تقارير وتحقيقات
سارة فؤاد شرارة: ختام فعاليات المعرض الدولي "أوستراكا للفنون التشكيلية"
شهدت الغردقة بمحافظة البحر الأحمر تناغم الفن التشكيلي والموسيقى مع الذوق الرفيع من خلال معارض أوستراكا للفن التشكيلي "معرض الغردقة الدولي للفنون" وذلك في النصف الأخير من يونيو الجاري، حيث انطلقت الدورة الرابعة بمشاركة حوالي ٥٠ فنان تشكيلي من ١٥ دولة حول العالم، ويجري حالياً ختام تلك الفعاليات بمنطقة الداو آرت بروموناد وجاليري أوستراكا الفني بالممشى السياحي، وأبرز برامجها معرض الدكتور عبد السلام عيد " في رحاب الخيال" الذي تم افتتاحه في ٢٥ يونيو.
وعبر اوستراكا دار حوار الفنان التشكيلي الدكتور "عبد السلام عيد" رائد التصوير الجداري، وأحد أهم التشكيليين في العالم العربي..
س: مسيرتك الطويلة في الفن التشكيلي ما بين النحت والتصوير والعمارة والتصوير الجداري؛ كيف بدأت؟
ج: أؤمن بالبدايات التي تمهد الطريق الطويلة، مازلت أتذكر شغفي لاكتشاف الفنون منذ فجر الطفولة ؛ منذ ذاك الوقت المبكر وقد أدركت عشقي للألوان والرسوم والتشكيلات في المدرسة الابتدائية وحتى الثانوية، ثم قررت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، وتخرجت منها عام ١٩٦٩ م، وبالكلية من حسن حظي تتلمذتُ على يد عمالقة كبار مثل الفنان التشكيلي "سيف وانلي" ؛ والفنان النحات "محمود موسى"، وعميد الكلية في ذلك الوقت الدكتور الفنان "أحمد عثمان" ورائد تيار الواقعية الاشتراكية الفنان "محمد عويس" والدكتور النحات "أحمد عبد الوهاب" والدكتور "كامل مصطفى" أحد رواد الحركة الفنية في الجيل الثاني بمصر، وأتذكر أن عدد طلاب الفنون كان محدوداً في تلك الأونة ولم نتجاوز عدد ستة أفراد في قسم التصوير، أما الأساتذة فأغلبهم درس الفن في إيطاليا وإسبانيا وبالتالي كانوا حريصين على نقل ثقافة حوض الأبيض المتوسط وتمريرها لنا عبر الدراسة الأكاديمية.
س: شاركتَ في العديد من المعارض ومثلتَ مصر في الداخل والخارج مثل مشاركتك في المهرجان الدولي للتصوير بمدينة (كان) بفرنسا وحصدت الجوائز المصرية والدولية ؛ حدثني عن أبرز التجارب المشابهة، وتقديرك الذاتي لها.
ج: من الصعب سرد جميع المناسبات الفنية التي شاركت بها سواء داخل مصر أو خارجها في دول عربية أو أوروبية على تقديري لها جميعها، ولكن مما لا يبرح ذاكرتي بلا شك لأهميته ؛ مشاركتي بتصوير جدارية هائلة بارتفاع ٢٣ متر تقريباً تحت مسمى"حلم المدينة الفاضلة" و خلف تساؤل يجمع الفنانين المشاركين يدفع كل فنان منا للتعبير عن حلمه الذاتي بالمدينة المثالية، وكما يقولون" كلٌ أدلى بدلوه" فانعكست حضارته وثقافته واتجاهاته الفنية. كان ذلك الحدث الفني في الأصل يختص بأعمال ميدانية لمدينة "ليون" بفرنسا والذي استقبلته الحركة الفنية الفرنسية باستحسان في متحف "طوني غارنييه"أول متحف للتصوير الجداري في العالم؛ والجداريات تمت دعوة ستة فنانين إليها من دول مختلفة مثل أمريكا وإيطاليا والهند وساحل العاج ومصر وتطوف قصص لا تنتهي حول هذا الحدث، أرادوا حينها أن يخلقوا تشكيل من الرؤى الفنية احتفاءاً بأعمال "غارنييه" والذي يعد شخصية مؤثرة اجتماعياً ومعمارياً في مدينة ليون، وما زالت تلك الأعمال موجودة في منطقة تسمى "مدينة الإبداع" بفرنسا مع أعمال الفنانين المشاركين وبعض أعمال أخرى لفرنسيين، كلما عدت بالزمن إلى ذكريات ذلك العمل الفني تحديداً أدركت أن الفن بلا حدود، عليه أن يتجاوز بوتقة ذاتية الفرد وثقافته وموطن رأسه وصولاً إلى انصهار العالم والرؤى والفلسفات.
س: أي مدرسة فنية تجذب انتباهك وتتبناها في أعمالك ؟
ج: من وجهة نظري كل المدارس الفنية، بل وكل أنواع الفنون تعبر عن الإنسان وتعكس وحدته مع اللغة سواء كانت لغة مسموعة أو مقروءة أو بصرية مثل اللوحة؛ و المسرح ؛ و السينما ؛ والموسيقى ؛والأدب ؛ والشعر كلها تأخذ بيد الإنسان ليترجم عوالم قد تكون متجمدة من حوله وليس بيده أن يدركها، الفن هو اليد الحانية التي تمسك بأصابع الذات وترشدها إلى شيء غامض يصعب إدراكه بالطرق العادية ربما.
س: ما رأيك.. هل يتأثر الفن بالمرض والعزلة، كما يتأثر كل شيء في الحياة العادية؟
ج: كل الأمور تلهم الفنان حتى المرض والعزلة إلا في حالة واحدة.. إذا فقدنا نحن أنفسنا التعريف لدور الفن وكيف نتذوقه وأقصد بحديثي ذلك كل الفنون التي تفض الحواجز بين الشعوب وبعضها وبين الناس على اختلافها وليس الفن التشكيلي وحده، فالمؤلف الموسيقي على سبيل المثال يخرج بالعمل من خلفية تتحدث عن ثقافته وذائقتة الجمالية وشعوره وتجارب الفرح والألم التي خاضها، كل هذا الخليط الحي يجسد لحن المؤلف وشخصيته، فالفنون حين تمتزج مع الحياة فإنها تثريها، أما المتلقي فعليه استيعاب هذه الخلفية للفنان وقضاياه ؛ أن يتداخل مع العمل الفني؛ يتفاعل مع الشعور به ليدرك رسالة العمل، أو ليدرك كيف أتت الألوان أو النغمات . هناك شيء اسمه "الهوس الفني" وهو كل جمال يتجاذب خاطر الفنان، وقد يكون هذا الجمال عادياً لكنه ملهماً بالنسبة إلى فنان بعينه. على سبيل المثال "بيتهوفن" الذى عانى الصمم وطافت حياته حول أذنه وتطرق بالموسيقى إلى أبعاد إنسانية جديدة آنذاك، فكان أول من أدخل السخرية إلي السيمفونية، وموسيقاه كأنها تقرع الطبول والمطارق كما لم يحدث سابقاً بسيمفونيته "ضربات القدر" بيتهوفن وجد الجمال في هذا الفراغ الفسيح بأذنه، ولدينا أيضاً "سيد درويش" كان يطرب إلى إيقاع قد يسمعه من الشارع ولا يقعد حتى يخلق من الإيقاع لحناَ وأغنية. فالفنان تلهمه الطرائف والشوارع والحياة وحتى الكآبة ذاتها.
س: اخترت منطقة أوستراكا للمشاركة بمعرضك البديع. كيف تصفها كمُلتقى للفنانين؟
ج: الغردقة مدينة ملهمة؛ بالطبع بها بحرها الخلاب والأسماء الملونة وبها رواج بالكرنفالات الفنية ؛ تجذب الدول من كل أنحاء العالم، ومنطقة أوستراكا على وجه الخصوص تقع بين كم من الفنادق المركزية في المدينة وهذا ما يميزها، وبالتالي التقيت بفنانين من دول مختلفة، نتبادل الأرقام والعناوين كجسور أقوى لصداقات تجمعنا ونسترسل في أحاديث لا تنتهي حول الفن ونتبادل الرؤى.
والتقينا أيضاً الفنان التشكيلي "محمد حميدة" مؤسس شركة "أوستراكا للفنون" وتساءلنا حول فكرة تأسيس الشركة فإلى نص الحوار:
س: من يكون "محمد حميدة"؟
ج: اشتغلت جميع أنواع الفنون، فأنا فنان تشكيلي تخرجت من كلية التربية النوعية قسم التربية الفنية جامعة القاهرة، ومارست النحت والرسم والتصوير، ثم أقمت معارضي بمصر والسعودية والخليج.
س: كيف اختمرت لديك فكرة تأسيس "أوستراكا للفنون" ؟
ج: "أوستراكا" نسبة إلى كلمة فرعونية قديمة وتعني "اسكتش" كان المصري القديم ينحت أو يرسم" كروكي" على شقفة فخارية تسمى" أوستراكا " ومنها كان استعارة الاسم، أما الفكرة فتولدت بدافع تجميع مختلف الأفكار الفنية بين أعداد الفنانين التشكيليين في مختلف أنحاء العالم. جميع الفنانين يؤكدون على ضرورة التلاقي الفكري لإثراء توجهاتهم الفنية ومزج الحضارات المختلفة، جدير بالذكر أن التشكيليين حول العالم تجمعهم صداقات واتصالات ودية وهم بحاجة إليها دائماً عبر وسائل التواصل الإجتماعي. اكتشفت الضرورة الملحة لإيجاد هذا الملتقى الفني الثقافي عبر أوستراكا والتي تساعد السوشيال ميديا أحياناً في نشر فعالياتها فتنتقل على مدى واسع وتصبح مسموعة ومرئية خارج مصر.
س: وكم معرض دولي أطلقته "أوستراكا للفنون"منذ تأسيسها؟
ج: كثير من الفعاليات أطلقناها منذ تأسيس الشركة في ٢٠٠٧ بما يتجاوز العد والإحصاء؛ ولكن على سبيل الدقة ما يقارب ٤٠ حدث فني دولي وحوالي ٢٠ معرض في الغردقة وشرم الشيخ والقاهرة ومعظم مدن مصر السياحية وخارج مصر باستانبول ومدن تركيا وباريس.
س: متى بدأت مسيرة التعاون بين الداو للتنمية وأوستراكا في إطار خدمة السياحة والقوة الناعمة؟
ج: بدأنا في العام ٢٠١٨ تصميم أهم ممشى سياحي في مصر تم إنجازه على الإطلاق برعاية الداو للتنمية التي تحملت التكاليف وبتنفيذ شركة أوستراكا الداعمة للجانب الإبداعي والفني، وهذا الممشى يضم ٣٥ تمثال لفنانين من دول العالم وبازارات للوحات والمشغولات الفنية، كلها أعمال أصلية مصنوعة باليد، والمعرض اليوم يضم لوحات متباينة المدارس الفنية والاتجاهات والأساليب، ما بين أعمال ترتكز على الطبيعية والتجريدية والمودرن آرت، وتم الاتفاق مع المهندس "باسل سامي سعد" صاحب المنشأة التابعة للداو لتوفير مساحة داعمة للفنون وتنظيم الفعاليات بتلك المنطقة. ما يميز الغردقة هو اختلافها عن بقية المدن السياحية مثل دهب وشرم الشيخ كونها مدينة متكاملة مفعمة بالحياة. تجدها مدينة سياحية صناعية وتجارية وبها دفء الحياة الاجتماعية.
س: حدثني عن آليات الإعلان والتسويق لتلك المعارض الدولية.
ج: نظمنا لتلك الفعاليات عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي على الاغلب، والعلاقات الشخصية مع الأصدقاء بالأوساط الفنية لطالما ساعدتنا كثيراً، بالطبع نحرص على تقديم الملفات إلى الجهات المعنية ونتحرى الحصول على الموافقة من المحافظة و الأجهزة الأمنية على تلك المشاريع. كما أننا نتحرى الإجراءات الإحترازية ونحن على مشارف التعافي من الجائحة
س: ما رأيك في مستقبل السياحة الفنية؟
أتمنى تكريس الجهود للعمل على جذب الانتباه للسياحة الفنية لأنها بالفعل تعد عاملاً محركاً للسياحة في مصر وتجذب الأنظار وتمثل الحضارة والثقافة، وذلك من خلال المؤتمرات والفعاليات الفنية وليكن تحت إشراف وزارة السياحة والثقافة وبالتعاون بينهما.
تحقيق: سارة فؤاد شرارة - مصر