نصوص أدبية

جاسم الخالدي: بين الجذور

هربتُ من المدينة،

من الطرق الإسفلتية التي تحبس أنفاسي،

ومن الأبراج الزجاجية

التي تعكس وجهي كغريبٍ بلا ملامح.

ذهبتُ إلى حيث تبدأ الحكايات،

إلى الغابة

التي ما زالت تحتفظ بسرّها القديم.

2.

هناك، تحت شجرةٍ عجوز

تأبى أن تموت،

جلستُ أراقب ظلها

وهو يرسم على الأرض خرائطَ بلا وجهة.

الجذور تلتف حول نفسها

كأنها تبحث عن قلب الأرض،

وأنا أبحث عن نفسي

في حضنها الدافئ.

3.

الريح هنا لا تعرف الأكاذيب،

تصفّر بلحنٍ صادق،

تحمل حكاياتٍ من بعيد،

من أماكن لم تلوثها أصوات البشر.

سألتها:

كيف تنسى الطبيعة جراحها؟

فأجابت:

كل جرحٍ يندمل حين يعود إلى أصله.

4.

لم أعد أحتاج إلى الوقت،

فالزمن هنا ينساب

مثل جدولٍ هادئ،

لا يضغط على أكتافي

ولا يسابقني نحو اللاشيء.

كل لحظةٍ تتنفس ببطء،

تملأ روحي بصبر الشجر

وحكمة الحجارة.

5.

حين مددتُ يدي

لألمس جذع الشجرة،

شعرتُ بنبضها.

هل تسمعونها؟

الأرض تتحدث،

لكننا نسينا لغتها.

كل نبضةٍ تقول:

"عد إلى جذورك،

هناك حيث لا يحتاج الحب

إلى كلمات."

6.

عدتُ إلى المدينة،

لكنني لم أعد كما كنت.

حملتُ معي رائحة الغابة،

صوت الريح،

وظل الشجرة العجوز.

في كل زاويةٍ من هذا العالم الصاخب،

أبحث عن قطعةٍ صغيرة

أعيد فيها زراعة قلبي

***

جاسم الخالدي

في نصوص اليوم