نصوص أدبية
عدنان الظاهر: طُغيانُ الطُوفانِ

طافَ الفُلْكُ فحلّقَ سربُ شُهودِ الغربانِ
يبحثُ في ما بعدَ اليمِّ الطاغي عن مأوى
ظلّتْ غِربانُ الشؤمِ تحلِّقُ في عُمقِ اللاجدوى
حتى أعيتْ ماتتْ جوعا
تصرخُ لا سلْمَ على أرضٍ غطّاها الطغيانُ
يتعدّدُ أشكالا
فيها الإنسانُ ظلامٌ مسلولٌ ظمآنُ
أعمى يقتلُ أعمى
غطّاني الطوُفانُ وأفقدني وعيَ الوجدانِ
فليبقَ الطُوفانُ مليكَ عروشِ الأزمانِ
لا دينَ يؤاسي لا حُكمُ الأوثانِ
هل أنجبني سببٌ مجهولٌ أمْ بشرٌ مجبولٌ مثلي؟
لا أعجبُ لا أحتارُ
مثلي ينبتُ في شَجَرٍ مقطوعِ الأغصانِ
لا أغرقُ لا أطفو
حسبيَ أنَّ الواقعَ في الدنيا أعماني
جرّدني من تُحفةِ عرشِ محطّةِ أحزاني
أفقدني وعيَ سلامِ القبرِ النائي
الدُنيا لُعبةُ قطعِ الأوصالِ
وخرابُ الناموسِ الأزليِّ وإخراسُ الصوت العالي
الروحُ تصيرُ مُحالا
والسمتُ الغالي أوطأُ من قامةِ فحلِ النملِ
أقصرُ من نابٍ في فكِّ الأفعى ..
سأُجمِّدُ نفسي والحاضرَ والماضيَ والآتي
خشيةَ أنْ أفقدَ وزنيَ في باقي أجسادِ الأولادِ
والقيمةُ في مرآةِ الظلِّ سوادُ
تَرَفٌ يبقى والناعي صوتُ الصرخةِ في الميلادِ
ما خطبُ الراكبِ ظهرَ الأنواء
يحسبُ أنَّ البردَ يُغطي دَربَ الأشواقِ
لا يعرفُ أنَّ الشوقَ قصيرُ
وحصادَ القمحِ المسمومِ هراءُ
إبعثْ للراحلِ من صدرِ المُشتاقِ سلاما
خبِّرْ أني معطوبُ القلبِ أُعاني من فقدِ الأوزانِ
لا أمسي يدنوَحتّى ليؤاسي
ويُخفّفَ عنّي وطأةَ شقِّ الأنفاسِ عميقا
أين الماضونَ وهل مِنْ لُقيا في طيفٍ أو رؤيا
أنقذني [أَبَتي] إني مأزومٌ أتداعى وصفاً وصفا
تتهرأُ أقدامي ويهزُّ الجُدرانَ مُقامي
بارِكْ سيلَ الروحِ على مجرى مخضوبِ دموعِ الأجفانِ
طوّعتُ بناني فتهاوى سقفُ الحِرمانِ العالي
يشكو شِدّةَ خطفِ الأبصارِ
ويُعيدُ الكرّةَ فصلاً فصلا
لا خَفْقٌ ينتابُ ولا هُدْبٌ يرتادُ الأجفانا
أينَ الُلقيا ؟ هل مِنْ أملٍ في قطعِ الكفِّ العاصي
ويمورُ كما مارَ الوعدُ المشنوقُ بمُرِّ حِبالِ الأبراجِ
كَفكِفْ هذي البُشرى وتبارَ ومجهولَ الأسفارِ
بَشِّرْ أنكَ لا تُحصي أنفاسَ الأقدارِ
ما مرَّ يمرُّ سريعاً
فتعالَ نغضَّ الطرفَ حِدادا
طابَ الطُوفانُ وطالَ المدُّ العالي
فتعالتْ أصواتُ الغِربانِ تنادي بالرهبةِ والويلِ
وتهاوتْ أشرعةٌ فالريحُ الصْرصرُ إعلانُ
(هيئْ نفسَكَ لليومِ التالي)
اليومُ التالي حصّةُ فقدانِ الأهلِ
لا جُرفٌ يؤويكَ ولا مِرساةٌ تُحصي أنفاسَ الربّانِ
اليومَ عُبابُ
وطريقُ الأوبةِ عينٌ تتلو عيناً سوداءُ
والباقي في كهفِ الماضي أكفانٌ بيضٌ وبقايا أوهامِ.
***
د. عدنان الظاهر
أيلول 2025