارُ أُنْشُودَةُ الدُّخَانِ بِرَأْسِيَ،

غَانَا تَبْكِي فَوْقَ مَوْتِ الْبِدَايَةِ)

*

الْعِشْقُ،

بِفَرَحٍ غَامِرٍ،

يَسْكُنُ مِشْكَاةَكَ.

أَيُّهَا الْقِنْدِيلُ،

هَشٌّ نُورُكَ...

*

[سِفْرُ الثَّالِثُ: الْأَنْقَاضُ الْكُبْرَى]

مَأْتَمُ الدُّخَانِ،

أُمَمٌ تَؤُمُّ مَوَانِئَ النِّسْيَانِ،

تَمْلَأُ الرُّوحَ أَنْفَاسَ الْأَوْثَانِ

الْمُغِيثَ لِلْغَرْقَى

بِتَعْجِيلِ مَوْتِهِمْ غَصًّا!

عَيْنَاكِ تُدَاعِبُ أَوْجَاعِي،

خَجَلِي...

كُلُّ مَا سَأُصَادِفُهُ هُنَاكَ.

"لِيَكُنْ هٰذَا الْبُكَاءُ

صُورَةَ الرُّوحِ الَّتِي

لَا تَسْتَظِلُّ

سِوَى نَفْسِهَا…"

رُوحُ الْمَكَانِ كَانَتْ مُحِقَّةً.

أُفَكِّرُ بِالنَّهْرِ الْمَالِحِ،

وَعَبْرَةُ الرِّيحِ تَتَوَضَّأُ

لِتُمَارِسَ فِعْلَ التَّنَاسُلِ

مَعَ الْجُرُوفِ.

*

[لَمْ تَصِلْهَا…،

لَا لِأَنَّهَا وَعْرَةٌ،

بَلْ لِأَنَّ الطَّرِيقَ يُشْبِهُكَ حِينَ تُخَاصِمُهُ،

فَتَأْخُذَكَ مِنْكَ الرِّيحُ،

وَتُرَوِّحُنَكَ الْجِهَاتُ.]

*

مَنْ يَجْمَعُ الْآفَاقَ فِي كَفِّ الرُّؤَى؟

مَنْ يَسْتَعِيرُ النُّورَ مِنْ خَفَقِ الدَّمِ؟

{7}

(بِرْكَةُ الْحَسْوِ الَّتِي كُنَّا بِهَا

شَرِبَتْ جُرُوحَ الْقَافِلَةِ… ثُمَّ انْطَفَأَتْ)

[السِّفْرُ الرَّابِعُ: مِرْآةُ الْفَقْدِ وَمَسْرَحُ الْوَهْمِ

*

خَزَنَ عَقْلِي دِفْءَ لَوْنِ الْفُقْدَانِ...

أَيَّتُهَا الْأُكْذُوبَةُ:

أَضِيئِي فَنَارَ الْعَتْمَةِ،

دَرْبُ الْعَوْدَةِ دَنِفٌ بِالْغِيَابِ،

صَحْبُ الْبِلَاشِينِ الْمُهَاجِرَةِ،

سَحَرَتْهُ نَجْمَةُ الشِّمَالِ.

"يَتَكَوَّرُ الْحُلْمُ الْمُبَاحُ بِدَمْعِهِ،

وَيُرَتِّقُ الذِّكْرَى عَلَى أَشْلَاءِ نَفْسِي"

مُنْذُ فَجْرِ الْبَشَرِيَّةِ

أَسْمَالُ مَنَادِيلِ التَّضَرُّعِ

تَمْسَحُ دَمْعَ الضَّيَاعِ..

يَلُوحُ لِأَسْرَابِ الطُّيُورِ،

شَاخَتِ السَّمَاءُ،

وَهُوَ خَسِرَ خُلُودَ الْمَوْتِ.]

*

[أَكَانَ الْحِجْرُ مَخْبَأً لِلْغَيْمِ؟

أَكَانَ الْمَوْتُ رُقِيًّا؟

أَكَانَ دَفْقَ بُكَاءٍ فِي عُيُونِ الْأَوَّلِينَ؟

أَكَانَ الطِّينُ مَوْطِئَكَ الْأَخِيرَ؟

لِتَكُنْ رَحِيلًا دَائِمًا…]

*

كُلُّ الْمَنَارَاتِ انْحَنَتْ، وَمَآذِنُ

خَرَجَتْ مِنَ التَّكْبِيرِ صَوْتًا مُعْتِمًا.

{8}

(مَا بَيْنَ أَنْطَاكِيَةَ وَالْحِجْرِ ضَوْءٌ قَدْ نَامَ

فَانْحَدَرَتْ خُطَايَ إِلَى الرَّمَادِ)

*

(فَالْعَتْمَةُ غَابَةٌ أَثْمَرَتْ

كُلَّ مَا فِي السَّلَّةِ...)

*

"مَا بَقِيَتْ إِلَّا الرُّمُوزُ تُلَاحِقُنِي،

نَحْوَ سُؤَالٍ هَادِرٍ لَا يَرْحَمُ"

*

[أَنْتَ الْآنَ تُقِيمُ،

لَا فِي بَيْتٍ،

وَلَا فِي قُبَّةٍ،

بَلْ فِي تَأَمُّلِ وَرَقَةٍ طَارَتْ مِنْ صُفْرَةِ الْخَرِيفِ…

يَا ابْنَ النِّسْيَانِ،

هَلْ أَنْتَ شِعْرٌ لَمْ يُكْتَبْ بَعْدُ؟]

*

وَالْوَقْتُ يَبْصِقُ فِي السَّمَاءِ نُذُورَهُ،

وَالْأَرْضُ تَخْشَى أَنْ تُجِيبَ، وَتُتْهَمَا!

{9}

(أَسْأَلُ جِدَارَ الْوَقْتِ: هَلْ يُخْفِي دَمِي؟

وَيَقُولُ: دَعْ عَنْكَ الْوُجُوهَ، وَابْدَأْ!)

*

(الْعُوَيْلُ، هُوَ الْآخَرُ،

مِنْ أَوْطَانِ الضَّلَالِ.)

*

"كُلَّمَا أَقْبَلْتُ صَامِتًا كَصَلَاةٍ،

أَخْرَجَتْنِي الدَّمْعَةُ الْكُبْرَى لِنَفْسِي"

*

[فِي جُرْزِ الْهُوِيَّةِ رَأَيْتُ رُؤَايَ،

رَأَيْتُ الْوَحْيَ بَيْنَ أَظَافِيرِ الْعُمَّالِ…

فِي بَازِلَ سَكِرْتُ بِخُبْزِ الشُّعَرَاءِ،

وَفِي مَتْرُو أُوسْلُوَ قَرَأْتُ هُوِيَّتِي مَطْمُوسَةً…]

*

نَحْنُ الَّذِينَ تَفَحَّمُوا مِنْ صَمْتِهِمْ،

وَتَفَجَّرُوا فِي الشِّعْرِ صَوْتًا مُلْهَمًا.

{10}

(فِي … كُنْتُ الْقَصِيدَةَ، ثُمَّ قَبَضَتْ يَدَايَ

عَلَى اِرْتِجَافِ التُّرْجُمَانِ)

*

(ظِلُّكَ عَرَبَةُ غَجَرٍ

تَقْرَعُ جَرْسَ الرِّحْلَةِ الْجَافَّةِ…)

*

"كُلَّ مَا فِيهَا يُنَادِينِي خَيَالًا،

ثُمَّ يَخْفِي وَجْهَهُ فِي جَوْفِ كَأْسِي"

*

[تَقُولُ الْحُرُوفُ:

هَلْ هَذَا غُصْنُكَ؟

تَقُولُ الْأَنْهَارُ:

هَلْ هَذَا نُعَاسُكَ فِينَا؟

تَقُولُ التَّوَارِيخُ:

كُنَّا هُنَاكَ…

وَلَمْ نَجِدْكَ.]

*

إِنْ كَانَ فِي الْأَحْرُفِ نُجَاةٌ، فَاسْتَقِ

قَنْدِيلَكَ الْمُطْفَى، وَهَاتِ الدَّمْعَ مَا!

{11}

(فِي أُوسْلُو… رَأَيْتُ هُوِّيَتِي تَغُوصُ،

كَأَنَّهَا وَرَقٌ عَلَى سُهُدِ الشِّتَاءِ)

*

"هَلْ أُصَلِّي، أَمْ أُرَتِّلُ نَارَ وَجْدِي؟

أَمْ أَكُونُ بِغَيْرِ قَلْبٍ أَوْ جُلُوسِ؟"

*

[أَصِلُّ؟

لِمَنْ؟

لِكِتَابٍ لَمْ يُكْتَبْ؟

لِأُمٍّ بَعَثَتْنِي، ثُمَّ عَادَتْ تَوْصِينِي بِالضِّيَاعِ؟

لِظِلٍّ؟

لِرَمَادٍ؟]

*

يَا أَيُّهَا الْمَنْسِيُّ فِي صَحْرَاءِ نَفْسِي،

كَيْفَ انْتَبَهْتَ لِمَا أَقُولُ وَغِبْتَ عَنِّي؟

مَا بَيْنَ نَصِّي وَالْمَرَايَا فَاصِلٌ،

قَدْ كَانَ ظِلِّي، ثُمَّ صَارَ تَنَكُّرِي!

كُنْتُ الْمُسَافِرَ وَالطَّرِيقَ، وَمَا دَرَيْتُ

لِمَنْ أُضِيءُ الْحُلْمَ… لَكِنِّي أَرَى…

{12}

(هَلْ كُنْتُ صَوْتِي؟

هَلْ رَأَيْتُ حَقِيقَتِي؟

أَمْ أَنَّنِي كُتِبْتُ،

وَلَمْ تُقْرَأْ… خُطَايَا؟)

*

"أَيْنَ أَزْرَارُ الْحَنِينِ إِذَا طَفِتْ

فَوْقَ مَوْجِ الرُّوحِ أَشْلَاءُ الْقُيُودِ؟"

*

(يَقْطِينَةُ يُونُسَ،

ضَرَبَتْهَا هَاجِرَةُ الْقُرُونِ.)

*

[السِّفْرُ الْخَامِسُ: مُنَاجَاةُ الْقِنْدِيلِ وَصَرْخَةُ الْوَحْدَةِ

يَضْجَرُ أَنْ تَكُونَ

قُرْبَ الْعَرْشِ تَسْمَعُ وَتَرَى،

وَلَا أَحَدَ يَلْتَفِتُ إِلَيْكَ

مِنَ الشَّيَاطِينِ،

وَأَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ]

*

[لِكُلِّ مَا فَاتَ…

أُقَبِّلُ اسْمِي عَلَى زُجَاجِ نَافِذَةٍ،

وَأَمْحُوهُ بِنَفَسِي.]

*

فِي كُلِّ نَصٍّ: نَارُ وَجْدٍ سَرْمَدِيٌّ،

وَتَرَاتِيلُ الرَّمْلِ… تُسْمِعُنِي دَمًا.

فِي كُلِّ جُرْحٍ أَغْنِيَاتٌ مِثْلُنَا

تَبْكِي عَلَى حَافَاتِ نَفْيٍ أَسْهَرَا.

{13}

(يَا أَيُّهَا الْقِنْدِيلُ، لَا تَنْطَفِئْ، فَفِيـ

ـكَ الْحَرْفُ أَشْعَلَ مَوْتَنَا وَكَتَبَنَا)

*

"كُلَّمَا مَرَّتْ خُطَاهَا فِي دَمَائِي،

قُلْتُ: هٰذِهِ وَجْهَةٌ فَوْقَ الْوُجُودِ

فَاغْتَسَلْتُ بِمَاءِ حُلْمٍ يَابِسٍ،

وَانْتَشَيْتُ بِرُوحِ صَمْتٍ لَا يُفِيقُ

كَيْفَ لَا تَبْكِي الظِّلَالُ عَلَيْنَا؟

كَيْفَ تَصْعَدُ دِمَشْقُ فِي وَهَجِ النُّدُوبِ؟"

*

(الْخَائِبَةُ كَالنَّاسِكِ،

نَهْدٌ نَزَعَ عِبَادَةَ عُزْلَتِهِ.)

*

يَا أَيُّهَا الْقِنْدِيلُ، لَا تَنْطَفِئْ، فَفِيـ

ـكَ الْحَرْفُ أَشْعَلَ مَوْتَنَا وَكَتَبَنَا.

{14}

(فَاصِلَةٌ…

قَبْضَةُ السِّكِّينِ وَقَلْبُ الضَّحِيَّةِ.)

*

"مَا بَقِيَ فِينَا سِوَى وَجْدٍ يُنَادِي،

عَاشِقٌ يُصْغِي لِحُزْنٍ فِي السُّجُودِ"

*

[كَأَنِّي مِنْ…

يُعِيدُ اللَّهَ مِنْ مَنْفَاهُ…

إِلَيْهِ.]

*

نَحْنُ الَّذِينَ تَنَاثَرُوا فِي غُرْفَةٍ

صَفْرَاءَ، حَيْثُ النَّفْيُ يُرْعِبُ أَغْنِيَا.

مَا ضَاعَ مِثْلُ الْحُلْمِ إِلَّا فِي يَدَيْـ

ـنَا وَنَحْنُ نَظُنُّهُ لَنْ يُسَلِّمَا!

*

فَاكْتُبْ، كَمَا تَكْتُبُ النُّبُوءَةُ، صَمْتَهَا،

وَازْرَعْ كَمَا يَزْرَعُ الْحَنِينُ يَبَابَنَا.

وَاسْمَعْ أَنَاشِيدَ الضِّيَاءِ… فَإِنَّهَا

فِي اللَّيْلِ تُعْلِنُ: أَنْتَ… أَنْتَ الْغَائِبُ.

***

د. سعد غلام

 

في نصوص اليوم