نصوص أدبية
كريم عبد الله: يأتون من بعيد

الهاربون من الجحيم
يأتون من بعيد، لا يحملون متاعًا، بل حكايات مثقوبة. جراحًا تلفّها أكياس النايلون، وصورًا بالأبيض والأسود لأمهاتٍ ينتظرن عند بابٍ لم يعد موجودًا. يأتون من الخرائب، من الحقول التي أُحرقت فيها السنابل قبل أن تثمر، من المدارس التي صارت سجونًا، ومن السجون التي صارت أوطانًا مؤقتة. يأتون، والريح في وجوههم ليست نسيمًا، بل صفعة التاريخ. الطفل الذي يعبر الحدود، لا يسأل عن اسمه، ولا عن اللغة التي يجب أن يبكي بها. كل ما يريده أن يصل إلى مكانٍ يمكن فيه للدمعة أن تسقط دون أن تُعتقل.
تسألهم الشاشات:
ـ من أنتم؟
فيقولون:
نحن الأحياء الذين لم يعيشوا بعد، نحن الذين نكتب أسماءنا على الورق المقوّى ونعلّقه على صدورنا خشية أن نموت. بلا تعريف. نحن أبناء الأنهار التي اختنقت، وأحفاد المدن التي بكتنا، ثم طردتنا، نحن من يعرف أن الحب لا يحتاج إلى تأشيرة، لكن الخبز. يحتاج.
على القوارب المطاطية، جلس الحالمون مثل الأنبياء في العواصف، يتلون أدعية لم تُكتب بعد، ويؤمنون بأن الأرض، يوماً ما، ستكون أوسع من جواز السفر.
رأيتُ امرأةً تحمل رضيعها بين صدرها والموت، وتغني له كي ينام . والموج ينهش قدميها. رأيتُ رجلًا يبتسم وهو يغرق، لأنه أخيرًا. لم يعد يسمع صوت القذائف.
أيها العالم:
ضع حدودك في جيبك، وامحُ أسماء الدول من خرائطك، واسمع ـ فقط ـ صوت الإنسان حين يقول: أنا جائع. أنا خائف. أنا حي. فمن يعبر نحو الشمال، لا يطلب الجنة، بل يهرب من الجحيم.
***
بقلم: كريم عبد الله - بغداد - العراق