مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود: نداء كاظم والواقعية التمثيلية
لقد شاع اعتقاد في القرن السادس عشر لدي النقاد وجمهور المثقفين بان النحت يتقدم على التصوير بثمانية درجات من ناحية الاداء الجمالي والجودة وضربوا مثلا، كالشجرة او الجسم معكوس ضله على صفحة الماء، فالجسم هو النحت والضل هو التصوير، ويعنون بالتصوير كونه ضلا لانه في الواقع مسطح له بعدين وان النحت مجسم له ثلاثة ابعاد. غير انه هناك اراء مختلفة في الافضلية.. فدافنشي يعتقد ان التصوير اسمى من النحت لانه اكثر ذهنية وانه يفتح افاق واسعة امام الابتكار والخيال. اما مايكل انجلو فقال ان الاشياء ذات النهايات المتشابهة تتشابه هي نفسها وانه لا يمكن ان يكون هناك فرق بين النحت والتصوير فيما عدا تلك الفروق في العمل الاكثر صدقا واكثر اجتهادا.
نداء كاظم سار في اسلوبه على التقليد الواقعي التمثيلي. والمعروف ان الواقعية في الفن تنقسم الى قسمين الاولى الواقعية الحرفية والثانية الواقعية التمثيلية. وكل ما رأيناه في النحت والتصوير في العصور السابقة هو في حقيقته نموذج للاسلوبين الواقعي الحرفي والواقعي التمثيلي.. وعند التفحص والتأمل لاعمال نداء نجد ان هناك وعيا كاملا لمعرفة شخوصه التي نحتها من ناحية صفاتها الخارجية والنفسية الداخلية. وقد ساق كل اعماله الواقعية مساق التعبير عن واقعها النفسي والعاطفي. مثلا عندما نحت تمثال السياب في السبعينات اظهره بشخصية مهزوزة ومريضة جسمانيا.. ويذكر نداء انه كان تلميذا للسياب في مدرسة المعقل في البصرة ووصفه با نه كان يسير مرتعشا نتيجة لضعف بنيته الجسمية وانه عصبي المزاج، وكان يتكأ على عكازة اثناء المشي. وانه استوعب هذه الصفات وجسدها في تمثاله. من ناحية اخرى يذكر ندا انه كان احد تلاميذ جواد سليم قبل رحيله الى فلورنسا لعمل نصب الحرية، وانه يرى ان مواصفات تنفيذ النصب غير دقيقة مما احزن جواد. كما ان الجمهور لم يفهم في بداية الامر هذا النصب. ووصفه احدهم بالضفادع المعلقة على الجدار. هذه الامور وغيرها كانت من الاسباب التي احزنت جواد وعجلت في رحيله عام 1961.
الاسلوب والتقنية
كان نداء يخشى ان تسرق افكاره واعماله ولهذا كان حريصا ان لا يطلع عليها احد اثناء العمل. ولكن المتابع اليوم الى حركة الفن الحديث والعولمة ووسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك جعل من الصعب على اي فنان او مفكر او اديب ان يحبس افكاره داخل ورشته او نفسه، فكل شئ اليوم مخترق (ولو كنتم في بروج مشيدة فانكم مدركون).. هذا من ناحية. اما الاسلوب الواقعي التمثيلي فهو اسلوب كان شائعا منذ العصور القديمة وظهر بارزا في زمن الثورة الروسية الاشتراكية عام 1917 وتأسيس المدرسة الاشتراكية في الفن.
نداء كاظم يعتبره البعض اخر المبدعين في فن النحت العراقي بعد جواد سليم وخالد الرحال ومحمد غني حكمت، حيث انجز اعمالا خالدة لشخصيات تاريخية ومعاصرة وهي الان تحتل كثير من ساحات المدن العراقية. ويقول نداء ان انجازاته النحتية هي عبارة عن تجارب تتابعية (مازال التجريب يستهويني ومازلت انجز كل اعمالي بنفسي) بمعنى ليس هناك من يساعده في تنفيذ اعماله كما يفعل بعض كبار الفنانين. وقد رأينا ان بعض النحاتين العالميين يقوم بعمل نحتي صغير (ماكيت) ثم يحيله الى ايدي اخرى تعمل على تكبيره كما هو عند الفنان الاسباني ادوارد جييدا.
يمتاز عمل نداء كاظم بالدقة والتأني والصبر الطويل في اداء تنفيذ اعماله ويمكن للشخصية التي تجلس امامه (الموديل) ان يتكرر جلوسها عدة مرات ولفترات طويله. وقد جلس امامه عدد من الشخصيات المعروفة مثل الشاعر الجواهري ومظفر النواب.
اعمال نداء
نداء انجز اعمالا كثيرة لشخصيات تاريخية ووطنية معروفة مثل تمثال الفراهيدي والسياب في البصرة وابو تمام في الموصل والمرأة العراقية في بغداد، وتمثال ابو جعفر المنصور في بغداد وتماثيل نصفية لشخصيات معروفة مثل الجواهري ومظفر النواب وعبد الملك نوري وغيرهم.. كما لديه مشاريع اخرى قيد التنفيذ مثل سلسلة التماثيل لعبد الكريم قاسم والجواهري وملحمة كلكامش وربطها مع نصب الحرية لجواد. وساهم نداء في تأسيس اول معمل لصهر وصب التماثيل بالبرونز عام 1970 وكان قبل هذا التاريخ ينجز صب التماثيل خارج العراق. واشتغل نداء بخامات اخرى مثل الخشب غير انه كان حذرا منها لان الخطا فيها يكلفه الاعادة او تغيير ملامح التمثال ولهذا يرى ان لكل مادة خصائصها ويجب التعامل معها على هذا الاساس..
اما فكرة القوالب فقد ظهرت على يد النحات الفرنسي رودان وهو اول من استخدم القوالب في استنساخ النحت او تكراره. مما يجعل البعض يعيب فكرة القوالب حيث يعاد التمثال من قبل ايدي اخرى غير يدي الفنان.
السيرة الذاتية
ولد ندا في البصرة عام 1949 وتخرج من معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1965 ثم سافر الى روما لدراسة النحت. كان احد جماعة المجددين التي ظهرت عام 1965 وكان اول معرض لها عام 1965 في قاعة المتحف الوطني كولبنكيان في بغداد. واتخذت هذه الجماعة طابع التحدي واستعمال جميع الخامات المتاحة في تنفيذ اعمالهم الفنية سواء من ناحية التصوير او النحت.. ويذكر نداء ان ورشته مملوءة بالتماثيل الطينية لشخصيات معروفة ولا يجد احد يساعده في تنفيذها بمادة البرونز حيث ان ذلك يحتاج الى مبالغ مادية كبيرة، كما يذكر انه يحلم بانشاء متحف يضم جميع اعماله، ولو ان ذلك بعيد المنال.
***
د. كاظم شمهود