نصوص أدبية

باقر صاحب: توافق

قصص قصيرة جدًا

الصالح العام

 دخولي العقد الستيني  دقّ أجراس خطر هجوم أمراض الشيخوخة، فقرّرتُ اتّخاذ إجراءات، قيل لي أنّ الركض اليومي أكثرها فائدة.

منذ اليوم الأول، ركض معي عددٌ من مجانين المدينة. اليوم الثاني الكهول أمثالي، لأسبابي نفسها حتماً. اليوم الثالث اللصوص، لربما سَرقتُ مالاً، اليوم الرابع أفراد الشرطة، للقبض على اللصوص، في اليوم الخامس، ناشطو المدينة.. للاقتصاص من السياسيين الفاسدين. اليوم السادس، السياسيون أمامي، خوفا من ثورة الشعب. اليوم السابع أصبح سكان المدينة خارجها، فعيّنتُ نفسي حاكماً على المدينة، فكان مرسومي الأول إعدام أمراض الشيخوخة، كي لا تهدّد صالحي العام.

 **

توافق

لم يتصوّرْ أنّه في يومٍ ما سيكون في عرض البحر، مع مجموعةٍ من المهاجرين في قاربٍ ليس بالمتانة والحجم اللذين يستطيع بهما مقاومة هياج البحر وغضبه، حسبه محاولة الخلاص من أزمات بلده التي لا تنتهي، كأنّها أهوال هذا البحر.

أيقظه التوقّف من حلمٍ غريب، مدّ عنقه إلى أعلى بأقصى ما يستطيع، وإذا به فطن للتوّ إلى عطل الباص الصغير، الذي يستقله مع مجموعةٍ من العابرين، نتيجة غرق الشارع الرئيس المؤدي إلى مكان عمله بمياه الأمطار.

 **

إعتقاد

كانا يجلسان في مقعدين متجاورين في باصٍ صغيرٍ صباحاً. كتبَ لها في «الماسنجر»: أما آن لنا أن نرقي درجة علاقتنا من صداقةٍ إلى حب؟ كتبتْ: ليس قبل أن نلتقي. أين أنتِ الآن؟ في الطريق إلى عملي. وأنا كذلك، هل من الممكن أن نكون في الباص نفسه؟ كلا. لماذا؟ لم أجدكَ. وأنا كذلك. وترجّل هرباً من الزحام كما يعتقد.

 **

مصحّح

كان يمارس تنقيح الأخطاء اللغوية بمتعةٍ ليس لها حدود، في بروفات الصحيفة التي يعملُ فيها، فبحسبه، هو حارسٌ للغة وأمين بوّابة صحيفته من هفوات كتّابها، فينساب دوره إلى تهذيب عباراتهم وتشذيبها من أخطاء المعنى أيضاً. أحدهم كان حانقاً على المرأة في مقالته، ولا يقرنها إلاّ بممارسة السحر وتدبير المكائد، فلا يذكر حوّاء زوجة نبينا آدم، إلاّ ويكرّر أنّ اسمها مشتقٌّ من الحيّة، في محاولة إلصاق الجوهر الشرّير بها، وتناسي الخيّر. أخذ المصحّح يشطبُ الحية أينما ذُكرت، ويضعُ مكانها..(سمّيت حوّاء لأنّها أمٌ لكلّ حي).

في تلك الليلة اضطجع في سريره يفكّر بما نقّحه صباحاً، أخذته إغفاءة مع التحليق في انتصاره لحواء وبنات جنسها وضرورتهن في جعل الحياة قابلةً للعيش، لكنّ أفعى تسلّلت إلى سريره، وأخذت بخناقه آمرةً إياه: أنشر تنويهاً واعتذاراً في الصفحة الأولى عن عدم نشر اسمي وإلاّ…

 ***

باقر صاحب - أديب وناقد عراقي

 

في نصوص اليوم