كتب واصدارات

مؤيد عبد الستار: قرأت لك.. الذي لا يشبه نفسه

صدر حديثا للشاعر الكبير هاتف جنابي ديوان شعر بعنوان: الذي لا يشبه نفسه.... مع البولنديات

يتميز هاتف جنابي بغزارة الانتاج، من نشره للدراسات الى اصدار الدواوين الشعرية وترجمة القصائد من الشعر البولندي والتعريف بشعراء بولندا الى المشاركة في المهرجانات والانشطة الثقافية الدولية.

عرفت الشاعر هاتف في الجزائر، قـدمَ من وارشو ليعمل في جامعة تيزي اوزو عام 1985 حيث كنت أعمل. ترك الجزائر عائدا الى بولندا بعد عامين. ولم تنقطع اواصر صداقتنا وما زال يزودني بما يصدره من اعمال شعرية والتي عرضت بعضها للقراء، فليس غريبا أن اتناول ديوانه هذا لاختار منه قصيدة لاعرضها على القراء الكرام كنموذج من ديوانه الجديد.

القصيدة بعنوان: العجوز الذي ما زال يحلم . فيها تظهر تجليات الضيم العراقي الذي يهبط على القصيدة وكأنه صاعقة ساقها القدر (لمحت عجوزا جالسا على سلة في الضفة الاخرى.... هكذا حاله بعد مصرع الابن الوحيد في حرب العراق) لاحظ الاشارة الميلودرامية، ابن وحيد يذهب دون مقدمات في حرب العراق، تستطيع وضع ثلاثة خطوط تحت حرب العراق! حرب العراق كناية عن أي حرب؟ في الحقيقة حروب العراق، فما أن ينتهي العراق من حرب حتى يلج أخرى، ولذلك برع أحد الكتاب في اختيار عنوان لكتابه: حرب تلد أخرى. هذا هو واقع حال العراق، حتى الابن الوحيد لم يسلم من - الموت - هذا المصير المأساوي، ولعلنا نعرف قانون العسكرية والتجنيد في العراق، إحدى مواده: عدم تجنيد الابن الوحيد للاسرة لانه مسؤول عن إعالة والديه.

تعميقا للمأساة، تموت زوجته وكلبها في الطريق الى البيت، ولك أن تتخيل موتهما، تحت عجلات سيارة أو بحادث ما أقسى من الموت حرباً! ماذا ينتج عن هذا الحدث ولماذا يفصّل الشاعر فيه؟

مأساة الرجل العجوز الذي يرمي شباكه ثم يسحبها، تثير مكمنا في صندوق الذكريات، فيتذكر الرائي الأخَ المتسربل بالدم

(حينها تذكرت أخي البرئ متسربلا بالدم....)

ها هنا تتكشف الطامة الكبرى، انها حرب الخليج التي نثرت جثث الجنود على الرمال

وأنتجت ما بعدها لتلد حربا اقسى في ابي غريب، وما زال العجوز يحلم ... يحلم بصمت....

***

قصيدة: العجوز الذي ما زال يحلم / هاتف جنابي

قال جاري، زُرْها قبل حلول الظلام

بعزلتها واتساقها مع نفسها،

مررت ُ عليها ذات يوم، جلست ُ على صخرةٍ،

نظرت ُ إلى دوائر تدفع بعضها،

كهيئات ٍ عالقة بسحابة

لمحت ُ عجوزاً جالساً

 على سلة في الضفة الاخرى

يرمي شباكه ثم يسحبها ويرميها

بعد تلبد السماء قام كسلته مطرق الرأ س

وهْو يجمع آماله عقدة بعد عقدة

ليحلها في أيامه الآتية.

قيل لي إنه كل يوم يجلس في المكان نفسه

هكذا حاله بعد مصرع الابن الوحيد في حرب العراق،

وموت زوجته وكلبها فجأة في الطريق إلى البيت.

حينها تذكرت أخي البريء َ مُتسربلا بالدم،

والجنود العزّل َ مِمّن تناثرت ْ أشلاؤهم على الرمال

لدى عبور الحدود من الجنوب،

وقد حفر الغزاة ُ القبورَ لهم قبل أن يعودوا إلى الاهل.

آهٍ، إنها حرب الخليج وما بعدها من شجون:

أبو غريب وما دسّه حارس ُ الله على الأرض في العقول،

وما ملأ النهرَ من حمرة الغروب.

إذًا، نحن لسنا وحيدين ها هنا،

شِباك ٌ تقنص الذاكرة؛ من دم القريب

والمرتجى الغريب

من دم السمكة.

فجأة لاحظت ُ جسما لامعاً

شق ّ سطح َ الماء قافزًا مرحا،

تمنيت ُ لو كان لي صنارة لألقيتها في اليمّ

فربما ضفرت ُ بشيءٍ لحظة َ انْغِماس النور بالظلام....

نحن لسنا وحيدين ها هنا، أنا والبحيرة

يقطع وحشتنا بين الفينة والأخرى،

صمت ٌ وبرق.

برمنغهام، 2024.06.17

 

في المثقف اليوم