نصوص أدبية
مجيدة محمدي: أمنيات بجروح مفتوحة

يا الله،
لستُ قديسةً تلفُّها هالاتُ الضوء،
ولا نبيّةً تنشقُّ لها البحارُ وتتسعُ لها المعجزات،
ولا آدم، الذي وهبَ نبيّك داوودَ أربعينَ عامًا من فجرِ عمره،
أنا فقط ،
امرأةٌ تقصُّ على صغارها قصائدَ من رملٍ وجدرانٍ متداعية،
أمٌّ تشمُّ رمادَ ألعابهم،
تعدُّ الشظايا كما تُعدُّ العصافيرُ في هجرتها الأخيرة.
*
يا الله،
صوتُ الصواريخِ لا يقرأُ أعمارهم،
ولا يفرّق بين دفاترِ الحسابِ والعبواتِ الناسفة،
يركضُ الطفلُ نحو النور
فتأتيهُ من السماءِ نار.
*
أنا أمٌّ يا الله،
تعصرُ الوقتَ في كفّيها،
تحاولُ أن تخبئَ الزمانَ في جيبِ معطفِها المثقوب،
تحلمُ أن تكونَ الزهرةُ في غزة
أكثرَ من فصلٍ واحدٍ للعطر،
أن لا يموتَ الرضيعُ قبل أن يعرفَ اسمه.
*
خذْ من عمري،
خذهُ كما تأخذُ الريحُ الغصونَ اليابسة،
وزدْ لهم،
ازرعْ في قلوبِهم عُمْرًا إضافيًا،
دعْهم يكبرونَ دون أن يقفزَ الدمُ من عيون البراءة،
دعهم يشتهونَ أشياء بسيطة:
قطعة شوكولا،
أرجوحة،
سماء لا تسودها الطائرات.
*
يا الله،
إن لم يكن لي نصيبٌ في القداسة،
ولا خاتمُ النبوّة،
فاجعلْ من أمومتي دعاءً دائمًا،
أنا التي تعلّمتُ كيف تكونُ الأمهاتُ جبهات،
وكيف تُصنعُ المعجزاتُ من دموعِ الأرقِ
وسهرِ القلق.
*
أنا تلك التي تضعُ حليبَها في الزجاجةِ
وتضعُ قلبَها في تابوت.
*
يا الله،
أخبرني،
أما آنَ للظلِّ أن ينجبَ شمسًا؟
أما آنَ للحدادِ أن يخلعَ ثيابه؟
أما آنَ للرصاصةِ أن تعتذرَ للطفل؟
*
خذْ من عمري،
كلّه،
أنا لا أحتاجُه كثيرًا،
ما دام في غزة طفلٌ لا يملكُ ساعةً
ليرى كم من الوقتِ تبقى له
في حضنِ الحياة.
*
دعهم ينامون دون أن يوقظهم الموت،
دعهم يركضون دون أن تعثرَ أقدامُهم بجثثِ أحبّتهم،
دعهم يعرفون أن للغيمِ طعمَ المطر
لا رائحةَ البارود.
*
يا الله،
أنا فقطُ أمّ،
لكن قلبي يضاهي صهيلَ الجبال،
وفي عيوني قنابلُ حبّ
لو انفجرتْ،
لأزهرتْ كل الأرض
*
خذ من عمري،
وزد لهم،
ازرعهم من جديد،
أعدْ ترتيبَ الحكاية،
واكتبْ على الصفحةِ الأولى:
"كان يا ما كان...
في غزة،
كانوا،
وعاشوا،
وكبروا...
ولم يمت أحد."
***
مجيدة محمدي