نصوص أدبية

عبد الله الجميل: مَرَّاكُشٌ نُسغاً بنُسغٍ

هذي المدينةُ ليسَ تُؤتى كالمدنْ،

لا البَرُّ أوصلَني إليها لا السماءُ ولا السُّفُنْ،

لكنَّما إغماضُ عينيَّ التّلفُّظُ والتلذُّذُ باسمِها:

مَرَّاكُشُ المطرُ العتيقْ / مَرَّاكُشُ الشفقُ الغريقْ،

فإذا بها مثَلَتْ أمامي مثلَما امرأةٍ بها اختُصِرَ الزمنْ،

**

هذي المدينةُ لا تُقاسُ بوحدةٍ فوقَ الخريطةِ،

إنّما بقلوبِ أهليها التي اتّسعَتْ وفاضَتْ بالمحبّةِ والجمالْ،

فهنا الشوارعُ بُلّطَتْ بالوردِ لا الأسفلتِ،

والشرفاتُ كالعنقاءِ إذ تلدُ الغيومَ على الجبالْ،

**

لا ضَيرَ أنّي لم أزرْها بعدُ قد قالوا قديما:

إنّما أحلى القصائدِ شاعرٌ أعمى سيكتبُها عن البحرِ،

الذي أغوى المدينةَ عندما قد قالَ: كوني لي سديما،

**

وعصيّةٌ أبوابُها العُليا فكم صدِئَتْ مفاتيحُ الغزاةِ وغادروها خائبينْ،

فالرملُ فيها لم يزل يندى،

النجومُ مُبلَّلاتٌ من تباشيرِ الصباحِ على عيونِ الساهرينْ،

**

هذي المدينةُ قُبلةُ الشمسِ اللعوبِ على شفاهِ الغيمِ،

زنبقةُ المدائنِ والتُّوَيجاتُ التي منها الضياءُ يصيرُ أحمرَ،

عندَ وقتِ العصرِ حيثُ كآبةُ الأشياءِ تلبَسُ دمعةً،

نُسْغاً بنُسْغٍ سوفَ تُولَدُ ثُمَّ تعلو في فضاءِ حديقةٍ سِريّةٍ،

يا أيُّها الملقى على عشبِ الليالي الصامتاتْ،

فلتنتظرْ، مَرَّاكُشٌ تأتي إليكَ من الحقيقةِ من جذورِ الضوءِ تنثُرُ سِحرَها فوقَ الجهاتْ،

**

لمسُ الحجارةِ نبضُنا،

والماءُ يعرِفُ عن حكايا الأرضِ أكثرَ من رمالِ التيهِ،

يا زمناً بهِ الفَخّارُ يصبحُ وردةً كن لي هنا،

**

إنّا وُلِدْنا مرّتينِ،

فمرّةً في أرضِنا،

والثانيةْ،

مَرَّاكُشٌ كانت لنا أُمّاً رَؤُوماً حانيةْ،

**

هذي المدينةُ لا تَشيخُ معَ السنينْ،

جئنا إليها ضائعينْ،

منها خرجْنا عاشقينْ،

***

عبد الله سرمد الجميل شاعر وطبيب من العراق

في نصوص اليوم