تقارير وتحقيقات
سُوف عبيد: مجلس الميعاد الثلاثون

أنشئت ـ المدرسة السليمانية ـ بمدينة تونس العتيقة في منتصف القرن الثامن عشر في عهد البايات الحسينيين أما اسم السليمانية فهي نسبة لسليمان أحد أبناء الباي الذي مات صغيرا مسموما فجعل أبوه هذه البناية مدرسة تخليدا لذكراه وظلت هذه المدرسة فضاء لإيواء طلبة جامع الزيتونة وغيره إلى حدود السنوات الأولى من الاستقلال عندما أحدثت الدولة المبيتات الجامعية والمبيتات في المعاهد فتحولت بعدذلك في أوائل الستينيات من القرن العشرين إلى مطعم جامعي ثم صارت تابعة إلى وزارة الثقافة ومعهد التراث الذي يشرف على صيانتها وقد سكنت في المدرسة السليمانية أجيال عديدة من الطلبة التونسيين من مختلف أنحاء البلاد وآوت حتى الطلبة الجزائريين نذكر من ببنهم الرئيس الهواري بومدين وقد تأسست فيها عديد الجمعيات الثقافية بعد الحرب العالمية الثانية من بينها جمعية ابن عرفة سنة 1946التي ما تزال تنشط فيها والتي حاضر فيها عديد الشيوخ والأدباء في قاعتها الكبرى الحالية التي كانت مسجدا نذكر منهم الشيخ الفاضل بن عاشور والأديب محمد العروسي المطوي والشاعر منوّر صمادح وغيرهم ومن الملاحظة أن هذا الفضاء المعماري الزاخر بالتاريخ يمتاز بخاصية أولى تبدو في بهو بابها الخارجي الذي لا يوجد في بقية المدارس أما الخاصية الثانية التي تمتاز بها المدرسة السليمانية فهى الميضة حيث يجلس عندها الذين يتوضؤون والتي ماتزال موجودة في آخر صحن المدرسة .
إن المدرسة السليمانية فضاء ثقافي زاخر بمختلف الأنشطة الثقافية المختلفة من بينها أنشطة جمعية ابن عرفة العريقة مقصد المثقفين والمبدعين الذين يجتمعون فيها ضمن نادي القراءة ونادي الادب ونادي الفنون وكذلك مجلس الميعاد الذي يلتئم صباح السبت الاوّل من كل شهر وقد نقلت مشكورة الشاعرة زهيرة فرج الله وهي من أعضاء الجمعية وقائع المجلس الأخير في هذه الورقة حيث تقول
الزمان: 14جوان 2025
المكان: السليمانية ـ جمعية ابن عرفة
الميعاد الثلاثون
اجتمع ثلة من الشعراء في الميعاد الشهري لجمعية ابن عرفة فكان اللقاء حميميا مفعما بالشوق والحنين. ما أقرب الأمس باليوم لم تتغير مشاعر الصداقة والأخوة الا بعض شيب أثقل أجنحة المشاعر الجياشة والبسها حلل الوقار.
لقائي بصديقة الشباب والشيب هالة دامرجي ما كان هكذا منذ عشر سنوات لما هاتفتني بعد غيبة سنوات عديدة فرقتنا فيها ظروف العمل ومشاغل العائلة وقد كانت همزة الوصل بيننا صديقة ثالثة من ارقي الاصدقاء وهي اصيلة قابس الأستاذة رفيقة حميدة التي جمعتهما الاقدار وكانت جارتي في المروج وسلمتها رقم هاتفي ،منذ همست الو عرفت صوتها وقلت مستحيل هالة¡¡¡¡¡ وعدنا وكأننا في العشرين بين مدارج كلية الزيتونة وغرفة المبيت الجامعي باردو الثاني إذ كنت ادخل ليلا خلسة فأنا مقيمة في باردو الأول
كم كنت افرح لما اسمع هالة ضاحكة نشوى وانا ازيل من علي كتفيها أعباء الحياة واشجعها علي إفراغ جعبة الألم والتعب في عقد الياسمين واللؤلؤ
وهكذا جمعت تلك الحبات والزهرات في مجموعتين شعرتين: همس الياسمين ولألئ الانعتاق
كان موعد الميعاد الشهري في جمعية ابن عرفة حقا وبامتياز ميعاد الشوق والحنين فيه التقي الأستاذ سوف عبيد بصديقه الشاعر هشام الدامرجي وقد جمعهما الحرف من أربعين سنة وسطرا كليهما مسارا زاخرا بالابداع .
بداية اللقاء كان مع الشاعر سوف عبيد الذي رحب بضيوفه علي انغام ناي رشيد بن جوهرة ثم أحال الكلمة إلى الشاعر هشام الدامرجي ليعرف بالمجموعة الشعرية لهالة الدامرجي في ورقة نقدية موجزة بان من خلالها مدى اعتزازه وفخره ببنت العم الذي كان مواكبا لأولي خطواتها في درب الشعراء. جعل الشاعر والناقد هشام الدامرجي عنوانا لورقته النقدية: لآلئ الإنعتاق والبحث عن الحرية التي تناول فيها المنجز الشعري لآلئ الإنعتاق لهالة الدامرجي
اعتبر الناقد نفسه من أقرب الناس إلى الشاعرة ليس فقط قراب دموية بل قرابة فكرية وجدانية التقت فيها هالة بالدرب الذي سلكه ابن العم الذي كان يتبع خطاها مرشد اومشجعا
ذكر من الطرائف صدرت عن صديقه الحبيب بن فضيلة الذي علق علي محاولة أرسلتها هالة الي بعض الجرائد يقول فيها عليك بفلان مشيرا الي اسم الشاعر هشام الدامرجي،
يؤكد الناقد والشاعر هشام الدامرجي ان هالة ليست من اللذين هبطوا الي الساحة الشعرية صدفة وهذا ما يصدق علي مقولة يولد الشاعر شاعرا فالشعر في حياة هالة عنصر أساسي رافقها مطالعة وكتابة ومحاولة للتجاوز دون حرج طلب الرأي والنصيحة.
ان قصائد الحب في الحقيقة مراوغة للحزن والإغتراب والبحث عن ربيع الحرية في خريف العمر: تقول الشاعرة
افتح يديك
دع العصفورة تطير
اتركها تطير
فالربيع علي الأبواب
دعها تمرح بين الحقول
وتتنشق شذى الزهور
لقد حاولت الشاعرة وقد بان هذا لمتتبع مسيرتهاالشعرية إخفاء الحزن والشجن داخلها غير أن القصيدة فضحته. تقول الشاعرة
لا مكان يأويني
لقد جف الحبر في قلبي
وباتت كلماتي يتيمة
ابحث عن حضن قصيد
وباتت ارض قلعتي
مبللة بدموع الفقد
اسلوبيا وجدت هالة في النثر انعتاقا من قيود الموزون. فقد اختارت عن قناعة هذا النوع من الشعر فيكفيها قيود سجنها التي اعتادت عليها واستعذبت قضبانه التي قبعت خلفها في انتظار ما لا يأتي. تقول الشاعرة
اعتدت سجني
واخشي ان افارقه.
قرأت هالة من مجموعتها قصيدة علي بحر البسيط كانت شاركت بها في مهرجان للشعر الموزون بمهرجان ـ عميرة الحجاج. وقد استحسن الشاعر سوف عبيد الورقة النقدية التي قدمها الشاعر هشام الدامرجي مشجعا لهالة ومتمنيا لها بالتوفيق في مسيرتها.
الضيف الثاني المحتفى به هو الشاعر الخلوق ميلاد محمود ميلاد الذي آثار الإشكالية المطروحة في منجزه الشعري &مشاعر& الاستاذ الناقد والشاعر المتميز معمر الماجري وقد اختار للشاعر ان يقرأ قصيدة بعنوان قيود البحور ويعلن من خلالها مدى تمكن الشاعر ميلاد ميلاد من ادواته التي حفر بها عميقا في مشاعره فكان هذا الإصدار المميز مشاعر الذي صدر في مارس2025.
يقول الشاعر والناقد معمر الماجري انه واكب هذا المنجزمذ كان مشروعات فواجع لغته وعروضه،وقد تمكن من سبر انوار الشاعر واكتشف اسرارا خفية لفشت سترها أبياتا فرت من أعماق الشاعر وحلقت صوره البديعة فالتقطها الشاعر معمر الماجري بعين الناقد المتمرس القادر علي قراءة ما ببن السطور وتحتها غير عاجز عن فك طلاسم قد سعى الشاعر ميلاد ميلاد الي أحكام قيودها مستندا الي أساليب بلاغية عديدة، ان الشاعر ميلاد ميلاد مدرك وواع بما يسطر قلمه وهذا ما يؤكده الناقد معمر الماجري في قوله&... مضمون نصه او بنيته وأساليب فانك لايمكن لك الا ان تصنفه ممن يعي مل يقول& والدليل نص ص77\78بعنوان قيود البحور والقصيده الثانية بعنوان فك قيدي. فعنوان الكتاب مشاعر مأخوذ من هذا البيت في هذه القصيدة
إنما الشعر مشاعر والمسكوت عنه في هذه الجملة والتي أثارت فضول الناقد معمر الماجري فطرح عدة أسئلة منها :
فهل يلغي الشاعر حقا اي معني اخر للشعر كان نقول على رأي البعض الشعر وزن اولا يكون او القول الشعر بلاغة او القول الشعر خيال علي رأي القدامي أعذب الشعر أكذبه اي أكثره خيالا وقد كان الفن حاضرا أيضا في هذا المجلس الأدبي فبين الفينة والأخرى أطربتنا الصديقة نجوي بن علي بصوتها الرخيم علي ترانيم ناي الفنان رشيد بن جوهرة
أما الحصة المخصصة للقراءات فقد تولي تسيرها الدكتور رضا الماجري فكانت على التوالي بمساهمة الشعراء
زهيرة فرج الله
منصورة عمر
فايزة دامرجي
محبوبة الخماسي
هشام الدامرجي
هالة الدامرجي
ميلاد ميلاد
معمر الماجري
سوف عبيد
وكان مسك ختام مجلس الميعاد الثلاثين بالعزف والغناء وتكريم الضيوف الذين أسندت لهم الشهائد التكريمية
***
سوف عبيد