أوركسترا

غريب دوحي: بصرة المشرق وبصرة المغرب

اين البصرة..؟

مشتاق، بوصلتي تزعم عدة بصرات،

منذ شهور قلبي لا يفرح الا بين النخل.

مظفر النواب

بعد ان اسس العرب الفاتحون البصرة كأول مدينة عربية خارج نطاق الجزيرة العربية والتي اخذت اسمها من طبيعة ارضها المتميزة بحجرها الابيض الرخو لاحتوائه على كمية كبيرة من الجص اصبحت بعد تحضيرها ذات شهرة اقتصادية وعالمية.

غير ان عدة مدن في ارض عربية وغير عربية سميت باسم (البصرة) تيمنا باسمها وشهرتها التي كانت مدعاة لظهور ونشوء عدة بصرات وعلى سبيل المثال ان مدينة تقع في بلاد فارس بالقرب من الاحواز تحمل اسم (بيروذ) سميت باسم البصرة الصغرى لكثرة نخيلها، كذلك مدينة (زوزن) في نيسابور سميت بالبصرة لكثرة علمائها وادبائها.

اما اشهر المدن العربية التي حملت اسم البصرة فهي مدينة البصرة المغربية التي اسسها الادارسة كعاصمة على يد ادريس الثاني والمعروف ان دولة الادارسة اسسها ادريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب بعد ان هرب على اثر هزيمته في معركة (فخ) عام 169هـ في ايام ابي جعفر المنصور العباسي.951 basra

آثار مدينة البصرة / العراق

حملت بصرة المغرب اسم البصرة لانها بنيت على نفس مميزات بصرة المشرق تقريبا والتي سبقتها بقرنين من الزمن وكانت تناظر بصرة العراق في الزراعة والتجارة. ويرى بعض المؤرخين ان عامل الحنين الى الوطن عند ادريس الثاني لعب دورا مهما في بناء هذه المدينة وتخليدا لذكرى المعركة التي قتل فيها ابراهيم بن عبد الله عم مؤسسها والتي وقعت في بصرة   العراق، وقد نتج عن تاسيس بصرة المغرب ان امتدت الحضارة العربية الاسلامية من شرق بلاد العرب الى مغربها.

وفي الجانب العمراني فقد بنيت المدينة هذه على غرار الطراز الذي بنيت به بصرة المشرق ولم يكن هذا الامر محض صدفة  وانما جاء كعامل نفسي هو تذكر الوطن الام الذي جاء منه الادارسة وهو العراق. وتقع بصرة المغرب في غرب البلاد في موقع يتميز بخصوبة التربة ووفرة المياه ونقاء الهواء وكثرة المراعي وهي نفس الخصائص التي تميزت بها بصرة العراق حين امر الخليفة عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان بالبناء قائلاً.. (هذه ارض بصرة قريبة من المشارب والمرعى والمحتطب..).

وكانت مدينة المغرب في وقتها تنافس المدن الرومانية لموقعها الاستراتيجي الهام شانها في ذلك شان بصرة العراق من حيث الموقع.

وعندما نتحدث عن معالم بصرة المغرب فان من ابرز معالمها هو جامعها الذي اطلق عليه اسم (المسجد الجامع) وهو يتكون من (7) اجنحة ويعد من اكبر مساجد المغرب العربي يومذاك ويستوعب حسب ما ذكره بعض المؤرخين العرب اكثر من 5880 مصلي مما يدل على كثرة سكان المدينة، كما ان فيها اسواق عامر ذات تنظيم جيد، والمدينة محاطة بسور دفاعي يحتوي على (10) ابواب وتتوزع شوارعها بشكل منظم حيث تبدأ من باب المسجد الى اطراف المدينة.

وفي بصرة المغرب امكانيات زراعية وصناعية جعلت منها تماثل ما كانت عليه بصرة العراق من مكانة تجارية مزدهرة وظلت محافظة على مكانتها هذه طول عهد الادارسة، وبذلك اصبحت ثروة حضارية خلقت مجتمعا متحضرا في منطقة الريف المغربي وحيث تبعد (40) كم عن ساحل الاطلسي، وقد وصف المؤرخون مجتمعها بانهم ذو اخلاق حسنة واهل كرم ويتكون تركيبها السكاني من العرب والبربر الذين كانوا يقيمون في اطرافها والعرب في مركزها.

ويصف المؤرخون نساء البصرة المغربية بانه ليس بارض المغرب اجمل منهم وعرف رجالها باكرام الضيف شانهم شان رجال بصرة العراق.

وتتميز بصرة المغرب بنشاطها الثقافي المتميز فقد ساهمت بارساء قواعد الدراسات النحوية والفقهية والفكرية والادبية في عموم بلاد المغرب العربي حيث تركت وقد حظيت بموقع الريادة في تدريس الفقه المالكي وكانت في المرتبة الثانية بعد المدينة في الحجاز.

وقد اخذت بصرة المغرب علم النحو من بصرة المشرق من خلال المناظرات التي كانت تجري بين سيبويه الكسائي أو من خلال التقاء الكثيرين من علماء بصرة المشرق والمغرب وتبادلهم العلوم والمعارف لاسيما العلوم الدينية مثل علوم القران والتفسير، ولا ننسى جهود حكام دولة الادارسة الذين كان لهم دور كبير في احتضان العلماء. وبعد كل هذا الازدهار لم يبق من هذه المدينة اليوم سوى اطلال تنتشر بالقرب منها قرى مبعثرة تملأ اراضيها نباتات صحراوية هذا ما آلت اليه بصرة المغرب اليوم.

***

غريب دوحي

 

في المثقف اليوم