نصوص أدبية
محمد الدرقاوي: أنثى اسمها عنبر
تخطو عنبر أمام الحاج عبد الغني فيتابعها بتأمل، أناقة ونظافة واهتمام بنفسها،قلب بها خافق، وعينان تحاولان اختراق ما تحت اللباس من غوالي، كل حركة منها تحرك فيه وترا من إحساس، ثم لا يلبث أن يحول عنها البصر إذا ما رأى طيف زوجته مقبلا وهي تتمايل يمنة ويسرة وقد فاضت مؤخرتها وغلبها ثقل الوزن وركبتاها تستغيثان من ألم ..
عنبر خادمة أفريقية سمراء،عمرها يتجاوز العشرين بقليل، ليست غريبة عن الحاج عبد الغني فقد كانت تقيم مع أمها الياقوت خادمة في بيت الحاج المعطي صهره، ثم انتقلت الى بيت الحاج عبد الغني بعد زواجه بللا غيثة .. منذ أن شبت وعنبر تحرك رأس الحاج عبد الغني بالتفات، جاذبية قد، وتناسق ذات،عينان نفاذتان فيهما حور مثير، ولسان يتفوه شهدا، كما أنها بارعة في كل ما تعده من أطعمة وحلويات فاقت بها للا غيثة زوجة الحاج..
تعلق الحاج عبد الغني بعنبر الى درجة الوله، لكنه وجد نفسه محاصرا بسنه وزوجته وابنائه؛ عنبر نفسها تدرك تعلقه بها فصارت تبادله البسمات حيية،حذرة من سيدتها وقد تنبهه بإشارة يد أو غمزة عين متى حاول ان يبدي إعجابه بكلمة غزل قد تنتبه لها الحاجة غيرة على الحاج بحكم سنها مقارنة به ..
تفكيرطويل مستبد عالج فيه الحاج بخياله ومنطق خبرته كل الحروب التي قد تفجرها زوجته ويؤيدها أبناؤه تحيزا لأمهم، لكنه صمم على تلبية صرخات قلبه وفوران الرغبة في جسده بما لا يظلم أحدا ..
أن يجالس زوجته ويخبرها بالحقيقة ويتوسلها إذنا بزواج فهذا ما قد يعقد الامر أكثر، وربما يتحول حب زوجته لعنبر كراهية وفقدان ثقة وقد تقوم بطرد بنت قضت عمرها بينهم ولا تعرف من حياتها غيرهم ..
انتهزالحاج غياب زوجته لزيارة أخيها المريض وجلس الى عنبر ؛ مسك بيديها وهو يهتز، تتملى عيونه تفاصيلها فيصرخ قلبه بين ضلوعه .. هي نفسها تبادله حيية عواطفه ببسمات خجولات
ورأسها بين رجليها مركوز..قال لها:
اسمعيني بعقلك وقلبك وفكري جيدا قبل الرد، لم يخلقك الله لتكوني وريثة شقاء كما كانت أمك لظروف ماعاد يقبل بها عصر، أنت جميلة بل فقت الجمال لمن يعي معنى الجمال وتقاطيعه في ذات أنثى سمراء،تستحق أن يخر رجل عند قدميها، وأنا ذياك الرجل الذي احبك ويريد أن ينصفك ؛ تجمعين كل أغراضك وتستعدين للانتقال الى بيت جديد اقتنيه لك اذا ما رضيت وقبلت أن تزوجيني نفسك حسب الشرع والقانون ..
لم يعد صدرالحاج وحده يهدر بوجيب، فعليه قد مال صدرعنبر، وشقت صرة عيونها على الوجنتين أخاديد .. من عمق أعماقها صعدت آهة لاهبة حارقة هي مزيج فرح ورهاب مما قد يحمله الغد ؛ ترد وهي تصب عينيها في عينيه كأنها تريد ان تهرق فيهما صراحتها وصدقها وأمانيها ..
ـ سيدي وحبيب قلبي،أقولها بكامل الوعي والصدق، لو كنا في زمن غير هذا الزمان لكنت حلالا عليك كملك يمين بلا تخف ولا مكر أو دس أما ونحن قد تحررنا من عبودية الزمان والعقول فلايمكن أن أتحيز لأنانيتي وأخون أنثى من جنسي أنا مدينة لها بنشأتي وكل ما أعرف، وضعت في ثقتها بين زوجها وأبنائها فكيف أسلب منها اعز رفيق لبقية عمرها، أبدا سلوكا لا يمكن أن آتيه ولو على حساب أحساساتي ورغبتي فيك، يشهد الله كم أريدك لكن على حساب للا غيثة وبغير رضاها لن اقبل ..
صمتت قليلا وقد انكتم الحاج مستغربا وفاءها لزوجته، تقيد الكلام في حلقه فأبى الخروج ردا على أقوالها،أخرجته من صمته بانتباه وهي تتابع:
سيدي وحبيب قلبي!! ..لماذا لانكون صرحاء مع عواطفنا وعقولنا ونعلن في النور عن رغبتنا، فنجلس الى الحاجة ونقترح عليها ما تريد أن تنفذه سرا بعيدا عنها، مما قد يثير علينا غضب أبنائك قبل أهلك والفضوليين القوالين من الناس؟
انصدم الحاج لردها وداخله اثر من حيرة وسوء الظن: هل هي صادقة التوجه ام تريد أن تبعده عنها لسنه؟.هل في خاطرها رغبة أخرى تتكتم عليها؟..
رفعت عينيها الى الساعة المعلقة في البهو وهمت واقفة فجرس الباب يعلن عن عودة الحاجة ..
أوت للاغيثة الى غرفة النوم ليلا،تبعها الحاج وعلى السرير حاول أن يكون بها لصيقا،مد رجله فوق رجلها،ثم مسك يدها ولثمها، بسرعة سلت الحاجة يدها من يده بعد ان أبعدت رجلها عنه وقالت:
ـ النوم يطبق على أجفاني تصبح على خير..
كان الحاج ممددا فاستقام في مكانه وقال:
للا غيثة .. اريد أن أحدثك في موضوع لا يقبل التأجيل ..
تململت في مكانها واليه التفتت ثم استقامت وهي تردد:
خير، احفادنا اصابهم شيء؟؟
بسرعة رد: لأحفادنا آباء وأمهات متعهم الله بالصحة والعافية،الأمر يتعلق بنا ..
ـ قل، تكلم، شغلتني ..
تنهد وقد رمى البصر الى صورة لهما يوم زفافه على الجدار، من نظرة تبدو للاغيثة أكبر منه وهو معها شاب فوق العشرين بقليل، يذكر أنها أنثى تأخرت في زواجها فهي أكبر منه بعشر سنوات وابوها من عرضها على عبد الغني كعامل مساعد له يتيم، خبر أمانته فاقترح عليه الزواج من للا غيثة التي تلقفته هي وأمها بترحاب وفرح فاق الحد،وللحقيقة فقد احتل عبد الغني الصدارة لدى صهره الذي أطلق يده في تجارته مذ قبل الزواج بابنته بلا اعتراض ..
القلق الذي ركب للاغيثة من كلام الحاج جعلها تستحثه على الكلام والنطق بما في نفسه بلاتردد:
ـ للاغيثة بصراحة أحب أن أتزوج وأتمنى موافقتك ..
لم تستغرب الحاجة مما قاله زوجها فما كان يحركها من ارهاصات قبلية قد وقع، فالحاج لازال يتأنق في لباسه،لايخرج الى متجره الا بعد حلاقة يومية لدقنه وعطر منه يفوح، وكثيرا ما كانت موقف مقارنة بهمزولمزمن ساكنات نساء الحي ..
ـ ومن سعيدة الحظ التي أخذت بلبك وأنت قد جاوزت الستين ..حقا أني تناسيت الاهتمام بنفسي، وحولني السكري والضغط الى أنثى مترهلة فوضت أمور بيتها الى خادمة ..
يقاطعها:
ـ وتلك الخادمة هي التي أريد للا غيثة "ويبقى خيرنا في بيتنا اذا شئت أو أقتني لها بيتا جديدا إذا كان قربها منك قد يضايقك كضرة "
غضب يصعد لصدر الحاجة وعبرات تخنقها، يأخذها سعال فيبادر الحاج الى جلب كأس ماء من حمام غرفة النوم ..
هدأت الحاجة قليلا ثم قالت: ألم تجد غير عنبر خادمة سوداء تعاقب بها تقدمي في العمر،هذا جزاء خير والدي فيك، كيف تلقى الله؟
بسرعة وضع الحاج راحة يده على فم الحاجة وقال:
ـ حرام عليك من اين أتتك هذه العنصرية العمياء، وهذا المن الجديد عليك،أليست العنبر انسانا؟
تداركت الحاجة تسرعها وهفوتها وقالت: لا اقصد تحقيرها أو المن عليك بأفضال غيرك والتي بلغتها بأمانتك وجهدك وانما هي الحريقة التي اوقدتها في صدري أن تكون عنبر لي ضرة، فأنا ادرك أن اللون الأسمر يستهويك وأن جمال عنبر يمد عينيك بمتابعة اليها بانبهار، ولو لم تكن عنبر خادمة لتزوجت من زمان، لكن رجال اليوم لاتثيرهم الا الاطماع لا الحقائق والأصول..
مرة أخرى يمسك الحاج بيد للاغيثة،يقبلها كأنه يتوسلها، متجاوزا عن هفوة لسانها، يتبسم في وجهها:
قولي مارأيك؟ هل أحظى بموافقتك؟
بغضب حانق ترد:
ـ قلت لا، يعني لا، فلا تضغط علي ..
توليه ظهرها كأنها تفضل النوم على حديث أقلقها
يتنهد الحاج محاولا أن ينهي الحديث وفي صوته رنة من غضب:
قضيت عمري ألبي كل رغباتك بلا اعتراض، انت الرأي وأنت المشورة، ويوم تمنيت زيتونة سوداء تعترضين عليها وتقفين ضد رغبتي بعد خمس سنوات من الانفصال الجسدي بيننا ..
أدركت الحاجة ان الحاج مصمم على الزواج فصارت تقلب الأمر بكل الاحتمالات الممكنة، أليست ضرة تحت سلطتها، تعرفها وتخبر أخلاقها، حدقها ومهارتها خير من غيرها قد تلتف على الحاج وتنهب ما بناه بدسائس وهيمنة،
التفتت اليه، شدت يده وقالت:
لا أنكر أنك قد أسعدتني ذات زمن والحر من دان إنصافا كما دين .. أحبك آالحاج نفس حبي يوم تزوجتني، كسرت عنوستي، لكن عندي شرط ..
ـ وأنا تحت أمرك للاغيثة ..
ـ أن تكون عادلا بيننا!! ..
وضع رأسها على صدره،مسح دمعتها من خدها:
ـ للاغيثة!! ..أليس من العدل أني أ شاورك؟.. أنت حبي الأول للاغيثة،وانت من دفعتني لأصير ما صرت اليه اليوم من غنى وما حققناه لأبنائنا...
مهما صار في حياتي من زيجة فأنت عتبة الخير الأولى والتي كرمني بها أبوك حين قبل طلبي يدك ..وفوق هذا أعدك بليلتين لك وليلة لها، فقط أن تكوني راضية باقتناع ..
قالت وقد رفعت رأسها الى وجهه وشبه ضحكة على محياها:
ـ ليس هذا ما أقصد، طلبي ألا تستأثر وحدك بعنبر فليلة معك وليلة معي!! ..ضحكا وقد حركت رغبته بعناق تحاملت على نفسها لتصل معه الى نهاية كادت أن تأتي على عمرها ...
***
محمد الدرقاوي ـ المغرب