مقاربات فنية وحضارية
أحمد جدوع .. تشكيلات حروفية عائمة وهائمة
منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما كنت على مشارف المراهقة المرهقة وعلى أبواب مرحلة جديدة ومدرسة جديدة كان علي أن أعارك في الضباب فسنواتي القادمة مبهمة وخاضعة لجملة من المؤثرات (المفارقات الاجتماعية الغربة النفسية التي فرضتها قسوة الحياة وكثافة الأحلام والتطلعات).
هنا أمام الباب العريض للمدرسة الجديدة كانت تفوح رائحة الألوان وسمعة عطرة لا زال أثرها عالقا في الأذهان هو الفنان الأستاذ أحمد جدوع الذي كان قد سافر لإيطاليا بعد أن ترك بصماته تزين الحوائط والجدران: (حينها كتبت بمداد روح تهيم بين عالمين سأخط في عالم اللون اسمي ولو بعد حين). هذا هو الأثر الباقي والمتبقي لمن يعملون بإخلاص وصمت في هذا الوطن.
فسمعته (أحمد جدوع) قد سبقته إلي وصارت الكتابة عنه واجبا علي. بعد خمسة وثلاثين عاما من ذاك التاريخ كان اتصالي الصوتي معه لأول مرة لأستشف تلك الألفة ما بين بحة ونبرات صوته وشفافية اللوحة التي عاينتها للمرة الأولى في إحدى سنوات المحبة إذ كانت مشاركته حينها في البينالي بمجموعة لوحات يوظف من خلالها الخط والحرف في تشكيل نسيجه الخاص لتبدو كما حروف عائمة تنبعث من عمق المحيط والتاريخ بدرجات أحادية اللون وتتشكل التكوينات فوق تلك السطوح بمزيج من العفوية والخبرة الأكاديمية.
(تشكيلات حروفية عائمة على وجه الماء وهائمة نحو صفحة السماء) يلاحق أحمد جدوع التشكيلات الحروفية مع عجينة الأساس التي يهيئ من خلالها سطوحه المتميزة بنسيج فسيفسائي خاص ومختلف قادر على تشرب ألوانه ذات الطبيعة المائية وقد تخدمه في هذا بعض الغطاءات المحرمية ذات القدرة العالية على الامتصاص لتتعاشق ألوانه اللاحقة ضمن حدودها القصوى مع الأساس ومع بعضها عند الأطراف ولتتناغم مشكلة مع الأساس الأحادي والحيادي الجامع لتلك الروح المتماسكة المترابطة والمرتبطة مع صور ذهنية كانت ولازلت تتشكل وتشكل تلك الشخصيته الحالمة والشفافة والمعجونة بصبر هو رديف لذاك الحلم والطموح الذي دفع الفنان لترك التدريس ثم السفر لاستكمال دراسته في بلد لازال يرسم ويكافح فيه إلى الآن.
حسين صقور الفينيق - فنان وباحث تشكيلي