نصوص أدبية

أسامة محمد صالح: في الدّنى والأماني والهوى

أتى زمنٌ فيه المقابرُ أصبحتْ

جنانًا يُباري كي يطاها الغِنى الفقْرا

*

فإمّا بموتٍ فيه راحٌ لأنفسٍ

تغالبُ في قبرٍ يُنغّصُها القهْرا

*

وإمّا بعيشٍ للطّريد الذي غدا

يرى كلّ قبرٍ مُبتنى في العرا قصْرا

*

ألا إنّها الدُّنيا تناديْ الهوى بنا

فيُتبعُها رغْبًا بما عِندها العُمْرا

*

يقومُ لها بل للذي عندها الضُّحى

ومن بعدهِ الظهرَ الذي يسحبُ العَصْرا

*

ويحرِمُ محرومًا هو الرّاحُ ما لَهُ

لِتملكَهُ دُنيا يُمَلِّكُها الفِكْرا

*

وما أنْ يُنادي الفجرُ حتّى يهبَّ كي

يُصّلي لربّ الكونِ من أجلِها الفجْرا

*

وما بين إصباحٍ وآخرَ ينزعُ الـ

الحيا علّها تُعطي فتَسْتَحْضِرُ الصّبرا

*

يبيعُ لِترضَى عنْه أهلًا وصُحبةً

ويزدادُ كبرًا لو نما ظلُّهُ شِبرا

*

وتُسكِرُهُ بالأُمنياتِ كؤُوسها

وعودٌ إذا ما اسْتُحْسِنَتْ أورثتْ حَقْرا

*

وخمْرُ الأمانيْ في كؤوس الوعودِ في

رهانِ الكؤوسِ لا مثيلَ لهُ خَمْرا

*

يمرُّ الصّبا سكرى لياليهِ بالهوى

الذي أسْكَرتْهُ أمنياتٌ روَتْ كِبْرا

*

وما أكذبَ الدُّنيا وما أسذجَ الهوى

إذا وعَدَتْهُ واحتفى بالهُرا صَدْرا

*

كحالِ شروقٍ يحتفيْ الغربَ كلّما

افترىْ قائلًا أنْ في غدٍ يُطلِقُ الفجْرا

*

فلا الغربُ يُوفي بالوعودِ ولا الأخُ الـ

غريرُ اهْتدى والعُذرُ يَسْتَخلِفُ العُذرا

*

مُضيَّ الصِّبا يمضيْ الشّبابُ وكاسُه

هوىً كاسُه المُثلى فِرىً تُفترى جَهرا

*

كحالِ بلادٍ أنكَرَتْها دِماؤُها

ولمّا تزلْ مِنْ ذي الدِّما ترقُبُ النّهْرا!

*

فلا النّهرُ جارٍ في سبيلِ خلاصِها

ولا دَمُهَا فيهِ دمٌ يبْلُغُ البَحْرا

*

يُشيبُ الهوى عمرُ الأماني وكاسُه

تصيرُ كما لو أنّها قُدِّمتْ صُفْرا

*

ونجهلُ لو يومًا عزونا مشيبَه

لشيبِ سنينٍ لا تشُدُّ له أَزْرا

*

ونصْحو ولا يصْحو هوىً راحَ عهدُهُ

فنحفرُ في بَرِّ الصّدورِ له حفْرا

*

وحين تبيتُ الأمنياتُ بلا هوىً

تخيرُ الدِّما فينا لتحْيا بِها جمْرا

*

ونمضيْ وتبقىْ الأمنياتُ وجمرُها

بهِ يكتويْ من بعدِنا ذكرُنا دهْرا

*

أكانَ سَيُرْضيْ ما انطوى من هوىً لها

بِنا أنْ تظلَّ الأمنياتُ به سِرّا؟

*

أكانَ علينا قهرُهُ قبل وأدِنا الـ

أمانيْ وحفرِ المسْتحيلِ لها قبْرا؟

*

أكانَ عليْنا أنْ نصلّيْ وندعوَ الـ

سماءَ فلا تُبقيْ لنا بعدَنا ذِكْرا؟

*

دروسٌ أمانينا لآتينَ خلْفنا

ولولا الهوىْ ما كانَ للدّرسِ أنْ يَطْرا

*

ومن يُبتلى من قلّةٍ قرأَتْ بما

اقْتراهُ فلا تثريبَ إنْ حصَّل الصِّفْرا

*

فإنّ هوىْ دُنياهُ مُنسيهِ ما رآ

هُ إلّا إذا بذَّ الهوى مُسْتنصِرًا صَبرا

*

ألا إنّها الدُّنيا وهذي فِعالُها

و نظلِمُ إذْ نعزو لأزمانِنا الشَّرّا

*

ألا إنّها أهْواؤُنا وفعالُها

ونظلِمُ إذْ نعزو لغيرِ الهوى الخُسْرا

*

ألا إنّها الصُّغرى وهذا لهيبُها

وجهلًا نُساويهِ بما أخْفَتِ الكُبْرى

***

أسامة محمد صالح زامل

في نصوص اليوم