ثقافة صحية
بهجت عباس: هل يمكن لعقار يستعمل في علاج السرطان أنْ يقضي على مرض السكّر؟
يكون مرض السكر على نوعين*: النوع الأول يعود إلى عدم وجود خلايا بيتا التي تفرز الانسولين أو لعدم فعاليتها، ففي الحالتين لا يكون ثمة إفراز انسولين. والنوع الثاني يعود إلى عدم كفاية إفراز الانسولين من خلايا بيتا أو مقاومة خلايا الجسم له نتيجة أسباب عدّة. ولكن (تخليق) خلايا بيتا أو (تنشيطها)، حيث يكون باستطاعتها إفراز كمية كافية من الانسولين يُمكنها أنْ (تُدخل) سكّر الدم Glucose إلى خلايا الجسم (خلايا الدماغ لا تحتاج إلى انسولين) أو تتغلب على مقاومة الخلايا لها، فلا يكون ثمة سكر متراكم في الدم، فيكون مستواه في الدم طبيعياً، فلا يشكو الفرد من هذا الداء ذي العواقب الخطرة والمهلكة إن لم يتمّ التعامل معه والسيطرة عليه بالغذاء الصحيح والتمارين البدنية والأدوية أحيانا، هو دأب الباحثين المتواصل، ولذا يحاول الباحثون في هذا الشأن ولا يزالون جادّين في البحث للتوصّل إلى علاج فعّال للتغلّب عليه بكافة الطرق. والمُستهدف في هذا المضمار هي خلايا بيتا التي تُنتجه. وعلى هذا الأساس يكون (تجديد) الخلايا المتنتجة للانسولين هو الهدف المنشود. ولكنْ كيف يمكن تجديد الخلايا المنتجة للأنسولين أو (خلقها) في الپنكرياس؟ لقد تمّ هذا الانجاز من خلال تطوير الخلايا الأولية القنوية في الپنكرياس ductal progenitor cells التي تنتج أنسجة تبطن قنوات الپنكرياس، التي تُنتج ما يحاكي فعالية خلايا بيتا. فهناك انزيم تسمى EZH2 في الأنسجة البشرية تسيطر على نشوء الخلايا لتضمن سيطرة بيولوجية مهمة على النموّ. ولقد جرّب باحثون من Baker Heart and Diabetes Institute في أستراليا عقارين صادقت عليهما إدارة الغذاء والدواء الأميركية لاستهداف هذه الانزيم EZH2 فوجدوا أنّ فعاليتها قد تضاءلتْ مما جعل الخلايا الأولية القنوية تمضي في طريقها لتخلق فعالية تحاكي خلايا بيتا فيُنتج الانسولين. هذان العقارن ذوا جزيئة صغيرة هما GSK126 و Tazemetostat اللذان يُستعملان في علاج السرطان، استُعملا في هذه الحال ليخففا من (وطأة) الانزيم EZH2 على الخلايا الأولية القنوية فتنطلق في فعالياتها التي تُحاكي فعالية خلايا بيتا.
"يعد استهداف EZH2 أمرًا أساسيًا لإمكانيات تجديد خلايا بيتا،" كما كتب الباحثون، "فإعادة برمجة خلايا الأقنية الپنكرياسية تعيد إنتاج وإفراز الانسولين استجابةً لتحسّسها الگلوكوز."
و قد أشار بحث سابق إلى أن الخلايا التي تؤدي إلى تكوين بطانة القناة، والتي تساعد أيضًا في التحكم في حموضة المعدة، يمكن تحويلها إلى ما يشبه خلايا بيتا في البيئة المناسبة. والآن، يكون الأمر واضحاً.
والأهم من ذلك، أن الخلايا الجديدة يمكنها التحسّسَ بمستويات الگلوكوز وضبط مقدار إنتاج الأنسولين وفقاً لذلك، تمامًا مثل خلايا بيتا. ففي مرض السكر من النوع الأول، الذي تركزتْ عليه الدراسة، يتم تدمير خلايا بيتا الأصلية عن طريق الخطأ بواسطة جهاز المناعة في الجسم، مما يعني وجوب التحكم في نسبة الگلوكوز في الدم والانسولين عن طريق الحقن المنتظمة.
وأظهرت الاختبارات التي أجراها الفريق التفاعل ذاته في عينات الأنسجة المأخوذة من شخصين مصابين بداء السكر من النوع الأول تتراوح أعمارهم بين 7 و61 عامًا، وشخص يبلغ من العمر 56 عامًا غير مصاب بمرض السكر، مما يشير إلى أنه يمكن أن يعمل عبر الأجيال. وثمّة علامة إيجابية أخرى هي أن الأمر استغرق 48 ساعة فقط من التحفيز قبل استئناف إنتاج الأنسولين بشكل منتظم. ويبقى الأمر مفتوحاً لتجارب كثيرة يجب أنْ تجرى بنطاق واسع ودراسة نتائجها السلبية من ناحية السيطرة على نمو هذه الخلايا وافرازها. ولكنّ تمّة أمل في هذا المضمار.
***
د. بهجت عباس
..................
*اقتباس من البحث المنشور في مجلة نيتشر (كانون الثاني 2024) مع إضافة وشرح لكاتب المقال.
*المصدر:
Signal Transduction and Targeted Therapy (2024) 9:2
http://www.nature.com/sigtrans
EZH2 inhibitors promote β-like cell regeneration in young and adult type 1 diabetes donors