مقاربات فنية وحضارية
تزيف مشاعر الفنان لارضاء الطبقة الحاكمة
كان الفنان سابقا يعمل لارضاء الطبقة الارستقراطية وطبقة النبلاء ورجال الدين ولهذا كانت اعماله لا تخرج عن حيز الصناعة، ولا تمثل احاسيسه وخلجات صدره ووجداناته وانفعالاته الجمالية، ولا حريته في اختيار الموضوع، وبالتالي فان الفن الارستقراطي يكون الفنان فيه مجبرا ولا يعبر عن فكره وذوقه. وفي نفس الوقت يكون بعيدا عن ذوق العامة.. اما رجال الدين فقد جندوا الفنانين لخدمة العقيدة، وضل كبار فناني عصر النهضة امثال مايكل انجلو ودافنشي ورافائيل وتيثيانو يعملون للكنيسة طيلة حياتهم. وبالتالي كان ارتباط الفن بالدين يمثل ارتباطا عضويا ومنذ ايام العصور القديمة. ولم يتحرر الفنان من هذه القيود الصارمة الا بعد الثورة الفرنسيبة عام 1789 حيث يعدها المؤرخون من اهم احداث التاريخ البشري. فالطبقة الارستقراطية كانت شبحا طاغيا على انتاج الفنانين الذين يعملون مجبورين في ظلهم، ولهذا فهي تحاول بكل جهدها منع اي تغيير في نمط الحياة من فكر وتقاليد وعادات لان ذلك يلحق بها ضررا ويؤدي الى تفتح اذهان الناس والتمرد عليها.
الفنان وعصره
بعد ان تحرر الفنان نوعا ما من قيود الطبقة الحاكمة اصبح انتاجه يتسم بالفردية والاجتماعية كون الفنان مرتبطا بتاريخه وتراثه وتقاليد مجتمعة، كما ان المجتمع له مذاقا وعاطفة وحسا، وبالتالي يكون عمل الفنان مرتبطا بالمذاق العام الذي تتتسم به البشرية،، يقول الفيلسوف الالماني كانت (ان الفن من ذاتية الفنان، رغم ما ينطوي عليه من فردية، الا انه يتخذ اتجاها موضوعيا يستند الى الشمول حيث تحتمها ضرورة اخلاقية). لا فن بدون مجتمع ولا مجتمع في رقي الا وكان الفن عاملا هاما في حياته، من هنا نجد الطابع الفردي يذوب في الطابع الاجتماعي.
فاذا كان الفنان لم يكن نتاج ظروف زمانه والمحيط الذي يعيشه فربما اعماله تكون بعيدة عن المجتمع وغير قابلة للتفسير.. قرأت عن احد النقاد الاسبان يطالب في مقالة له من الفنان المعروف تابيس ان يفسر اعماله للجمهور حيث تشتبك فيها الرموز والاحرف والاشارات والتي لا يفهما احد سوى الفنان. علما ان تابيس اتجاهه صوفي بوذي روحاني يغرق اشكاله بالرموز البصرية..
الغيرة والتزييف
كانت ولازالت الغيرة تفسد العلاقات وتؤدي الى الفن الهابط فالكتابات الزائفة التي يسودها التخبط والنقد السيء وعدم المعرفة بتاريخ الفن والنزعات الشخصية كلها عوامل تؤدي الى حرمان الفنانين الاصليين من المساهمة في تسجيل حضورا مميزا قد يكون افضل من الاخرين... يذكر ان الفنان الفرنسي تيودور روسو 1812 رفضت اعماله نحو 14 عاما من قبل لجنة التحكيم المشرفة على العرض في صالون باريس، كل ذلك نتيجة للغيرة والحقد.. واخيرا اعترفوا بمكانته الفنية واصبح عام 1867 رئيس لجنة التحكيم في صالون باريس ومنح جائزة الشرف.. كما رفضت اعمال كوربيه 1819 وملليه والتي تتصف برسم الطبقة الفلاحية والعمالية، واعتبرت تحدي للطبقة الارستقراطية ورفع من شان الطبقة العاملة. وتعتبر هذه الرسوم بمثابة دعوة للمساوات والى النظرية الاشتراكية وعلى اثر ذلك نفي كوربيه الى الحدود الفرنسية ومنعت اعماله من العرض، الا ان القدر اقوى من الحسد وهذه التخبطات الغير اخلاقية، فاصبح كوربيه بعد ذلك مؤسس المدرسة الواقعية التي ولدت من رحمها المدرسة الاشتراكية في روسيا.
كان العراق قد مر بمراحل سياسية كان الفن فيها يشكل خطا بيانيا بين ارتفاع وهبوط حسب سياسة الحاكم.. ويذكر ان افضل مرحلة مر بها الفن العراقي المعاصر هي فترة الخمسينات والستينات حيث ظهرت فيه التجمعات الفنية والبعثات الى الخارج ونشطت فيها المعارض واسست المتاحف وصالات العرض وتزينت الساحات العامة بالنصب الفنية الراقية الكبيرة التي تسجل ملاحم تاريخ العراق القديم والحديث.. بعد هذه المراحل دخل العراق في ظروف صعبة جدا من سيطرة الحزب الواحد والايديولوجية الواحدة والحروب التي راح ضحيتها ملايين العراقيين بين قتيل وجريح ومنكوب وفقر عاشه الشعب العراقي.. ولهذا كان هناك تزييف في مشاعر الفنان لارضاء الحاكم وطبقته. ربما كان مجبورا بسبب الخوف او قطع الارزاق.. مثلما كانت تفعل الكنيسة سابقا في العصور المظلمة.. اما الذين يرددون اليوم جملة - الزمن الجميل – ماذا يعنون بذلك؟. اعتقد انهم متوهمين ومغشوشين وحاقدين على الشعب؟ اين الزمن الجميل وكله كان حروبا ومأسيا وبكاءا ومقابر جماعية وضرب المدن بالمواد الكيمياوية وفقر حتى اضطر الناس الى بيع ابواب وشبابيك مساكنهم؟. ولا يعني ذلك ان السلطة الحاكمة الحالية هي مقبولة ومحبوبة من قبل عامة الناس، فكلهم ظلمة؟..
انتبهوا واستفيقوا ايها العرب
فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
***
د. كاظم شمهود