نص وحوار
نص وحوار مع الشاعرة هيام مصطفى قبلان ونصها: عرس الظل/ ميادة ابو شنب
هيام مصطفى قبلان ناقدة، قاصة، روائية، وشاعرة لها حضور دائم في صحيفة المثقف.
حصلت على جائزة الإبداع للكتاب العرب قسم الثقافة والفنون في الوسط العربي في فلسطين المحتلة سنة 2006
حصلت على درع المثقف للثقافة والأدب والفن - المرأة الناقدة سنة 2012
أصدرت سبع مجموعات شعرية ومجموعة نصوص أدبية وفلسفية، قصة قصيرة ورواية.
ولها العديد من القصائد المترجمة للّغة العبرية والإنجليزية والأسبانية .
عملت في صحيفة الصنارة الصادرة في مدينة الناصرة لمدة سبع سنوات في زاوية أدبية وثقافية أسبوعية بعنوان (على أجنحة الفراش)، وفي اذاعة صوت المحبة في الكرمل ولمدة ثلاث سنوات أعدّت وقدّمت برنامجاً أدبياً بعنوان (طلّ القمر) من خلاله أطلّت على العالم العربي بوجوه لأدباء وشعراء ونقاد من عرب ال48 ومن الخارج .
ميادة ابو شنب: الشاعرة هيام مصطفى قبلان بعد أن قرأنا نصك"عرس الظل" وجدنا أنه نص مصقول في قالب خاص من الاسلوب الفني واللغة المكثّفة في طرح آلام الإنسان العربي . وقد إنفجر كقنبلة غاز مسيّل للدموع. فأبكانا على حال عروبتنا، ما دفعنا إلى إختياره لباب نص وحوار في المثقف ومحاورته من خلال بعض الأسئلة تاركين الفرصة للقراء الكرام لطرح المزيد منها وإغناء الحوار بمداخلاتهم.
أهلاً وسهلاً بالشاعرة هيام مصطفى قبلان في المثقف، في باب نص وحوار.
هيام مصطفى قبلان: أشكرك أستاذة ميادة أبو شنب والشاعر جلال جاف لدعوتكما لي لهذا الحوار واختيار قصيدتي " عرس الظّل" متمنية نزهة في ربوع العالم العربي والابحار في جسد القصيدة التي شكّلت خارطة للبلدان العربية في كلّ مكان، أشكر مؤسس المثقف الأستاذ الفاضل ماجد الغرباوي لاتاحته الفرصة للمبدعين اللقاء بالقراء والشعراء والأدباء من خلال هذا التماس الذي يعكس فكراً منفتحاً ونافذة منها نطلّ الى عالم الأدب والحضارة والثقافة، أتمنى أن أكون خفيفة الظّل عليكما وعلى رواد المثقف، وبكل سرور وبهجة دفاتري مفتوحة أمام الجميع للحوار .
س1: ميادة ابو شنب: يستحوذ "أدب الظل" على نصك وعلى عنوانه "عرس الظل". أدب الظل أو الأدب المستريح هو الأدب البعيد عن الطاعة والولاء لاصحاب السلطة. الكاتب يتحرر من كافة الارتباطات والتوجيهات الخارجية، ويمكنه أن يطلق العنان لمخياله فيكون الإبداع إنعكاساً لاختلاجات الكاتب النابعة من الواقع والحقيقة. وهذا عكس أدب الطاعة والولاء إذ يُظهر الكاتب غير ما يضمر.
النص: " أعتذر " لبغداد" النّائحة فوق أفنان النّخيل فضّ " القّواد" بكارتها،وانتفضت كالعنقاء يا " سيّاب" ها هم .. أراهم يقفون بالطوابير عند عتبات القصور، يمضغون لغة العهر يبيعون الكلام ..."
.........
" وصاحت أمّي
أيّها الأوغاد خذوا ملح العين واتركواعنق الأرز يتشرنق مزهوا يلامس وجه السحاب ...."
حين يتحرر المبدع من كل القيود بما فيها الجاذبية الارضية، ويدخل في متاهة الآلام التي تثقل وجدانه فيعاني مخاضاً يرهق حسه المرهف.
ما هي معالم طريق الآلام التي سافرت بها وكيف تمت ولادة هذا النص النازف؟
ج1: هيام مصطفى قبلان: أريد أولا أن أعود الى تقديمك الرائع عن أدب الظل أو الأدب المستريح، والخطوة الأولى فيه هي انسلاخي كمبدعة يحذوها التأمل والرفض عن العالم الذي اعتصر حلمي وجعله يقبع في العتمة، ومن منطلق الاصرار والرفض اتّبعت في طريق آلامي النزعة (الغوتية) والتي تتمثّل بما قاله الأديب والفيلسوف الألماني " غوته" عن الظّل: " حين يوجد الكثير من الضوء يكون الظّل عميقا " ..والمعنى الاستطرادي لذلك هو التماهي مع ما يتبقّى في الذاكرة في لحظة الشيء الذي نرفضه وما نريده زوالا لذا في عرس الظل أسدلت الستار على الضوء كي أحتفل بالعتمة، أو اللون الرمادي والذي بمعناه المجازي هو هذا " الكائن الظّل" والذي أراه وألمحه من زاوية العين وكلمح البصر حتى أكاد لا ألتقطه وقد يعتبرها البعض ظاهرة (ما ورائية) ربما لها صلة بعالم الخيال أو المواجهات العابرة في الحياة لكن تفسيرها في الحقيقة أعمق من ذلك وهي التحرّر من كل ما يربطنا بالواقع كي نعود اليه ونحن لا ندري كيف فهي ظاهرة خارقة ما ورائية، هناك من يطلق عليها " أصحاب الظلال" الذين يوصفون بلونهم الأسود ويظهرون بهيئة صور ظليّة من شخصيات يصعب ملاحظة ملامحهم وقد يملكون هيئة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد وأحيانا نراهم بأشكالهم الهندسية، ولأصحاب الظلال حركة سريعة ترى من زاوية العين، أما من ناحية فيزيائية لا تنطبق عليهم خلال عبورهم الأجسام الصلبة، ومن هنا كان لظلي هنا عبور " السيّد المسيح" على الماء وهو يعبر الى بحيرة طبريا وطريق آلامه كان مصحوبا بقامة طويلة تظهر للمتربصين له على هيئة ظلّ .
وفي الكتابة لا يختلف الأمر عن كوننا نحلّق في عالم من الخيال وهو جزء من الواقع، وحتى يكتمل النص نحن بحاجة أن يختمر، وفي عرس الظل كان النزف أقوى من حالة المخاض لذا ولد بسرعة كما الظل الذي لا نلمحه الاّ بزاوية العين، من أجل أن أخرج الجنين بساعات من قبل الولادة وربما في ذلك راحة نفسية أشبعتها بعمل احتوى أماكن ورموز أدبية ومفردات أبحت لها الصراخ عنوة .
س2: جلال جاف: النص:
"أعتذر لقاماتكم وهاماتكم
لرصاصكم اليخترق أرصفة الشّوارع
لعرس الدّم ...وصهيل الخيول ودقّ الطّبول
لأجسادكم الهاربة من عفن معاطفكم
لياسمينة تدلّى عنقها من شرفة دمشقيّة ..
أعتذر لموائدكم الخالية من كاسات النّبيذ
وخلاخيل الغواني ورائحة الشّواء
لنومكم على صدور تحلب الوهم ..
أعتذر لخمّاراتكم وباراتكم،لفنادقكم وأبراجكم لأشجاركم التي تموت واقفة لعباءاتكم المرصّعة وخيامكم لسفاحكم ..ونكاحكم ..لبطون نسائكم المبقورة لكلّ الرّموز التي غفت في بؤرة أحلامها .."
في الادب العالمي كثيراً ما لجأ الكتاب لتقنية "العبثية" في كل ما قدموه من نصوص خاصة النص المسرحي، في المقطع أعلاه نقرأ بشعرية عميقة الصعوبة التي تعترض الشاعرة في تقبل العالم العربي " العبثي" الذي تعيش فيه، و تقديمك النص أنتج "اللاجدوى " التي هي من أهم خصائص النصوص العبثية ... القاريء يواجه حالة من التناقض،اذ تغوصين به في عالم عبثي و أنت تدينين هذا العالم العبثي بخلق "أللاجدوى" فهل تتعمد الشاعرة هذه التقنية في كشف كل ما هو "ممنوع من التداول" في عالم عربي ينزف بكل الامراض السياسية و الاجتماعية؟
ج2: هيام مصطفى قبلان: هذا صحيح، ففي عرس الظل أمزج بين تقنية العبثية والسخرية والتي هي في معظم الحالات نتيجة لهذا العالم العبثي الذي أدينه حقا وفي النهاية ليس الكمال ما أطمحه انما التغيير من أجل الأفضل لذا قد يشعر القارىء بالتناقض ما بين رفضي للواقع وبين ظلي الذي أهرب اليه الى عالم الخيال، والذي لا يلد الاّ اللاجدوى كما أراده الأوغاد والأنذال والسفهاء،وهنا نوع من الاعوجاج الذي يتلولب بعنصر الزمن تاريخيا، الزمن المشحون بالانفعالات والظلال المهزومة، فالظّل لم يفارق العرس في زمنه الآني فقد جاء ثقيلا كي يبكي الضاحك وهي حيرة الشاعر في تلوين ما حوله لأننا نعيش مسرحية أبطالها نحن، نضحك ونبكي على مذاقات حياتنا بألوانها، نسير عبثا ونعيش حالات من الضياع والواقع ومن هنا تصعد الروح الشاعرة كي تحتفي بهذا العرس وهي تدري أن الخطيئة البشرية تلازم ظلها، لأن تداول الممنوع هو حالة مغروسة في العقلية العربية المتوارثة التي تمنع كل ما يكشف الحقيقة من عار، وأخطاء، وأمراض سياسية واجتماعية، ولا تقترب من جسد الحقيقة بل تلامس القشور فتبقى الصراعات ويستمر البحث الى ما لا نهاية في عالم من ضياع
س3: ميادة أبو شنب: النص:
"أعتذر لك يا شآم
فقد ارتكبت بغيبتك الخطايا"
" أعتذر لزنديّ ثائر
صلّى على ضفّة النيل " حماك الله يا مصر"
" أعتذر " لبغداد" النّائحة فوق أفنان النّخيل فضّ " القّواد" بكارتها،وانتفضت كالعنقاء"
" أعتذر لطفلة الرّماد، تنسج خيوط الشمس
شالا على شاطىء غزة
لسيّدة الحزن والصّمت .. .."
" أعتذر لك بيروت ..أيّتها الشّهيّة
العصيّة ..ليلكية العينين..
طالت يد الغزاة خصرك النّحيل"
الاعتذار هو إستعطاف المرغوب في عفوه. حيث يعبّر الإنسان عن ندمه على ما بدر منه من تصرف. وتقديم العذر في صورة تتماثل مع التصرف الخاطيء لتقنع المرجو عفوه.
مايميّز الأدباء داخل "الخط الاخضر"، وأنت منهم، أنهم يأخذون على عاتقهم تجسيد هموم الوطن العربي كافة، رغم أنهم يعانون العزلة والحرمان من التواصل مع أدباء الوطن العربي الذي يهاب "التطبيع"، لكنهم يشاركون بوجدانهم وأقلامهم لترسيخ أواصر الإنتماء.
فهل تعتذرين للشام، مصر، بغداد، غزة وبيروت، رغم أنك لم تقترفي اي ذنب يستوجب الإعتذار، لتقتربي منهم أكثر أم تكتفين بلقائهم في وجدانك لصعوبة تحقيق الحلم؟
ج3: هيام مصطفى قبلان: انتمائي للوطن العربي واعتذاري للشام ومصر وبغداد وغزة وبيروت لم ينبع من شعوري ونيتي بالاقتراب منهم أكثر فقط، بل هو نوع من الذنب أنني لا أستطيع المشاركة في الواقع بكل ما يجري في الوطن العربي من مظاهرات ضد الظلم والقمع والتواصل مع أصدقاء لي بحرية، عدا عن الدول التي يحذر علينا دخولها كعرب ال48، والانتماء بالنسبة لي أنا شخصيا له علاقة بسيرتي الذاتية فأنا أعتبر نفسي مزيجا من الأوطان وعلى الأقل ثلاثة من البلدان العربية ( سوريا، لبنان، وفلسطين)، جذور أبي من سوريا، وأمي من الجنوب اللبناني، وأنا ولدت في فلسطين ربما هذا الثالوث المقدّس بالنسبة لي غير متواجد عند غيري من الشعراء فغربتي ليس لها علاقة بالمكان فقط انما بالذات وهي غربة صعبة تشعرني بالذنب أنا التي زرت جنوب لبنان بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وكانت الشوارع تعجّ بالخراب وبرائحة الجثث وبالدماء التي امتزجت برائحة القهوة الطرية المسكوبة على أطراف الموائد في المقاهي،وحين وصلت الى بيروت بحثت عن بحر درويش الذي قرأته في ذاكرة النسيان، وكم تعثّرت شهقتي حين لم أجده،فقد كان دامعا، راكدا،عطفت عليه ولم أستطع أن احتويه وأحاوره كما كان في الحلم، عدت الى الكرمل وفي الفؤاد مرقد لغربتين،شعور قد يمزقك فتتناثر أشلاء وشظايا ... وكتبت لبيروت: " تلفتت بيروت قائلة / يا أيّها الغريب ارحمني، فالقوافل ما عادت تجيء من الحجاز/ ولم يعد كروان الليل يستحم بماء الورد/ لم يعد في راحتيّ سوى حفنة حنّاء وخصلة شعر تموء / بين حمرة ... العين والخد / يا أيها الغريب حرّر خاصرتي / فأنا العروس العارية بين هذا المد وبين ذاك الجزر / أنا جديلة بيد القهر / بين شاطىء الهزل وبين رياح الجد/ أنا امرأة ثكلى في قبضة السّجان، وبين أصابع اليد " هذا جزء من قصيدة لبيروت، أما الشام فقصتي مع ياسمينة تدلّى عنقها من شرفة دمشقية كان أبي يرويها لتتفتح كل يوم، والآن بعد الذي حصل في سوريا من قمع ودمار واباحة دماء وظلم وطغيان، من جلد للمواطن وكمّ الأفواه لن أغفر لنفسي لو أنني لم أكن الجزء الأكبر ممّ يحدث للشعب هناك، هذا هو الانتماء للجذور،بيت أبي القديم عائلته، تراب وطنه الذي لم يحتضنه ساعة رحيله، الغربة والحنين والرحيل اجتمعت لتحتفي باعتذار لخطيئة لم أرتكبها بل ارتكبها الجلاّد والسيّاف والبلطجي وسماسرة الأوطان .
قد يكون في كلامك الكثير من المنطق في تقديم العذر والذي من المفروض أن يتماثل مع تصرّف خاطىء أندم عليه لكن " السخرية " هي الشخصية المركزية في تمسرح قصيدتي عرس الظّل اضافة الى الحرمان في التواصل.
س4: جلال جاف: النص:
"أعتذر لكم أيّها الشّعراء فوق منابركم
بعت هويتي وخنت قضيّتي
مارس الأنذال شهواتهم تحت زيتونتي
وصفعتني الريح بسمرتها ولم تستر عرائي .."
الصور الشعرية تحمل إيحاءات نزيف الشعراء في البحث عن هوية الشعب العربي و تبرز ألم و نزيف الشاعرة في إدانة كل أشكال إستغلال الجنس كوسيلة إضطهاد يسلطها الحكام على شعوبهم، في المقطع أعلاه صور ظلامية توحي بتفسخ الراهن العربي وتعفن أفعال بعض الحكام العرب فهل تثيرين بهذا قريحة الشعراء لتوجيه الشعر كخطاب مباشر للشعوب العربية؟ وكيف تتصورين الخطاب الشعري الذي يدين أبشع الصور لعلاقة الحكام بتجارة الجنس؟
ج4: هيام مصطفى قبلان: فقدان الهوية هو احساس ناتج عن كوني فلسطينية أولا، فالهوية ليست قصاصة ورق نضعها في جيوبنا ولا أعتبرها جوازا للسفر أتخطى به الحدود والمطارات والمعابر، بل الاحساس بأنّ شيئا ما يلّح عليّ لأنهض من جديد وأتابع ما بنته وأسسته الأيادي السمراء بغرسها أشجار الزيتون في كل شبر من أراضي الجليل والكرمل، وحين تنهض يوما قبل شقشقة عيون الفجر وتشاهد الجرافات تقمع وتفصل جذع الشجرة عن عنقها تعود للبحث من جديد عنك وعن الهوية، لأن الهوية هي تجذّر، هي المكان، وبدون المكان لا وجود للفلسطيني،المكان واللغة والهوية، ومن هنا فاستغلال الاحتلال الجنسي ليس للبشر فقط وانما للنبات والرمل والشجر، للمروج والغابات والجبال، هي ممارسة في مصادرة الانسان كانسان وتعليبه داخل علب من السردين،والاستغلال الجنسي لم يعد هاجس المحتل لوحده بل هو هاجس الأمة العربية الآن برمتها، الجنس وسيلة قمع واضطهاد يمارسها الحكام مع أجساد وفكر شعوبهم، نعم هو التعفّن الفكري والعتمة التي أتاحت للظل أن يدخلها كي يمرّ من هناك ولا يراه أحد الحكام ويفقده بكارة أنثاه، أليس للظّل أبعاد وأحجام وأطوال، أليس هو المتلفّع بعراء العالم، أليس المتسكّع بعشوائية وعبثية كي يضيء حلكة الليل؟ ان الظل بايقاعاته المخيفة لا يحتمل الأضواء فلندعه في العتمة يرتع من كؤوس هذا العهر ويستل سيفه ليبتر الحقيقة المثقوبة الهرمة،النائمة في أسرّة الغرباء .وأتساءل أين الشعراء من كل هذا؟ حتى الشعر اليوم بمعظمه لم يدخل بلاط السلاطين ولا قصور الملوك ولا الغرف الحمراء، ولا الحانات، ولا برك البترول، ولا قوقعة سلحفاة . ولا عرين أسد، ولا مطبعة للعملة الصعبة، ولا مصرف، ولا مأوى لقطط الليل النائحة، ولا، ولا، ولا،!
ماذا اذن، أهو الصمت، صمت الحلم العربي؟ الخوف من التعذيب والعقاب؟ الخوف من الفساد، ماذا والشاعر ما زال مطبوعا بختم الحاكم، ماذا ستكتبون أيها الشعراء عن حكام يتاجرون في الجنس من أجل المحافظة على الرذيلة والشهوات والفسق ومضاجعة العاهرات،والبيع في المزاد العلني؟ لن أطلب منكم المزيد فالمحابر جفّت والحناجر اعتقلت، ولكم الله، لكم الله في استرداد العافية ..!!!!
س5: ميادة ابو شنب: النص:
" أعتذر لمواسم العشق..
لصوتي الخارج عن ايقاع القصيدة
لذاكرة تطلّ ..تفقأ عين فراشة
لمن احتفل برمشي ..وحمل اغترابي بيده الثكلى ومرّ على عهد الهوى ..ودلّلني ..وأشقاني وقرع أجراس مخيّلتي فأبكاني ..."
هناك مقولة تُنسب لك، إذ تقولين: " كلنا أغراب في هذه الحياة، لكن غربتي هي غربة النفس عن نفسها. غربة الروح عن المكان والانسلاخ عن الزمان."
ما هي دواعي هذا الشعور بالإغتراب؟ وهل من الممكن أن ترث أجيال الأبناء حنين الآباء لمواطنهم الاصلية؟
ج5: هيام مصطفى قبلان: نعم كلنا أغراب في هذه الحياة، نأتي اليها، نمرّ بالبيوت والأشجار والأنهار، بالحدائق والمقاهي، يستوقفنا البحر كثيرا، نرمي من فتات قمحنا بقايا الفتات، ندرج على التلال، نهيىء للسراج زيته، نطفىء قناديل العشق ونبكي العمر عمرين، نعشق، نتماهى ونتباكى، ويرقص الجرح على الجرح،ونمضي نرحل دون عودة .
غربة الروح: حين نفقد من نحب ولا نسترجعه، حين يرحل عبير هواه،حين نمارس الجنس عنوة وتمارس بأجسادنا الطعنات، طعنة وراء الطعنة .غربة الروح حين لا نجد من تسافر اليه هذه الروح ولا تلتقي به في زمن ما أو في مكان ما.
أما الشعور بالاغتراب: هو حقا عملية تناسل حين يرث الأبناء حنين الآباء لمواطنهم الأصلية، فقد عبّرت في فقرة سابقة عن مدى هذا الاحساس والذي يؤدي الى تراكم الغبار على رفوف الذكريات وفي خوابي العمر، غربة النفس عن نفسها وهي دائمة البحث، وغربة المكان الذي نرنو اليه من بعيد كنجمة لا تطالها اليد .
س6: جلال جاف: النص:
"أعتذر للمأجور والمأمور والتابع والبلطجي
للصينيّ ..والروسيّ والهمجيّ ..للصدّيق والزّنديق للقصّاب والسمسار وحارس الظّل أعتذر للطيّب الصالح ..للماغوط ..ولمظفّر لنزار والحمام الذي يحطّ على راحتيه ..
لساحات مدريد ولوركا ..لبابلو نيرودا
لدرويش والغياب وورده الأقل وعينيّ ريتا
لأمّة تزحف على بطنها كالسلحفاة
تمارس اللواط والرياء والعشق الممنوع وتحتفي بنهديها"
في هذا المقطع تتجلى وبمفهوم عالمي سلبيات الأمة التي تمارس كل انواع الشذوذ الذي ينعكس سلباً على أخلاقها و يدمر أجيالا لا تحمل أي فكر أو أي تصور للتحضر و الحداثة و العالمية و أنت تركزين في نفس المقطع على أهم قامات الشعر العربي الحداثي ورموز الادب العالمي . ما هي اهم مقومات الحداثة التي تتطلع اليها الشاعرة في ظل هذا التضارب بين الحداثة وبين ضياع الامة في "شذوذها و ماديتها و تنكرها لقيمها الروحية "؟
ج6: هيام مصطفى قبلان: الحداثة ليس بمفهومها الخاطىء، ليس من العيب أن نستلهم أفكارنا من الغرب وأن نعترف بثقافاتهم المتنوعة وحضاراتهم، أن نقرأ أدب الغرب ونعتصر منه الخلاصة، أن نعلّم الأجيال الآتية أنه من الممكن أن نسير قدما مع التكنولوجية الحديثة والعلوم المتطورة لكن علينا أن نحافظ على ما تبقّى لنا من قيم وأخلاق،وتراث وتاريخ، أن لا نتورط بالتطور السريع دون أن نتوقف متأملين ونتساءل ماذا يناسبنا منه؟! أن لا ننسى لغتنا الأم، لغتنا العربية الجميلة التي لا تضاهيها لغة في العالم ببحر مفرداتها ومعانيها، العيب أن نستغل الحداثة في الأدب لنعبر الى الأسوأ من منطلق الهروب الى السهل فانه لا بد وأن يتحول الى اسهال وفي كلّ شيء .غايتنا من الحداثة الانفتاح على الآخر، لنكتسب منه الأفضل بشرط أن نحافظ على شخصيتنا قبل فقدانها .
ممارسة الشذوذ ليس له علاقة لا بالزمن ولا بالمكان بل هو الابن العاق للذات الانسانية وعلى مرّ العصور ...وأقول: من منا كالغيلم ( ذكر السلحفاة)، حين يدخل مرحلة السبات الموسمي عند حلول فصل الشتاء، أتمنى لأمتنا العربية أن تنهض من سباتها حتى لا تستمر بالزحف على بطنها ...!
المثقف
نص وحوار
ميادة أبوشنب / جلال جاف
....................
عرس الظّل ... / شعر: هيام مصطفى قبلان
أعتذر لقاماتكم وهاماتكم
لرصاصكم اليخترق أرصفة الشّوارع
لعرس الدّم ...وصهيل الخيول ودقّ الطّبول
لأجسادكم الهاربة من عفن معاطفكم
لياسمينة تدلّى عنقها من شرفة دمشقيّة ..
أعتذر لموائدكم الخالية من كاسات النّبيذ
وخلاخيل الغواني ورائحة الشّواء
لنومكم على صدور تحلب الوهم ..
أعتذر لخمّاراتكم وباراتكم،لفنادقكم وأبراجكم
لأشجاركم التي تموت واقفة
لعباءاتكم المرصّعة وخيامكم
لسفاحكم ..ونكاحكم ..لبطون نسائكم المبقورة
لكلّ الرّموز التي غفت في بؤرة أحلامها ..
أعتذر لك يا شآم
فقد ارتكبت بغيبتك الخطايا
ونام الغرباء في سريري
سحبوا من تحت غطائي بقايا قصاصات
من ورق التّوت والحبق والزّعتر
وتخلّى النّعناع عن حوضه، هجرني الحبيب
وراح يلملم شعري المبلّل بالحنّاء
خانني حارس المدينة وطائر الرّجاء
زفّوا عذريتي في قصور الحريم
ولم تبكني تذكرة السّفر الى السّماء..
أعتذر لزنديّ ثائر
صلّى على ضفّة النيل " حماك الله يا مصر"
صاحت " عشتار" من يمنطق جيدي
بزنّار من شقائق النّعمان،يحمل جنازتي
على أقواس النّصر فينهض الأموات
وتجدّل حورية المساء شعرها الطويل
تنتظر فارس النّهر،والقصيدة ...
أعتذر " لبغداد" النّائحة فوق أفنان النّخيل
فضّ " القّواد" بكارتها،وانتفضت كالعنقاء
يا " سيّاب" ها هم .. أراهم يقفون بالطوابير
عند عتبات القصور، يمضغون لغة العهر
يبيعون الكلام ...وتحترق المحابر..
لوزيّة العينين تغنّي،يسقط خمارها
على شفة الورد ...ويقبّلها النّدى ..
أعتذر لطفلة الرّماد، تنسج خيوط الشمس
شالا على شاطىء غزة
لسيّدة الحزن والصّمت .. ..
من كلّل جسدك بالغار وحمل شقاء عينيك
الى مثواك الأخير؟
من سباك وجدائلك الشّقر غافية فوق الرمل
ها هي ابنة التّلال تحبوك، تحتسي الموت رشفات
تتقرفصين في صندوق الانتظار
فتنتحب القدس على صليب القيامة
يقصقص الليل جناحيه،يتقفّز على سورها
ينثر ملحه، يتلظّى ببريق نزف عينيها ..
أعتذر لكم أيّها الشّعراء فوق منابركم
بعت هويتي وخنت قضيّتي
مارس الأنذال شهواتهم تحت زيتونتي
وصفعتني الريح بسمرتها ولم تستر عرائي ..
اقترفوا الشّعر والنّثر، واجترّوا القوافي
وامدحوا الصدّاح والنوّاح، والعدّاء والصعلوك
والمذبوح، والسفّاح والمغفور له،ولا تبصروني
فقد شلّت يدي، وتلولب لساني
عرّش الحزن على جدار حديقتي ..
أعتذر لأمّهات حملن جرار العسل
وقفن كقبّرات الصّبح على تلال كنعان
علّقن على مشجب الوجع أحلامهنّ الصغيرة
خبّأن حكاياتهنّ في سلال الذاكرة
وامتطين صهيل الحداد ...
أيّها الحرّاس جئتكم أتعفّر بحذائي المثقوب
اغفروا لي اختلاسي ليقظتكم،وفطنتكم
لا تطلقوا الرّصاص ...
سقطت نجمة السّماء وتلقّاها الرّعد..
أعتذر لحاملات الطيب،يصعدن جبل الطور
يمزجن الخبز بالنّبيذ ..
دعوا المسيح يمرّ كالظّل فوق بحيرة طبريا
رتّقن فساتين العذارى واشبكن قلائد الحبق
كي تنساب القافلة بين أصابع الماء
بحبيبات الرّمان ومذاق الزّهر ...
أعتذر لك بيروت ..أيّتها الشّهيّة
العصيّة ..ليلكية العينين..
طالت يد الغزاة خصرك النّحيل
وعنقك الممشوق ..حامت الغربان حول ثدييك
مزّقوا غشاء طهرك ..وهلّلت فيروز:
" لبيروت ثلج من رماد لبيروت، وقصص للبحر والبيوت"
طرّزك البحر لؤلؤة السواحل
منحك الربّ قلادة عطره ..وصاحت أمّي
أيّها الأوغاد خذوا ملح العين واتركواعنق الأرز
يتشرنق مزهوا يلامس وجه السحاب
أعتذر لعين ذئب عند المعابر
وأنثى دخيلة على الله والوطن
لعمّال الصّباح يجرّون عرباتهم الخشبية
لفوّهة بندقية تثقب خدّ الحجر
لمكبّرات الصوت في " تلّ الصّراخ" ينعق الصّدى
لجبل الشيخ بعمامته البيضاء
ما وراء الثلج والنّار وما تحت النّهر والصّخر
لشلال بانياس ودمعة شيّعت عرائس الجولان..
أعتذر للغربان والفرسان والرّهبان
للمساجد والكنائس ..للعدل والقضاء ..للدساتيرالمكدّسة
في خزائن الأراشيف والدوائر
للمقابر والسّجون والمعابد ..لك يا حفّار القبور
أهبك جواد أبي وسرج الأماني وعطر اقحوانة
اجعل لنعشي بابا ..ربما يعود بنا الزّمن الى بيت قديم ..
أعتذر لمواسم العشق..
لصوتي الخارج عن ايقاع القصيدة
لذاكرة تطلّ ..تفقأ عين فراشة
لمن احتفل برمشي ..وحمل اغترابي بيده الثكلى
ومرّ على عهد الهوى ..ودلّلني ..وأشقاني
وقرع أجراس مخيّلتي فأبكاني ...
أعتذر للمأجور والمأمور والتابع والبلطجي
للصينيّ ..والروسيّ والهمجيّ ..للصدّيق والزّنديق
للقصّاب والسمسار وحارس الظّل
أعتذر للطيّب الصالح ..للماغوط ..ولمظفّر
لنزار والحمام الذي يحطّ على راحتيه ..
لساحات مدريد ولوركا ..لبابلو نيرودا
لدرويش والغياب وورده الأقل وعينيّ ريتا
لأمّة تزحف على بطنها كالسلحفاة
تمارس اللواط والرياء والعشق الممنوع وتحتفي بنهديها
يا الله ... ....
أهجر سماك واطلق بهاك ..وأطلّ
لك وحدك أعتذر ..وأعتذر..وأعتذر ...
خاص بالمثقف
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2101الاربعاء 25 / 04 / 2012)