مدارات حوارية
إبراهيم أوحسين: الروائية رندلى منصور للمثقف: الكتابة فعلُ حياة وإيمان وإلا فلا داعي لممارسة طقوسها
في هذه الحلقة من مدارات حوارية تستضيف المثقف الروائية رندلي منصور، وحوار شامل وصريح أجراه معها الكاتب والاديب: ابراهيم أوحسن، فاهلا وسهلا بهما في المثقف.
على هدى "إبراهيم اليازجي" قائلا: "تنبّهوا واستفيقوا أيها العربُ!" آثرت الشاعرة اللبنانية "رندلى منصور" أن ترسم خطوط روايتها الأولى "حرية وراء القضبان"، كاشفة النقاب عما ينتظرنا من تحديات مستقبلية كأمة عربية لازالت
متعثرة في تهجئة حروف هويتها التائهة بين جذور الأصالة وبين حبائل الحداثة وإغراءات العولمة..ويسرّ صحيفة المثقف نشر الحوار الذي تفضلت به الأديبة، متحدثة عن باكورتها الروائية، ومسلطة الضوء على مختلف القضايا ذات الهمّين الأدبي والعربي.
س1: ابراهيم أو حسن: لو أردنا افتتاح حوارنا بتعريف قراء المثقف بك، فماذا تقول رندلى منصور لهم؟
ج1: رندلى منصور: رندلى منصور، إنسانة بدأت الكتابة في التاسعة من عمرها، قرأت لمن حولها، أبكتهم حينًا وآمنوا بها أحيانًا، لكن تعلّمت بعد 30 سنة، بأن الكتابة فعلُ حياة وإيمان، وإن لم يكن كذلك، فلا داعي لممارسة طقوسها، لأننّا بذلك نعيدها إلى مساحتها الأرضية.
س2: ابراهيم أو حسن: أنت تكتبين بلغة عربية رصينة في زمن قلّ فيه من يعير لغة الضاد أهمية كبرى، في ظل اللغات الحية الأخرى التي اكتسحت مجتمعاتنا العربية.. أولا ما علاقتك باللغة العربية؟ ثانيا هل يمكن المراهنة عليها حاليا وأهلها في انحطاط مستمر؟
ج2: رندلى منصور: أولًا، أشكرك على رأيك الكريم، أما عن لغة الضاد، فنحن المسؤول الأول والأخير عن تدهورها، ففي ظلّ تدهور قيمنا وثقافتنا العربية، ماذا بقي لنا؟
في ظلّ إكتساح لغة الإنترنت العالم، وفرض شروط تعجيزية على البضائع التجارية، ألغت العولمة كلّ الحدود أمام الثقافات، وبحجة أننا نعيش في قرية صغيرة، لم يستطع العرب، إزاء ذلك، إلا المقايضة بلغتهم، ظنًا منهم، أنهم بذلك يستبيحون حدود الغرب ويحصدون ثمار التطور.
لكنّهم بذلك، لم يجنوا سوى مزيد من الجهل مع طمس التاريخ، كي نساهم وبمجهودنا في دفن كل إنجازات الماضي، التي كانت للأمس القريب، مصدر قلق للآخرين.
أما عن علاقتي بهذه اللّغة، فهي علاقة الجسد بالروح، تموت حروفي إن لم تكن مسكونة بروعة لغة، عجزت عن إعجازها أغلب اللّغات الحيّة، كي لا أكون متطرّفة، إن جاز التعبير.
أما سرّ بقائها فرهن بعاملين، الإقتناع أولًا، بأن بقاءها هو بقاء لحضارة، لم تستطع كل الحروب الدموية والثقافية النيل منها. ثانيًا، الإعتراف بمسؤوليتنا تجاهها، كأهل، وحثّ أبنائنا على المحافظة عليها، وكتربويين، إيلاءها الأهمية التي نعطيها للّغات الأخرى في التعليم، بل أكثر، أن نحترمها، كما يفعل كلّ من الفرنسي، والألماني، والتركي... عندما يرفضون الحديث بغير لغتهم الأم.
س3: ابراهيم أو حسن: في روايتك شاعرية نابضة وطافحة، ألم تكوني تخشين أن تغلب الشاعرة على الروائية وأنت تسطرين فصول روايتك هذه، فتغدو الرواية قصيدة طويلة؟
ج3: رندلى منصور: كما الفصول الأربعة المتعاقبة على مرّ السنين، لكلّ رونقه وجماليته، كذا من يحمل ريشة يلوّن بها مساحات الفرح حينًا، أو يغيّر ألوان الحزن ليعطينا حياة، أقلّ قبحًا من الحقيقة؛ جاءت المقاطع الشعرية لتعطي للحقيقة المرّة التي نعيشها، لونًا اسمه الحياة، بعدها ما عدت أدري، إن أنا استغللتُ الشعر لأجمّل الحقيقة، أم استغلّني الشعر لأمسي شاعرة، فأصدر ديواني قبل إصدار الرواية.
س4: ابراهيم أو حسن: يقولون إن هناك انفجارا وفائضا في التأليف الروائي .. فإلى ماذا يعزى ذلك إن كان ما قيل صحيحا؟
ج4: رندلى منصور: في عالمنا العربي فراغ كبير من الضوابط على كل الأصعدة، وبعد التفلّت الأخلاقي على أكثر من صعيد، أمسى عالم الرواية مباحًا، في ظل إمكانية النشر، وكما ذكرتُ في مقابلة سابقة، إن العرب لا يقرأون إلا الرواية، هذا إن قرأوا.
هنا، كثيرون هم من يتحمّلون المسؤولية، بداية، من دور النشر وصولًا إلى وزارة الثقافة. فبدل الرقابة على الفكر، مخافة الوعي، كنت أتمنّى أن تكون مراقبة على الجودة والنوعية أولًا، فالنشر مسؤولية كبرى، ودخول الكاتب مكتبات القرّاء، بيوتهم والمكوث بين أيديهم لساعات واختراق وجدانهم، ليس بالعمل السهل، ولا بالعمل البريء. على الجميع تحمّل المسؤولية.
س5: ابراهيم أو حسن: الرواية العربية تأثرت بشكل كبير بالأدب الحديث معتمدة على ما وصلت إليه الرواية الغربية ،فهل هنالك روايات عربية استطاعت الانفلات من التقاليد الأوربية في الكتابة؟
ج5: رندلى منصور: للرواية العربية وضع خاص، أولًا، إنه فن مستحدث في الأدب العربي، عبر التاريخ عرف العرب الشعر وكان من أبرز فنونه، فلا عجب أن نجد تراثًا ضخمًا من المنقول الشعري، فالبداوة ساعدت في ذلك، وسهلّت التجارة نقله، كما برزت الحكاية على لسان الراوي، الذي حمل في طياته بعض بذور الرواية، لكنّه كان على تماس معها ولم يزاوجها.
أما الرواية، فهي حديثة العهد، رغم بروز روائيين عرب، من مصر والمغرب العربي ولبنان وسوريا وغيرهم، إلا أن نشوء فن الرواية في عالمنا العربي إرتبط بحركة الترجمة أولا، ووجود الإستعمار. أما ثانيًا، كان سببه سفر وهجرة العرب إلى أوروبا، إما طلبًا للعلم، أو طلبًا للإستقرار. لذلك لا يمكن إنكار تأثرها بالرواية الغربية، إلا أن الظروف السياسية، تاريخيًا، أثرت كثيرًا من حيث الموضوعات والتعابير اللغوية. كما أثرت البيئة والطبيعة تأثيرًا بارزًا على بروز روايات من نوع مختلف. أما الحروب والوضع المتدهور حاليًا في محيطنا، خلق إطارًا جديدًا لم يكن موجودًا من قبل، فالإحتياجات الجديدة ومتطلبات الجيل الجديد وطموحاته سيسطر تاريخًا جديدًا للرواية العربية.
موضوع الحريات، الأديان، التطرف وغيرها، طرح تساؤلات جديدة وبالتالي هواجس جديدة، فإن لم نشعر بهذا التغيير بعد، مردّ ذلك ثقافتنا التي تخاف التغيير، لا نملك جرأة قراءة كتّاب جدد، ولا يلاقون الدعم الكافي من الإعلام للأسف، لأنهم لا يدرّون عليهم الأموال، فلا دور النشر تتبناهم، ولا الإعلام.
لكن ذلك لن يطول، فكما يلعب الانترنت دورًا سلبيًا في عدم الرقابة، فلا حسيب ولا رقيب؛ إلا أن ذلك قد يكون مفيدًا في الانتشار أحيانًا، فيصل بعض المغمورين إلى النور، إن كانت أعمالهم تستحق ذلك.
س6: ابراهيم أو حسن: التحولات التي تشهدها المنطقة العربية كان لها و بلا شك الأثر البارز على السرد بشكل عام، خصوصا ما وسَمَ الكتابات الشبابية الحديثة؟ و روايتك أشارت على الأرجح إلى ما تكبده لبنان من حروب طاحنة، هل ترين أن الرواية حاليا قادرة على الإجابة على مختلف الأسئلة المطروحة في الساحة العربية؟
ج6: رندلى منصور: الرواية، كما كل الفنون، مساحة تعبير، إلا أنّها برأيي المتواضع، أكثرها تأثيرًا وتأثرًا. فقدرة الشخصية على التطور والنضوج تعطي للكاتب مساحة خصبة لرسم الإطار الذي يريده كي يتمكن من خلاله إظهار أفكاره وإيضاح رغباته، هواجسه، وخوفه.
ولأنها رواية، فهي تعيش مع القارئ وتتعايش معه، تمامًا كما تحتضنها أحشاء الكاتب، تحملها وتعتني بها يدا القارئ ووجدانه.
هي تكبر وتنمو في فكر الروائي، تترعرع بفعل الإحتكاك اليومي، تسقيها المخيلة ويشذبها الواقع. مخاض الولادة، يقسو كلما اقتربت من النهاية، تولد الرواية تحملها مرّة واحدة بين يديك لتتأكد من سلامتها وتزرعها بعد ذلك في أرض تجهلها، فإما أن تزهر برعمًا في وجدان من يقرأها، وإلا...
وبما أن الروائي أشبه بكاميرا متخصصة، أو بعين باحث، فهو يضع الأشياء تحت المجهر، فيتناول الموضوعات ويصيغها بأدواته حيث يمرّ الآخرون مرور كريم، فلا تتّضح له الفكرة، إلا بعد إنهاء القراءة، وأحيانًا بعد إعادة النظر بالأشياء، وإعادة صياغتها.
س7: ابراهيم أو حسن: قلت في روايتك : الوطن لم يبق فيه غير اسمه !! فهل أصبحت الأوطان العربية بالذات خدعة نصدقها صغارا ونتبرم منها كبارا؟
ج7: رندلى منصور: إن الأوطان تسكننا ولا نسكنها، لذلك حين تهتزّ دعائمه، تصبح دواخلنا هشّة. لكنّنا اليوم قد قطعنا أشواطًا أبعد من كونها اهتزّت أو حتى إضمحلّت، أوطاننا ما عادت تسكننا، ولم يبق لها مساحة في الذاكرة، ولم تعد مرسومة في خواطرنا الطفولية، نحن نكاد وبالكاد نتعرّف على خارطة حروفها، ومع التدمير الممنهج لأمل المواطنة، لست متأكّدة، إن كنّا سنذكر حتّى مرور الزمان بمحاذاة أسمائها.
س8: ابراهيم أو حسن: حمّل الروائي الجزائري واسيني الأعرج الإعلام العربي مسؤولية فشل الرواية العربية في الوصول إلى العالمية، واتهمه بالتقصير في أداء مهامه، هل هذا الادعاء في محله في نظرك؟
ج8: رندلى منصور: في الحقيقة، واسيني الأعرج، من الروائيين الذين استطاعوا شقّ طريقهم وتعبيده لمن خلفه، وكونه من الأدباء المخضرمين، الذين مارسوا الهجرة طقسًا، من الوطن حينًا ومن النفس أحيانًا، فهو قد خَبِر طعم الهجرة داخل الوطن ومنه. عاش خارج شرنقته ليحافظ على صورتها. عاش وكتب خارج حدود الجزائر، ليُقرأ فيها، كما فعل جبران خليل جبران وغيرهم. أما البعض الآخر، فاختار أن يكتب بحروف بلد الّلجوء لغة الوطن الغائب، وإلا كيف نفسّر كتابة رواية، لكاتب عربي، بلغة أجنبية، تنال جائزة عالمية، تترجم إلى لغته الأم، لتدرّس بعدها في بلاده؟
س9: ابراهيم أو حسن: من يتحمّل كل هذا التقصير؟! الكاتب، القارئ، البيئة، أم الإعلام؟ لماذا لا تترجم كتبُنا العربية، الى لغات أجنبية، لنُقرأ بالشكل الذي نستحق؟
ج: رندلى منصور: بلادنا أنجبت أدباء، لكنّها لم تستطع إنجاب قرّاء يرفعون من مستوى الثقافة إلى حدود العالمية، على عكس ما حصل في الغرب!!
أتراها أزمة ثقة؟!
س10: ابراهيم أو حسن: مواقع التواصل الإجتماعي تخدم المثقف وتجعل مجال تواصله أكبر، كيف تنظرين لدور هذه الوسائط الالكترونية في دعم الإبداع والترويج له سلبا أو إيجابا؟
ج10: رندلى منصور: مواقع التواصل الإجتماعي، طاقة، وليس هناك طاقة سلبية أو إيجابية مئة بالمئة، بشكل مطلق. لذا فإن طريقة إستخدامها هي التي تحدّد إن كانت تساعد الكاتب أو العكس.
وهنا أود أن أتطرّق إلى تجربتي الشخصيّة مع مواقع التواصل الإجتماعي، لقد بدأت على موقع فايسبوك منذ زمن، بنشر بعض الخواطر على صفحتي الشخصية التي كانت مخصّصة للعائلة، الأقارب والأصدقاء، وهذا قبل أي إصدار لي، بعدها، بدأت الدخول إلى بعض المجموعات الأدبية لنشر بعض ما أكتب، وبدأت تردني طلبات صداقة من مختلف الدول العربية، وبدأوا متابعة كتاباتي، فأصدرت ديواني "بلا عنوان" وفوجئت خلال التوقيع بوجوه لم أكن أعرفها إلا من خلال التعليقات على صفحتي أو في المجموعات.
لا يمكن أن أنكر دور الفايسبوك الإيجابي في مسيرتي الأدبية، فقد كان سببًا لتعرف الناس على كاتبة مبتدئة، وبفعل تواجدهم ودعمهم المستمر، زادت نسبة المتابعة ومساحة الانتشار. ولا أظن أنّنا بحاجة إلى الفترة الزمنية التي احتاجها الأدباء السابقون للوصول إلى الجمهور.
لكن لا يمكن أيضًا إغفال خطورته في ظهور الكثير من المكتوب الذي لا يستحق النشر، من حيث المضمون، واللّغة...
فرغم كونه عاملًا مساعدًا، إلا أنه لا يمكن أن يكون أساسًا في التقييم، رغم وجود عدد كبير من النقاد والصحافة، إلا أن العمل المحترف لا يمكن أن يصاغ على صفحاته، بل يجب أن يُنسج في مُحترف يليق بمكانة الأدب وآدابه.
س11: ابراهيم أو حسن: شهد العالم العربي ميلاد جيل جديد من الروائيين، فهل يمكن اعتبارهم امتدادا لروائيي الجيل السابق من حيث الاستلهام وطرائق السرد؟
ج11: رندلى منصور: الحياة لا يمكن إلا أن تكون حلقة متّصلة بأُخَر، والكتابة فعل نضوج وحصيلة تجارب. والكاتب إبن بيئة ما وأحداث ما وتجارب ما، قد تمرّ من خلال المعاش الحقيقي أو التحوّلات الإجتماعية الكبرى، أو الرصيد الفكري الذي أودعه السابقون في الوجدان، فخرج من طيات الواقع الحديث موروثًا جديدًا لمن سيظهر في المستقبل.
س12: ابراهيم أو حسن: ختمت روايتك بوعد قطعته "يارا " البطلة على نفسها، مفاده العودة بالانتصار. هل باعتقادك أن الأمة العربية قادرة على كسب رهان الانتصار تحت مظلة جراحها المتراكمة وهزائمها التي أثقلت كاهلها؟
ج12: رندلى منصور: التغيير لا يولد إلا من رحم المعاناة، الطبيعة البشرية. نحن نتعلّم من الأخطاء، بقدر ما يكون الألم، بقدر ما يصبح الوعي، إلا أن الواقع العربي يخضع لشروط مختلفة، بقدر قوّة الهزيمة، بقدر ما تكون المأساة، نفقد البصر والبصيرة، وهذا فعلًا ملفت!
عصور خلت، والهوّة تكبُر وتتّسع، والفجوة سببها الكم الهائل من المثقفين والمفكرين الذين إعتزلوا فنّ الحياة واكتفوا بالتواجد.
قرّرت مع "يارا" بطلة الرواية، الخروج من طيّات المأساة، فالوقوف على الأطلال لم يعُد مُجديا، "يارا" خلال الرواية، قامت بمراجعة للذات، جلدت نفسها حينًا، وحمّلت الآخرين مسؤولية فشلها أحيانًا، لكنّها قرّرت في النهاية خوض التجربة، لم يعُد يعنيها الخطأ بقدر ما أرادت تصحيحه.
"يارا"، قد تكون المرأة التي كانت سبب مأساتها، فهي من ربّى رجلًا لا يعرف كيف يحترمها، وقد تكون الإنسان العربي، الذي سمح بإنتهاك حقوقه، ظنًا منه أنّه يصنع حرّيته، وقد تكون الإنسان الثائر على التقاليد والقوانين من دون البحث
عن بدائل، وقد وقد وقد ...
لكن في النهاية، لا يمكن أن تستسلم مهما كلّف ذلك، هي تريد أن تحيا، فلا وجود من دون حياة وبالتالي قرار الانتصار، فطرة.
نحن مفطورون على الأمل، وإلا لماذا نفكّر ونختلف، الإختلاف سرّ التقدم والنجاح، مشكلتنا، نحن العرب، أن اختلافاتنا لا توصلنا إلا إلى الخلاف.
لتكن "يارا" الإختلاف الذي يزيل القضبان لتصنع من الحرية حياة!
س13: ابراهيم أو حسن: أين موقع الرواية العربية في الأدب العالمي من وجهة نظرك، ولماذا لم ينل روائي عربي حظه من العالمية منذ جائزة نوبل التي فاز بها المصري نجيب محفوظ؟
ج13: رندلى منصور: للأسف، لقد ذكرت أن العالم العربي لم يستطع خلق قارئ يوصل الرواية العربية إلى العالمية. لكن الأسباب واضحة، أولًا، العرب لا يقرأون بالشكل الكافي، ثانيًا، قراءاتهم موجّهة كما كل خياراتهم، للإعلام الدور الأبرز.
كلّنا يعلم كيف يتم إختيار الأفراد للجوائز العالمية، السياسة لها الدور الأبرز، والمصالح والإيرادات.
كي نعرف سبب عدم نيل أي عربي بعد، نجيب محفوظ، جائزة نوبل، علينا التفكير مليًا بمتى نال محفوظ الجائزة؟ الظروف التي كانت سائدة، الواقع السياسي العربي والمصري بالذات؟
هذا لا يعني أبدًا بأنّه لم يستحقها وبجدارة، لكن كثيرون من العرب وفي مجالات مختلفة، غير الأدب والرواية، إستحقوا هذه الجائزة وغيرها، لكن لا حياة لمن تنادي!
يقول ماريو بارغاس يوسا في رسائله الى روائي ناشئ:
"كل رواية هي كذب يصطنع الحقيقة، خلق تكمن قوة الإقناع فيه تحديدًا في الاستعمال الفعال من لدن الروائي لتقنيات إيهامية وشعوذية شبيهة بصنيع الحوار في السرك أو المسرح"
ما رأيك؟
إن التعبير يحتمل الكثير من التأويل والتفصيل. إن كان الكذب، هو الصناعة الأدبية، بكلّ ما تحمل من خلق للأطر الفنية والإبداعية، فهذا صحيح. فالكاتب، في شتّى مجالات التأليف، يستخدم مخيّلته، وقدراته الإبداعية، ليجذب القارئ، ويبقيه متلهفًا، حائرًا، وكلّما إستطاع إطالة مدّة التشويق، كلّما كان ناجحًا.
س14: ابراهيم أو حسن: لكن هنا السؤال يطرح نفسه، الفن للفن، هل هذه هي غاية الكاتب أو الروائي بالذات؟
ج14: رندلى منصور: قناعتي تقول، ما من شيء في هذه المعمورة، وُجد من غير غاية، فالفن بهدف الجمال، لا يتعدّى كونه صناعة، يريد بها الكاتب المبارزة. أما من يكتب لإيصال فكرة، لتشريح حالة، لنكئ جرح أو تعرية حقيقة وبقالب فنّي متماسك، يرقى إلى حدود الإبداع.
وهنا يصبح مشعوذًا بمرتبة محترف.
س15: ابراهيم أو حسن: هل تظنين أن روايتك هذه كانت كما قال بارغاس، أم اتخذت لها مسارا آخر خاصا بها؟
ج15: رندلى منصور: بصراحة، يصعب تقييم الذات، ومن باب المهنية، أترك الحكم، لأهل الإحتراف.
بخصوص النشر، هل ثمة من مكابدات حقيقية في سبيل وصول عملك الروائي إلى القرّاء؟ وهل تجاوزت روايتك حدود لبنان؟
النشر، دائمًا محفوف بالمتاعب، الجزء المادي، أقصد التكاليف، والجزء التقني، بمعنى الطباعة والتوزيع، هو هاجس الكاتب بشكل عام .
س16: ابراهيم أو حسن: كل مؤلّف يطمح بالإنتشار، وإلا لما يتكبّد عناء الكتابة؟!
ج16: رندلى منصور: لكي يصل الكاتب إلى القرّاء يحتاج إلى مجموعة من العوامل والظروف، وهي في كثير من الأحيان صعبة التوفر.
أولًا، إقناع دار النشر بما كُتِب، وبعدها تأمين المبلغ المطلوب، فدار النشر تبتغي الربح، وإن كنت كاتبًا بلا تاريخ، فمن يتجرأ؟
بعدها يأتي عناء التوزيع، في عصر الإنترنت، ماذا حلّ بالكتاب؟ بالإضافة إلى ذلك يأتي العامل الأصعب، في بيئة ألغت القراءة من قاموسها الحياتي، لمن سيصل ما تكتب؟!
أما عن وضع رواية "حرية وراء القضبان"، فقد إستطاعت خرق القضبان ووصلت إلى بعض الدول العربية، فمن خلال توزيعها في العالم العربي، ومشاركة الدار في معارض الكتاب العربية، قد وصلت إلى القرّاء. ومن خلال متابعتي للأصداء، قد قرئت في عدد من الدول العربية منها الجزائر ومصر وتونس والأردن وسوريا وطبعًا لبنان.
هذا يسعدني بالتأكيد، لكنني متفائلة ولا حدود لطموحاتي، فكما وعدت "يارا"، بطلة الرواية، بالإنتصار، ستتحدّى الرواية الواقع المرير، وأعدكم بالإنتشار!
س17: ابراهيم أو حسن: هل هناك مشروع أدبي في الطريق؟
ج17: رندلى منصور: إستكمالًا للسؤال السابق، طُرح عليّ مشروع تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي، وهذا متوقف على إيجاد سيناريو، يضيف للرواية قيمة معنوية، وهناك بعض المشاريع التي تدرس.
أما بخصوص المشاريع الأدبية، ديواني الجديد، في طريقه إلى المطبعة قريبًا، كنت أنوي إصداره ليكون جاهزًا خلال معرض الكتاب في الجزائر، وتكون إطلالتي الأولى في الجزائر الحبيبة من خلاله، لكن لم يحالفني الوقت، قد تأخرتُ. كما أنني لن أستطيع أيضًا توقيعه في معرض بيروت لهذا العام للأسف، لكنه سيكون حاضرًا في فعاليات ثقافية أخرى خلال 2017 إن شاء الله .
لكنّني حاليًا في صدد كتابة رواية إجتماعية، ستكون مفاجأة لمجتمعنا العربي، في جرأة الطرح، في بيئة تؤمن بالتابوهات، وتخاف ذكرها؛ لكنّها ما زالت تحتاج إلى بعض الوقت كي تصبح جاهزة لشقّ طريقها إلى النور.
حاورها: إبراهيم أوحسين – صحيفة المثقف