نصوص أدبية
عبد الله الجميل: ظل لمنارة الحدباء

لماذا عندما الحدباءُ تُذكَرْ
وجوهُ القومِ تُصبحُ لا تُفسَّرْ
*
فهذا بالشرابِ يغُصُّ غصّاً
وذلكَ صدرُهُ يغلي كمِجْمَرْ
*
ألَا موتوا بغيظِكُمُ فإنّا
بذكرِ منارةِ الحدباءِ نسكَرْ
*
وما هُدِمَتْ ولكنْ مثلَ عيسى
قد اشتَبَهتْ عليكم في المُصوَّرْ
*
نراها وردةً مالتْ بريحٍ
وشوكاً سوفَ يُبصرُها المُحقَّرْ
*
وما بُنِيَتْ بأحجارٍ ولكنْ
لقد بُنِيَتْ منَ المجدِ المُعمَّرْ
*
لها درَجٌ كما الحَلَزُونِ إمَّا
صَعِدْتَ عليهِ صارَ الكونُ أصغرْ
*
وأعلى من ذُراها وهْيَ تسمو
نداءٌ صادحٌ (أللهُ أكبرْ)
*
وسائحةٍ تقولُ: أرى مناراً
ولا سفُنٌ ولا بحرٌ فيُمْخَرْ
*
فقلتُ: دماءُ أهليها بحارٌ
ولكنْ ليسَ كلُّ الناسِ تُبصِرْ
*
لقد أكلوا النباتَ لفرطِ جوعٍ
وأنتم تقرعونَ كؤوسَ مَيْسِرْ
*
يُكفِّنُ في الصباحِ أخٌ أخاهُ
وعندَ الليلِ قبرُهما سيُحفَرْ
*
حدادُ الكونِ أجمعِهِ عليهم
وعينُ الشمسِ تُغضي ثُمَّ تُمطِرْ
*
قبورُهُمُ شواهدُها زهورٌ
منَ البَيْبُونِ والآسِ المُعطَّرْ
*
ودُورُهُمُ وإنْ هُدِمَتْ عليهم
جنانٌ كلُّ ما فيهنَّ أخضرْ
*
حكاياتٌ سمِعْناها ستبقى
من الأجدادِ للأحفادِ تُذكَرْ
*
سلامٌ أرضَ مَوْصِلِنا سلامٌ
ولا زالتْ كُرومُ الدمعِ تُعصَرْ
*
فدجلةُ كانَ نهراً ذا أُجاجٍ
إلى أنْ مرَّ فيكِ فصارَ سُكَّرْ
*
وقبلَكِ لم يكنْ أبداً ربيعٌ
إلى أن قلتِ: يا غيمي تكسَّرْ
*
ويا أحلى النساءِ تحلُّ شَعْراً
فأقصى الأرضِ بالنَّفَحَاتِ يُغمَرْ
*
سِوارُكِ ليسَ من ذهبٍ مُصفَّىً
ولكنْ من مدارِ الشمسِ يُضفَرْ
*
وليلُكِ يا ضياعَ العُمرِ إمّا
هدرناهُ بنومٍ ليسَ نسهَرْ
*
كأنّكِ في شَمالِ الأرضِ تاجٌ
تُطاولُهُ الصقورُ وما تبعثَرْ
*
أتاها أمسِ نادِرْشاهُ يغزو
وحاصرَها فخابَ وقد تقهقرْ
*
رأى أهلوكِ عندَ السُّورِ صَدْعاً
فصارُوا هم دروعاً ليسَ تُدْحَرْ
*
سلامُ اللهِ يا أرضاً إذا ما
تشاكى أيمنٌ لبَّاهُ أيسرْ
*
ودجلةُ مثلُ ضيفٍ مرَّ فيها
فأعجبَهُ المُقامُ وقد تحسَّرْ
*
وقالَ لنفسِهِ: لو أنَّ ربّي
براني وردةً فيها فأظفَرْ
*
ولكنْ ظلَّ يجري ثُمَّ يجري
وتتبعُهُ الضفافُ وقد تحدَّرْ
***
عبد الله سرمد الجميل شاعر وطبيب من العراق