مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود: سوق الفن وتجار اللوحات
من هم الفنانون الحقيقيون الكبار؟ سؤال طرح في الاعلام الاجنبي وجاء الجواب سريعا انهم تجار اللوحات؟ ولكن من هو الذي يخلق ويصنع الفنان الحديث؟ ايضا جاء الجواب، هم تجار اللوحات؟.
اسألة كثيرة طرحت في هذا المجال منذ عقود وتعمقت بعد ضياع المقاييس والموازين النقدية في موجة الفن الحديث والفوضى العارمة في انتاجه.
من المعروف ان الاوائل من الفنانين قد انتجوا اعمالا محدودة وفريدة وقد رسموها وراجت في الاسواق وعلقت في المتاحف وانتهى الامر، مثل فان كوخ وسيزان وبول كلي، دالي، بيكاسو، وغيرهم. ولكن السوق الفني اليوم يحتاج الى اعمال جديدة وفنانين جدد وسط تنامي وازدياد ثروات الاغنياء، (على حساب ازدياد الفقراء) ويذكر انه وصل عدد المليونيرية الكبار اليوم الى 17 مليون غني. ولهذا ازداد الطلب على الاعمال الفنية واقتنائها. وفي هذا الظرف برز تجار اللوحات لسد حاجة السوق الفني وعطش الاغنياء.؟.. وكان اكثرهم نشاطا وذكاءا هو Leo Gastlli. ويعتبر ليو شخصية حاسمة في حركة تجارة الفن وتطوره في العالم طيلة القرن العشرين، وهو ابن شخصية بانكية من اصل هنغاري، فاستقر في نيويورك وفتح له كالري، وكان ذكيا ومغامرا وقضى حياته بالهو والشرب والنسائي (...)، وكان له الفضل في اكتشاف كبار الفنانين الامريكان وتقديم اعمالهم الى الجمهور مثل وارهول،و سي تومبلي، والسوث كلي، وجاسبر جون وغيرهم.. كما كان له الفضل في اكتشاف فن البوب آرت.. وكان ليو يتفق مع عدد من الفنانين ويضع لهم راتبا شهريا مقابل انتاج لوحات فنية، ثم يعمل على تضخيم ورفع سمعة هذه الاعمال من خلال المعارض والاعلام والحفلات المترفة والبراقة، فترتفع اسعارها بالملايين ويرتفع اسم الفنان ايضا، كما حدث للفنان Frank Stella الذي اصبح مشهورا بفضل ليو. وهو نفس ما حدث للفنان الامريكي الشاب خوان مغيل باسكيت- 1960 - 1988- الذي استغل استغلالا بشعا ادى به بالاخير الى الانتحار مخدرا دروكادو واصبحت اعماله اليوم تباع بالملايين.
وكان مقتني اللوحات من الاغنياء والاثرياء لا يهتمون بالابعاد الفكرية والفلسفية والنوعية للعمل الفني بقدر اهتمامهم بالسمعة والشهرة وانهم يفتخرون بامتلاكهم لوحة لفنان معروف او لتاجر معروف، حيث لديهم من الاموال ما تغرق العالم وهدفهم هو الترف والمتعة. ولما كانت هناك ظاهرة تنامي سريعة لثروات الاغنياء (وبجشع وسرقة) فلا بد من خلق خط تجاري للفن سريع الانتاج..
في اسبانيا ظهر برنامج يتحدث عن هذه الظاهرة واطلق عليها مصطلح Hamparte اي الانتاج الفني السريع الهابط، وجاءت على غرار كلمة hamburguesa التي يفهم منها الوجبات الغذائية السريعة. واشتهر البرنامج وتاسست له فروع في كثير من الدول الاوربية. وقد التقيت بصاحب البرنامج واسمه Antonio García Villaran، صدفة في احد المهرجانات الفنية في مدريد وعرفته بنفسي وقلت له لماذا لا يعمل برنامج عن الفن العربي او تترجم بعض برامجه الى اللغة العربية.. وفعلا شاهدت بعد ذلك ان بعض برامجه يترجمها ويكتب تحتها باللغة العربية.
المتاحف وتجارة اللوحات:
نرى اليوم ان بعض المتاحف العالمية غصت قاعاتها ومخازنها بالمقتنيات الفنية مثل متحف اللوفر - 1793 - حيث يذكر انه يملك 445 الف قطعة فنية معروض منها 35 الف قطعة فقط.. وكذلك متاحف نيويورك -1929 -الثلاثة والتي تعتبر من اهم متاحف العالم منها MoMA الذي يملك 100 الف قطعة فنية. ومعظم المعروضات الاثرية سواء كانت في باريس او نيويورك او غيرها كانت قادمة من الشرق اما مسروقة واما حملها معه الاحتلال الاستعماري..؟ كما نجد هناك ظاهرة اليوم في تحويل هذه الاعمال الفنية والآثار الى مادة تجارية مربحة حيث يتحث المسؤلون في متحف اللوفر عن مشروع تأسيس متاحف في عدد من الدول تحمل اسم – اللوفر- وكذلك نجد نفس الفكرة والمشروع عند المسؤلين في متاحف نيويورك وانهم سينافسون الفرنسيين بذلك. وقد نفذ الفرنسيون مشروعهم الاول في ابو ظبي عام 2007. وهوعبارة عن متحف فني بُنيَ في مدينة أبوظبي،. قام المهندس المعماري الفرنسي جان نوفل بتصميمه. وقد بدأ العمل به عام 2007 وتمّ افتتاحه في 8 من نوفمبر 2017، واُنشأ المتحف الذي عُقدت النية لبناؤه بموجب الاتفاقية الموقّعة بين مدينة أبوظبي مع الحكومة الفرنسية، والمتداولة لمدة ثلاثين عاماً على مساحة تصل لـ 24 ألف متر مربع تقريباً في جزيرة السعديات، وذلك بتكلفة تُقّدر ما بين 83 و108 مليون يورو.. وسوف تدفع ابوظبي الى فرنسا 525 مليون دولار لاستخدام اسم – اللوفر- و747 مليون دولار للتبادل الفني وتنظيم المعارض، يضاف الى ذلك دفع اجور كل نشاط سنوي من معارض او نقل الآثار او الى العمال والفنانين ومهندسي الصيانية والتأمينات وغيرها.. وهي اكبر صفقة تجارية مربحة ولاول مرة تحدث في تاريخ الفن والمتاحف بهذه الضخامة والارباح لصالح فرنسا.
وقد احتجت بعض المنظمات الثقافية على هذه الاتفاقية وعلى المعروضات بحجة انها اكثرها مسروقة من العراق وسوريا ومصر.. وان الامارات تعمل لتحسين صورة نظامها الاستبدادي وانها تنفق كل ما لديها من اموال في سبيل ذلك. كما ان الاتفاقية تتضمن عرض كل شئ؟؟.
امثلة مختصرة لزيف الفن:
1 - وفي عام -2017- قام متحف ابو ظبي بشراء لوحة لدافنشي تمثل صورة شخصية – بورتريت - بسعر 382 مليون يورو ربما كانت بمقاييس 50 في 70 سم.؟ ولو فكر العقلاء من هؤلاء انسانيا، يمكن لهذا السعر ان يحل مشاكل كثيرة في العالم كايقاف ودعم الحروب والقضاء على المجاعات.
2 - كما شاهدت وقرأت في الصحافة ان هناك فنان ياباني يدعى (اوكاورا) يعمل لوحات تختصر على رسم التواريخ فقط. مثلا(8-12-2015) - وتنفذ وسط لوحة ذات مساحة سوداء. وقد نال هذا (الفنان) شهرة كبيرة، واصبحت اعماله (الفارغة المضحكة) تباع اليوم بملايين الدولارات..؟
3 - ظهر تاجر وفنان آخر للوحات انكليزي الاصل اشتهر في عقد التسعينات من القرن العشرين في انكلترا اسمه Damien Hirst اسس له كالري في لندن وعرض فيه جميع مقتنياته الفنية، ثم اخذ يرسم سلسلة من الاعمال على شكل نقاط او دوائر لونية تشبه علب اقراص الالوان المائية التي تباع في الاسواق، كما اخذ يعرض حيوانات محنطة، هذه الاعمال اخذت تباع بملايين الدولارات، بطريقة عجيبة؟.. وهو ما يشير الى سخرية السوق وضحالة هذه الاعمال، ويعتبر هيرستHirst نفسه انه مكتشف هذه النقاط اللونية، بينما توجد هذه النقوش منتشرة في ملابس الغجر والافلامنكو الاسباني وبالوان مختلفة زاهية.. وقد وصل بعض لوحات هيرست الى سعر 250 الف دولار؟
4 - وايضا نجد فنان آخر يدعى Jeff Koons امريكي الاصل انشأ ورشة عمل على غرار ورشة الفنان وارهول تتألف من عدد من المساعدين، كما انشأ في نفس الوقت شركة للدعاية، وقد اخذت هذه الشركة على عاتقها الاعلام البراق والدعاية المستمرة لانتاجاته واعماله الفنية حتى اصمت الآذان.. وكانت اعماله عبارة عن مناطيد ونفاخات مترابطة وباشكال ملونة ومختلفة، وكذلك منحوتات طفولية، ملونة منها عمل نحتي صغير يمثل مايكل جكسون بيع باكثر من 5 ملايين دولار؟؟..
هناك عدد من الكتب نشرت في اللغة الاسبانية تتحدث عن هذه المهزلة والسخرية التجارية للفن الحديث الهابط منها
– El tiburón de 12 millones / Don Thompson
كما يجد كتاب آخر يتحدث عن برنامج وثائقي يدعى: La burbuja del arte contemporáneo -
***
د. كاظم شمهود