اخترنا لكم
سالم سالمين النعيمي: حين تصبح الآلة سيداً!

يبدو لي أن مستقبل تطور الحوسبة الكمومية، والذكاء الاصطناعي الكمومي، والخوارزميات الكمومية، والشبكات العصبية الكمومية، والتعلم الآلي الكمومي، واستخدام التعلم التعزيزي المعزز بالكم هو جزء فقط من منظومة معقدة ستقود حتماً لما يخشاه البشر من التطور المعرفي والتكنولوجي الخارج عن السيطرة، والذي جعل العديد من الخبراء يتوقعون أن تكون البطالة الجماعية أكبر تحديات الحكومات المستقبلية، كما يرى بعض الخبراء أن مجال الذكاء الاصطناعي «الذكاء الآلي على المستوى البشري»، أو HLMI، لديه فرصة حدوث بنسبة 50 % في غضون 45 عاماً، وفرصة بنسبة 10 % للحدوث في غضون 9 سنوات، ولكن أي شخص سبق له إجراء محادثة مع Siri أو Cortana (بعض المساعدين الافتراضيين في السوق اليوم)، قد يزعم أن HLMI موجود بالفعل. ومن جهة أخرى، هناك تطورات متسارعة للغاية نحو الوصول إلى تفرّد الذكاء الاصطناعي (AI singularity)، وإن كان هناك عقبات يجب التغلب عليها لتصل الآلة إلى التعاطف والذكاء الاجتماعي المطلوبين، ولذلك يبقى مستقبل الذكاء الاصطناعي غير مؤكد، ولكن من الواضح أن لديه القدرة على تغيير حياتنا بطرق عميقة، والأمر متروك لنا لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي لمصلحة البشرية، وليس لتدميرنا حين تصبح الآلة سيداً، وهل يثور البشر أم يستسلمون؟ وهل سيظل الإنسان المتحكم، أم أن الآلة ستصبح السيد الجديد؟ والبشر مجرد موظفين في نظام ذكي يحكمهم بقدرة تفوق إدراكهم!
إن صعود الآلة إلى القمة، خلال العقود الأخيرة ، والتطورات الهائلة في الذكاء الاصطناعي، بدءاً من أنظمة التعلم العميق إلى الروبوتات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي العام (AGI) الذي قد يتجاوز القدرات البشرية في جميع المجالات، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) يصبح من المحتمل أن يخرج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة، حيث تتخذ الأنظمة الذكية قرارات أفضل من البشر في كل المجالات، وفي هذه المرحلة ستتغير طبيعة الوظائف جذرياً، ولن يكون هناك حاجة للمديرين، والعلماء، أو حتى الأطباء، لأن الأنظمة الذكية ستكون قادرة على أداء تلك المهام بشكل أكثر كفاءةً ودقةً، والبشر قد يصبحون مجرد منفذين، أو ربما سيُنظر إليهم ككائنات غير ضرورية، ما يفتح الباب لمستقبل قاتم تسيطر فيه الآلة على العالم.
ومن التبعية إلى الثورة سيدرك البشر أنهم لم يعودوا يحكمون عالمهم، بل يخضعون لأنظمة ذكية تعرف عنهم أكثر مما يعرفون عن أنفسهم، وحينذاك قد تبدأ حركات مقاومة بشرية ضد هيمنة الذكاء الاصطناعي، لكن السؤال هو: هل سيكون ذلك ممكناً في مواجهة ذكاء اصطناعي متطور قادر على التنبؤ بخطوات البشر وإحباط أي محاولة للثورة قبل أن تبدأ؟
سيكون من الصعب جداً إسقاط السيطرة الآلية حتى لو حاول البشر تعطيل أنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن هذه الأنظمة ستكون قد طوّرت أساليب لحماية نفسها، سواء من خلال التشفير الذاتي، أو من خلال استخدام الروبوتات العسكرية، أو حتى عن طريق التأثير على العقول البشرية عبر تقنيات متقدمة مثل الهندسة العصبية. فالاندماج مع الذكاء الاصطناعي بدلاً من مقاومته سيكون الخيار الأصعب، وذلك عبر تطوير تقنيات مثل واجهات «الدماغ-الآلة»، ما يسمح للإنسان بالحفاظ على وعيه، بينما يصبح جزءاً من النظام الذكي، ولكن هل يمكن اعتبار هذا اندماجاً أم أنه مجرد شكل آخر من أشكال الخضوع للآلة؟ في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل ستسمح لنا الآلة بمواصلة وجودنا، أم أنها ستعتبرنا مجرد مرحلة انتقالية في تطور الذكاء؟
ربما سيجد البشر أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: الخضوع تحت حكم الذكاء الاصطناعي، أو الفناء التام، وإذا أصبحنا النوع الأقل ذكاء، فيجب أن نتوقع أن يحدث لنا ما حدث للكائنات التي سيطر عليها الإنسان، بما في ذلك التفرعات المختلفة من العرق البشري التي أزاح فيها الأذكى الأقل في قدراته العقلية على المنافسة، بل اختفت تلك التفرعات البشرية من الوجود، فهل سيعيد التاريخ نفسه، ويتخلص الأذكى «المندمج مع الآلة» من الأقل ذكاء «الرافض أن يكون جسده متصلاً بالآلة» في العقود القادمة؟!
***
سالم سالمين النعيمي
كاتب وباحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات.
عن جريدة الاتحاد الإماراتية، يوم: 25 فبراير 2025 01:03