نصوص أدبية
بسمة الشوالي: يجثو شطر وجهها
- يمّا..
يجثو شطر وجهها المنصرف عنه إلى الأفق الجهم.
تنغرز نتوء الحصى في ركبتيه. يزدرد الألم المتلبّد على عتبة المريء ويجْلد. يخجل من صبرها على شظف الأرض فيما تجلس على مفرش رثّ فلا تكِلّ أو تتذمّر. تتمتم، تنكتم، تشرد، تعبس، تنبسط، تتجهّم، تقوّس خطّ الشّفتين في هيئة البكاء ثمّ تنفلق في ضحكة خرقاء مختصرة.. تتوه عنه حتى يحسب أنها لن تعود إلى وعيها ثانية، وفي لحظة ما خاطفة مفجوعة تنتبه لوجهه المنتحب خاشعا إلى وجهها فترتسم ابتسامة بلهاء نصف جذلى على كمد الشّفتين. يشرق فيها الذّبول حينذاك، والعتُم عن تقاسيمها ينقشع..
يأخذه فرح مرتبك. ليس على يقين أنّها تبتسم له هو بعينه، أنّها إذ تُوليه جانب وجهها فهي تراه فعلا، غير أنّه يحبّها أشدّ حين تبتسم..
كالأمل يضرب بعصاه المقدّسة يمّ الغسق فينشقّ عن درب النّور يعبر عليه الخائفون إلى النّجاة بسمتها، كضمّتها، كحنانها يُغالب الوجع فيغلبه.. هي لا تدوم غير نهزات مِزَق بسمتُها، بيد أنّها تكفي ليتمدّد الفرح في العمر أيّاما طويلة قادمة، تكفي ليجدّد قلبه القانط عهد الصّبر فيما يتسمّر أمامها على مقعد التّرجّي..
تمدّ يدها ناحلة مخضرّة عروقها إلى طرف منديل الرّأس المعقود عند جيدها العاري. تعالج الصّرة المعقودة بشدّة بأصابع مرتعشة ثم تستعين عليها بأسنانها حتى يمدّ يديه يهمّ بمساعدتها ثمّ يستدرك تاركا أصابعه معلّقة على حبل الرجاء الممتدّ بينهما. تفتح العقدة ملء كيانه المتهافت عليها. تسحب منها قطعة نقديّة تدسّها في يده بضغطة حرص وتحذير كما لو كان طفلها ذاك بعْد.. يطبق مالك على القطعة النّقديّة بوجع محتقن وتبتسم هي ثانية موغلة أكثر في الذّهول، ثمّ تعود لتكِنّ إلى هدأة مرعبة..
- يمّا..
يسكن العالم على حرف النّداء اليائس. ينتظر مالك من جديد أن تجيب، أن تحوّل بصرها بوعي منها عن الأفق قليلا لتراه على وجه اليقين. لعلّ حركة أو غرغرة صوت فَقَدَ انسجامه الطبيعيّ مع اتجاه الرّيح في حنجرتها تندّ عنها، أو قد يظلّ الظّهيرة كلّها بانتظار ردّ ما.
خلفيّة المشهد غيم أحقد ممّا يتراصّ تحت سقف القلب يتدانى الحينَ من الأرض. وموسيقاه التّصويريّة رعود تدمدم في أنحاء الفضاء هوجاء ممسوسة. بروق كأذناب الشّياطين تجلد الأمكنة الجرداء والأراضي الجافّة المصفرّة وأطراف الأشجار التي تأخذها نوبة عويل في شعاب الوادي وبواطنه الفقيرة، فيستشعر مالك اللّذع في فروة رأسه، وعلى حدبة ظهره المحنيّ باتجاهها ويستكين ذِلّة. طوق من غبار قتِر كثيف، عكِر، يخاصر السّاحة الشّهباء المفتوحة بذراع قويّة حامية، ويُضيِّق على الرّوح مجراها فيه.
لا مطر في الأفق، هي فقط عادات الخريف النّزق في وادي الزّان. وعيد بجحيم قد يتحقّق قريبا في وابل قصير ومكثّف من برَد خشن يفقأ عيون الكائنات الصغيرة ويُحتْحِت الورق من على غصونه وقد يتلاشى الوعيد في هجرة الرّعود إلى سماء ثانية.. لكنّ العاصفة التي تتبرّج الآن في سماء التوقّع الذّاتية لا تبشّر بانقشاع قبل كارثة ما.
تكسو طبقة الأتربة المترسّبة الأسطح الواطئة وتدرّجات القرميد الذي حال لونه الأرجوانيّ إلى حمرة متفسّخة باهتة، وتتجمّع حولهما خفاف الطبيعة الجافّة: ورق الشّجر، كِسر الأغصان الصغيرة، الأشواك، الثمار اليابسة، قَصْف القشّ، روائح الكائنات الحيّة المختلفة.. عالم من الجثث يحفّ مجلسها الواقع بين جسد حيّ وقلب بارد وما بينهما طفلها الفارع مشعّث الشّعر، هذا الذي يخاف الآن أكثر من أيّ وقت مضى أن يكبر أكثر.. أن يغادر إلى الثانية والعشرين من عمره بلا رجعة..
حيران هو، خائر، قلق، ضاجّ، فائر، ضجر، مُنْخسِفٍ خيبة، مندفع ثورة وفي الآن نفسِه واهن ومخذول.. يفتّته نمل أحمر، فيشعر بجدرانه الدّاخليّة تتآكل ولا يملك أن يتدارك ما ينهار، فيه فيتضوّر من نفسه في نفسه وبعضه يقود انقلابا على بعضه لانتزاع السّيادة على حياته القادمة خارج هذا المكان المُغتصَب المنتهك المرميّ كجسد شقيقه مروان إلى أقصى النّسيان العطين، المعلّق إلى رقاب الجبال كأوّل اللّصوص الخيّرين تأكل الغربان الوضيعة من كبده ثمّ يتجدّد ليُنهش كلّ يوم جديد1[1] نهشا جديدا، وفي البلاد، في كلّ شبر من البلاد تنتشر أعين السيّد الذي أوثقه، مستميتة في حراسة موته الذي يتمّ صرفه بتقسيط مريع..
تتهيّج النّدبة المسجّاة طوليّا على كامل فخذه الأيمن. يشعر بجنبه يندى وسائل لزج يسحّ نحو ركبته.. يشكّه الوجع حادّا كما لو بعضه يُقَدّ منه قديدا وعينه تشاهد تقطيع بيتها ولا تملك أن تنفر أو تستغيث.. يتحسّس جانب بنطاله الجينز. ينظر مليّا في كفّه. لا بلل ولكن برودة تتفصّد ألما مُزْرَقّا طريّا متورّما عند الجرح القديم، متشعّبا كما اللّبلاب مدى فخذه الأيمن، وصرخة هي الصرخة نفسها ما انفكّت، منذ سنة، تدوّم بين جنبيْه ذليلة متفجّعة مسترحمة صغيرة منتفخة..
النّجدة.. !!
حرارة فوّارة تندفق لاهبة من أخمص قدميه نحو رأسه، وكغطاء قارورةِ مادّة غازيّة مضغوطة انفتحت فجأة، انتفض ماجد عن الجثوّ مستقيما في حركة فجئيّة سريعة تحت تأثير ضغط داخليّ مرتفع جعل مساحته الباطنة تنكمش ورأسه تحت وطأة كبسة قاسية، يكاد ينفجر..
لم تندَّ عن أمّه التفاتة لنهوضه كأنْ لم يكن يُقْعي كجرو أمامها. يمشي أمتارا قليلة في التيه والغضب، يركل أكوام جثث الطبيعة المتكدّسة حولهما فتنتفش الأوراق والأتربة والحصى والصّبر.. ثم يعود يجثو قبالتها. ينظفّ بكفّ منفعلة مشوّشة محيط قعودها من الأوساخ وينضو ما علق برأسها وحجرها من فتات القش ونثر الأوساخ، يمسح بطرف قميصه وجهها المبلّل بدمع لزج مختلط بغبار..
سامحيني يمّا.. سامحيني.. لم أكن أعرف أنّ ذلك سيحدث.. يمّا..
وحده دمعها المنتظم. يكفكفه فينبجس غزيرا من رمشها المتورّم، ويحْرُش مؤلما تحت جفنه هو.
تتذكّر أذن "الشّكوة" التي تحتلّ قبضتها فتعود ترجّها ذهابا دفْقا وجيئة متدرّجة..
دُمْ تِكْتِكْتِكْتِكْتِكْ دُمْ..
عَدّيتْ عَ اللَّمْرارْ دايِرْ سايِرْ/ حَطّيتْ عَ الْقَرْعونْ[2] ذِبْلِتْ شِفّه/ حَطّيتْ ع النّوّارْ تْلوِّنْ حَلْفا/ وزْهاتْ لي الشُّوكاتْ فَرْشْ حْرايِرْ..
دُمْ..
يعتو الفقد المُغنّى على جسمها المهزول حتى لا يبقى منه سوى حبل صوتيّ نتَشه الشّجن وتفرّق رجْعا على الأصقاع..
تِكْتِكْتِكْتِكْتِكْ..
-2-
أمّه !؟
لم تعد جسدا.
منذ سنة وهي تترمّد بتؤدة صارمة دؤوب. تتجمّد سحنتها الشّاحبة، تبيضّ أكُفُّها، يسكن وجودها. يجلس مالك عند رأسها يذرف الحسرة، يتأتئ ولا ينشئ معنى. يرمرم. ينشج. يلعن.. فجأة تستدرك العافيةَ تامّة اليقظة. تُجيل حدقتين مفجوعتين في شقوق السّقف.. يَمِض شحوبها القتِر، وترجف شفتها تروم بسمة لا تتيسّر. يلوك اللّسان الفراغ الثقيل مرارا قبل أن يلفظ الجملة ذاتها..
مروان جا.. !؟
قبل إجابة لا يمتلكها تنتفض في عسر وثقل. تطقطق كلّ أعظمها لكلّ حركة. يهمّ مالك من شفقة أن يحملها بين ذراعيه فتنهره..
- لم أشخ بعد يا ولد.. أمّك ما تزال شابّة..
- لكنّكِ اليوم طفلة كلمى وضعيفة يا أمّي، وقد صار بوسعي أن أكون لك أبا، فتعالي إلى حضني أطعمك بيديّ، أسقيك من كفّيّ، أقيس ضغطك والسّكّري، وأعدّ طعامك مالحا أو بلا طعم ويعجبك دوما، عودي إليّ ثانية يمّا وسأغسل أدباشك، وقدميك، وأحمِّمُك، وأقلّم أظافرك، وأسرّح شعرك الجميل هذا، وأكفّر في حجرك عن كلّ أخطائي السّابقة..
تعالي إليّ ولن أبتعد عنك ثانية، سأكون أقرب إليك ممّا كان مروان سابقا، وإذا جاء موعد نومك أقصّ عليك خرافة " يا بو غْريبه يا صاحْبي"، هل تذكرينها أمّي؟
كان يا ما كان، كهل خمسينيّ متين الجسد والبنية يعيش مع عجوز في عِتِيّ المشيب وذِلّة الجسد، وقد تضاءل من فرط النّشَف حتى صار جِذْمة رجل يتكوّم مُقعدا في قفّة من ريش النّعام متهدّل الرّأس، معقوف الكتفين، واهن الكلام، وكان الكهل قد استضاف عابر سبيل. وطيلة أيام إقامته، كان الضّيف يلاحظ ما يبلبل فكره ويكتم احتراما لمضيّفه. فقد كان الكهل يقضي كامل اليوم في العمل، فإذا عاد مساء يهشّ في وجهه العجوزُ متأدّبا:
- أعانك الله يا أبي وبارك رزقك.
فيردّ الكهل:
- سلمت يا بنيّ. كيف حالك اليوم؟
- بخير يا والدي، قرّت عينك وطال عمرك.
أخذ العجب من الضّيف كلّ مأخذ وهو يسمع ما لا أذن تصدّق ويرى ما لا عين قد ترى، والشكّ كثوْب ضيّق ما انفكّ يضايقه باللّيل والنّهار حتى أعجزه عن الصّمت أكثر، فرفع عن نفسه الحرج وسأل عن سرّ الوالد كهلا قويّ البنية والولد الذي يقعد عجوزا منتهيا في قفّة من ريش..
حينذاك، أخذ العجوز يقصّ عليه القصص التي مرّ بها في حياته فشيّبت رأسه وأقعدته على حاله ذاك، فلمّا أنهى زفر الضّيف من هول ما سمع ولم يجد غير أن يقول:
- يا بُو غْريبه يا صاحْبي.. !
ذلك أنا يمّا " بُو غْريبه " هذا الزّمان ولا صاحب لي، إن لم تأخذيني إليك تُشيّبني القصص التي تُحاك لي الآن في الظّلام..[3]
يمّا..
بيد أنّه يستر شفقته عليها حين تلقي عليه كلّ علبتها العظميّة خاوية ناتئة التفاصيل حتى جذع الكرمة.
مقتل مروان الفظيع كان الكارثة التي أحرقت شحما كان طباقا تحت جلدها. اِبتلعت الغصّة كلّ الفرح الضاجّ في ضحكة إذا قُدّر لها اليوم أن تخرج من مأزق الحلق المجرّح، كانت خرقاء تخلط الفرح والتّرح في جفنة المحجر الواحد. جفّ عشب عينيها، حواشيه غدت حمرة قاتمة. شعرها تقصّف وتساقط، أسنانها صدئت، وجهها اختفى تحت عظامه المبرّزة، جلدها اكفهرّ حتى اسودّ..
كانت تحترق باستمرار، وتنتظر عودة مروان باستمرار..
آلت في خِفّة جناح لا طائر له يطوّف به حيث أيْك تأوي إليه روح فقيدها، في ثقل قلب يعيى بالأمل المتوقّد نبضُه، جسما يلازم صاحبتَه اضطرارا، ولا ينتمي إليها إلاّ بسلطة عمر يأبى أن يقضي وبه أمنية ديْنا بذمّة الحياة، ولا يعني لها إلاّ أن يكون محض علامة دالّة يهتدي بها الغائب إليها حين يعِنّ له أن يعود، تحشره إلى أخلاق فستان لا تغيّره إلاّ مُكرهة، ثمّ تجرجره على ساق مُرمّلة وأخرى تهرّأت أربطة مفاصلها لتلقي به كيفما اتّفق تحت الشّجرة معبد انتظارها اليوميّ، تعتكف إليه من الصّيف حتى الصيّف الموالي، ومن مطلع النّهار إلى مصرعه على سفوح الجبال الشُّمّ القاسية.. يزورّ عنها الظّل ناحية الزّوال ويخلّي بينها وبين الشّمس الرّمضاء تصبّ عليها الوهيج صبّا، وإذ يأتي المطر يرجم كيانها الفارغ كما صحراء هجرتها نخلتها الأخيرة بَرْدا وبرَدا وماء كسيور جلديّة تلذعُها ولا تبالي.. يجور العالم الخارجيّ عليها أو يحنو سيّان. لا تنفعل، لا تتفاعل، لا تجيب إن سئلت، لا تسأل إلاّ إن كان مروان قد عاد، ولا تنتظر أحدا ليردّ.
هي ليست يعقوب تبيضّ عيناه من فقد ضناه ثمّ ينصفه ربّه فيردّ عليه البصر والكبد. هي فقط نبيّة الصّبر الأخيرة تنشر وهم الرّجوع بين الثّكالى بوحي من قلب شفيق، ورجاء يتّصل بالسّماء حينا وكثيرا ما ينفصم.. لكنّها، لحظة لا تخلف موعدا للانتظار، مؤمنة دوما، مرتّبة فينة، شعثاء طويلا كغرفة متوجّسة ترتقب حبيبا تعرف أنّه لا يأتي لكنّها تترك باب الرّجوع مواربا وعينها على الجلبة خارجا..
-3-
- يمّا سقط اللّيل لندخل.. يمّا.. ستمطر يمّا..
يكرّر الرّجاء الخائب. يرجّ رفيقا كتفها. تخضّ عنيفا شكوتها. يُنْشِب الحصى ذؤاباتِه أشدّ في ركبتيْه. يخذله الصّبر. يسأم. ينفُخ أوداجه على أهبة التّأفّف ولا يلبث يتعفّف. يلتقط حقيبة الظهر ويقف. يذهب عنها قليلا، يستدرك. تسدّ هامته أفق انتظارها. تُميل رأسها جانبا لتظلّ على صلة بالأفق. يذرع متوتّرا بضعة أمتار يجرّ ساقه اليمنى كأنّما وزر يُثقلها. ثمّ يعود يجثو على طرف جلد الخروف الرّثيث الذي تفترش مطأطئ الكتفين، منهمر الرّأس، مشتبك الأصابع المتشنّجة، والغيظ يؤرحج شطر جذعه الأعلى بابا تخلّعت على عتبة الرّيح مصاريعه..
- مروان آ كبدي أنت هنا..؟
تشرع إليه ذراعا ناشفة تهدّل لحافها الجلديّ. يتهاوى إليها. تمسّح على تقاسيمه الدقيقة..
- وجهك شاحب ولدي، بك سوء..؟
يشخر متجرّعا ضِرامه. تجرّده موسى الحزن في حضورها الذّبلان من لحم البأس في عضلاته المشدودة.. ينشدّ الجلدُ الحافّ بندبته من جديد يوشك يُشَقّ، وتثور مواجعه الكامنة كما لو غُرَز الجرح القديم على أهبة أن تنفلق ثانية..
ينحسر فيه المدّ العُنفيّ الذي كان قبل رعشة موّالها الأولى يهدر بين أضلعه.. يهِن.
تتآكل في كيانه غضاريف تمفصلاته، يتفكّك.
تفرغ أدراجه الباطنة من كلّ احتياطيّ القوّة والجَلد، يتجوّف..
تصدى حناياه بأصوات غائرة فلاةً تعمرها أرواح الظِّماء المهلكين وقتلى السّراب.. يهزم الدّويّ داخل صندوقه العظميّ، يعلو.. يعتو.. يرتجّ.. يؤزّه القرّ في مساء خريفيّ حارّ أجرد مسفوع النّاصية..
يااا الله.. !
تستجير دواخله.
يُريعُه النّظر الارتداديّ إلى بيت أناه الشّخصيّ الصّدع.. سقف الحياة العشرينيّ يوشك يندكّ عليه ولا يعرف أيّ "مالك" سيخرج من تحت الرِّدم.. يتقفقف من صرَد ينهمر من حُمَّى انفعالاته المتقرّحة.. يدرك أنّه يفقد آخر صلاته بكونه الخاصّ المعرّف باسم وجذع فارع وحسن لافت ونزق عشقيّ يوقد الغرام في قلوب الحسان الصّغيرات ولا ينام إلاّ في حضن امرأة أجنبيّة في مقتبل الأربعين.. يمقت الآن "ألين" وكلّ فراشات الغرام التي تفزع إلى ضحكتها الوضّاء ليلةَ تراود نجما غُفلا على نفسه.. يودّ فقط لو يصرخ في أمّه محتجّا أنا لست مروان، أمّي اُنظري إليّ.. أنا لست هو.. لكنّه لم يعد على يقين أنّه مالك الذي تعرف. يعذرها. يغلبه حسّه الأبويّ نحوها فيرقّ لها ويشفق عليها من حزنها الاسترجاعيّ يقف بها بُعيْد عمليّة الفصل بين ولديْها التّوأم السّياميّ..
كان مروان يلتصق به عند مستوى الفخذ إلى سنّ السّادسة، وكان أقصر قامة منه وأكثر نحولا، فيلفّ ذراعه حول كتفه ويسنده إليه كما يسند أحدهم نفسه النّاتئة على جانب منه. حتى بعد أن فُصلا بعمليّة جراحيّة بفرنسا تكفّلت بها جمعيّة "ألينا الخيريّة" استمرّت أمّه توصيه به مشفقة عليه حدّ إثارة غيرته..
" أخوك يا مالك.. اِعتن به.. إنّه نحيل وضعيف البنية، لقد استحوذتَ على أكثر من نصيبك في الغذاء وأنتما في بطني، فلا تترك أحدا يضيمه أو يطغى عليه ما دمتما معا.. ظلاّ دوما معا.. لا تنس أخاك يا مالك.. "
لم ينسه. صار مروان أكثر حضورا منذ غيابه.. يكره هو أيضا مثل أبيه، أن يعترف أنّه قُتل بشراسة بشريّة باردة..
لم ينسه.. فقد توازنه من بعده، يسير ناقصا جنبا، منحرفا نحو اليسار.. يشرب غيظه حارقا يجرّح مجراه من صدره ويجيبها:
- لا أمّي، أنا بخير. متعب قليلا لا غير. قربك البُرء والسّكينة.
يرخي إليها جناح الذّلّ ويقترب. تلامس ركبتاه قصبتيْ ساقيها المتقاطعتين في جلسة المتربّعة. يغرورق في صدره الشّوق إلى حضنها الذي ينأى عنه مرمى حضوره المهزوم حزنا وحنينا وحاجة وضعفا وغيظا يسودّ في بطن القلب المحموم.. يغالب رأسَه المتهاوي إليها ويردّه قسرا عن السّقوط. مسامّ فروته تهفو جمّا إلى أناملها تدغدغ الطّفل فيه لا يكبر، وصوتها يرتّل " نَنِّي نَنِّي جاكِ النُّومْ أُمِّكْ قمْرَة وْبُوكْ نْجومْ.." تنفلق في فمه الغدد اللّعابيّة وذاكرته تتلمّظ طعم الحليب الأوّل، تتحسّس رائحة العرق في جسمها الدّافئ مرَّ الفصول. يدسّ وجهه ما بين نهديها فتنهره.. اِستحِ يا ولد.. لقد كبرت..
فيحرّك رأسه سريعا منفعلا منكرا لعنة العمر، ويعود يمرّغ الوجه في صدرها..
يصطدم أنفه بعظم القصّ ناتئا تكاد حروفه تمزّق الجلد. يلهج في غمغمة كالدّعاء..
ذريني على زندك أمّي صغيرا لا يكتهل، لا تُسلميني إلى الكبر. أرجوك.. ضمّيني لألتئم، إنّي أتشقّق، أنشطر، أتبعثر.. اجمعي بعضي إلى بعضي بين ذراعيك، لا تفرّطي فيّ أمّي، لا تدعيني إليّ.. أناي تخرج عن أناي لكنّها لا تعرف أين تذهب، فيمن تحُلّ..؟ روحي تُقيم فيّ مكرهة، ضلّت سكينتها فيّ، وضلّ جسدي هويّة طينه فيها..
أنا لم أعد مالك أمّاه، ولم أستطع أكون لأجلك مروان.. خذيني إليك لأراني في غير هيأته، لأستعيدني من على حافّة الجرح الذي قسمني نصفين متنافرين واحدا مستقلاّ لا اثنين ملتبسين.. قد صرتُ وحيدا جدّا، ناقصا كثيرا، فاقدا نصف كياني فاعرفيني ثانية لأكتمل..
بردان حدّ الجليد يمّا، غطّي جنبي العاري. أنا الآن أعنف من جوف الأرض المضطرم أمّاه، فلطّفي غلظتي وهدهدي نزقي ورطّبي قيظ روحي بفيض حنانك.. أنت لي بكلّك اليوم فلمَ تنأيْن عنّي وتُمعنين في الجُفوّ..؟ لمَ أمّي..؟ بُعدك عنّي يحرّضني عليّ، يشحذ نار الشرّ بين جنبيّ.. الرّجل فيّ يشرس، يتوحّش، يزيّن لي القتل بفتك وضراوة ونشوة كافرة فأنقذيني منه يَمّا.. هو ذا يساومني فيك، يخيّرني: أظّل قربك طفلا لا يشبّ أو أدخل تجربة رجولة تنفيني عنك إلى الأبد.. خذيني إليك ودعيني أسكن في المجرى الحليبيّ العتيق رضيعا فِصاله في النّزع الأخير من العمر..
يمّا..
عودي إلينا أمّي.. ردّي على أبي طريقه التي تاه عنها. رأيته اليوم يدفن ذراعه الميتة ولا يُقيم لها حدادا يليق بها. لقد قضى كامل السّنة يحملها إلى صدره كما لو كان يحمل مروان صغيرا ثم فجأة يقرّر بترها ودفنها.. لم يفعل ذلك إلاّ لغاية في نفسه، وأخشى أنّه يُقدم على انتقام لن يكون قادرا على تحمّل تبعاته عليه بعدئذ..
عودي إلينا يمّا..
-4-
حُبَّهْ دَمْعَه/ عَ طولْ خدِّ الوردْ/ تنزِلْ وشْمَه/ تَطْلَعْ بِحوضِ القلبْ/ شجرِةْ دِفْلى/ ريقاتْها/ كاسات ليل العِدْوى/ وشِفّاتْها في الشوقْ/ نِجْمِةْ حايرِ/ يا قلبي يا محزونْ حُبَّه جْرايِرْ..
من عمق رطِبِ زنِخ لم يفتح نوافذه للشّمس منذ سنة، تتصاعد كلمات فقيدها مروان موّالا لأغنية جريحة. كان يؤلّف لها الأغاني فتلحّنها، وتغنّيها له، ويتبادلان الأسرار والسّرّاء والضرّاء وما بينهما من أحلام ورديّة وغير ورديّة، يتغامزان في حضرة مالك فتنخسه الغيرة حتى يهجر مجلسهما، فيجد والده فسحة ليفصح بدوره عن غيرته المكتومة بأن يقرّعهما وينهاهما ولا جدوى.. ثمّ فجأة رحل مروان..
هل كان يعلم أنّه ينظم نعيه لنفسه بنفسه ويهدي أمّه نواحها الخاصّ.. !؟
يسْحَلُه الألم الحادّ في صوتها، يرْمَحُه بشوكة سميكة تنغرز في لحم القلب الموجوع.. ينتفض عن حجرها يتفصّد نقمة، متهدّما، مرتعشا، محتقنا.. يدمدم رعد في العُلا. تنداح السّماء في فضاء الذّاكرة يكاد بطنها المثقل سوادا ينبقر على رأسه حجرا وأسياخ ماء متْرب تفتّت الغصص المتلّبدة في مجرى الكلام..
"الآن يا مالك.. الآن..، يُلِمّ به صوت باطنّي مبحوح، الآن..
جنح أبوك إلى التّيه هربا من الحقيقة، وعثرت أمّك على طريقتها السّحريّة في التّعايش مع الكارثة، وضللت أنت طريق النّسيان..
الآن..
إن لم تستطع أن تُجَنّ، فلتقتل.. ستعثر إذّاك على الممرّ السّريّ لعمرك الباقي..، يُسِرّ له المنجل المشحوذ داخل حقيبته..
شرُّك هذا مدهش مشرق متألّق.. ويدك مُتَمَترِسة على مقبض الانتقام، وعدوّك فرح ببراءته، موقن بغلبته وفداحة ضعفك.. هذا موسم حصادك الأخير يا مالك فاغمر السنّابل النّخرة، وأهْوِ على السّوق السّامّة، وذرِّ إبر الحسك في العيون المتوحّشة.."
تصطكّ أسنان الخريف على مدخل الشّتاء الضيّق.. تتنادى الرّعود، تنهال أذناب الشياطين على وجه السّماء. يستفحل النّحيب عند أقدام الجبال وفي زوايا الفراغ المتفرّقة. تصاب الرّيح بجِنّة تهْوَج تعوي تنوح تسِفّ ما على وجه السَّفل سفّا.. تدعو اللّحظة الآنيّةُ المجنونة مثيلتها المنقضيةَ منذ سنة، وذات مساء خريفيّ بمزاج شتويّ ثقيل كهذا المساء..
تغدو السّاحة الأماميّة للذاكرة الملتاعة شاشة جداريّة كبيرة تعرض في وضح اللّحظة المستفزّة كلّ الذي كان.. يرتفع عنه سقف التناسي الذي كان يحميه من قسوة التذكّر، فينكشف عري الواقع عن كيس بلاستيكيّ أسود متروك للضّلالة تحت جذمة شجرة مُسوّسة في جانب مظلم من الغابة بعيدا عن هذا الربّع الجافي بُعْد الصّبر عن الثكلى..
يشعر مالك بثقل يسحب ذراعه للأسفل كأنّما الكيس نفسه ما يزال بيده يتدّلى ويقطر.. لا يعرف حتى اللّحظة كيف اهتدى إلى مكان أخيه قبل الجميع.. من دلّه عليه؟ هل كان طرف ثالث يعرف تفاصيل الجريمة..؟ من قد يكون؟
لا يفصح أرشيف الذاكرة المشوّشة عن تفاصيل أخرى، تُركت الأحداث ملقاة على الأرض تُرى ولا تُرى.. وحده أثر الصّدمة على أمّه ما كان يُرى بوضوح كريه..
- ماذا في الكيس يا مالك..؟
- رأس مروان وبعض مقاطع لحميّة من جسده أمّاه..؟
- لماذا هو هناك؟
- "المحشْ" قام بسرقته..
- المحش سرق ولدي..؟ هذا المجرم "مْتاعِ الحاكمْ" يا ولدي لا قدرة لنا عليه. لكنّ الحاكم غنيّ، ومروان فقير لا يملك ما يُسرق.. !
- له جمالٌ ثروة لا تُجمع باليمين ولا بالشِّمال أمّاه.. المحشْ كان دائما مْحَشِّشْ عليه..[4]
- وخطيبته نورة؟ ألم تأت بعد؟
- هي أيضا لن تأتي يا أمّي. اِنقلبت السّيّارة التي كانت تُقلّ عائلتها حتى هنا. تحدّث النّاس عن تعرّضهم إلى حادث خطير، ولا أعرف إن كانوا أحياء بعد أم لا.. يبدو أنّ مروان وخطيبته قد غيّرا مكان اللّقاء يمّا.. لن يبيت أيّ منهما عندك اللّيلة، سينزلان ربّما في دار أخرى..
- دار أخرى..؟
تطوّح برأسها مستنكرة. كان باديا أنّها تغادر الواقع من سمّ الخياط بعسر وإصرار.. تصوّب اعوجاج المعنى بما يلائم الواقعيّة البسيطة التي كان يجب أن تنتهجها الأحداث: يعود مروان من عمله بمدينة طبرقة بُعيْد الغروب كعادته. وتنزل عندها خطيبته الفلسطينيّة نور رفقة والديها ضيوفا لبضعة أيّام.. لا غير..
- اُنظر خارجا يا مالك. ألم يصل مروان؟ أنا لم أعدّ العشاء لخطيبته. طلبت نورة أن أطبخ لها.. ماذا قالت تحبّ أن تأكل؟ لكن.. لماذا تأخّر هو..؟ لماذا لم تأت هي؟ غيّرت رأيها..؟ ناري على كِبْدي، سيحزن أخوك كثيرا يا مالك..
الكيس الذي هناك ماذا قلت يحوي يا مالك..؟
"في الكيس مروان يا أمّي.." غمر الدّمع الكلام فغرق في الغرغرة المالحة ولم يصلها منه غير حركة خرقاء لشفاه مرتعشة..
من أثْلام النّدم ينبثق مجدّدا صوت أخيه الذي لا شكّ كان يستصرخه في عواء جريح حَرِشٍ يئزّ في سمع المخيّلة أزيز صفيح معدنيّ على سطح حصيب.. تحتدّ الصّرخة الثّاوية فيه، تكبر، تكبر، يرتاع، يرتجّ..
النّجدة..
يسمعه الآن جليّا.. لكنّ أوان الغوث انقضى يا مالك.. خذلت أخاك، خذلت نفسك..
على الشّاشة الجداريّة المنتصبة على مدخل السّاحة الأمامية للذّاكرة يتغيّر مجرى الأحداث، وتركّز كاميرا الخيال بؤرة الضّوء على لحظة التوتّر القصوى:
ينتحل مالك جسد شقيقه ويرى "المحشْ" في ذروة الهلوسة ينقضّ على ظهره.. يقاومه الفتى النّحيل وينهزم.. منذ طفولته وهو المهزوم في كلّ معاركه، يلوذ بأخيه قويّ البنية، مالك أنجدني.. فيندفع يردّ عنه أذى خصومه، فلمَ المساءَ يتخلّف عن نجدته ليُعدّ حطب المدفأة لـ "ألين"..؟
ألين.. !
كانت عاتية الفتنة ذاك المساء، مستبدّة على نحو لم يألف من قبل.. نساء جمعا في واحدة كلّما فرّ منها أُسِر إليها.. أمّا عاتية الحنان تستبدّ بالطفل المدلّل فيه، عاشقة درِبة تراوغ مراهقته الغريرة، غانية تأخذ بيد الطالب الجديد إلى أجمل دروسه.. يخافها، يخاف سقوطه في اختباراتها فيهُمّ يفرّ متعلّلا بأوهى الأسباب فتحاصره بوجهها البلسم يروّض جزعه فينسى العالم، ويتمكّن المجرم من أخيه يهزّه، ينفضه، يرجّه رجّ أمّه لشكوتها.. دُمْ تكْتكْتكْتكْتكْ دُمْ.. حمارا كلِبا والفتى حتّى الكبِد يتمزّق.. يضحك نهيقَ أهبل يُرزم في الرّكن الغابيّ المهجور كأقْطُع حجر تتنزّل دمدمة من علٍ متدرّج والجنون يرْغو على مفرق شفتيه المسودّتين.. ينهار مروان خرقة لحم ضريجة.. ينجرف مالك غُثاءة وجع شريدة تتنقّع في دمع آسن، تلتفّ في خجل مسنون. يرزح كاهل الوعي تحت خزي متكثّف.. يسحّ عرقه، يشتدّ نشيجه الباطنيّ، ويزبد مخيض غيظه..
أين أخوك يا مالك..؟
تشمّر الأمّ الذّاهلة ثوب السّؤال من جديد وتعبر مجرى الحكاية الموحلة..
ذهب مروان ولن يعود يا أمّي..
اِرتفعت غشية الخدر عن "المحشْ" فآل غرابا يُواري سوأته مقطّعا فريسته أثمانَ، ملقيا بها مُجزّأة في كيس بلاستيكيّ وليمة الضّواري الشّريدة.. ثمّ يغادر التّوقيف التحفّظيّ بريئا ممّا ارتكب..
نُسبت الجريمة المعلومة إلى فاعل مجهول..
الحاكم لا يخذل مريديه الخُلّص يمّا، لا يفقأ أعينه في الأرض.. أنا أفقؤها..
يترنّح مالك فارغ الفؤاد، ممتلئا غيظا، مستنفر العضل، رجِف العظم، يتمالك أناه المتهاوية ثمّ على حرف الهُوِيّ يستوي على دُوار. يجسّ المقبض الخشبيّ للمنجل في حقيبته، وأعضاءُ "المحشْ" شلوا إلى شلوٍ مكوّمة بركن مُضاء من خياله.. يعرف جيّدا ما عليه أن يفعل.. يمض شرّ صاف مشرق بعينيه. القرار رسيخ في قرارته والخطّة محكمة. يقبّل جبين أمّه. يعرف أنّها لا تعرفه فلن تفتقده. تسمِّر كلّ قلبها على رأس الدّرب في انتظار مروان ولن تنتبه إليه حتى لو ترمّم مرمى قعودها هذا كجذع منقعر تأكله دابّة الأرض. يمضي عنها خطوة كَميل.. ينعطف ملتفتا إلى الخلف الحميميّ ويلقي في نظرة لامّة مروّعة بالفقد مشبعة برطوبة الاحتباس الحراريّ للحنين المضغوط ينمل في كفوفه، ويتطاير غبارا رصاصيّا سامّا في أفقه الدّاخليّ..
كلّ تفاصيل الأمكنة بأحجارها وعيونها المتدفّقة وترابها وحصاها وأشجارها وخنازيرها وعجَفِها وثراها الشّحيح وجوعها المستحكم في الفصول.. كل سقطاته من أعالي الأشجار التي تسلّق، وجراحاته وضحكاته ونزف ركبه وصدى خصامه مع أخيه وكدمات عراكه مع الصبيان لأجل احتكار بيع ثمار "اللّنْج"على قارعة الطريق.. جميع دقائق العمر وخطوط انحرافه الصّغرى تتكوّم الآن في ساحة المنزل المفتوحة على رياح الشّهيلي ونواح الشّتاءات البكّاء.. قد لا يبقى له لو غادر الآن إلاّ العوْد الخبيث إلى هنا.. وقد لا يعود البتّة.. لكنّ هذا المكان المتعدّد في فقره المكتظّ في فراغه هو ما سيحدّد جغرافيا العمر القادم ويرسم حدوده على خارطة الغد..
رجرجة المخيض في جوف جلد الماعز المجفّف بين يدي أمّه ستكون الموسيقى التّصويريّة لكلّ أفلامه المحترقة سلفا..
رجْعَ الثّغاء الوجيع لسلالة الماعز التي أُنزِلت من أعالي الجبال إلى حوافّ المُدَى المسنونة..
يحرف نظره في عنف شطر الأمام الغائم خلف حجاب من غبار قظّ ملوّث. يمضي عن أمّه الذّاهلة خطوتين.. ثلاثا كدرب لا تنتهي.. يتوقّف على شواظ الحزن في صوتها المتكسّر..
- مالك، أين تذهب يا ولدي..؟ حلّ المساء. هيّا ندخل..
***
بسمة الشوالي
.................
* فصل من رواية
[1] - سرق بروميثيوس النّار وأهداها إلى البشر فغضب منه كبير الآلهة زيوزس و" عاقبه بأنّ شدّ وثاقه إلى صخرة ثمّ أرسل نسرا كي ينتزع كبده"- الخيال: من الكهف إلى الواقع الافتراضيّ- د شاكر عبد الحميد. عالم المعرفة عدد 360/ فبراير 2009. ص35.
[2] - القرعون ( تقرأ القاف جيما قاهريّة) بالعاميّة التونسيّة هي زهرة شقائق النّعمان.
[3]- مقدّمة خرافة طويلة متشعّبة الفصول من الموروث الشعبي التونسي تحمل عنوان" يا بو غريبة يا صاحبي".
[4] - المحشّ آلة تشبه المنجل تستعمل عادة في جزّ الحشيش وفي حصاد الحبوب. و"محشِّشْ" من الحشيش أي المخدّرات في العامية التونسية وتفيد هنا معنى الإدمان على الشّيء والرّغبة الملحّة فيه حدّ فقدان السّيطرة على النّفس.