تقارير وتحقيقات
غسان كنفاني يعود إلى حيفا
عاد المناضل الفلسطيني الكاتب غسان كنفاني، يوم الجمعة الماضي 11/11/ 2022، إلى مدينته الاثيرة حيفا العزيزة على قلبه وأدبه، وحلّ ضيفًا غاليًا مكرمًا على مؤسسة تنوير الثقافية الناشطة في المدينة، وكان في استقباله مديرة المؤسسة الناشطة الاجتماعية الثقافية سهاد كبها، ابنة قرية عين السهلة، وزير الثقافة الفلسطينية الكاتب عاطف أبو سيف، إضافة الى اثني عشر فنانا تشكيليًا وسبعة كتاب وباحثين، والى جانبهم عدد من محبي الثقافة وشداتها.
جاءت هذه العودة في ذكرى مضي نصف قرن على قضاء غسان كنفاني وابنة اخته لميس، بعد تفخيخ يد الغدر سيارته وانفجارها خلال فتحه بابها، في مدينة بيروت التي عاش، عمل وكتب فيها. في البداية رحّبت رئيسة المؤسسة المستضيفة بالحضور مشيرة إلى أن فعالية مؤسستها الثقافية هذه تأتي في ذكرى حزينة مؤسية، ما زالت اصداؤها تتردّد رغم مضي الوفير من السنين عليها، موضحة أن غسان كان رجلًا ذا موقف ومبدأ وأنه عمل طوال حياته القصيرة (36 عامًا)، من أجل تحقيق حلم العودة إلى أرض الوطن، وورد في كلمتها ان غسان عُرف كاتبًا أديبًا مبدعًا توزّعت كتاباته على مختلف الأنواع الأدبية. الرواية، القصة القصيرة، أدب الأطفال والفن التشكيلي، كما عرف كاتبًا صحفيًا شهد له القاصي والداني. الكاتب الوزير عاطف أبو سيف أشار إلى أن غسان بات منذ سنوات بعيدة واحدًا من أبرز الرموز النضالية الفلسطينية، وانه بالكاد تجد من لا يعرفه أو يقرأ له من أبناء شعبنا الفلسطيني، وأشار أبو سيف إلى ان وزارة الثقافة الفلسطينية قامت ضمن واجبها التثقيفي بطباعة المئات من الكتب وانه يوجد في برنامجها المئات من الكتب التي ستقوم بطباعتها لكتاب فلسطينيين وآخرين أبدعوا وقدّموا الكثير من المشهود له للقضية الفلسطينية والعربية عامة. واكد ان الوزارة ستواصل احتفالاتها بغسان كنفاني مشيرًا الى تكريسها جائز حملت اسمه وحصلت عليها في دورتها الاولى الكاتبة السورية المغيرة هويدي.
يوم دراسي في جلستين تحت عنوان غسان كنفاني مفكرًا
عُقدت الجلسة الأولى تحت عنوان غسان كنفاني روائيا وقاصا، وتحدّث فيها كل من الدكتورين محمد هيبي، جهينة خطيب، والكاتبة صباح بشير. تولى كاتب هذه السطور إدارتها، ورد في بداية الجلسة ان هذا اليوم الدراسي يأتي ضمن برامج إحياء ذكرى الكاتب غسان كنفاني بعد مضي خمسين عامًا على استشهاده، كما ورد فيها ان كنفاني من مواليد مدينة عكا عام 1936، وانه ولد في عزّ اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى، ووضع عنها بالمناسبة كتابًا خاصًا. كما كتب في مختلف الأنواع والضروب الأدبية، وألمحت في كلمتي الى أمرين أراهما غاية في الاهمية أحدهما أن الاهتمام الكبير بكنفاني انصب على البعد السياسي من شخصيته وانه كان الاجدر أن يحظى الجانب الإنساني من شخصيته باهتمام أكبر، فقد كتب غسان عن المنكوبين والمعذبين في الأرض، وتجلّى هذا في معظم ما كتبه وخلّفه من إنتاج أدبي غزير رغم أنه لم يعش طويلًا، الامر الثاني أن ما كتب عن أدب كنفاني تعامل معه بنوع من التقديس، وباستثناء ما كتبه وأشار إليه من نقدات جديرة بالالتفات الكاتب الناقد الفلسطيني الراحل يوسف سامي اليوسف في كتابه عن غسان كنفاني- رعشة المأساة، فإننا لا نكاد نقرأ أي نقد جديّ عمّا تركه غسان من اعمال أدبية، روائية خاصة، وتطرقت إلى ما ارتآه اليوسف رغم تقديره الكبير لغسان وهو أن رواية "عائد الى حيفا" مثلًا لا تعدو كونها قصة قصيرة تمّ مطُها. بعد ذلك تحدثت الكاتبة صباح بشير ابنة مدينة القدس المقيمة في حيفا، عن رواية رجال في الشمس مستعرضة أحدثها المؤسية المحزنة التي قضى فيها ثلاثة من أبناء فلسطين المعذّبين داخل خزان شاحنة التهريب، الامر الذي دفع مهربهم إلى المقولة التي أضحت من الخوالد الفلسطينية: لماذا لم يقرعوا جدار الخزان. الكاتب محمد هيبي تحدّث عن غسان كنفاني روائيًا، وركز حديثه أيضا على رواية رجال في الشمس، موضحًا أن صاحبها أسسها وابتناها على حدث واقعي حقيقي حكى عن ثلاثة فلسطينيين أرادوا التسلّل عبر الحدود العراقية الكويتية للعمل في الكويت بحثا عن لقمة العيش والحياة بكرامة. واستعرض هيبي روايات كنفاني متوقفًا عند عائد إلى حيفا، ام سعد وما تبقى لكم. وأوضح هيبي أن ابداعات غسان الروائية شهدت تحولات في الرأي والرؤية، وأنها تطورت بتطور النضال الفلسطيني. الدكتورة جهينة خطيب تحدّثت عن غسان قاصًا وألمحت إلى أهمية الإنتاج القصصي الوفير الذي تركه غسان لنا منوهة إلى مجموعاته موت سرير 12 وارض البرتقال الحزين ومتوقفة عند قصته اللافتة للأطفال القنديل الصغير، واستعرضت المضامين الغنية التي تمحورت حولها قصص غسان القصيرة متوقفة عند جمالياتها ودلالتها النضالية الانسانية.
الجلسة الثانية والأخيرة عقدت تحت عنوان غسان كنفاني ناقدًا صحفيًا وفنانًا، شارك فيها كل من الكاتب سهيل كيوان، والمخرج السينمائي ناظم شريدي. تحدث في الجلسة وتولى إدارتها الدكتور صالح عبود، وجاء في كلمته إن غسان كان فنانًا متعدّد المواهب، فقد مارس النقد الادبي متابعًا ادب المقاومة في بلادنا والادب الصهيوني، كما كان واحدًا ممن أسسوا مجلة الهدف الفلسطينية (مجلة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الدكتور المرحوم جورج حبش)، إضافة الى هذا كان كنفاني فنانًا رسامًا قدم ابداعًا لا يستهان به في مجاله. الكاتب سهيل كيوان، أشار إلى أهمية الجانب الصحفي المناضل في شخصية غسان كنفاني، متوقفًا عند كتاب كنفاني فارس فارس وموضحًا أن كتاباته الصحفية اتصفت بنبرة ساخرة، وأنه كتب في مختلف الأنواع الكتابية الصحفية، واورد كيوان ضمن إجابة عن سؤال ان شخصية غسان اختلفت بين كتابة الخبر والتقرير الصحفي وبينها حينما كتبت المقالة والخاطرة الصحفية، ففي حين برز في الأولى جادًا تبدى في الثانية ساخرًا هازلًا، وهو ما احتاج إلى قدرة إبداعية خاصة. وطرح كيوان سؤالًا لافًتا وهو لو جاء كنفاني الآن بعد كل هذا الوقت على قضائه ماذا كان سيقول؟.. المخرج السينمائي ناظم شريدي، تحدّث عن الاعمال التي تم تحويلها إلى أفلام سينمائية من الإنتاج الروائي لكنفاني، منوهًا إلى أن هذا التحويل لم يلتزم بالنص الروائي، وأجرى عليه تعديلات جدية ملمحًا إلى بعضها فرجال في الشمس أضحت حين تحويلها إلى فيلم سينمائي عنوانه "المخدوعون"، وطرح ناظم سؤالًا طالما أثار الكتّاب الروائيين من ناحية والمخرجين السينمائيين من ناحية أخرى وهو إلى أي مدى يحق للمخرج السينمائي أن يغيّر ويبدّل في العمل الروائي الذي يؤسس عليه عمله الفني السينمائي، وجاءت الإجابة اننا في مثل هكذا حالة إنما نتحدث عن فنين مختلفين، لكل منهما حالته الخاصة به ورؤيته القائمة بذاتها.. ويبقى السؤال المطروح مفتوحًا.
أقيم على هاش اليوم الدراسي معرض فني تشكيلي تمحور في شخصية غسان كنفاني والقضية التي عاش وقضى خادمًا محبًا لها، القضية الفلسطينية بكل ما حفلت به من أبعاد إنسانية ونضالية. وشارك في المعرض كل من الفنانين: مصباح طاطور، رامي جبارين، حكيم خليفة، أنور سابا، تحرير محمد، ملك عاصلة، نيفين زبلح، علاء عرمون، مبدا ياسين، عبير زبيدات، علا زعبي وعبد الله كنعان.
***
تقرير: ناجي ظاهر