نص وحوار
نص وحوار مع الشاعر د. محمّد عدلان بن جيلالي ونصه "إمام"
يسرّ "المثقف" استضافة الشاعر القدير د. محمّد عدلان بن جيلالي، ضمن برنامج نص وحوار، لتحاوره حول نصّه "إمام" من خلال طرح بعض الأسئلة، فأهلاً ومرحباً به.
د. محمّد عدلان بن جيلالي أستاذ ومحاضر جامعي وشاعر له حضور موسمي في صحيفة المثقف لكنّه حضور مميّز وله بصمة بلاغيّة متفرّدة. يشارك الأخوة الأدباء ويتفاعل مع إبداعهم بين الفَينة والأخرى نظرًا لنشاطه الأكاديمي.
إصداراته:
- أطروحة دكتوراه: سينمائيَّة الخطاب الفيلميِّ. مقاربة سيميو- شعرية. Titanic إخراج جيمس كمرون (James Cameron) أنموذجاً؛ (11/ 05/ 2011)، جامعة وهران.
* المقالات المنشورة:
- الشعريَّة ومزايا التفكيك. القلم؛ مجلَّة لغوية أدبية دورية أكاديمية محكَّمة. العدد:15، أوت 2010. جامعة وهران.
- الترجمة في كنف تحليل الخطاب؛ اقترابٌ واصفٌ في المفاهيم. الآداب العالميَّة، مجلَّة فصليَّة تصدر عن اتحاد الكتَّاب العرب بدمشق. العدد: 142، ربيع 2010. دمشق، سوريا.
- السِّينمائيَّةُ؛ مُحاولةٌ في بناء المفهوم ونَحْت المصطلح. القلم؛ مجلَّة لغوية أدبية دورية أكاديمية محكَّمة. العدد:22، أكتوبر 2011. جامعة وهران.
- مقولة الأسلوبيَّة بِمُقاربةٍ شِعْريَّة، - قراءةٌ واصفةٌ فِي بُؤر المقارَفة -، مقاربات، مجلَّة دوليَّة أدبيَّة، علميَّة، ثقافيَّة، محكَّمة، العدد: 13، 2015، جامعة الجلفة.
- الشِّعْريَّة الكريستيفيَّة بِمقاربةٍ هايدغيريَّة؛ - نحو فهْمٍ تقْنو- وجوديٍّ لآليات اشتغال النصِّ الإبداعيّ-، قيْدَ النَّشْر بمجلَّة: السَّرديَّات بقسْم اللُّغة العربيَّة وآدابها: جامعة قسنطينة.
* المؤتمرات:
- يومان دراسيان: الاتصال وسيميولوجيا الخطابات الفيلميَّة. المداخلة: قراءةٌ سينمائيَّةٌ في فيلم تيتانيك (Titanic) إخراج جيمس كمرون. قسْم علوم الإعلام والاتصال، (14 و15/ 03/ 2004)، جامعة وهران.
- ملتقى وطني: المصادر والقيم الخبريَّة. المداخلة: قِيَم الشَّكل في بِنْية الخبر المكتوب والمرئيّ. قسْم علوم الإعلام والاتصال، (03 و04/ 05 2005)، جامعة مستغانم.
- ملتقى دولِي: إشكالية حضارة المجتمع الإعلامي. المداخلة: الصُّورة الفيلميَّة في ميزان إشكاليَّة تَجْميل الإعلام. قسْم علوم الإعلام والاتصال، (14 و15/ 03/ 2005)، جامعة وهران.
- ملتقى دولِي: الدرس الأسلوبِيُّ بين قراءة التراث وتطبيق المناهج النقديَّة الحديثة. المداخلة: الأسلوبيَّة والشِّعريَّة؛ هل هما مصطلحان لِمفهومٍ واحد؟، (16 و17/ 12/ 2013)، جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف.
* ثلاثة دواوين شعريَّة مخطوطة: التحضير لنشْر الديوان الأوَّل، بالموازاة مع تَحْرير مجموعةٍ شِعريَّةٍ خاصَّة بعنوان: تغاريدُ غضبِ على تْوِيتِرٍ عربِي – 100 تغريدة -.
الجوائز التي نالها:
- الجائزة الأولى عن مُشاركتِي بقصيدة: متَى سيعترف المسدَّس باليدين؟ فِي أمسيةٍ شعريَّةٍ بقسْم اللُّغة العربيَّة وآدابِها بجامعة وهران عام 1998. (التاريخ تقريبِيّ).
- نشْرُ مجموعةٍ من القصائد في صحُفٍ وطنيَّةٍ مختلفة: على غرار صوتِ الغرْب، والجمهوريَّة.
- قراءةُ بعضٍ من قصائدي على أثير الإذاعة الوطنيَّة فِي إطار حصَّة: أقلام على الدرب، إعداد الشَّاعر الجزائريِّ القدير: علي ملاَّحي؛ مثْل: قصيدة (إلى ثَرِيَّة)، ومقاطع من مُطوَّلة: (وصولُ غودو) ...
ميّادة: الشاعر القدير د. محمّد عدلان بن جيلالي، وصلتْ قصيدتكَ إلى بريد المثقف الإلكتروني برفقة عبارة مشوبة بالتردّد والقلق:
هل للمثقَّف الهَمْهام
الشَّجاعة لنشْر هذه القصيدة الخبيثة؟
حرّرتها ونشرتها بفخر وبلا تردّد لأنها قصيدة جريئة تنحاز إلى قضيّة إنسانيّة وآفة اجتماعيّة، تتفاقم في ظلّ الاحتراب والإرهاب باسم الدين، ضحيتها المرأة.. وفيها تلاقح باهر بين الشعر والسينما يستحق وقفة تأمليّة.. فالشاعر، كمخرج سينمائي، يتقمّص الشخصيّتين ببراعة تتجلّى بركوب "البحر السريع" مع شراع قافية الهاء الساكنة.. قصيدة تَعْبر حدود الدّهشة بمشهد يضمّ تصاعد الحدث والذروة معًا...
د. محمّد عدلان بن جيلالي:
فِي البَدْء، دعينِي سيِّدتِي أفْتحُ أفْضيَةَ امتنانِي لكِ، وللمثقَّفِ البَجِيل النبِيل .. على أن كانتْ لِيَ الحِظةُ فِي شُرْفةٍ من شرُفاتِه النُّورانيَّة، لأُلْقِيَ من فوْقِها بكَبْتِيَ النقْديِّ حَوَال قصيدتِي: (إمام) على أرض القراءة، والتلقِّي، والاقتراب ...
فشُكْراً .. تسْعينَ ألْفَ مرَّة .. لكِ سيِّدتِي، وللمثقَّفِ الحبيب.
حقّاً، كنتُ مَهْجوساً .. مسْكوناً بالخوف قبْلَ الإقدام على نشْر هذا النصِّ المَحْمومِ المَجْنون. ولَمْ أكُ فِي شيءٍ خائفاً على المنْشور، بقدْر ما كنتُ خائفاً على النَّاشر؛ فهذه القصيدةُ – كما أرى- جريئةٌ جُرْأتَيْن: جُرْأةَ الموضوعة (الطَّابُو)، وجُرْأةَ المُعْجَم. وأمَّا الجُرأةُ الطابُوهاتيَّةُ فتأتِي من كونِ النصِّ يتوجَّه بالفضْحِ، والتعْريَّة إلى فئةٍ مُنَزَّهةٍ .. (مُقدَّسةٍ) فِي عيون المجْتمَع العربِيِّ من الخليجِ إلى المحيط، والأدهَى أنَّه نصٌّ ما ونِيَ عن تصْويبِ نِبالِ الفضْح نَحْو بُؤرة الجنْس وهو يُحاكِي قصَّةً واقعيَّةً لإمامِ حارةٍ لَمْ يتورَّع عن التحرُّش الجنْسِيِّ بامرأةٍ عفيفةٍ .. شريفةٍ هيَ جارَتُه.
وأمَّا الجُرْأة المعْجميَّةُ، فتَرْشَحُ عبْرَ بعض مُفْردات القصيدة، على سبيل: الجنس، والشَّهوة، والتقبيل، ومُفْردةِ (النَّهْد) التِي لَمَعتْ فِي النصِّ ثلاثَ مرَّات. فكيفَ .. كيفَ لِي أن أتوقَّع ردَّ فعْلِ بعضِ القرَّاء البَرَّانيِّين الذين يَجْتزئون بقراءة الشِّعر من خارِج الشِّعر، قراءةَ مَرْجِعٍ، لا قراءةَ نسَقٍ، وبِنْيَةٍ، ورسالة؟
هؤلاء القرَّاء (الجانِبيُّون الهامِشيُّون) عندما يُصادِفون كلِمةَ (النَّهْد) فِي أيِّ نصٍّ من النصوص، الشِّعريَّةِ أوِ النثْريَّة، كأنَّما صادَفوا لُغْماً، أو شبَحاً فِي طريقِ القراءة! فوُشْكانَ ما يَبْدُرون إلى التعوُّذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم .. ومنَ النَّصِّ، والنَّاصِّ، والمنصوصِ له معاً.
فماذا هُم فاعِلون حين يُصادِفون كلمة النَّهْد جارِيةً على لسان إمامٍ يُمَثِّل الورَعَ، والتقوى، وسلْطةَ الدِّين فِي المؤسَّسة المُجْتمَعيَّة؟
سيَلْعنونَنِي حتْماً، ويتهافتون على إهْدار دمي .. ومن هُنا كنتُ أخشى أن تطالَ اللَّعْنةُ ذاتُها صحيفةً بريئةً بسَبَبِ نشْرِ قصيدة.
عجيبٌ أمْرُ هؤلاء .. يَخْرَسون حين تقَعُ الفضيحةُ على الأرض، ويتزَبَّبونَ، ويرْعَدونَ، ويُلَعْلِعونَ كالخرْطُوش الأبْيض حين تقَعُ على الورقَة!
فضْلاً عن ذلك، أحبُّ، سيِّدتِي، أن أنوِّه فِي مَطْلَع هذا الحوار الرَّحيب بأنَّ قصيدة (إمام) قد وقعَتْ وقْعتَيْن: وقْعةً فِعْليَّةً على مسْرَح الحقيقة؛ وهي وَقْعةُ الهَيُولَى والمادَّة الخام، ووَقْعةً شِعْريَّةً على بساط الصَّفحة؛ وهي وَقْعةُ الرُّؤيا، والجمالِيات، والهنْدسة اللُّغويَّة .. على أنَّ الوقْعةَ الشِّعْريَّة، الوَقْعةَ النصِّيَّة هي ما يُهِمُّ قارئَ الشِّعرِ الأريبَ حيْثُما كان.
كذلكِ أعْجبنِي قولُكِ، سيِّدتِي، إنَّ هذه القصيدة تنِمُّ عن تلاقُحٍ باهِرٍ بين الشِّعر، والسِّينما؛ فهو الأمر الذي كنتُ قد أومأتُ إليه فِي ردِّي على تعليقٍ عميقٍ للشَّاعر القدير: عبد الفتَّاح المطلبِي فِي صفحة النشر الإبداعي، حيث قلتُ إنَّ هذه القصيدة – لا ريْبَ – مُمَفْلَمة، وإنَّ ثَمَّة خيطَ تصويرٍ سينمائيٍّ يتَهَسْهَسُ طيَّ دُخيْلائها، إذ يرصُّ الصدرَ إلى العجُز رصّا .. ويقصُّ البيْتَ فالبيْتَ قصّا.
وقلْتُ، أيضاً: إنِّي لَمْ أكن شاعراً فِي إنتاج هذا النصّ، بل مُخْرِجاً سينمائيّاً. ولَمْ تكُنِ القصيدةُ هذه بيْن يديَّ شِعْراً، بلْ آلةَ كاميرا!
ثُمَّ اسْمحي لِي، سيِّدتِي، أن أنْبُهَ إلى أنَّ (الهاءَ)، و(التَّاءَ) السَّاكنتَيْن فِي بِنْية القافية التِي قامتْ عليهما قصيدتِي، ليستا سوى حرْفٍ دخيلٍ على المجال الحيويِّ لفضاء التقْفية، وهُما، من بابِ المُصْطلحيَّة العروضيَّة ما يُمثِّل حرْفَ وصْلٍ بِحُكْم أنَّ قافيةَ هذه القصيدةِ قد وردتْ مُطْلقةً مُجرَّدة؛ أي موصولةً بوصْلِ الضمير تارةً (نفتحَهْ)، وتارةً بوصْلِ تاءِ التأنيث (مَصْلحَةْ). وأمَّا حرْفُ الرَّويِّ، سيِّدُ الأحْرُف فِي هذا النصِّ، إنَّما هو حرْف (الحاء) المفتوح؛ ذلك الصَّوت الشَّبَقِيُّ المُخاتِل .. المُشْرَبُ بلوْن الشَّهوة طوْراً، وطوْراً بلوْن الكبْتِ، والتوجُّع ...
س1: ميّادة:
نستهلّ الحوار بالعنوان: إمام ..
مبتدأ يفتقد خبره..
هل كان الايجاز بالعنوان نابعًا من الإرهاق الذّهني بعد ولادة القصيدة؟ أم بدافع التكثيف وتسديد أول سهام الغموض ليصيب بؤرة الهدف: عنصر التشويق؟ أم إنّك اتخذت من العنوان خزنة لادخار الغموض في رصيد القصيدة... بعد أن استغنت القصيدة ذاتها عنه وتبنّت الصراحة والمباشرة؟
ج1: د. محمّد عدلان بن جيلالي:
هذا السؤالُ ذكيٌّ كمِسْبارٍ آلِيّ .. يسْتهدِفُ مُكاشَفةَ الوازِعِ التقْنِيِّ، والاستراتيجيِّ الذي أنتجْتُ بهِ نصَّ القصيدة.
لذا، يتعيَّن عليَّ أن أتعَاطى الإجابةَ عنه، وعن مثْلِه من الأسئلة، برُوح قارئٍ، لا برُوح شاعر، مع اعترافِي سلَفاً أنَّ هسْهَسَةَ التحليل قد تنْزلِقُ بِي إلى جوْف القصيدة، فأضطرَّ لِمُفاعلَة بعض الأسئلة من داخلِ النصِّ، لا من خارِجِه.
لا تُرهقنِي عنْوَنةُ قصائدي أبداً. وإذا حدثَ وأنِ امتصَّ النصُّ القطْرة الأخيرةَ من مياه طاقتِي النفسيَّة، وقريْحتِي الإبداعيَّة .. أمتنِع عن عنْوَنتِه إلى أن تتجدَّد الطَّاقة، وتنشَحِن القريْحة.
أنا شاعرٌ يأخذ كامِل وقْتِه قبْل أن يُعَنْوِن نصوصَه. وإنِّي لأسْتجمِع كلَّ قوايَ الإدراكيَّةِ، واللُّغويَّةِ .. قبْل أن أباشِر فِعْلَ العنْونة. فقد أستغرِق، بعضَ الأحايِين، ساعاتٍ، بل أيَّاماً قبْل أن أرْسوَ على صياغةٍ عنوانيَّةٍ لقصيدةٍ واحدة، يقتنِع بِها عقْلِي، ويطمئنُّ لَها قلْبِي.
ولن أقترِف ذنباً إذا اعترَفتُ أنَّ هذه العتبَة: (إمام) كانت آخرَ لَمْسةٍ .. يرْتشُّ بِها وجْهُ القصيدة.
قدَرُ هذي القصيدةِ أن تَخِذ عنْوانُها شكْلَ كلمةٍ غيْرِ مُعرَّفة؛ وهو، من ثَمَّ، عنوانٌ لَمْ يكُن مُبتدَأً يفتقِر إلى خبَرٍ وحسْب، بل كان نكِرةً تفتقِر إلى تعْريف. وإذَن، فالابْتداءُ المبْتور، والتنكير المقْصود، كلاهُما، أسْهَم فِي جعْلِ النصِّ مَحلَّ تكثيفٍ دلالِيٍّ، ومُوارَبَةٍ قرائيَّة ..
فِي ضوء هذا المُعطى، يتراءى لِي، بوصْفِي قارِئاً، أنَّ العنوان هنا ينتصِب مُبْتدَأً، وخبَراً دفْعةً واحدة؛ كلمةً تبْتدئُ الجمْلة، وتُخبِر عنها فِي آن .. تفتحُ النصَّ، وتغْلِقه .. كأنَّه عنوانٌ يُخْبِر عن كلِّ شيءٍ، ولا يُخْبِر عن أيِّ شيء .. ولقارئٍ آخرَ الحقُّ المطْلَقُ فِي أن يرى أنَّ هذا العنوان مُبْتدَأٌ، وجسْمَ القصيدة خبَرُه، على الرُّغم من أنَّ فِي هذا الرَّأي، على مشْروعيَّتِه، ما يألَتُ من المكابَدة الدلاليَّة للقصيدة، وينتقِصُ من قيمتِها الجماليَّة.
إمام .. من دون ألِفٍ ولام: ذاك لأنَّنِي حريصٌ على مُطْلقيَّة اشتغالِ القصيدة؛ أي إنَّنِي أقصُد الإمام فِي كلِّ الأزمنةِ، وكلِّ الأمْكِنة من دون أن أقصُد جَميع الأئمَّة. أردتُ أن أقول إنَّ ما يُشكِّل الموضوع فِي هذا النصِّ ليس الإمامَ - الدِّين، ولكنَّه الإمامُ – التديُّن، وليس الإمامَ – الافتراض، ولكنَّه الإمامُ – المُمارَسة ..
فها هُنا يتحصْحَصُ الحقُّ، ويتأكَّد أنَّ لِهذه القصيدة الفاحِشة رسالة. وها هُنا ينْكتِب على وعْي القارئ، وعلى ورَقِ نفسيَّتِه ألْفُ سؤالٍ عن الهويَّة العمَليَّة لِهذا الإمام:
هل هو الإمامُ الاجتماعيُّ النظاميُّ المُعاصِرُ الذي يكْتفِي بتلاوة خُطْبتَيِّ الجُمُعة كالرُّوبُوت على مسامِع شرْذمةٍ من المُصلِّين .. يتردَّدون كالآلات على المساجد ليتلقَّوا خُطَباً فِي الدِّين من عصْر صدْر الإسلام، أو من عصْر المَماليك، أو من العصْر الأمَويِّ السَّحيق؟ أمْ هو الإمام الإرْهابِيُّ الذي صعَد الجبالَ بفعْل فاعلٍ سياسيٍّ .. فتَماهَتْ فِي روحِه السِّياسة بالدِّين، واختصَر اللهَ، وملائكتَه .. فِي كرسيِّ السُّلْطة؟ أمْ هو الإمامُ الداعِشيُّ الذي لَمْ يلبَثْ يُحرِّم الزنَى ويزْنِي، ويُحرِّم القتْل ويقْتُل بِمهارة رسَّامٍ تكعيبِيٍّ، ويُجرِّم اللِّواط ويُمارِسُه فِي ردهات السُّجون اللِّيبيَّة، والعراقيَّة، والسُّوريَّة؟ ...
إمامٌ .. من دون خبَرٍ، أو توصيف: لأنَّنِي شاعرٌ، ولسْتُ مُخْبِراً .. أو صِحافيّاً، أو مُرْشِداً واعِظاً. فالشَّاعرُ هو ذلك الكائنُ الإيحائيُّ الذي يلْهثُ كفراشةٍ هيْماءَ خلْف ضياء الآفاق المجْهولة .. الكائنُ الهُلامِيُّ الذي يَحْترِف فتْحَ العبارةِ كما يفْتح الشِّراعُ أفُقاً فِي مدى البحر. ليس إذَن، من شأن الشَّاعرِ قولُ العبارات النهائيَّة .. المُقفَلَةِ إمَّا بِخبَرٍ، أو بنعْتٍ، أو بشِبْه إضافة ...
فتصوَّري، سيِّدتِي، لو أنَّنِي أضفْتُ نعْتاً للمنْعوت (إمام) فِي لوحة العنوان؛ كأن أقول: إمامٌ فاسِقٌ، أو منافقٌ ..، كيف سيكون المَصير التأويليُّ، والجمالِيُّ لِهذا العنوان؟ وكيف سيكون مَصير قصيدتِي معَه؟ فسُرعان ما يتحوَّل جُمْلةً قطْعيَّةً .. مُنتهيةَ الصلاحيَّة.
لا مَحالةَ، إنَّ الإخْبارَ بأيِّ وصْفٍ من الأوصاف عن حالِ هذا الإمام فِي مسْتوى العتبَة، سيقتُل القصيدة قبْل الولادة، أو يُجْهِض مَوْلودَها الجمالِيَّ فِي يوْمه الأوَّل، ما يَجْعل القارئ، مهْما تكُن إيْجابيَّةُ التلقِّي لديه، يصْدِف عنِّي، ويشْعُر بديكتاتوريَّة العنوان ما دام يفْرض عليه قراءةً (نعْتيَّة) واحدةً، أو أحاديَّة الاتِّجاه .. فلا يفكِّر، ربَّما، حتَّى فِي تَخطِّي العتبَة إلى غُرَف بيْتِ القصيدة.
وإنِ ابتلاهُ الفضولُ وقرأ النصَّ، قرأهُ كما يقْرأ خبَراً مُبْتذلاً .. منشوراً فِي صحيفةٍ صفراء، ومُحرَّراً بتقنية الهرَم المقلوب!
هكذا يَجب أن تكون العلاقةُ بيْن مِنصَّة العنوان، وبساطِ النصِّ فِي مِحراب الإبداع: علاقةً إيْحائيَّةً مُضْمَرَة .. تنهَض على خيطِ وصْلٍ إنتاجيٍّ، بَلْهَ عَدائيٍّ مُتبادَلٍ بينَهما، حيث تنتقل عدْوى ذلك إلى علاقة النصِّ برُمَّته بكلِّ من يقرؤه.
هي علاقةُ اتصالٍ من حيث هي علاقةُ انفصال، وهي علاقةُ انفصالٍ من حيث هي علاقةُ اتصال. وإنِّي، إذ ذاكَ، لأستَسْمِج أن تُعَنْوَن قصيدةٌ ما بعنوانٍ يَحمل عقليَّةً أكاديْميَّةً؛ حيث يستغرق نصَّه استغراقَ تطابُقٍ، ووفاء ...
وأمَّا قضيَّة المُباشرَة، أو الوضوح الذي تبنَّتْه قصيدتِي فِي غفْلةٍ من ضبابيَّة العنوان، فتيْكَ قضيَّة معقَّدةٌ .. وقد أُجْريَتْ من أجل فهْمِها الجِرايات، وأُلِّفتِ الكتُبُ الضِّخام.
لكنَّنِي أحاول، فِي هذا المقام الخاص، اختزالَها فِي تسْويغيْن اثنَيْن:
أوَّلاً؛ أعترِف لكِ سيِّدتِي، وللقارئ الفضيل بأنَّ لغة هذه القصيدة، وكثيرٍ من قصائدي، لغةٌ واضحةٌ كالوصْفة الطبِّيَّة. بيْد أنِّي أتساءل: هل كان بوُسْعي أن أفضحَ مَخْفيَّ هذا الإمام الفاسق بلغة الغموض؟ وإذَنْ، هل يُمكن لِي، ولشاعرٍ غيْري، أن يفْضح غموضاً بِخطابٍ غامض؟
أعْنِي: أنَّ الموْقف السُّلوكيَّ، والفكريَّ الذي تناقشُه قصيدتِي موقفٌ حسَّاسٌ .. ما يزال يتحرَّك فِي السَّراديب المظلمة لِمجتمعنا العربِيِّ تَحرُّكَ الطَّابُو. وأنا شاعرٌ قد قرَّرتُ فضْحَ هذا الطَّابُو؛ فهل يُعْقَل أن أتَحدَّث عن الطَّابُو بلُغة الطَّابو؟ وهل يُعْقَل أن أفْشيَ سرّاً بصَمْت البانتُومِيم؟
أرى أنَّ فضَحَ تعْنِي وضَّحَ، وبذلك فإنَّ فعْل الفضْح منطوٍ سلَفاً على منطِق الإيضاح. وأرى، أيضاً، أنَّ المنطقيَّ هو أنَّنا نفضَح غموضاً، ولا نفْضح وضوحاً! فبالله .. كيف تُريدينَنِي يا سيِّدتِي أن أفْضَح غامِضاً بتغْميضِه؟ القضيَّة قضيَّةُ جنْسٍ صعَّد خفقان اللِّيبيدو فِي دم إمامٍ مُنافِقٍ، أو مضغوطٍ عاطفيّاً .. هذا الذي هو نفْسُه سرْعان ما استنكَرَ الغموض الذي لبِسَ وجْهَ جارتِه صادِعاً: (ما أوْضَحَ الجنسَ وما أوْضَحَهْ)!
من ذا رأى لغةَ جنْسٍ مُرَمَّزةً وفْق تعاليم المذهَب الرمزيّ؟ ذاك ليس جنْساً، ذاك جبْسٌ لا لونَ، ولا ذوقَ له. ومن ذا رأى رجُلاً يطْلب يدَ امرأةٍ للزَّواج .. بِهُلاميَّةِ أدونيس، ورمْزيَّةِ مالارْميه، أو بودْلير؟
أقول آخرَ الأمر؛ لأنَّ موْضوعة قصيدتِي واضحةٌ، كان عليَّ أن أتعاطاها بِمُعْجَمٍ واضِح.
ثانياً؛ أعترِف، مرَّةً أخرى، بأنَّنِي بالغْتُ فِي تشْفيف هذا النصِّ إلى درَجة أن تَماهَتْ هويَّتِي مع هويَّة المصوِّر الفوتوغرافِي، أو انْعجَنَتْ روحي بروْحِ الأنتْروبولُوج.
لكنَّنِي أحبُّ أن أشوِّر إلى أنَّ وضوحَ قصيدتِي ها هُنا وضوحٌ مُعْجَميٌّ فَحَسْب. إذ ثَمَّة أبعادٌ كثيرةٌ متناقضةٌ، ومتداخِلةٌ، ومتناسِلةٌ .. تضْطرِب تَحْت قشْرتِها الخارجيَّة. هل لِي الحقُّ فِي أن أسِم هذا النَّوع من الوضوح (الشِّعريِّ) بالوضوح الرُّؤيَوِيِّ الدَّلاَّلِ اللمَّاح ..؟ لكِ سيِّدتِي أن تَحْكُمي على هذا الوضوح بكلِّ وضوح. وللقارئ الكريم أيْضا.
أرى أنَّه وضوحٌ مَشْروطٌ بسنَديَّةٍ بلاغيَّةٍ، جَماليَّةٍ .. من شأنِها حِمايةُ النصِّ من وضوحٍ مُطْلَقٍ مُفخَّخ، من وضوح العلَماء، والفقهاء، والخُطباء .. وإلاَّ تَحوَّل، حقّاً، إلى دالَّةٍ لوغارتْميَّةٍ فاصِلة، أو إلى مَحْضِ أوامرَ، ونواهٍ فِي نصِّ خُطْبةٍ من خُطَب صلاة الجمُعة ...
فهذا النَّوع من الوضوح البلاغيِّ الإيْحائيِّ .. هو ما أفْضى بِي مثَلاً إلى قول جُمَلٍ سَهلةٍ وصعْبةٍ فِي الوقتِ عيْنِه، من قبيل: (البابُ مَخْلوقٌ لكي نفْتحَهْ). دعينِي أختصِر فأقول إنَّ من يقرأ هذا النصَّ كمَنْ يسْتعمل المنظار فيَرى الأشياءَ، والكائناتِ قريبةً منه، حتَّى تكاد تلْتصِق بعيْنيْه، لكنَّه بِمُجرَّد أن ينتهيَ من القراءة / من استعمال المنظار، تنعدِمُ الرُّؤية، كأنَّه لَمْ يقرأ، ولَمْ يرَ شيئاً قبْل قليل!
س2: ميّادة:
تقديم القصيدة بحلّة جديدة.. قصيدة كمشهد سينمائي..
إذ جمعت عناصر السينما تحت خيمة الشعر:
الحوار المباشر (همسًا) بين شخصين: إمام الحيّ وجارته الحسناء.
الزمان: قبل صلاة الفجر.
المكان: باب دار الجارة.. يلتصق بجانبيه المتضادين الإمام والجارة.. وكلاهما كفوهة بركان ثائر.. الجارة، من الداخل، تنفجر غضبًا وقلقًا.. والإمام، من الخارج، ينفجر شهوة ورغبة.
الإضاءة: بقعة ضوء فوق باب الدار.. تشاكس بقايا العتمة وقت الفجر.
الموسيقى التصويرية: الموسيقى الشعريّة من البحر السريع الذي يحاكي دقات قلبَي الشخصيتين المتسارعة.. وقافية "الهاء الساكنة" التي تتصاعد من تأوهات شهوة الإمام وشهقات صدمة الجارة.
كل عنصر يجرّ خلفه شريطًا طويلًا من الدلالات الواضحة للقارئ.. فيثير إحساسًا مغايرًا.. فيغدو القارئ رهين مشاعر متناقضة..
انطلاقًا من أن الشاعر، بعد انعتاقه من أسر القصيدة، هو أول قارئ وأول ناقد لها. فما هي المشاعر الّتي داهمتك لدفع ضريبة الإبداع؟
ج2: د. محمّد عدلان بن جيلالي:
ها أنتِ سيِّدتِي تقْرئينَ القصيدة بعيْنَيْ سينِفَايْل (Cinephile) – عارِفةٍ بِخبايا السِّينما! لا بدَّ أن تكونِي كاتبةَ سيناريُو ماهِرة .. ولا بُدَّ لِي – إذَنْ – أن أتعلَّم على يديكِ أبْجديَّةَ الكتابةِ السِّينارْيُوهاتيَّة ...
صدقْتِ، قد تعَمَّدتُ كتابةَ هذا النصِّ مُتقمِّصاً وعْيَ كاتبِ سينارْيُو، ومُلْتبِساً بِنفْسيَّة مُخْرِجِ أفْلامٍ سينِمائيَّة. نعَمْ، وقد فعلْتُ ذلك بسَبْق الإصرار، والترصُّد.
فقد حاولْتُ أن أستثْمِر، قدْرَ استطاعتِي، ما أتيحَ لِي من مَعْرفةٍ بالترْسانة التقنيَّة لِخطاب السِّينما؛ المونتاجُ، والقطْعُ، وأحجامُ اللَّقطات، والكادْراجُ، والزُّوم ... وهلُمَّ جرّا. تلْك نقْطةُ ارتكازِ قصيدتِي، ومصْدرُ قوَّتِها الاستراتيجِيُّ فِي تفْتيق الإيْحاء، وإنتاج القيَم الجماليَّة .. بِمعْزلٍ عن غطائها البلاغيِّ، والبَيانِيِّ الذي لا أراهُ سوى مَسْلَكٍ إبْداعيٍّ يقع على هامِش الخطاب.
وأنتِ تعْلمين، سيِّدتِي، ويعْلَمُ قارئُ "المثقَّف" أيضاً، أنِّي ثرْثرْتُ كالطَّاحونة الدَّاهِمة بُغْيةَ استظْهار هذا المُرتكَز التقْنو- جَمالِيِّ المُعتمَد فِي كتابة القصيدة عندما رددْتُ على تعاليق السَّادة القرَّاء، بعْد إيداعِها بيْن يديِّ الصَّحيفة الأمينتَيْن. وضربْتُ للقارئ مثالاً تطْبيقيّاً عن ذلك .. لكنَّنِي، فِي هذا السِّياق، أفضِّل تأجيلَ تفصيلِ الكلام إلى سؤالٍ لاحق، إن شئتِ.
التناقُض الوجْدانِيُّ، والفكريُّ .. هو ملْحُ الشِّعر، وبنْزينُ القصيدة. بشرْط ألاَّ يكون تناقُضاً أجْوَفَ، يُحنِّط جذْوةَ الإبداع، ويشُدُّها إلى وتِدٍ مغْرُوسٍ فِي أرضٍ جدْباء، بدَلَ التحليق بِها إلى أعلى، فِي سَموَات الفكْر، والنقاشِ الحضاريِّ المؤسَّس.
لا غرْوَ، قصيدةُ إمام هي قصيدةُ المفارَقة .. والتناقضِ بين الدَّاخل والخارِج، بين العُمق والسَّطح، بين الجوهَر والمظْهَر. وأفْصِح هنا بأنَّ هذا الوضْع الأنطولوجيَّ المتناقضَ لَمْ يأتِ من أعماقِي الداخليَّة، بقدْر ما أتى من خارِج ذاتِي؛ فلطالَما شاهدتُ من الظَّواهر فِي مُجتمعي ما يُدوِّخ العاقلَ، والمجنون: ثلَّةٌ من سُكارى يُعاقرون الخمر بِبراعة أبِي نواس على هامشٍ معْتمٍ من الشَّارع، ويَخوضون، فِي الوقتِ عيْنِه، حديثاً راقياً عن سيِّدنا إبراهيمَ عليه السَّلام، وعن موسى، وكيف شقَّ البحر بعصاه .. متحجِّبةٌ وفْق المعايير الشَّرعية لارتداء الحجاب تُمارس الفسْق، وتفْحش فِي الكلام، وتتهجَّم على النَّاس كأنَّها الحُطيئة .. إمامٌ وقورٌ، ورِعُ الهندام يتحرَّش بالنِّساء، والرِّجال، ويُطارِد الأطفال بسياط الجنس فِي حرَم مدْرسةٍ قرآنيَّة ...
إلى أين يتَّجه عالَمُنا العربِيُّ مَشحوناً بِهذه التناقضات المتناقِضةِ يا سيِّدتِي؟ الأدهى أنَّ هذا التناقض المرَضيَّ قد بات ينسحب على طبقات المجتمع برُمَّته؛ فهذا الإمام الذي حدَّثتكم عنه حديثاً شِعريّاً قد يكون ربَّ أسْرة، وقد يكون وزيراً، وقد يكون رئيسَ دولة!
غيْر أنَّ ما خشيْتُه بعد أنِ انفصلتِ القصيدة عن فمي، وتَحوَّلتْ من الملْكيَّة الخاصَّة إلى الملْكيَّة العامَّة، هو انتقال عدْوى ذلك التناقضِ إلى القارئ بصورةٍ معْكوسةٍ، وفِي شكْل موْجاتٍ سالِبةٍ هادِمة. فلا ريْبَ، إنَّ قارئَ هذا النصِّ البسيطِ المعقَّد، بِمُجرَّد أن يفْتح فعْلَ القراءة، يَجدْ نفسَه مُتوَّهاً كمَوْجة بَحْرٍ فِي دهاليزَ صوتيَّةٍ لا تُفضي إلى أذُنٍ صاغية، ومُلتطِماً بألْف سؤالٍ، وسؤالٍ حول الهويَّة الحقيقيَّة لِهذه الأصوات الفاعلة على رُكْح القصيدة:
صوتِي أنا بوصْفي شاعراً، أو مُخْرِجاً شِعْريّاً. صوتُ الإمام، وصوتُ جارتِه بوصْفِهما مُمَثِّليْن على البلاتوه. صوتُ الإيقاع، وصوتُ الفجر، وصوتُ باب الدَّار .. بوصْفِها حوافَ الشَّاشة. مع انْضيَاف صوت القارئ نفسِه إلى فوضى هذه الأصوات المتلاطمة المتناطِحةِ المتماهِية ... بوصْفِه صوتَ تفاعُلٍ، ومُشاهَدة.
أيُّهما هو صوتُ الإمام، وأيُّهما هو صوتُ الشَّاعر/ الرَّاوي داخلَ هذا المشْهد الشِّعريِّ الملْتهب؟ هذا هو السُّؤال الذي خفْتُ، ولا أزالُ خائفاً، من أن يُسْنِد إليه القارئُ فعْلَ قراءتِه بكاملِه، مُختصِراً قصيدتِي فِي التنقيب عن صوتِي أنا داخلَ النصِّ، ابْتغاءَ تثبيتِ دلائلِ اتِّهامي بالزندقةِ، والفسْق .. بعْد أن يكتمل الرأيُ فِي وعْيِه، آخرَ الأمر، بأنَّ صوتِي وصوتَ الإمام سواء، أو بأنَّنِي إمامٌ لا شاعرٌ، أو بأنَّنِي مُجرَّد شاعرٍ مُتَوارٍ خلْف جُبَّة الإمام فِي حال أنصفَ هويَّتِي الشِّعريَّة.
ذلك إذَنْ، هو المصدر الفعليُّ لِمشاعر الخوف التِي اجتاحتْنِي قبْل كتابة القصيدة، وأثناءَ الكتابة، وبعْد الكتابة. ففكَّرْتُ فِي انتهاج تقنيةٍ تَحْريريَّةٍ يكون من شأنِها أن تُحيِّن للقارئ مسافةَ حيادٍ وظيفيَّةً بيْن ذاتِي، وبيْن ذاتِ الإمام؛ فلَمْ أجِدْ أفضلَ ما يُفعِّل هذه المسافةَ باحترافيَّةٍ، وبأجْلى صورةٍ من معْوَل السَّرد، وتقنية التعبير السِّينمائي، حيث تفْصِل عدَسةُ التصوير ذاتَ المصَوِّر عن الموضوعِ المصَوَّر.
من هذا المنطلق، فزِعْتُ إلى ضخِّ القصيدة ببعض الأبيات التِي لَمْ أكُ أبْغي من ورائها غيْرَ التذكير بأنَّ هذا الإمام الذي أصوِّره، وأشخِّص حالَه .. لسْتُه. تَمْثيلاً، لا حصْراً، أدعوكِ، سيِّدتِي والقارئَ، إلى تأمُّلِ هذين البيتَيْن:
وَيْكَ! إمامُ الحيِّ .. يا ما أرى
مِقْصلَةٌ لِحْيَتُهُ .. مَذْبَحَهْ
باللهِ .. هذا الفمُ يا ليْتَنِي
من شُعراء الحبِّ كي أمْدحَهْ
فِي البيتِ الأوَّل، سُرعانَ ما تصْطدِم نيَّةُ القارئ بِنيَّةِ الجارة، ليقتنع، إذْ ذاكَ، بأنَّ الذي انْفتَحَ على لسانِه نصُّ القصيدة هو الإمام، وليس الشَّاعر، هذا الإمام الذي انتصَبَ أمام بيْتِ جارَتِه كعَمودٍ كهْرَبائيٍّ يبْحث عن بطَّريَّة شَحْنٍ إضافيَّة!
وأمَّا البيتُ الثَّانِي، ففيه تبْئيرٌ على مِفْصَل التباعد بين صوت الشَّاعر، وصوتِ الإمام؛ هذا الذي يتمنَّى لو كان شاعراً من شُعراء الحبِّ ليَمْدح فمَ جارتِه بالمستوى البلاغيِّ المطلوب.
نعَم، هناكَ نوعٌ من التمْويه يُوالِج بين صوتِي، وصوتِ الإمام على صعيد هذا البيت الشِّعريِّ بالذات؛ فقد يتساءل قارئٌ: كيف لِهذا الإمام أن يكون على هذا المستوى من قولِ مثْلِ هذا البيت، مُتمنِّياً أن يكون شاعراً فِي الوقت عيْنِه؟ إنَّها لَمفارَقة!
هنا، لا بُدَّ لِي أن أحيل هذا النَّوع من القرَّاء إلى أنَّ التداخلَ بين الصَّوتيْن فِي هذا البيت تداخلٌ تقْنِيٌّ، سرْديٌّ ليس إلاَّ. ثُمَّ أليس التمويهُ ضرْباً من ضروب اللُّغة السِّينمائيَّة التِي كانت منطلَقاً حاسِماً فِي نسْج الحلَّة التعبيريَّة لقصيدتِي؟ وهو ما يُصْطلَح عليه فِي المعجم السِّينمائيِّ بالخدْعة السِّينمائيَّة.
الأدْهى أنَّ هذا النصَّ مُدَوْزَنٌ بالخُدَع اللُّغويَّة، والبلاغيَّة .. من حيث تداخل الأصوات فِي فضائه. أيُّهما أنا، وأيُّهما هوَ؟ وفِي أيِّ موْطِنٍ من النصِّ تنفتِح أنايَ وتنغلِق أناه؟ وفِي أيِّ موْطِنٍ آخرَ تنفتح أناهُ، وتنغلِق أناي؟
تلكَ هي مكيدة اللُّعبة الدلاليَّة الخبيثة!
س3: ميّادة:
كتب الشاعر الكبير نزار قباني في كتابه "قصتي مع الشعر":
"إن اللغة تتحرك باستمرار دون أن نشعر بحركتها اليومية تمامًا كما لا نشعر بحركة الكرة الارضية.
إن الشعراء – لا اللّغويين، ولا النّحاة، ولا معلمي الإنشاء- هم الّذين يحرّكون اللّغة، ويطوّرونها، ويحضّرونها، ويعطونها هويّة العصر."
ففي قصيدة "حبلى":
لا تَمْتَقِعْ!
هيَ كِلْمَةٌ عَجْلَى..
إنّي لأشعرُ أنّني حُبْلَى..
وصرختَ كالملسوعِ بي.. "كلاَّ"..
سنُمزِّقُ الطفلا..
وأخذتَ تشتُمُني..
وأردتَ تطرُدُني..
طبّق مبدأ التقنين واستعمل لغة الدراما والحوار المسرحي لأن المسرح كان، في زمن كتابة هذه القصيدة، الفنّ الأكثر رواجًا وتأثيرًا فِي المجتمع.
واليوم، بعد أن استقطبت السينما اهتمام البشر وتربّعت على قمّة الفنون المرئيّة، شغلت الذاكرة البصريّة الحيّز الأكبر في ذاكرة الإنسان.
فجاءت قصيدتك، الّتي تستشفّ جماليات السينما، دليلًا على بحثك الدؤوب من أجل التجديد وفلاحك باحتلال حيّز للشعر في وجدان القارئ، رغم استبداد السينما.
هل تعتقد أن القصيدة السينمائيّة قادرة على "حفظ ماء وجه" السينما؟ خاصة بعد أن تخلّت الأعمال السينمائية (ليس جميعها) عن رسالتها الإنسانية وقادت السينما إلى هاوية الفنون؟
ج3: د. محمّد عدلان بن جيلالي:
قبْلَ أن أخوض فِي الإجابة عن هذا السُّؤال المُعاصِر، لن أتْركَ الفرْصة تغْتالُنِي .. وأنا أقفُ فِي مقام الشَّاعر المُبْتكِر، الرَّاحلِ نزار قبَّانِي، فأقول:
أنا قطْرةٌ فِي بَحْر نزار قبَّانِي. وشِعْري الذي كتبْتُه، والذي لَمْ أكْتُبْه .. نثْرٌ أمام قصائدِه الخالدة.
لكنَّنِي قطْرةٌ تُحاول أن تُشْبِه نفْسَها .. تَجْتهِدُ اجتهادَ كرَة الثلْج الصَّغيرة .. عسى أن تنتفِخ يوماً، وتكْبُرَ .. تكْبُرَ .. حتَّى تغْدوَ بَحْراً آخر ...
هذا العصْرُ هو عصْرُ عيُونٍ، لا عصْرُ آذانٍ، ولا عصْرُ أفْواه. أقول لكِ سيِّدتِي ما أقول بقلْبٍ مفْجوعٍ بسبَب الهامش الضيِّق الذي بات الشِّعرُ يأوي إليه فِي عصْرنا البصَريِّ هذا.
لكنَّنِي، على الرُّغم من ذلك، أحاوِل دائماً أن أستثْمِر فِي بصَريَّةِ عصْري بِنحْوٍ يُجدِّد نفَسَ القصيدة، ويُحصِّنُها من داء النَّمطيَّة. ولَئنْ كانتِ السِّينما قدَراً فنِّيّاً مُحتَّماً علَيْنا، لَمْ أجِدْ بُدّاً من الاستنجاد بطاقاتِها التعبيريَّة، والتزوُّدِ من نُسْغِها الجمالِيِّ .. قصْدَ تَحْريك جنْس الشِّعر، وتطْعيمِ دمِه الأصْفر بِمزيدٍ من الكريَّات الحمْراء ..
ولقد مضيْتُ فِي تَهْجين جِنْسِ الشِّعر بفنِّ السِّينما فِي كثيرٍ من قصائدي حتَّى تَحوَّلَ ذلك عندي واحداً من المنطلقات الفكريَّة، والجماليَّة فِي كتابة القصيدة. ولَكَمْ كان هذا المنطلَقُ ماثلاً فِي قصيدتِي (إمام)، فلا أعتقِد أنَّ قارئها سيجِد أيَّةَ مَشقَّةٍ فِي استشْفاف مَحْتدِها السِّينمائيِّ المُتوَاري مثْلَ الرُّوح خلْفَ لُحْمة تراكيبِها، وتَعطُّفاتِها الجُمَليَّة ...
واسْمحي لِي، سيِّدتِي، أن أضرِبَ هذا المثال البسيط، علَّ أن أكشِف عن بعض مسالِك اللُّغة السِّينمائيَّة داخل هذا النصّ:
وَيْلَكَ .. يا حسْناءُ قلْتُ افْتحِي
تاللهِ .. بابَ الدَّارِ لنْ أبْرَحَهْ
لو لَمْ أضعِ الفتْحةَ على كاف الكلمة الأولى من هذا البيت، لكان من المحتَمَل أن يضَع القارئُ مكانَها كسْرةً، بِحُكْم أنَّ بقيَّة الكلام فِي البيت تَجْري على لسان الإمام مُخاطِباً جارتَه الواقفةَ كالبابِ خلْف بابِ دارِها.
لكنَّ تلك الفتْحة على كاف (ويْلَك) هي بيتُ القصيد فِي هذا البيت؛ فهي ما يُجسِّد صوتَ الجارة، الأمْرُ الذي يُمكن أن نتخيَّل له لقْطةً كبيرةً تسْتظْهِر لون الذُّهول، وحُمْرةَ الغضب على وجْهها .. وأمَّا جُمْلة النداء (يا حسْناءُ قلْتُ افْتحي)، فهي ما يُمكن أن نتصوَّر لَها لقْطةً مُتوسِّطةً تؤطِّر الجزءَ الأكْبرَ من مُثُول الإمام عند العتَبَة، على أنَّ عجُز البيْت يُغطِّي حدَثاً لقرارٍ أقْسم الإمامُ على تنفيذِه، لذلك الأجدى أن يتجسَّد بلقْطةٍ شاملةٍ تسْتغرِقُ الإمام، والباب، وجزءاً من واجهةِ البيت مرْشوشةٍ ببعض قطرات ضوءِ القمر ...
أتلْحظينَ سيِّدتِي؟ هناك تدرُّجٌ تصاعُديٌّ .. دراميٌّ فِي مستوى أحْجام اللَّقطاتِ الثلاث. ذلك، ربَّما، ما يُفرِّق بيْنِي ساعياً إلى تسْنيم الشِّعر، وبيْن العظيمِ نزار قبَّانِي ساعياً إلى مَسْرَحة الشِّعر؛ إذِ الكتابةُ بِمِخْيال التقنية السِّينمائيَّة هو ما سوَّغَ لِي بأن أُمَنْتِجَ بين صوتيْن لِمُمَثِّلين اثْنيْن على صعيد البيْتِ الواحد، بل على صعيد صدْر البيت وحسْب، بعكْس المنطق السَّرديِّ للمسْرَحة الذي يفْرِض على الشَّاعر توضيحَ الانتقالة من صوْتٍ إلى صوْت .. كما هو الشَّأن فِي المثال الذي أوْردتِه أعْلاه من شِعر نزارَ العظيم.
هكذا أنا أثابر كدودة القزِّ .. على كتابة شِعْرٍ لا يُقرَاُّ، بل يُرى، ويُشاهَد.
فِي الحقيقة، ومن بعْض هذا المنظور، أرى أنَّ الْتحاد الشَّاعر إلى فلَك السِّينما هو ما سيحْفظ وجْهَ الشِّعر، على هَوْنٍ ما. وهُنا عليَّ أن أوضِّح قضيَّة (حفْظ ماء الوجْه) هذه، وأفكَّ بعْضاً من شِفْراتِها؛
لا جرَم، إنَّ أيَّ نصٍّ فِي العالَم، مهما يكُنِ انتماؤه الأجْناسيُّ، سوف يأفَل نَجْمُه، ويَسْوَدُّ وجْهُه بِمُجرَّد أن ينفصِم عمَّا يقع خارِجَه من تَحوُّلاتٍ وجوديَّةٍ، وثقافيةٍ، وأنترُبولوجيَّة ... وليس لأيِّ ناقدٍ، أو فيلسوفِ جَمالٍ .. أن يُلاوِص الفنَّ على تَجْريده من فاعليَّة المشاركة فِي تغيِير العالَم. فبالله، ما كُنْهُ هذا الفنِّ الذي يُمارَسُ بِحافز الفنِّ، وداخلَ الفنِّ، ومن أجْل الفنِّ .. خارِجَ خارطة الكرة الأرضيَّة؟
إنَّ فِي قوْل القائلين بِمَذهَب (الفنِّ للفنِّ) خطَلاً كبيراً، ومغالَطةً فاحشةً لَم تعُدْ تنطلِي على أحد، ولقد رأينا مُنظِّريَّ هذا المذْهَب المزْعوم، ومُمارسيه كيف اجْتثَّهمُ المعْول الوجوديُّ للكتابة الإبداعيَّة مثْلَ الأعشابِ الضَّارَّة .. لذا، أرى أنَّ الفنَّ، والشِّعر بِخاصَّةٍ، ليس مُجرَّد طابِقٍ فِي عمارة، أو رُتْبةٍ فِي سلَّمٍ تراتبِيٍّ، أو إداريٍّ ثابتٍ تعْلو الواقعَ، وتتجاوزُه، إنَّماهُ ضلْعٌ ضالِعٌ فِي واقِع الإنسان، ودمٌ بنفْسجيٌّ يسْري فِي الدوْرة الدمويَّة للحياة. والذي يرى عكْس ما أرى، فرأيُه لا نَجْمَ له!
أتساءلُ الآن، ولْتتساءلِي معي سيِّدتِي، هل ما يزال الشِّعر فِي هذا الوطَن العربِيِّ المأفون يفْعل أفاعيلَه، كما كان، خارِجَ الشِّعر؟ لا والله. أظنُّنِي، فِي حدود قراءاتِي على الأقلِّ، لَمْ أقرأ حتَّى الآن قصيدةَ شِعرٍ من هذا العصر هزَّتْ دولةً، أو غيَّرتْ قراراً سياسيّاً، أوِ انْعطفتْ بتاريخِ شعْبٍ نَحْو اتجاهٍ حضاريٍّ مَحْسوب ..
لَمْ يعُدِ الشِّعر يُحرِّك الإنسان، ويُحضِّر الأممَ، والدُّول. أقولُها بِمرارة الحنظل فِي حنجُرتِي. الشِّعر فِي زمانِنا هذا قد بات يعانِي من عقْدة الفُصام الوجوديّ؛ يُعْجب القارئَ، ولا يُحرِّكه .. يُثير عواطفَه، وأعصابَه، ولا يُحرِّضه على فعْلِ أيِّ شيء .. فقُلْ أيُّها الشَّاعر ما شئتَ، فإنَّك لن تَخْرق الأرض قولاً، ولن تبْلغ الجبالَ طولا!
لِماذا لُذْتُ بالشِّعر إلى جنْسٍ فنِّيٍّ مُجاوِرٍ هو السِّينما؟ بَحْثاً عن تَجديد أدواتِي، وتقنياتِي الإبداعيَّة، وابتغاءَ نفْض الغبار عن منطلَق الكتابة الشِّعرية. بل لِأتبَرَّك بالفاعليَّة الأسطوريَّة التِي أضْحتْ تسْتميز بِها السِّينما فِي التأثير، والتغيِير ..
فما أكثر الأفلام التِي زلْزلتِ التاريخ، وجعلتِ الحكماءَ، والأمراءَ .. يُهرولون كالخرْفان لاتخاذ القرارات إمَّا بالمنع، أو بالتصرُّف على نَحْوٍ آخر. واسْمحي لِي سيِّدتِي فِي هذا السِّياق المَحصور أن أعطيَكِ عن ذلك أبْسطَ مثال: تصوَّري لو أنَّ واقعةَ صحيفة إبْدو شارلِي (Hebdo Charlie) قد وقعَتْ خارجَ منطِق الصَّوت والصُّورة، أي وقعتْ شِعْريّاً، هل كان لَها أن تفْعل ما فعلَتْ بالرَّأي العام العربِيِّ، والعالَميِّ حتَّى؟ لا أعتقد ذلك. وأتَمنَّى ألاَّ تعتقدي أنتِ، والقارئُ ذلك أيضاً.
ذاك إذَنْ هو قدَر الشِّعر فِي زمانِنا .. وذلك هو قدَر السِّينما. كأنَّ وجْه السِّينما محفوظٌ (فِي لوْحٍ محفوظ)!
مع ذلك، يَجْمُل بِي أن أومئ هنا إلى أنَّ لُجوئي إلى دُنيا السِّينما لَم يكُن، فِي قصيدتِي هذه خاصَّةً، لِسواد عيون السِّينما، بل كان لِسواد عيون الشِّعر بالتأكيد. لأنَّ الشِّعر، آخرَ المطاف، هو أرْقى الفنون، ولسْتُ أنا مُخترِعَ هذا الحكْم، بل هو هيجل وقد أثْبتَه، بالتنظير والتمثيل، فِي فلسفتِه الجماليَّة الخالدة، إذْ إنَّ الفنون جَميعَها لتنصَهِر فِي صلْصال الشِّعر. وعلى هذا الأساس أرى أن السِّينما بِموسيقاها، ومرْئيِّها، وحركيَّتِها .. موجودةٌ بالقوَّة داخل القصيدة، لا خارِجَها، وما على الشَّاعر إلاَّ استنطاقها، وإخراجها إلى سطْح الوجود بالفعْل، والمراس، والتجرِبة ...
ما أحْوجَنا إلى شِعْرٍ يتحقَّق خارِجَ الشِّعر! وأمَّا قصيدتِي هذه، فمذْ كتبْتُها لَمْ يبْرَح الإحساسُ حناياي بأنَّه لو فُتِّحتْ لَها أبوابُ النشر هنا فِي الجزائر، لَحقَّقتْ، ربَّما، ما لَمْ يكن فِي الحسْبان ..
لكنْ لِمنْ تقرأ زابورَكَ يا داوود؟ ولِمنْ تقرأ شِعْركَ يا عدلان!
س4: ميّادة:
في محاضرة عن تاريخ الفن التجريدي.. تمّ فيها عرض لوحات تشمل خطوطاً وأشكالاً هندسيّة بسيطة.. علّق أحد الطلبة: كل شخص بإمكانه رسم هذه الخطوط والأشكال.. وردّت المحاضِرة: لكن لا يملك كل شخص الجرأة على تقديم هذا للجمهور كإبداع، وعبقرية لإقناع الجمهور بأنه فنّ.
وكذا حال الفلاسفة حين يؤطّرون المنطق بالكلمات.
فهل بإمكاننا، من هذا المنطلق، اعتبار الشاعر فنانًا وفيلسوفًا جريئًا حين يقدّم عبارة بديهية على هيئة حكمة؟ كما في قصيدتك:
البابُ مَخْلوقٌ لكيْ نفْتَحَهْ
ج4: د. محمّد عدلان بن جيلالي:
قبْل أن أفاعِل هذا السُّؤال، أحبُّ أن أقول: ليس من حقِّ الشَّاعر أن يُقنِع القرَّاء بأنَّ ما يكْتُبه شِعر، بلِ القرَّاءُ، والنُّقَّاد .. همُ المالِكون الشَّرعيُّون لِهذا الحقّ. مع ذلك، للشَّاعر حقٌّ فِي أن يُرافِع، ويُدافِع عن شِعْرِه، وعن قناعاتِه الإبداعيَّة فِي حال أُلْصِق بِها نوعٌ من الأحكام النقديَّة المُغْرِضة فِي شكْلِ تُهَمٍ شخصيَّةٍ، أو خناجرَ مسمومةٍ تطال ظهْرَ الشَّاعر، وظهْرَ قصيدتِه معاً.
نعَمْ، بإمْكانِكِ أن تنطلِقي هذا المنطلَقَ الفكريَّ العميق فِي فهْم قضيَّة الشَّاعر المعقَّدة. الشِّعر مُمارَسةٌ مَعْرفيَّةٌ .. لكن بأدواتِ الشِّعر، لا بأدواتِ المعْرِفة. وما انْسَحب هذا الوصْفُ على الشِّعر فِي أيِّ عصْرٍ من الأعْصار السَّالفة كما انسَحب عليه فِي عصْرنا مُذِ اتَّلَج فِي كنَف الحداثة، وما بعْدَ الحداثة، وتاهَ فِي دهاليزِ أسْئلة التجريبِ الشَّكلانِيِّ الهَرْمَسيَّة ..
وإذَنْ، فإنَّ الشاعرَ الذي ما يزال يكتُب الشِّعرَ من أجْل أن يكتُب الشِّعر، ومن دون أن يكون له مشروعٌ فكْريٌّ يُسْنِد إليه فعْلَ الكتابة، إنَّما هو أشْبَه ما يكون بالحِرَفِيِّ المندَسِّ كاليَرَقة فِي شرْنقة الفولْكلور، وتكون (القصائدُ) التِي يكتُبُها كالصِّناعات التقليديَّة التِي لا يعْدو تأثيرُ بُهْرُجِها زُجاجَ البصَر.
نعَمْ، الشَّاعر فيلسوفٌ، ويَجب أن يكون كذلك. وهو فيلسوفٌ لا بالمقاييس العلْميَّة، والأكاديْميَّة التِي يذْعَن لَها خطابُ الفلْسَفة، وإنَّما من حيث يُريد إلى تعْميق الرُّؤى، أوِ العلاقةِ بيْنه، وبيْن الوجود .. وإلى اقْتراح بديلٍ، أوِ اجْتراح أنْموذَجٍ جَمالِيٍّ .. فِي مُمارسة الحياة.
فِي هذا الضَّوء، بوُسْعي القول إنَّ ما بيْن الشِّعر، والفلسَفة كالذي بيْن الفجْر، والصُّبْح .. كلاهُما خطابٌ أوَّلِيٌّ، وعميق، على أنَّ العُمْق فِي الفكْر يَجْنح إلى الأحاديَّة، والتدقيق، والهدوء العقْلِيّ، بينَما يَجْنح العمْقُ فِي الشِّعر إلى التعدُّد، والهُلاميَّة، والصَّخبِ النفْسيّ العارِم ...
فخارِجَ هذا المنظور الفلْسفيِّ المُناوِر، ستكون قصائدُ الألاعيبِ اللُّغويَّة، والبلاغيَّة الجوفاءَ كالأفلام القديمة، أو كالسِّينما الصَّامتة .. قصائدَ خرساءَ، ومكتوبةً باللَّونيْن الأبيضِ، والأسود!
ولعلَّ نظْرتِي (الفلسفيَّة) إلى كتابة الشِّعر هي ما يُفضي بِي إلى إنتاج مثْلِ هذه الجُمَلِ البسيطةِ المركَّبة، السَّهلةِ الصَّعبة، السَّطحيَّةِ العميقة: (البابُ مَخْلوقٌ لكيْ نفْتحَهْ)؛ وإذا كنَّا قد تعوَّدْنا على تسْمية مثْلِ هذه الظاهرة الأسلوبيَّة بالسَّهل الممتَنِع، فدعينِي، سيِّدتِي، أصْطلِح عليها اصطلاحاً آخر، ولْيَكُن: أسلوب السَّطح المعَمَّق مثلاً.
ثُمَّ أضيف أنَّ مثْلَ هذه العبارات الحكيمة كما تفضَّلْتِ، يسْتحيلُ عزْلُها عن السِّياق الدلالِيِّ للقصيدة، فلو قيلَ هذا البيتُ الشِّعريُّ خارِجَ بنْية قصيدتِي، لتحوَّلتْ حكمتُه تفاهةً .. وضحِك عليه القرَّاءُ، والنقَّاد ضحْكَ المجانين ...
لذا أقول: كلَّما كان سياقُ القصيدة عميقاً، تعمَّقتْ معَه عباراتُها، وكلماتُها، دوالُها، ومدْلولاتُها، حروفُها، وفواصِلُها، ونُقاطُها ...
وما أدرانِي، وما أدراكِ سيِّدتِي، أنَّ هذا البيت يَخْلو من أيِّ أثرٍ للبداهة: فكلمة (الباب) وحْدَها هُنا كلمةٌ خبيثةٌ، أعنِي: عميقة، إذْ يسْتحيلُ حصْرُها فِي بُعْدٍ دلالِيٍّ واحد؛ ألا ترَيْن أنَّ لَها بُعْداً ماديّاً معْماريّاً، وبُعْداً سياسياً، وبُعْداً اقتصاديّاً، وبُعْداً جنسيّاً ...
نعَمْ .. فلْنُحاوِل قراءةَ (الباب) تَحْت ضغْط هذه الأبعاد المتلابِسة!
س5: ميادة:
مِن قبْضة الدِّين أنا هارِبٌ
وهارِبٌ من قبْضة الأضْرِحَةْ
مِنْ فِقْهِ أحْكام الْمَراحيضِ .. مِنْ
أدْعيةٍ تَدُور كالمِرْوَحَةْ
مِن نُسُك اليومِ .. ورُوْتينِها
مِنْ دوَران اللهِ فِي المِسْبَحَةْ
تفضح هذه الأبيات الصراع الداخلي لدى الإمام.. ومعتقداته الّتي تتناقض مع الدور الذي يؤدّيه كل يوم..
لو كنتَ الممثّل القانونيّ لضحيّة المجتمع - الإمام - في محكمة "الجنايات الإجتماعيّة"، ما هي التّهم الّتي تقدّمها لإدانة المجتمع؟
ج5: د. محمّد عدلان بن جيلالي:
ليس الأئمَّة - وعلماءُ الدِّين حتَّى- فِي المجتمعات العربيَّة سوى عرائس قَرَقُوسٍ تُحرِّكُ خيوطَها أيادٍ خفيَّةٌ من وراء ستائر الخشبَة. لذلك، أرى أنَّ من المجْحف أن نُدين المجتمَع، ولا نُدين المتحكِّم فيه، والمتربِّعَ على عرْشِه؛ إنَّه نظامُ الحُكْم، أوِ المؤسَّسة الرسْميَّة للدولة.
إنَّ المجتمع الذي يتوافر على هذا الطراز من رجال الدِّين، إنَّما هو يُدينُ نفْسَه بنفْسِه. لأنَّه هو، ومن يَحكُمه، من يرْسُم تصاميمَ الإمامة، ومن يضَع مقاييس الجُبَّة التِي يَجب أن يلْبَسَها كلُّ إمام، ومَن يُحدِّد شكْلَ العمامة التِي يَجب أن يلْتفَّ بِها رأسُ كلِّ رجُل دين ..
فماذا ننتظر من نظامِ حُكْمٍ لا أمْهَر منه فِي تنْميط الدِّين، ورموزِه، وتشْكيلِ قوالِبَ تَحْنيطٍ له بِمفْهوم (الأشكال الرمْزيَّة) لعالِم الاجتماع، والأنتروبولوجيا إرْنَسْت كاسِيرَر؟ وماذا ننتظر، نتيجةً لذلك، من إمامٍ يتصرَّف كالطَّبْخة المُعلَّبة .. بوصْفِه كائناً بِنْيويّاً، نظاميّاً .. يُحرِّم ما يُحرِّمه النظام، ويُحِلُّ ما يُحِلُّه النظام؟
الإمام عندنا .. مُجرَّد موظَّفٍ لدى الدولة؛ يُصلِّي بالناس، ويقْذفهم بِخطَب الجمعة كالحجارة كلَّ نِهاية أسبوع .. ولا يُمكِنه أبداً أن يتحوَّل من موْضع الموظَّف إلى موْضع الفاعل الاجتماعيِّ، لأنَّ ثَمَّة عيوناً تراقبه، وتترصَّد خطواتِه يوميّاً من بوَّابة المسجد إلى عتبَة الدار ...
الإمام عندنا .. مضغوطٌ عاطفيّاً، وجنْسيّاً .. بفعْل الازدواجيَّة اللَّعينة التِي يُكرِّسها السُّلطان فِي خطاباتِه الرسْميَّة صباحَ مساء؛ فهو يَحثُّ الناس على ترْك الفواحش ما ظهَر منها وما بطَن، والسلطانُ يُمارسُها فِي الفنادق الفخمة، والميادين العامَّة .. كما تُمارس الرِّئتان عمليَّةَ التنفُّس ...
فِي هذا السِّياق، أتذكَّر تصْريحاً فُكاهيّاً لوزير الشُّؤون الدينيَّة فِي الجزائر، أدْلَى به قبْل بِضْعة أشْهُر، بشأن قرار تَحْرير تِجارة الخمور، وتسْهيل بيْعِها فِي الفضاءات العامَّة المتَّخَذِ من لدُنْ زميلِه فِي بيْت الحكومة: حيث أفضى إلى الصِّحافة دون حياء بأنَّه ليس من الحياء فِي شيءٍ أن يُدين قراراً لوزيرٍ مثْلِه (وزيرِ التجارة)، ويقْدحَ فِي شخْص من يتقاسَم معه الوظيفة الحكوميَّة نفْسَها!
أتلْحظين؟ وزير الدِّين، ووزير التجارة كلاهُما موظَّفٌ لدى الدَّولة وكفى. ولا يضير وزيرَ الدِّين شيءٌ إن أحلَّ وزيرُ التجارة الخمْرَ أمْ حرَّمَه!
باسْم هذه الازدواجيَّة النكْراء، أستطيع الزعْمَ أنَّ السَّواد الأعظم من أئمَّتنا، ورجالات الدِّين قد باتوا يتصرَّفون كالأيقونات المُذَهَّبة على المنابِر .. باتوا كالشُّعراء يقولون ما لا يفْعلون، وفِي كلِّ وادٍ يُريدُه السُّلطان يَهيمون ...
بِهذه الطريقة، لو سَمحْتِ سيِّدتِي، أدافع عن الإمام ضحيَّةً، ومُتَّهماً فِي آن: المجتمع المنافِق .. لا يُنتِج إلاَّ إماماً منافِقاً، أو أكْثرَ منه نفاقا ...
س6: ميّادة:
كابدتَ مخاض هذه القصيدة في آذار، عام 2005.. لكنها تحرّرتْ من حدود تاريخ ولادتها.. ولم يجرؤ قانون التّقادم المسّ بها حتّى الآن.. فهي تكشف حقيقة معاصرة تنضوي إلى قضية مؤلمة تتناسل لتواكب مهرجانات الفساد في مجتمعاتنا.
ما هي المقوّمات التي تحدّد مدّة صلاحيّة القصيدة وتطيل مكوثها في الذاكرة الحيّة؟
ج6: د. محمّد عدلان بن جيلالي:
هناكَ مُقوِّماتٌ شتَّى، تَخْتلِف من حيث الحِدَّةُ، والأولويَّة. وقد أبْدو غامضاً، أو مُتهرِّباً من الإجابة عن سؤالكِ حين أقول إنَّ المقوِّم الأوَّلَ، والأخيرَ الذي يضْمن للقصيدة عُمْراً أبَديّاً .. هو أن تكون القصيدةُ قصيدة.
لكنَّنِي أرومُ إحالتَكِ، وإحالةَ القارئ الكريم، إلى سبَبٍ من أسْباب دخول القصيدة جنَّةَ الخلْد؛ يَمْثُل أساساً فِي عدَم شفافة النصِّ، وعدَم وقوعِه فِي مصْيَدة التسْمية والتوصيفِ المؤقَّت، وعدَمِ نزولِه إلى درَكِ التشخيص، والسبِّ، والشَّتيمة ..
أردْتُ أن أقول إنَّ النصَّ الشفَّاف هو النصُّ الذي يُعبِّر عن شيءٍ ما، فيتجاوز ذاتَه؛ أي بِنْيتَه الشِّعريَّة، وديناميَّتَه الجماليَّة .. فيظلُّ لازِباً كالدِبْق بذلك الشيء .. وهكذا سيكون مَصيرُ هذا النصِّ الزوالَ المحتوم بزوال الأشياء.
على حين إنَّ النصَّ الخالد هو ذلك النصُّ الذي لا يُعبِّر عن أيِّ شيءٍ من الأشياء، ولكنَّه يُعبِّر بالأشياء. وعمَّا يُعبِّر إذَنْ؟ عنِ الرُّؤى، والفِكَر، والآفاق الدلاليَّة المفتوحة ...
هكذا حاولتُ أن أكون فِي قصيدتِي إمام: لَمْ أقُلْ شيئاً عن الإمام، لكنَّنِي قلْتُ بالإمامِ أشياءَ، وأشياء .. فما أعطيْتُه إسْماً، ولا سَمَّيْتُ جارَته، وما شخَّصْتُ مكاناً، ولا ثبَّتُّ تاريْخاً .. تركتُ الأبواب، والنوافذَ، والكُوى مفْتوحةً، فبقيَتِ القصيدةُ مفْتوحة!
قد أضيفُ إلى ذلك عامِلاً آخرَ من عوامل دوام صلاحيَّة القصيدة: أن تأتِيَ على هيئة بيْتٍ شِعريٍّ واحد، فتتمَنَّع عن القراءة بالتجْزئة، والتقسيط تَحْت أيِّ ظرْفٍ من الظروف، وفِي أيِّ سياقٍ عمَليٍّ من الأسْيِقة.
فمثَلاً؛ من يَجْتزئ بقراءة هذا البيْت من قصيدتِي: (فما صحيحُ (مُسْلمٍ) .. إنَّنِي / من كتب (الصَّحيحَ) من صحَّحَهْ)، سيظلِمنِي، ويظلِم قصيدتِي ظلْماً تاريْخيّاً، وسيُدينُنِي بتُهمة الزندقة، والكفْر، واتِّخاذ رموز المسْلمين هزُؤاً .. ولا أمْلِكُ أنا، بِمنطِق التجْزئة الفطيرِ هذا، إلاَّ أن أمتثِل لِحكْم الإدانة، مُعترِفاً (أنِّي أسْتحِقُّ الإدانة).
حسْبِي أنَّ معايِير وضْعِ تاريْخ انتهاء الصلاحيَّة، أو دوامِها على علْبة القصيدة أمرٌ نسْبِيٌّ، ويبْقى نسْبيّاً كالبحْثِ عن موْجةِ بَحْرٍ فِي بَحْر، أبَدَ الآبدين ...
على أنَّ أجْملَ تعْريفٍ بالشِّعر، وأدْوَمَ تعْريفٍ بالشِّعر، هو أن نقول: الشِّعرُ هو الشِّعر.
وكفى النقَّادَ شرَّ التنظيرِ، والمَفْهَمَة!
ميّادة: شكراً لك مجدداً الشاعر القدير د. محمّد عدلان بن جيلالي وشكراً على الحوار الممتع، والآن نترك الباب مفتوحا لمداخلات القراء لطرح المزيد من الاسئلة لإثراء الحوار.
ميادة أبوشنب
المثقف - نص وحوار
.............
إمَام / مُحمَّد عدلان بن جيلالي
صَمْتاً .. ولا تَحْتجِبِي .. وافْتحِي
البابُ مَخْلوقٌ لكيْ نفْتَحَهْ
أَغافِلٌ بَعْلُكِ؟ يا ليْتَهُ ..
لِي نزْوةٌ عندكِ .. لِي مَصْلَحَةْ
لَعَمْرَكِ اللهَ اْذَنِي لِي .. كما
مِئذنةٌ تدعو إلَى مَفْلَحَةْ
وَيْكَ! إمامُ الحيِّ .. يا ما أرى
مِقْصلَةٌ لِحْيَتُهُ .. مَذْبَحَةْ
قلْتُ افْتحِي .. هذا جُنون الهوَى
ليس بوُسْعي الآنَ أن أشْرَحَهْ
رَبَّاهُ .. كُفِّي وافْهمِي مَأرَبِي
ما أوْضحَ الجِنْسَ وما أوْضحَهْ
وَيْلَكَ .. يا حسْناءُ قلْتُ افْتحِي
تاللهِ .. بابَ الدَّارِ لنْ أبْرَحَهْ
لسْتُ منَ الإرهابِ يا جارتِي
لا سيْفَ واللهِ .. ولا أسْلِحَةْ
تَحْت قَميصي انْفعلَتْ شهْوةٌ
لَها عيونٌ .. ولَها أجْنحَةْ
مِن قبْضة الدِّين أنا هارِبٌ
وهارِبٌ من قبْضة الأضْرِحَةْ
مِنْ فِقْهِ أحْكام الْمَراحيضِ .. مِنْ
أدْعيةٍ تَدُور كالمِرْوَحَةْ
مِن نُسُك اليومِ .. ورُوْتينِها
مِنْ دوَران اللهِ فِي المِسْبَحَةْ
باللهِ .. هذا الفمُ يا ليْتنِي
من شُعراء الحبِّ كي أمْدحَهْ
فقبِّلينِي .. تنْعَدِمْ عُجْمَتِي
الفمُ بالتقْبيلِ ما أفْصَحَهْ
عيْناكِ تَحْلُمانِ بِي .. فاحْلُمي
وحُلْمُ هذا النَّهْدِ أن أسْفَحَهْ
يُريد أن أجْرحَهُ أوَّلاً
وثانياً، يُريد أن أمْسَحَهْ
يُرى بِشَمْسِ العيْنِ خيْرٌ لهُ
منْ نَتَنِ العُتْمة .. ما أكْسَحَهْ!
النَّهْدُ كالصَّحراء يا نَخْلَتِي
يُحبُّ شَمْسَ اللهِ أن تلْفَحَهْ
أنا فَقِيهُ العشْق فاسْتفْتِنِي
لَمْسِي حلالٌ .. ويدي مُفْرِحَةْ
فما (صحيحُ مُسْلِمٍ) .. إنَّنِي
مَنْ كتَبَ (الصَّحيحَ) .. مَنْ صحَّحَهْ
وقْتُ صلاةِ الفجْر لِي داهِمٌ ..
وأنتِ بابُ البابِ .. مُسْتوْضِحَةْ؟
أسْتغفِرُ اللهَ .. انْصَرِفْ، وانْخسِفْ
مِثْلُكَ كمْ نَحتاجُ كي نفْضحَهْ
نَهْدٌ شريفٌ يا إمامَ الْخنَى
خسرْتَ إسْلاماً لكي ترْبَحَهْ
آذار، عام 2005