مدارات حوارية
الأديب والمناضل ورجل القانون الفريد سمعان لصحيفة المثقف:
في هذه الحلقة من مدارات حوارية تستضيف المثقف المناضل ورجل القانون الفريد سمعان وحوار شامل وصريح أجرته معه الاستاذة الأديبة خلود الحسناوي، فاهلا وسهلا بهما.
***
- انا لم اكن بيوم ما اشعر بحرية تامة لأني ابن هذا المجتمع والمجتمعات التي عشت بها فيها الكثير من الضغوط والإرهاب والعذاب .
- المناهج الدراسية لها تأثير كبير جدا على وضع البلد، بدون عِلم بدون مَعرفة لا يمكن ان يتقدم أيٌّ بلد من البلدان .
- أصبحتُ على أبواب الـ 90 ومن حق الشباب ان يأخذوا دورهم في تطوير المعرفة وفي مواصلة المسيرة وكل انسان له حدود يقف عندها .
- (اني كفرتُ بدين الله في وطني .. حرصاً عليه وبعض الكفر ايمانُ).. ابيات لرئيف الخوري من قصيدة ضمن احتفالية في سينما شهرزاد .
- لا توجد قصيدة مكتملة، توجد قصائد إبداعية، يوجد مبدعون .
بابتسامة شفيفة على ثغره يُريكَ جمال المستقبل،عندما تجلس بحضرته تشعر انك امام تاريخ بلد بأكمله لعدة عقود، وعندما تحدثه تشعر بأن الإجابة تأتيك سلسة ملؤها الحب والرغبة في السلام هكذا هو الحديث معه، كان ومازال،مناضلاً،قانونياً، شاعراً،اديباً مربيا رياضيا صحفيا روائيا .. من أوائل الذين ساندوا كتابة التفعيلة موقفاً واقعياً، فخرٌ لكل من يعرفه،تجربة ثرٌّةٌ بكل أنواع المعرفة والابداع، تراه كطير في فضاء حرّ،طفلٌ شحذ مواهبهُ كتاب المطالعة المنهجي اذ استسقى منه ليروي ظمأ الفكر حتى صار (اديباً) ومناضلا قضيته الأساسية هو الانسان وحريته،دائم الدفاع عنه،كتب للمرأة للوطن للحب للطير للشجر تَغنى بكل رموز الحياة،رجل على عتبات الــ90 لكنك ترى ان الحياة منه منبعها،خاطب المرأة وقال لها حلوة فقد جمَّلت حياته وخاطب الطيور قائلا:
ايتها الطيور
احملي انفاسنا الى بيادر الحب
الى خمائل اللذات
والجنائن المعلقة
وضمدي الجراح والآهات
بباقات الامل .
لحديثه اثر عميق في نفس من يجالسه يتعلم منه كيف يحب الحياة وكيف يكون انسانا مبدعا دون شعور، يُحيي بداخله ومضات من قبس النور، انه الفريد سمعان الكاتب والمناضل والأب الروحي لكثير من محبيه، وفي جلسة الاحتفاء به من قبل اتحاد الادباء بمناسبة ميلاده التسعين دخلنا معه في حوار خَص بصحيفة المثقف .
س1: خلود الحسناوي: الفريد سمعان في كل ميلاد يوقد شمعة دون ان تنطفئ الشمعة التي سبقتها كونه مبدعا ومنتجا .. ماهي الحصيلة الإبداعية خلال مسيرتك الطويلة؟
ج1: الفريد سمعان: في الحقيقة المسيرة الإبداعية بدأت منذ اكثر من 50 عاما اكثر من نصف قرن بالضبط أتذكر عام 46انا بدأت انشر بشكل مقتضب في مجلة الصباح المصرية وفي بعض الصحف العراقية وكان المحتوى متنوع ما بين الغزل والاشياء التي تتعلق بالوطن حب الوطن الطموح تطويره وتشجيع الناس وتحشيدهم من اجل البناء والمعرفة من الحب والكرامة من اجل كل الأشياء التي من حق الانسان ان يحصل عليها فكانت هذه بدايات المسيرة وقد لاقت ارتياحا من استاذي رزوق فرج أستاذ اللغة العربية في ثانوية البصرة وكذلك الأستاذ جلال وانا اذكرهم وباعتزاز من خلال ما حصل وما قدموه لي من جهد وتوجيهات وضعتني على سلم الطريق بعدها اشتركت ضمن المعترك السياسي الذي كان سائدا بالعراق قبل الحرب العالمية الثانية والتوجهات التحررية التي كان يعيشها العالم وكنت حريصا على ان ارافق المسيرة من خلالها أيضا اكتبت قصائد وطنية استقبلت من قبل الناس بشكل جيد ولكن ليس بما يؤدي الى ابداع شعري على مستوى رشيق هذه هي البدايات وتلاها ما تلاها .
س2: خلود الحسناوي: في حياة كل مبدع هناك منجز سواء كان فنيا او ادبيا هو الأقرب الى روحه .. أي منجز لديك تعتز به كثيرا ولماذا؟
ج2: الفريد سمعان: اعتقد ان كل مبدع يعتز بإنتاجه ولكن بالتأكيد هنالك بعض الأمور التي تضع هذه الفقرة او هذه المادة او القصيدة في مكان اخر يختلف عن سواه .. طبعا ابتدأنا كما هم معظم الشعراء الشباب يبدؤون بالغزل بعد ذلك انتقلنا الى اغراض الشعر الأخرى وانا اعتز بكل عطائي الشعري بغض النظر عن ضعفه وعدم مجاراته للأبداع الذي كان سائدا في ضل شاعر مثل السياب الذي عرفته وتعلمت منه أيضا وكذلك الجواهري وكذلك القراءات القديمة للبحتري وأبو تمام شعراء العرب الكبار الذين تعلمنا على يديهم ..مضمون القصيدة وبناء القصيدة ومتانة هذا البناء وكذلك تأثرت بشكل خاص بـ د. طه حسين كان عميد الادب العربي وأعطى إنجازات مهمة لأنه فتح الباب امام قوى التقدم امام الكلمة النظيفة التقدمية وحارب الكثير من السفاسف والاحتياجات الأخرى التي كانت تدور هنا وهناك وادعاءات أخرى كان المتمسكون بالماضي بغض النظر كونه تليدا ام غير تليد لكنه اعطى الأشياء حقها مثلا تجاهل موضوع الشعر الجاهلي وانتقده واكد على ان هذا لشعر وتجمعه وقصائد المعلقات يعتبرها مفتعلة البعض منها ان لم تكن كلها او عدد كبير منها وفيه تحيز غير واقعي وفيه أيضا الكثير من التدخلات او المسائل التي لا تخص هذه القصائد لم تكن بهذه الصيغة ولم تنقل بدقة وما كان على الذين كتبوها ان يعترفوا بذلك او الذين نقلوها فقد نقلت بشكل خاطئ وبشكل يؤذي المسيرة الأدبية للأدب العربي من العصور القديمة رغم اننا مازلنا نتمسك بالتقسيم المعروف بالشعر الجاهلي وما بعد الجاهلي والعصر الإسلامي وسواها ولكن لعدم دقة النقل وعدم وجود مطبعة وعدم وجود كتابات واقعية ومكتبات تحمي وتحفظ هذا التراث صار عليه الكثير من التداخلات وقد اعترض على ذلك وحلله كبار النقاد الموجودين وبشكل خاص في مصر .
س3: خلود الحسناوي: ممكن ان يكون هذا الاعتراض او هذا النقد لهذه القصائد كونها غير دقيقة وغير صحيحة ممكن ان يعود السبب الى عملية نقلها كون النقل كان شفاها او كتابة باليد وممكن ان تكون رصينة وتحتوي على كافة خصاص القصيدة الجيدة؟
ج3: الفريد سمعان: لا لأنني اتحدث عن التوثيق توثيق القصائد والكلمات والادب العربي والنثر العربي كان يحتاج له وسائل تؤدي الى ان يكون صحيحا ومنظمنا ودقيقا وهذا ما حصل لان لم تكن هنالك مطبعة كانوا يكتبون على جلد الغزال وبوسائل بدائية ويعتمدون على الحفظ ولهذا كانوا يقولوا ان هذا شاعر يستطيع ان يلقي قصيدة دون ان يكتبها ارتجالا، نعم كان هناك شعرا ارتجاليا لكن في حدود معينة وضيقة ومختصرة أيضا في نفس الوقت وليس هناك شاعرا ارتجاليا على مستوى رفيع في الادب العربي مما يسجل له هذه الظاهرة التي تعتبر ربما غير مسجلة في الأداب العلمية الأخرى وثقت من خلال وسائل طباعية استطاعوا ان يحموا بها انتاجهم وهذا مالم يحصل بشكل خاص باللغة العربية وضيع الكثير من المعالم والملامح للقصيدة او الكتابات عن القصائد والنثر في نفس الوقت ولكن هذا لا ينفي ان الكثير من القصائد او التعليقات او التعقيبات او سواها موجودة وقائمة لها اسائها ووضعها الخاص بها .
س4: خلود الحسناوي: ماهي سمات القصيدة الصحيحة التي نقول عنها انها قصيدة مكتملة الشروط كيف نحكم عليها بذلك؟
ج4: الفريد سمعان: لا توجد قصيدة مكتملة، توجد قصائد إبداعية يوجد مبدعون .
س5: خلود الحسناوي: ما هي سمات الابداع بالنص الادبي؟
ج5: الفريد سمعان: سمات الابداع هو القدرة على التعبير والقدرة على التفسير والمتابعة والقدرة على تدقيق النص الادبي وما يحتويه من قيم ومعان وكلمات واهواء ورغبات هذه كلها موجودة ضمن القصيدة الجيدة ويمكن شارك بيها الكثيرين فكان هنالك المدح والرثاء من ابرز العناصر في هذا الشأن وكان الشعراء يتبارون لان هذه فرصتهم إضافة للأسواق الأدبية التي كانت موجودة التي كانت تقرا فيها القصائد فلم تكن هناك وسائل اعلام ممكن ان يمارس الناس فيها نشاطهم او يتغذون من خلالها على الفكر الجيد او يحتفظوا به او يطوروه ولكن كان الاعتماد بشكل خاص على بعض المخطوطات وبعض ماكان يرسخ في الاذهان وما كان يُثَبت بشكل او باخر بحسب قدرة ونجاح المنتج اذا كان هذا نستطيع ان نسمي الشاعر منتجا او شيء من هذا القبيل لذلك تبقى القصيدة محط اهتمام وفي نفس الوقت رؤيا معينة يهتم بها الشاعر وكل المؤرخين أيضا وهي مسؤوليتهم .
س6: خلود الحسناوي: هل تجد ان القصيدة الان في هذا الوضع وهذه الظروف ذات قيمة واهمية؟
ج6: الفريد سمعان: يضل الشعر مرافقا للإنسان لأننا لو راجعنا ابسط المسائل لوجدنا انه الام تلولي لوليدها وتغني له بشكل او باخر (يالحبيب ييمة ياعزيزي يا كذا) اعتزازا بولدها وكذلك الاب يعتز بإنتاجه اذا كان هذا النتاج يعطي ويهتم وأيضا كان هناك القبيلة والتي مع الأسف مازالت جذورها ممتدة الى الان القبيلة كانت تحاول ان تعتز بشاعرها وان يكون لها أماكن باسمها وكان لعدم وجود موسيقى كانت القصيدة هي الموسيقى وهي تعبر عن مشاعر الانسان بشكل او باخر فلذلك ان القصيدة لا يمكن ان تنتهي وتضل ترافق الشعوب لان ابسط مثل لهذا الغناء فهو لا ينتهي وهو يعتمد القصيدة وان لم نجد القصيدة فماذا يغني المغني؟ بماذا يُطرب؟
ثم هي تعبير عن الأوضاع الخاصة بمجتمع ما بوضع ما وبإنسانية ما وهنا تختلف الآراء والنوايا والمشاعر والاغراض التي يقصدها الشاعر هناك من كانت كل قصائده عاطفية وشاعر لا قصائده متوازنة ويحاول ان تكون قصائد كونية ان صح التعبير يعالج فيها بعض المسائل الاجتماعية او الكون،وهناك القصيدة التي لا لون ولا طعم لها ولكنها مؤثرة ويمكن ان تستعذب من قبل الاخرين وتستساغ ويمكن ان يحفظوها ويستمتعوا بها وتُغنى وتُطرب الناس وتفيد هم وتعزز مشاعرهم وتعطي الكثير للإنسان من الحيوية الفكرية والذهنية والعاطفية في نفس الوقت .
س7: خلود الحسناوي: ضمن نتاجك الادبي هناك مجموعة اسمها الطيور وكلنا نعرف ان الطير يبحث عن الحرية،هل نجد ان الفريد سمعان احد هذه الطيور التي تبحث عن الحرية؟ وهل وجدها ام لا؟
ج7: الفريد سمعان: هذا سؤال جميل، انا فعلا احب الطيور واحب ان تضل حرة تطارد الانسام وتطاردها تخفق الاجنحة لتصطنع شيئا وتختفي وتظهر وتناور فالطيور فيها معنى خاص ومسائل خاصة بها تختلف عن باقي الحيوانات والطير يحلق في الأجواء ويخفق بأجنحته يخلق لنفسه وسيلة للتحليق ويقف على المآذن والسطوح والاشياء العالية وانه يشعر بالحرية والكرامة، ولكن الانسان لا يرحم يعتدي عليها ولذلك انطلاقا من رغبتي وحبي وتعلقي بالحرية التي اتمناها للجميع أيضا احسد الطيور عليها وأهنئهم عليها تعطي الكثير من الإنسانية والشعور بالانطلاق والتحرر والتخلص من كل ما يؤذي الانسان ويعذبه ويدعه في موقف غير صحيح وحرج امام كل المسائل الأخرى والطيور مسألة أخرى احبها انا بالذات واحب هذه الاجنحة التي تخفق وهذه الزقزقة صباحا مع بزوغ الفجر او اثناء الراحة التي تتمتع بها او الافراح التي تمارسها في البساتين او الحدائق العامة .
س8: خلود الحسناوي: السؤال الان .. الطير الفريد سمعان قضى وقتا من الزمن يبحث عن الحرية هل انت حر الان؟
ج8: الفريد سمعان: لا .
* لمـــاذا؟
* انا لم اكن بيوم ما اشعر بالحرية التامة،لأني ابن هذا المجتمع والمجتمعات التي عشناها فيها الكثير من الضغوط والإرهاب والعذاب وانا احد اللذين مُرس بهم وبشخصياتهم العذاب تعرضتُ للسجن والاعتقال والتعذيب والابتعاد عن الاهل والأولاد والأصدقاء والحرية والكرامة والإنسانية المطلوبة والتي يحن أي انسان اليها فالحرية لا ثمن لها ولا قيمة يمكن ان تعوضها حقيقة وان أي ثمن للحرية غير موجود ومن حق الانسان ان يستمتع بحياته وحريته وكرامته ومن حقه ان يبني وبنشأ ويقترح ويفيد مجتمعه وبيته واطفاله ومن حقه ان يحب ويتخذ موقف من شيء معين موقف من الاعتداء على الشعوب والناس بشكل عام وان يستمع بحريته وكرامته .
س9: خلود الحسناوي: المرأة، نجد ان المرأة لها مساحة في كتاباتك اخبرتها بانها جميلة واخبرتها بانها حلوة، لمن تقول حلوة؟
ج9: الفريد سمعان: بالطبع المرأة عنصر أساسي في المجتمع وهي حياة المجتمع بالذات وهي تقوم بخدمات كبيرة وجبارة اجتماعيا وسياسيا واخلاقيا وهي مثل من امثلة الجمال والنعومة والمحبة والتي تستدعي المشاعر والوجه الاخر للإنسان وهو الرجل ويمكن ان تقدم الكثير لاسيما بعض النساء الموهوبات أولا هناك موهبة شكلية بجمالها تستطيع ان تغير الحياة وتلون الحياة وتعطيها طعم اخر ومن ناحية ذهنية وفكرية اذا ابدعت مكن ان تكون شيء جديد وعظيم وهي كما نعرف هي التي تنتج الانسان والمرأة هي التي تخلق المجتمع بدونها لا يوجد مجتمع فالمرأة حنون وعاطفية ولديها إمكانيات تتفوق هي عليها وتفوق طاقتها أحيانا لكنها تعمل من اجل المحبة ومن اجل صيانة بيتها وعائلتها من اجل صيانة حبها وكرامتها المهدورة بشكل عام بالبلاد العربية بالذات لكنها في نفس الوقت أصبحت الان على مستوى علمي رفيع وأصبحت رائدة فضاء وكاتبة وعالمة شغلت مختبرات اذا هي بالحقيقة نبض المجتمع وهي العروس التي ممكن ان تخلق الهلاهل في كل البيوت وتخلق الفرح لأولادها وزوجها واحبائها وللمجتمع بشكل عام .. والمرأة لها دور هام جدا في المجتمع وهو الدور الأول انا باعتقادي وهناك من يتمتعن بالبساطة ولم تتح لهنَّ فرص التعلم لكن يبقون حنونات وتبقى المرأة عنصر حنون وطيب وجميل ويخلق الروعة والإنسانية في قلوب المجتمع .
س10: خلود الحسناوي: ما هو شعورك وانت مَحَط اهتمام لافت للنظر خلال احتفاء الاتحاد بحضرتك لمناسبة ايقادك شمعتك التسعين؟
ج10: الفريد سمعان: باختصار شديد انا اشكر كل الذين احتفوا بيٍ واعتقد ان هذا الاعتزاز يدعو أي شخص مبدع ان يحيي هذه الجهود وانا اشكر شكرا شديد ٍلكل الذين احتفوا بي وقيموني واعطوني الكثير من عواطفهم الجياشة الجميلة الرائعة وانا مقتنع بان هذا الذي جرى لم يكن عبثا لابد ان يكون له بعض الجذور وانا فخور بان أكون احد الماسكين بها من اجل تقدم الانسان والإنسانية ومن اجل المحبة والخير والإنسانية ومن اجل المحبة والخير والسعادة للبشر والطفولة من اجل الحياة الاجتماعية الرغيدة لكل أبناء المجتمع وانا سعيد ان التقيت هذه الوجوه الطيبة التي عرفت الفريد سمعان انسانا يحب الناس والمجتمع والمستقبل ويسعى اليه وما قَدمتُ ليس هو الا قطرة بسيطة جدا في بحر من الحب عميق يتمتع به الانسانيون .
س11: خلود الحسناوي: هل مازال الكاتب والشاعر الفريد سمعان على قيد الابداع والكتابة وما هو منجزك القادم؟
ج11: الفريد سمعان: لا يوجد انتاج مستقبلي ..ولا ادري هل سيكون هناك انتاج مستقبلي ام لا انا في وضع صحي لا يساعدني على المتابعة والتفكير بشكل اسعى به الى اضافات جديدة ربما وربما تكون هناك إضافات جديدة ولكن لا علم لي بها الى الان لأنها قد تأتي بشكل مفاجئ وقد يساعد الوضع على ذلك او لا يساعد لان وضعي الصحي بالذات والاجتماعي بالانتقال من العراق الى الأردن، لا ادري فالظرف يختلف عما كنت عليه في العراق من كل الوجوه .
س12: خلود الحسناوي: عناوين مجموعاتك ممَّ تستوحيها؟
ج12: الفريد سمعان: هذه يحددها الموقف في تلك الساعة لاختيار العنوان،مثلا في طريق الحياة اول ديوان طبعته هذا كان بالحقيقة انا اعتبر ان طريق الحرية هو نفسه طريق الحياة والنضال من اجل البشرية هو ضمن هذا الطريق والسعي الى تحقيق مكتسبات للإنسان في العالم كله هو طرق الحياة لذلك جاء العنوان سياسيا في وقت كان النضال محتدماً بين القوى الاستعمارية والقوى التقدمية بين الاستعمار وبين الاستقلال والرغبات العراقية في الاستقلال والحفاظ على الوطن وعلى كل امكانياته والتطلع الى الأشياء الجيدة فيما يخصه، فهذا الوضع حقيقة هو الذي يضع العنوان (قَسَم) أيضا جاءَت امتدادا لوضع معين ونضال سياسي محتدم وهذه القصيدة بالذات أُلقَيَت في اجتماع جماهيري والتي تقول: (أقسَمتُ بالنور المشعشع كابتسامات الوليد) وعلى القصيدة مشيت على هذا المنوال ولكن هذا لا يمنع ان كان هنالك فترات عاطفية فقد كتبنا للمرأة وللحياة الجميلة والتمنيات والرغبات التي يضمها قلب الانسان وخياله، كتبنا الكثير من الأشياء فالعناوين ابنة ساعتها وابنة يومها اوبنة اسبوعها لا اعرف كيف يأتي العنوان ففي ظرف معين انت تستسيغ عنوانا ما والكتاب على وشك ان يطبع ليس بالضرورة ان يكون هنالك نقاش وتقليب وكذا ربما فجأة يأتي عنوانا معينا وتضعيه لنا أتذكر مثلا بعد( قَسَم) ظهر ديوان اخر كان لي لا اتذكره الان ديوان عن فلسطين وبعدها الطيور وقبلها عدة دواوين حقيقة وكتب عنها لا تسعفني ذاكرتي لكل العناوين لكن تأتي في حينيها وفي الجو الذي يعيشه الانسان كما في تجربة (الطيور) مثلا جاءت بعد تجربة وتكلمت عنها فهي تجربة طويلة حببتني في هذا الكائن وجعلتني اختاره واختار حتى الصورة التي رسمت بعد ذلك فاخترت الفكرة والرسام عمل عليها فهي عبارة عن سرب من الطيور ينزل بشكل معين رسمت على هذا الديوان ثم الديوان الأخير الذي عنوانه (لائحة اتهام) هذه أيضا منطلقة من الواقع الاجتماعي والسياسي الذي عشته انا وهذا الاتهام بالطبع هو اتهام بالمشاعر الجميلة التي املكها ليس لاحد الحق باتهامي بهذه المشاعر .. فكل شيء في وقته جميل .
س13: خلود الحسناوي: من خلال كل هذه التجربة اود معرفة كيف اكتشفت نفسك شاعرا واديبا؟ ماهي البذرة الأولى التي وجهتك بهذا الاتجاه؟
ج13: الفريد سمعان: البذرة الأولى انا كنت احب ارتياد دور السينما وانا مراهق بعمر 11 او 12 عام كنت اذهب لمشاهدة الأفلام العربية آنذاك فالسينما حفزتني وكنت احب الغناء وبعض المغنين والمغنيات ومنهم محمد عبد الوهاب ليلى مراد وصوتي كان لابأس به كنت ادندن بأغاني فريد الأطرش وبنفس الوقت كنت اتابع كلمات الأغاني معروف ان كلمات الأغاني شعر.. فهذا الشعر حفزني ان احفظ إضافة الى مطالعاتي كنت مولع جدا بالمطالعة وبالشعر بالذات وبتشجيع من الأساتذة الذين تفضلوا عليَّ بالتعليم وبالفائدة من خبرتهم وكيانهم ومن تجربتهم الحياتية والأدبية والفكرية فهذه بالحقيقة كلها بالحقيقة تتلاءم وتتوافق مع بعضها على ان تخلق عنوان المناسب لفترة معينة ولهدف معين وكانت الأغراض متعددة جائز يكون شيء عاطفي والرغبة في التقرب الى انسة معينة او حب جديد او مشاركة بمظاهرة او اجتماع سياسي او بوضع اجتماعي او عائلي معين والانتقال من مكان لأخر لأني صراحة دارت بنا الأيام في مختلف انحاء العراق وانا مولود الموصل لكن عشت بالبصرة وفي بغداد وعشت في خانقين وبالرمادي مع وظيفة والدي كنا ننتقل الى كل الأماكن تعرفنا على اخلاق كل هذه المجتمعات وتعرفنا على الأشياء التي يحبوها والاشياء التي لا يستطيعون ان يعبروا عنها او الأشياء التي تجد رضى في انفسهم او التي يكرهون ان يذكر شيء عنها هي تقاليد وعادات ومسائل مختلفة تخلق طبخة اجتماعية معينة عند الانسان وتخلق لديه ذاكرة معينة يسترجعها عندما يتذكر مثل هذه الأشياء عندما تأتي بظرف معين .
س14: خلود الحسناوي: اذا البيئة تخلق اديب؟
ج14: الفريد سمعان: طبعا البيئة لها تأثير كبير في خلق الاديب والعلاقات، انتِ تعيشين مع رياضيين بالضرورة اذا عندك مواهب ستصبحين رياضية اذا تعيشين مع شعراء وكتاب واهتمامات أدبية وفكرية تتأثرين بها اذا كان لديك هذا الإحساس وهذه الجمالية الموجودة بالإنسان فالظروف هي التي تحكم ومع الأسف طبعا لدينا رغم وجود مكتبات فالمتابعة موجود تشجيع عليها في ازمنة سابقة قبل خمسين سنة كان هناك تشجيع كبير على القراءة والمواصلة ..
س15: خلود الحسناوي: برغم الظروف السياسية والمعيشية المتدهورة؟
ج15: الفريد سمعان: لا لا كانت القراءة متاحة ولم تقتصر على فئة معينة وليس على احد .
س16: خلود الحسناوي: من خلال حبك للمطالعة بماذا تأثرت في بداياتك بأي كتاب او باي كاتب حسب ما ذكرت انك تأثرت (بـ طه حسين) لكن طفولتك بماذا تأثرت من تلك القراءات؟
ج16: الفريد سمعان: كانت بداياتي بالحقيقة بالمدرسة كان كتاب المطالعة فيه عدة مقالات لمختلف الكتاب المنفلوطي العقاد سواها مختلف الكتاب فهذه بدانا بها فكان هناك تشجيع من أساتذة اللغة العربية ومنهم أستاذ جواد أستاذ رزوق فرج رزوق وكنا نذهب للمكتبة يوم الجمعة نختار كتاب معين ونتناقش مع بعضنا على الكتب الموجودة على قدر امكانياتنا العقلية آنذاك وتطلعنا للنقاش والحوار وسواها من هذا القبيل .
س17: خلود الحسناوي: اجابتك تقودني الى سؤال اخر وهو يجب من خلال هذه الملاحظة ان نهتم بالمناهج الدراسية لأنها خلقت لنا الفريد سمعان؟
ج17: الفريد سمعان: بالتأكيد المناهج الدراسية لها تأثيرا كبيرا جدا على وضع البلد بالذات كل وطن من خلال برنامجه الدراسي بدءً من الروضة وانتهاءً بالكليات الكبيرة والعظيمة يجب ان يكون هنالك اهتمام بالوضع العلمي الذي يعيشه البلد لأننا بدون علم بدون معرفة لا يمكن ان يتقدم أي بلد من البلدان .
س18: خلود الحسناوي: اذا هي التي تضع اساسيات شخصية الطفل مستقبلا وتحدد خطواته؟
ج18: الفريد سمعان: المدارس الاوربية الموجودة وقسم منها فتحت في العراق والموجودة في بيروت وسواها وهناك يبدؤون بتعليم اللغة الفرنسية من صف الأول عدى اللغة العربية اللغة الانكليزية والفرنسية من الصف الأول ابتدائي .. طبعا هذا يختلف عن هذا مشرد يلبسوه الدشداشة ويقولون له اذهب والعب في الطريق .. التعلم والمعرفة لا تأتي عبثا لكن من خلال منهاج وبرامج مبنية من قبل الدولة ومحدد ضمن تطور مجتمع نحن الان بالعلوم متخلفين عن الشعوب الأخرى الان نتلقى كل شيء من الخارج لا نصنع شيئا تقريبا،لكن العلوم المتطورة والتي تهم البشرية بالذات أصبحت في تطور رهيب انتِ تقرئين الكرة الأرضية من خلال الأقمار الاصطناعية من خلال نبضات معينة وامور نجهلها نحن ولكن نجد اثارها الان الولايا المتحدة او روسيا او المانيا تجدين علماء يحتلون الكرة الأرضية بعلمهم وليس بالعنتريات فبعلمهم وإمكانياتهم،فهناك رجال فضاء يعيشون هناك سنوات او اشهر معينة وبينهم نساء فالعلم اليوم ليس له حدود ولا مكان ومن لا يتابعه يضل متخلفا ويضل يمد يده يحتاج لقمة العيش في الدول المتقدمة .
س19: خلود الحسناوي: هل هناك أسباب جعلتك تعتزل العمل في اتحاد الأدباء؟
ج19: الفريد سمعان: انا رجل أصبحت على أبواب الـ 90 ومن حق الشباب ان يأخذوا حقهم ودورهم في تطوير المعرفة وفي مواصلة المسيرة وكل انسان له حدود يقف عندها ويجب ان يحترمها ويحترم الجيل القادم الذي يستلم هذه المهمة، ويمكن يبدع ويمكن ان يقدم الأفضل او مالم نستطع نحن تقديمه وهذا ليس تواضعا انما هو واقع حال كل جيل يأتي بعده جيل امامه فرص افضل للعمل والنشاط الثقافي وفي كل المسائل الأخرى ولذلك انا لا احسد أحدا ولكني اطالب الجيل الجديد في الاتحاد ان يواصل المسيرة وان يبدع وما قدمناه هو جزء ضئيل مما يمكن ان يقدمه هو ويمكن ان يستفيد من تجربتنا وهذا شيء يسرنا لأننا لسنا انانيون لانا نحب وطننا وشعبنا ونحب ان تتطور وان نكون على عتبة الخير والمحبة .
س20: خلود الحسناوي: كيف تقيم جلسة التصويت والترشيح لاختيار القيادة الجديدة للاتحاد بعد الانتخابات الأخيرة؟
ج20: الفريد سمعان: القيادة الجديدة للاتحاد جاءت بالانتخاب ووفق قناعات معينة وهم عناصر شابة وتستحق ان تستلم المسؤولية وان تحقق ما تريد لمصلحة الاتحاد والادب والفكر العراقي وان تتحمل المسؤولية بشكل رائع وان تطور الأمور كما يساعد الظرف والواقع الحالي وهي فعلا تطورات لمسناها من خلال الفكر الجديد الذي جاء والطموح الكبير لان كل فرد يختلف عن الاخر وانا سعيد باني استطعت ان اخلق جو مالي ومادي للاتحاد اذ يستفد من هذا الجهد المالي الموجود في ان يبني ويعمر وانا اعتز بهذا الجهد والكل يشهد باني انا الذي حافظت على مالية الاتحاد ووضعه الاقتصادي واستطعت فعلا ان اوفر إمكانيات مادية جيدة جدا الان يستفد منها وسوف يضيف لها ويطورها كما اعتقد لان العناصر التي استلمت لديها حرص ورغبة في الإنجاز وفي التقديم والابداع .
س21: خلود الحسناوي: اذا الفضل هنا الى خبرتك القانونية كونك رجل قانون استطعت ان تستحصل على حقوق الاتحاد؟
ج21: الفريد سمعان: مجموعة تجارب انا رجل قانوني وعملت بالمحاسبة والسياسة والصحافة وكتبت الشعر ومارست اعمال تجارية انا فتحت اكثر من محل وكان من الممكن ان أكون مليونيرا لو كنت مستمرا في العمل التجاري فتحت محل أدوات كهربائية واخر للقهوة واخر للنجارة كان ممكن لو وضعت نفسي في هذه القوالب كان ممكن ان اصبح مليونيرا لكن غلب عليَّ الاتجاه الفكري واهمال هذه النواحي لكن الحمد لله وضعي المادي لابأس به مستقر وما قدمته بحياتي ممكن يكون نتاج جيد ويستحق الاهتمام .
س22: خلود الحسناوي: ما قصدته من سؤالي في الجانب القانوني كون حضرتك لديك خبرة بالقانون وبفروعه كونك تستطيع ان تستحصل الحقوق من الاخرين؟
ج22: الفريد سمعان: نعم فعلا لما كانت تمر مسائل قانونية كنت اقدر على معالجتها واحرص على متابعتها إضافة اني استفد من زملائي الاخرين الذين هم اكثر تجربة مني في هذا الميدان وهذا موقع اعتزاز كل انسان يؤمن بالواقع لا يوجد انسان يتفوق في كل شيء انا اتفوق في مجال ولكن احتاج انسان او الى جهد اخر من الاخرين الذين يمتلكون خبرة اكثر مني في ذلك الميدان ولذلك انا لست انانيا وحريص على ان استفد من الاخرين واحب عملهم وامَجِّده .
س23: خلود الحسناوي:
اني كفرت بدين الله في وطني .. حرصا عليه وبعض الكفر ايمانُ
لمن هذا البيت وماذا تعني لك؟
ج23: الفريد سمعان: هذه قصة قديمة كيف تذكرتيها؟ هذه الابيات للشاعر رئيف الخوري قالها في الانتخابات عام 1947م في دمشق وكنت حاضرا في المسرح وسينما شهرزاد في دمشق والذي لايزال الى الان وكانت حينها انتخابات والمرشح خالد بكداش سكرتير الحزب الشيوعي السوري وانتُخِب فعلا نائبا عن دمشق بعد هذه الانتخابات فجاء رئيف الخوري فقرا هذه القصيدة ضمن الاحتفالية في سينما شهرزاد ومن جملتها هذا البيت وقد أُثِيرَت حوله الكثير من المسائل فاعتبر نوع من التحدي للدين وكما سمعت انه حوله فيما بعد واستفاد منه وحاول ان يُفهِم الاخرين بانه ليس استخفافا بالدين ولكن حرصا على الوطن والدين الذي يجب ان يخدم الوطن والناس لان الناس المتعلقة بدينها يجب ان تخدم وطنها وشعبها وتعمل على تطويره وتزويده بكل ما يمكن وان الدين ليس عائقا للتطور الدين على عكس ذلك يستحق المحبة والمعرفة وان يستفيد الانسان منه وان يمجده وان يعطيه أهمية خاصة لخير المجتمع وليس لأغراض شخصية او انتخابية او ابتزاز او شيء من هذا القبيل الدين هو معرفة الله معرفة الخلق والمبادئ السليمة التي جاء بها لكن يجب ان لا تتعارض مع المسيرة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع .. الدين يُحترَم ويوضع على الرؤوس ولكن البلد يحتاج الى خطوات أخرى في مجالات الاقتصاد والمعرفة والعلم والسياسة كلها تقود البلد وهي أيضا دعم للدين .
س24: خلود الحسناوي: في ختام هذا الحوار كلمة أخيرة لك وما الذي في بالك لم تقله لحد الان؟
ج24: الفريد سمعان: اريد ان أقول ان الانسان يبدا مسيرة حياته بشكل او باخر في المدرسة كنا يدخل ملايين الطلاب في كل سنة من هذه الملايين أناس ينجزون واناس لا ينجزون هذه المسيرة تخلق علماء وتخلق ناس بسطاء ولابد من المعرفة ان تشمل الجميع ولابد ان نهتم بالإنسان لأنه قد يكون هذا الانسان ذكيا جدا ولكن لا تُتح له الفرصة فيجب ان نمنح الفرصة لكل انسان ذكي ومتمكن من اختصاصه ويسعى الى ان يُحقق حلمه في الابداع والعمل والانسان بالحقيقة يحتاج الى كل هذه المسائل وانا ادعو لفسح المجال اما العقول البشرية الذكية لكي تصنع المستقبل .
خلود الحسناوي: في ختام حوارنا نتمنى لك الصحة والعافية ان شاء الله
الفريد سمعان: اشكرك جدا على هذا الحوار وجهدك فيه .
***
حاورته: خلود الحسناوي .