نصوص أدبية

نورالدين حنيف: جَالاتْيا لمْ تكُنْ حَجرا

أرسمُ حروفَ القصيدةِ بأصابِعَ كافِرة. لم تُؤمنْ بعدُ أنّ المعنى سماءٌ لا تطالُها الأيادي... لا تصلُ مداها عينٌ تُرابِيّة. يشَرِّقُ الإبْهامُ داخل مقيتِ الإعتام، سبّابتِي تُغرِّبُ خارِجَ دوائرِ الله. خنْصَرُ كفّي يرفضُ توْحيدَ الانزياحِ في خاتمٍ صقلَتْهُ أجْنِحةُ الملائكة... يحبّ صدأ الحديدِ الْبارِدِ، ويقدّمُ بيعتَه الوحيدةَ لشيْطانٍ أخرس.

*

لا مكانَ لي في بياضِ الصفحةِ السماوية. الضبابُ صديقي، والغيمُ العقيمُ مُصاحِبِي في رحلتي البعيدة. جلّ تحبيري كانَ مطايا بغيرِ سُروجٍ على متونِ خيلٍ لا تتقنُ فنّ الركض. وتتقنُ لغةَ الحافِرِ في نسْغِ التّراب. لا سُنْبُكَ واحِداً تألّهَ في محارِيبِ الشعر أو تعبّد صوفيّاً في لغاتِ الضوء...

*

ها رحْلتي لعنتي... زادِي كانَ زقّوماً كريها، ومشربِي غِسْليناً من عذابِ الطّريق. لم أنتبِه لرفقة المسير. كنتُ وحْدي مُتْرعاً بالعزلةِ الصامِتة... لم يكن لي طائرٌ يحطّ على كتِفي ويأتيني بأسرار المتاه. ولا أفقَ يغطّي عمايَ إلّا ما انفلتَ من وهمِ رؤيايَ... وطِلابِي للظلّ كانَ حلماً بعيدَ المنال، حتّى سئمنِي السّفرُ... والسِّفْرُ لم يفتحْ لِي احتمالَ الشجّر.

*

كنتُ أحمِلُ معي تمثالَ "جالاتْيا"... تُحنّطُ التّرابَ في عيْنيْها.  لم تستفِقْ إلا على إزْمِيلٍ ذهبِيِّ النقشِ، يكسّرُ بصيرَتَها المؤقّتَة في جسد حجر... وصِرْتُ المنْحوتَ بكفِّها الساحرة. وكنتُ قبْلَ الرّحلةِ الغابرة ناحِتاً مُفَوّها، أنحتُ فنَّ الضّجَر. تحوّل بصِري إلى صخر، وأنا الحالِمُ قبْلاً بأنْثايَ حيّةً مثل طائِرٍ خُرافِيٍّ، يحملُ في خوافِيهِ بعضَ الشمس، وفي قوادِمِهِ كثيراً من المطر.

*

أحملُ امتدادَ اليومِ على زِنْدي، وغدِي محمولٌ في كفّي إن طَهُرَتْ وغسلتْ درنَ السؤال... مائِي العبقريُّ والصوفيُّ امرأةٌ نزحتْ من زمنِ الأزل... تحملُ في قلبها جرار العسل، تُلْقِمُني جرعاتٍ تحكيني بدءاً وختاما. وتُقرِؤُني فيما تبقّى منّي تحيّةَ عشقٍ لا يعرفُ أوارُهُ برداً وسلاما...

***

قصيدةُ نثرٍ حداثيةِ

نورالدين حنيف أبوشامة\ المغرب

في نصوص اليوم